أم البراء بنت صفوان بن هلال
شاعرة، ذات لسان فصيح، ومنطق مبين، اشتركت في صفين، وحثت على قتال معاوية بن أبي سفيان. استأذنت عليه يوماً فأذن لها فدخلت في ثلاثة دروع تسحبها، قد كارت على رأسها كوراً كهيئة المنسف، فسلمت ثم جلست، فقال: كيف أنت يا بنت صفوان، قالت: بخير يا أميرالمؤمنين، قال: فكيف حالك؟ قالت: ضعفت بعد جلد وكسلت بعد نشاط، قال: سيان بينك اليوم، وحين تقولين:
يا عمرو دونك صارماً ذا رونق غضب المهزة ليس بالخوار
أسرج جوادك مسرعاً ومشمراً للحرب غير معرّد لفرار
أجب الإمام ودبّ تحت لوائه وافر العدوّ بصارم بتّار
يا ليتني أصبحت ليس بعورة فأذبّ عنه عساكر الفجار
قالت: قد كان ذاك يا أميرالمؤمنين، ومثلك عفا، والله تعالى يقول: عفا الله عما سلف. قال: هيهات أما إنّه لو عاد لعدت ولكن اخترم دونك، فكيف قولك حين قتل؟ قالت: نسيته يا أميرالمؤمنين، فقال بعض جلسائه، هو الله حين تقول يا أميرالمؤمنين:
يا للرجال لعظم هول مصيبة فدحت فليس مصابها بالهازل
الشمس كاسفة لفقد إمامنا خير الخلائق والإمام العادل
يا خير من ركب المطيَّ ومن مشى فوق التراب المحتفٍ أو ناعل
حاشا النبي لقد هددت قواءنا فالحق أصبح خاضعاً للباطل
فقال معاوية: قاتلك الله يا بنت صفوان، ما تركت لقائل مقالاً، اذكري حاجتك، قالت: هيهات بعد هذا، والله لا سألتك شيئاً، ثم قامت فعثرت فقالت: تعس شانئ عليٍّ. فقال: يا بنت صفوان، زعمت أن لا، قالت: هو ما علمت، فلما كان الغد بعث إليها بكسوة فاخرة، ودراهم كثيرة، وقال: إذا أنا ضيعت الحلم فمن يحفظه؟.
(أعلام النساء 1/ 122. بلاغات النساء / 75. شاعرات العرب / 29. منتهى المقال / 366.)