العتبة العلوية المقدسة - احتجاجه على المدعي التناقض في ايات القران -
» » سيرة الإمام » الامام علي والقران » احتجاجه على المدعي التناقض في ايات القران

 

احتجاجه على المدعي التناقض في ايات القران
* - عن عبيد الله عبيد ، عن أبي معمر السعداني أن رجلا أتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين إني قد شككت في كتاب الله المنزل ، قال له علي عليه السلام : ثكلتك أمك ، وكيف شككت في كتاب الله المنزل ؟ قال : لأني وجدت الكتاب يكذب بعضه بعضا ، فكيف لا أشك فيه ، فقال علي بن أبي طالب عليه السلام : إن كتاب الله ليصدق بعضه بعضا ، ولا يكذب بعضه بعضا ، ولكنك لم ترزق عقلا تنتفع به فهات ما شككت فيه من كتاب الله عز وجل . قال له الرجل : إني وجدت الله يقول : فاليوم ننسيهم كما نسوا لقاء يومهم هذا  وقال أيضا : نسوا الله فنسيهم وقال : وما كان ربك نسيا فمرة يخبر أنه ينسى ، ومرة يخبر أنه لا ينسى ، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال : هات ما شككت فيه أيضا ؟ قال : وأجد الله يقول : يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا  وقال : وقد استنطقوا فقالوا : والله ربنا ما كنا مشركين وقال : ويوم القيمة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا وقال : إن ذلك لحق تخاصم أهل النار وقال : لا تختصموا لدى وقد قدمت إليكم بالوعيد وقال : اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون فمرة يخبر [ أنهم يتكلمون ، ومرة ] أنهم لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ، ومرة يخبر أن الخلق لا ينطقون ، ويقول عن مقالتهم : والله ربنا ما كنا مشركين ومرة يخبر أنهم يختصمون ، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين ؟ وكيف لا أشك فيما تسمع ؟ قال : هات ويحك ما شككت فيه . قال : وأجد الله عز وجل يقول : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ويقول : لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير ويقول : ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى ويقول : يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون ، به علما ومن أدركته الابصار فقد أحاط به العلم ، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين ؟ وكيف لا أشك فيما تسمع ، قال : هات أيضا ويحك ما شككت فيه . قال : وأجد الله تبارك وتعالى يقول : وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي باذنه ما يشاء وقال : وكلم الله موسى تكليما وقال : وناداهما ربهما وقال : يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك وقال : يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك فأنى ذلك يا أمير المؤمنين ؟ وكيف لا أشك فيما تسمع ؟ قال : هات ويحك ما شككت فيه . قال : وأجد الله جل جلاله يقول : هل تعلم له سميا وقد يسمى الانسان سميعا بصيرا وملكا وربا فمرة يخبر أن له أسامي كثيرة مشتركة ، ومرة يقول : هل تعلم له سميا فأنى ذلك يا أمير المؤمنين ؟ وكيف لا أشك فيما تسمع ؟ قال : هات ويحك ما شككت فيه . قال : ووجدت الله تبارك اسمه يقول : وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ويقول : ولا ينظر إليهم يوم القيمة ولا يزكيهم ويقول : كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون كيف ينظر إليهم من يحجب عنه ، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين ؟ وكيف لا أشك فيما تسمع ؟ قال : هات ويحك أيضا ما شككت فيه . قال : وأجد الله عز ذكره يقول : أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور وقال : الرحمن على العرش استوى وقال : وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم وقال : إنه هو الظاهر والباطن وهو معكم أينما كنتم وقال : ونحن أقرب إليه من حبل الوريد فأنى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع ؟ قال : هات أيضا ويحك ما شككت فيه . قال : وأجد الله جل ثناؤه يقول : وجاء ربك والملك صفا صفا وقال : ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وقال : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقال : هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا فمرة يقول : يأتي ربك ، ومرة يقول : يوم يأتي بعض آيات ربك ، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين ؟ وكيف لا أشك فيما تسمع ؟ قال : هات ويحك ما شككت فيه . قال : وأجد الله جل جلاله يقول : بلهم بلقاء ربهم كافرون وذكر المؤمنين فقال : الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون وقال : تحيتهم يوم يلقونه سلام وقال : من كان يرجوا لقاء الله فان أجل الله لآت وقال : من كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا فمرة يخبر أنهم يلقونه ، ومرة يخبر أنه لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار ومرة يقول : ولا يحيطون به علما فأنى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع ؟ قال : هات ويحك ما شككت فيه . قال : وأجد الله تبارك وتعالى يقول : ورأي المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها وقال : يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين وقال : ويظنون بالله الظنونا فمرة يخبر أنهم يظنون ومرة يخبر أنهم يعلمون ، والظن شك ، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين ؟ وكيف لا أشك فيما تسمع ؟ قال : ويحك هات ما شككت فيه . قال : وأجد الله تعالى ذكره يقول : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون وقال : الله يتوفى الأنفس حين موتها وقال : توفته رسلنا وهم لا يفرطون وقال : الذين تتوفاهم الملائكة طيبين وقال : الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فأنى ذلك يا أمير المؤمنين ؟ وكيف لا أشك فيما تسمع ؟ وقد هلكت إن لم ترحمني وتشرح لي صدري فيما عسى أن يجري ذلك على يديك فإن كان الرب تبارك وتعالى حقا والكتاب حقا ، والرسل حقا ، فقد هلكت وخسرت ، وإن تكن الرسل باطلا فما على بأس ، وقد نجوت ، فقال علي عليه السلام : قدوس ربنا قدوس ، تبارك وتعالى علوا كبيرا ، نشهد أنه هو الدائم الذي لا يزول ، ولا نشك فيه ، وليس كمثله شئ وهو السميع البصير ، وأن الكتاب حق ، والرسل حق ، وأن الثواب والعقاب حق ، فان رزقت زيادة إيمان أو حرمته فان ذلك بيد الله إن شاء رزقك ، وإن شاء حرمك ذلك ولكن سأعلمك ما شككت فيه ، ولا قوة إلا بالله ، فان أردا الله بك خيرا أعلمك بعلمه ، وثبتك ، وإن يكن شرا ضللت وهلكت . أما قوله : نسوا الله فنسيهم إنما يعني نسوا الله في دار الدنيا لم يعملوا بطاعته فنسيهم في الآخرة أي لم يجعل لهم في ثوابه شيئا ، فصاروا منسيين من الخير ، وكذلك تفسير قوله عز وجل : فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا يعني بالنسيان أنه لم يثبهم كما يثيب أولياءه الذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين ، حين آمنوا به وبرسله ، وخافوه بالغيب . وأما قوله : وما كان ربك نسيا فان ربنا تبارك وتعالى علوا كبيرا ليس بالذي ينسى ولا يغفل ، بل هو الحفيظ العليم ، وقد يقول العرب في باب النسيان ، قد نسينا فلان ، فلا يذكرنا ، أي أنه لا يأمر لهم بخير ولا يذكرهم به ، فهل فهمت ما ذكر الله عز وجل ؟ قال : نعم فرجت عني فرج الله عنك وحللت عني عقدة ، فعظم الله أجرك . قال : وأما قوله : يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا وقوله : والله ربنا ما كنا مشركين وقوله : يوم القيمة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا وقوله : إن ذلك لحق تخاصم أهل النار وقوله : لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد وقوله : اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون فان ذلك في مواطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة . يجمع الله عز وجل الخلائق يومئذ في مواطن يتفرقون ، ويكلم بعضهم بعضا ، ويستغفر بعضهم لبعض ، أولئك الذين كان منهم الطاعة في دار الدنيا من الرؤسا والاتباع ، ويلعن أهل المعاصي الذين بدت منهم البغضاء ، وتعاونوا على الظلم والعدوان في دار الدنيا المستكبرين والمستضعفين يكفر بعضهم ببعض ، ويلعن بعضهم بعضا ، والكفر في هذه الآية البراءة ، يقول : فيبرأ بعضهم من بعض ، ونظيرهافي سورة إبراهيم عليه السلام قول الشيطان : إني كفرت بما أشركتمون من قبل وقول إبراهيم خليل الرحمن كفرنا بكم يعني تبرأنا منكم . ثم يجتمعون في موطن آخر يبكون فيه فلو أن تلك الأصوات بدت لأهل الدنيا لأذهلت جميع الخلق عن معايشهم ، ولتصدعت قلوبهم إلا ما شاء الله ، فلا يزالون يبكون الدم . ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه فيقولون : والله ربنا ما كنا مشركين فيختم الله تبارك وتعالى على أفواههم ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود ، فتشهد بكل معصية كانت منهم ، ثم يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ . ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيفر بعضهم من بعض فذلك قوله عز وجل : يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه فيستنطقون فلا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا فيقوم الرسل صلى الله عليهم فيشهدون في هذا الموطن ، فذلك قوله تعالى : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا . ثم يجتمعون في موطن آخر فيكون فيه مقام محمد صلى الله عليه وآله وهو المقام المحمود فيثني على الله تبارك وتعالى بما لم يثن عليه أحد قبله ، ثم يثني على الملائكة كلهم ، فلا يبقي ملك إلا أثنى عليه محمد صلى الله عليه وآله ثم يثني على الرسل بما لم يثن عليهم أحد مثله ، ثم يثني على كل مؤمن ومؤمنة يبدأ بالصديقين والشهداء ثم بالصالحين فيحمده أهل السماوات وأهل الأرض ، وذلك قوله عز وجل : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا فطوبى لمن كان له في ذلك المقام حظ ونصيب ، وويل لمن لم يكن له في ذلك المقام حظ ولا نصيب . ثم يجتمعون في موطن آخر ويدال بعضهم عن بعض ، وهذا كله قبل الحساب فإذا أخذ في الحساب شغل كل إنسان بما لديه ، نسأل الله بركة ذلك اليوم ، قال : فرجت عني فرج الله عنك يا أمير المؤمنين ، وحللت عني عقدة فعظم الله أجرك . فقال عليه السلام : : وأما قوله عز وجل : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة وقوله : لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وقوله : ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى وقوله : يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما فأما قوله : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة فان ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عز وجل بعد ما يفرغ من الحساب إلى نهر يسمى الحيوان ، فيغتسلون فيه ، ويشربون منه ، فتنضر وجوههم إشراقا ، فيذهب عنهم كل قذى ووعث ، ثم يؤمرون بدخول الجنة ، فمن هذا المقام ينظرون إلى ربهم كيف يثيبهم ، ومنه يدخلون الجنة فذلك قول الله عز وجل في تسليم الملائكة عليهم : سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين فعند ذلك أيقنوا بدخول الجنة والنظر إلى ما وعدهم ربهم فذلك قوله : إلى ربها ناظرة وإنما يعني بالنظر إليه النظر إلى ثوابه تبارك وتعالى . وأما قوله : لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار فهو كما قال : لا تدركه الابصار ولا تحيط به الأوهام ، وهو يدرك الابصار ، يعني يحيط بها ، وهو اللطيف الخبير ، وذلك مدح امتدح به ربنا نفسه تبارك وتعالى وتقدس علوا كبيرا ، وقد سأل موسى عليه السلام وجرى على لسانه من حمد الله عز وجل رب أرني أنظر إليك فكانت مسألة تلك أمرا عظيما ، وسأل أمرا جسيما ، فعوقب فقال الله تبارك وتعالى :  لن تراني في الدنيا حتى تموت فتراني في الآخرة ولكن إن أردت أن تراني في الدنيا فانظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني . فأبدى الله جل ثناؤه بعض آياته ، وتجلى ربنا تبارك للجبل ، فتقطع الجبل فصار رميما وخر موسى صعقا ثم أحياه الله وبعثه ، فقال : سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين يعني أول مؤمن آمن بك منهم أنه لن يراك . وأما قوله : ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى يعني محمدا حيث لا يجاوزها خلق من خلق الله ، وقوله في آخر الآية : ما زاغ البصر وما طغى لقد رآى من آيات ربه الكبرى رأى جبرئيل عليه السلام في صورته مرتين هذه المرة ، ومرة أخرى ، وذلك أن خلق جبرئيل عليه السلام عظيم ، فهو من الروحانيين الذين لا يدرك خلقهم وصفتهم ، إلا الله رب العالمين وأما قوله : يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما لا تحيط الخلائق بالله عز وجل علما إذا هو تبارك وتعالى جعل على أبصار القلوب الغطاء فلا فهم يناله بالكيف ولا قلب يثبته بالحدود ، فلا نصفه إلا كما وصف نفسه ، ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ، الأول والآخر ، والظاهر والباطن ، الخالق البارئ المصور ، خلق الأشياء فليس من الأشياء شئ مثله ، تبارك وتعالى فقال : فرجت عني فرج الله عنك ، وحللت عني عقدة فأعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين . [ فقال عليه السلام : ] وأما قوله : وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي باذنه ما يشاء وقوله : وكلم الله موسى تكليما وقوله : وناداهما ربهما وقوله : يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة فأما قوله : ما كان لبشر ان يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب ما ينبغي لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا ، وليس بكائن إلا من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي باذنه ما يشاء ، كذلك قال الله تبارك وتعالى علوا كبيرا قد كان الرسول يوحى إليه من رسل السماء ، فتبلغ رسل السماء رسل الأرض ، وقد كان الكلام بين رسل أهل الأرض وبينه من غير أن يرسل بالكلام مع رسل أهل السماء وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا جبرئيل هل رأيت ربك ؟ فقال جبرئيل عليه السلام : إن ربى لا يرى . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : فمن أين تأخذ الوحي ؟ فقال : آخذه من إسرافيل ، فقال : ومن أين يأخذه إسرافيل ؟ قال : يأخذه من ملك فوقه من الروحانيين ، قال : فمن أين يأخذه ذلك الملك ؟ قال : يقذف في قلبه قذفا . فهذا وحي ، وهو كلام الله عز وجل ، وكلام الله ليس بنحو واحد ، منه ما كلم الله به الرسل ، ومنه ما قذفه في قلوبهم ، ومنه رؤيا يريها الرسل ، ومنه وحي وتنزيل يتلى ويقرأ فهو كلام الله ، فاكتف بما وصفت لك من كلام الله ، فان معنى كلام الله ليس بنحو واحد ، فإنه منه ما تبلغ منه رسل السماء رسل الأرض . قال : فرجت عني فرج الله عنك ، وحللت عني عقدة ، فعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين . [ فقال عليه السلام : ] وأما قوله : هل تعلم له سميا فان تأويله هل تعلم له أحدا اسمه الله ، غير الله تبارك وتعالى ، فإياك أن تفسر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء ، فإنه رب تنزيل يشبه بكلام البشر ، وهو كلام الله ، وتأويله لا يشبه كلام البشر ، كما ليس شئ من خلقه يشبهه ، كذلك لا يشبه فعله تعالى شيئا من أفعال البشر ، ولا يشبه شئ من كلامه بكلام البشر ، فكلام الله تبارك وتعالى صفته ، وكلام البشر أفعالهم ، فلا تشبه كلام الله بكلام البشر ، فتهلك وتضل قال : فرجت عني فرج الله عنك وحللت عني عقدة ، فعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين . قال عليه السلام : وأما قوله : وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء كذلك ربنا لا يعزب عنه شئ ، وكيف يكون من خلق الأشياء لا يعلم ما خلق ، وهو الخلاق العليم . وأما قوله : لا ينظر إليهم يوم القيمة يخبر أنه لا يصيبهم بخير وقد يقول العرب : والله ما ينظر إلينا فلان ، وإنما يعنون بذلك أنه لا يصيبنا منه بخير ، فذلك النظر ههنا من الله تبارك وتعالى إلى خلقه ، فنظره إليهم رحمة لهم قال : فرجت عني فرج الله عنك ، وحللت عني عقدة ، فعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين . فقال عليه السلام : وأما قوله : كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فإنما يعني بذلك يوم القيامة ، أنهم عن ثواب ربهم يومئذ لمحجوبون ، وقوله : أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور وقوله : وهو الله في السماوات وفي الأرض وقوله : الرحمن على العرش استوى وقوله : وهو معكم أينما كنتم وقوله : ونحن أقرب إليه من حبل الوريد فكذلك الله تبارك وتعالى سبوحا قدوسا أن يجري منه ما يجري من المخلوقين ، وهو اللطيف الخبير ، وأجل وأكبر أن ينزل به شئ مما ينزل بخلقه ، شاهد لكل نجوى ، وهو الوكيل على كل شئ ، والمنير لكل شئ والمدبر للأشياء كلها تعالى الله عن أن يكون على عرشه علوا كبيرا ، وأما قوله : وجاء ربك والملك صفا صفا وقوله : ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وقوله :  هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقوله : هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك فان ذلك حق كما قال الله عز وجل وليس له جيئة كجيئة الخلق ، وقد أعلمتك أن رب شئ من كتاب الله تأويله على غير تنزيله ، ولا يشبه كلام البشر ، وسأنبئك بطرف منه ، فتكتفي إنشاء الله . من ذلك ، قول إبراهيم عليه السلام : إني ذاهب إلى ربي سيهدين فذهابه إلى ربه توجهه إليه عبادة واجتهادا ، وقربة إلى الله جل وعز ، ألا ترى أن تأويله غير تنزيله ، وقال : وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد يعني السلاح وغير ذلك . وقوله : هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة يخبر محمدا صلى الله عليه وآله عن المشركين والمنافقين الذين لم يستجيبوا لله ولرسوله ، فقال : هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة حيث لم يستجيبوا لله ولرسوله أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يعني بذلك العذاب في دار الدنيا كما عذب القرون الأولى ، فهذا خبر يخبر به النبي صلى الله عليه وآله عنهم .ثم قال : يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا يعني من قبل أن تجئ هذه الآية ، وهذا الآية طلوع الشمس من مغربها ، وإنما يكتفي أولوا الألباب والحجى وأولوا النهى أن يعلموا أنه إذا انكشف الغطاء رأوا ما يوعدون ، وقال في آية أخرى : فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا يعني أرسل عليهم عذابا ، وكذلك إتيانه بنيانهم وقال الله عز وجل : فأتى الله بنيانهم من القواعد فاتيانه بنيانهم من القواعد إرسال العذاب ، وكذلك ما وصف من أمر الآخرة تبارك اسمه وتعالى علوا كبيرا وتجري أموره في ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة ، كما تجري أموره في الدنيا ، لا يلعب ولا يأفل مع الآفلين فاكتف بما وصفت لك من ذلك مما جال في صدرك مما وصف الله عز وجل في كتابه ولا تجعل كلامه ككلام البشر هو أعظم وأجل وأكرم وأعز ، وتبارك وتعالى من أن يصفه الواصفون ، إلا بما وصف نفسه في قوله عز وجل : ليس كمثله شئ وهو السميع البصير قال : فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك ، وحللت عني عقدة . [ فقال عليه السلام : ] وأما قوله : بلهم بلقاء ربهم كافرون وذكره المؤمنين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وقوله لغيرهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وقوله : فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا فأما قوله : بلهم بلقاء ربهم كافرون يعني البعث ، فسماه الله عز وجل لقاءه ، وكذلك ذكره المؤمنين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم يعني يوقنون أنهم يبعثون ويحشرون ، ويحاسبون ، ويجزون بالثواب والعقاب ، والظن ههنا اليقين ، وكذلك قوله : فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا وقوله : فمن كان يرجوا لقاء الله فان أجل الله لآت يعني فمن كان يؤمن بأنه مبعوث فان وعد الله لآت من الثواب والعقاب ، فاللقاء ههنا ليس بالرؤية واللقاء هو البعث ، فافهم جميع ما في كتاب الله من لقائه فإنه يعني بذلك البعث وكذلك قوله : تحيتهم يوم يلقونه سلام يعني أنه لا يزول الايمان عن قلوبهم يوم يبعثون ، قال : فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك ، فقد حللت عني عقدة . [ فقال عليه السلام : ] وأما قوله : ورأي المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها يعني أيقنوا أنهم داخلوها ، وأما قوله : إني ظننت أني ملاق حسابيه وقوله : يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين وقوله للمنافقين : ويظنون بالله الظنونا فان قوله : إني ظننت أني ملاق حسابيه يقول : إني ظننت أني أبعث فأحاسب لقوله : ملاق حسابيه وقوله للمنافقين : يظنون بالله الظنونا فهذا الظن ظن شك ، فليس الظن ظن يقين ، والظن ظنان : ظن شك ، وظن يقين ، فما كان من أمر معاد من الظن فهو ظن يقين ، وما كان من أمر الدنيا فهو ظن شك ، فافهم ما فسرت لك ، قال : فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك . [ فقال عليه السلام : ] وأما قوله تبارك وتعالى : ونضع الموازين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا فهو ميزان العدل يؤخذ به الخلائق يوم القيامة يدين الله تبارك وتعالى الخلق بعضهم من بعض بالموازين ، وفي غير هذا الحديث الموازين هم الأنبياء والأوصياء عليهم السلام : ، وقوله عز وجل : فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا فان ذلك خاصة . وأما قوله : فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب فان رسول الله صلى الله عليه وآله قال : قال الله عز وجل : لقد حقت كرامتي أو قال : مودتي لمن يراقبني ويتحاب بجلالي ، إن وجوههم يوم القيامة من نور ، على منابر من نور عليهم ثياب خضر ، قيل : من هم يا رسول الله ؟ قال : قوم ليسوا بأنبياء ولا شهداء ولكنهم تحابوا بجلال الله ، ويدخلون الجنة بغير حساب ، نسأل الله أن يجعلنا منهم برحمته . وأما قوله : فمن ثقلت موازينه ومن خفت موازينه فإنما يعني الحساب بوزن الحسنات والسيئات ، والحسنات ثقل الميزان ، والسيئات خفة الميزان . وأما قوله : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم وقوله : الله يتوفى الأنفس حين موتها وقوله : توفته رسلنا وهم لا يفرطون وقوله : الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم وقوله : الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم فان الله تبارك وتعالى يدبر الأمور كيف يشاء ، ويوكل من خلقه من يشاء بما يشاء ، أما ملك الموت فان الله عز وجل يوكله بخاصة من يشاء من خلقه ، ويوكل رسله من الملائكة خاصة بما يشاء من خلقه تبارك وتعالى ، والملائكة الذين سماهم الله عز وجل وكلهم بخاصة من يشاء من خلقه تبارك وتعالى ، يدبر الأمور كيف يشاء ، وليس كل العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسره لكل الناس ، لان منهم القوي والضعيف ولان منه ما يطاق حمله ومنه ما لا يطاق حمله إلا أن يسهل الله له حمله ، وأعانه عليه من خاصة أوليائه ، وإنما يكفيك أن تعلم أن الله المحيي المميت ، وأنه يتوفى الأنفس على يدي من يشاء من خلقه من ملائكته وغيرهم ، قال : فرجت عني يا أمير المؤمنين أنفع الله المسلمين بك . فقال علي عليه السلام للرجل : لئن كنت قد شرح الله صدرك بما قد بينت لك فأنت والذي فلق الحبة وبرء النسمة من المؤمنين حقا ، فقال الرجل : يا أمير - المؤمنين كيف لي بأن أعلم أني من المؤمنين حقا ؟ قال : لا يعلم ذلك إلا من أعلمه الله على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وشهد له رسول الله صلى الله عليه وآله بالجنة أو شرح الله صدره ليعلم ما في الكتب التي أنزلها الله عز وجل على رسله وأنبيائه . قال : يا أمير المؤمنين ومن يطيق ذلك ؟ قال : من شرح الله صدره ووفقه له ، فعليك بالعمل لله في سر أمرك وعلانيتك ، فلا شئ يعدل العمل .
* - عن جابر عن أبي الزبير أن نداء ابن مرثد الخثعمي كانت صورته : يا أهل الشام ألا إن أمير المؤمنين عليه السلام يقول لكم : إني قد استأنيت بكم لتراجعوا الحق وتنيبوا إليه واحتججت عليكم بكتاب الله ودعوتكم إليه فلم تتناهوا عن طغيان ولم تجيبوا إلى حق فإني قد نبذت إليكم على سواء إن الله لا يحب الخائنين (شرح ابن أبي الحديد على المختار : ( 51 ) من شرحه : ج 1 ، ص 757) .