مدّة بقاء فاطمة بعد رسول اللَّه
*- روي: أنّ فاطمة عليهاالسلام توفّيت و لها ثمان عشرة سنة و شهران، و أقامت بعد النبيّ صلى اللَّه عليه و آله خمسة و سبعين يوماً. و روي: أربعين يوماً. و تولّى غسلها و تكفينها أميرالمؤمنين عليه السلام، و أخرجها و معه الحسن والحسين عليهماالسلام في الليل، و صلّوا عليها و لم يعلم بها أحد، و دفنها في البقيع، و جدّد أربعين قبراً، فاستشكل على الناس قبرها. فأصبح الناس و لام بعضهم بعضاً، و قالوا: إنّ نبيّنا صلى اللَّه عليه و آله خلّف بنتاً، و لم نحضر وفاتها، والصلاة عليها و دفنها، و لا نعرف قبرها فنزورها!! فقال من تولّى الأمر: هاتوا من نساء المسلمين من تنبش هذه القبور حتّى نجد فاطمة، فنصلّي عليها و نزور قبرها!! فبلغ ذلك أميرالمؤمنين عليه السلام، فخرج مغضباً قد احمرّت عيناه، و قد تقلّد سيفه ذاالفقار حتّى بلغ البقيع، و قد اجتمعوا فيه. فقال عليه السلام: لو نبشتم قبراً من هذه القبور لوضعت السيف فيكم. فتولّى القوم عن البقيع.
*- اختلفت الروايات في وقت وفاتها عليهاالسلام: ففي رواية: أنّها بقيت بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله شهرين. و في رواية: ثلاثة أشهر. و في رواية: مائة يوم. و في رواية: ثمانية أشهر.
*- عن العاصميّ بإسناده عن محمّد بن عمر، قال: توفّيت فاطمة عليهاالسلام بنت محمّد صلى اللَّه عليه و آله لثلاث ليال خلون من شهر رمضان، و هي بنت تسع و عشرين، أو نحوها. و ذكر أبوعبداللَّه بن مندة الإصفهاني في كتاب المعرفة: أنّ عليّاً عليه السلام تتزوّج فاطمة عليهاالسلام بالمدينة بعد سنة من الهجرة. و بنى بها بعد ذلك بنحو سنة، و ولدت لعليّ عليه السلام: الحسن والحسين والمحسن و اُمّ كلثوم الكبرى و زينب الكبرى عليهم السلام. و قال محمّد بن إسحاق: توفّيت ولها ثمان و عشرون سنة. و قيل: سبع و عشرون سنة. و في رواية: أنّها ولدت على رأس سنة إحدى و أربعين من مولد النبيّ صلى اللَّه عليه و آله، فيكون سنّها على هذا ثلاثاً و عشرين. والأكثر على أنّها كانت بنت تسع و عشرين، أو ثلاثين عليهاالسلام.
و عن سيّد الحفّاظ أبي منصور الديلمي بإسناده: أنّ عبداللَّه بن الحسن دخل على هشام بن عبدالملك و عنده الكبيّ. فقال هشام لعبداللَّه بن الحسن: يا أبامحمّد! كم بلغت فاطمة عليهاالسلام بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله من السنّ؟ فقال بلغت ثلاثين. فقال للكلبيّ: ما تقول؟ قال: بلغت خمساً و ثلاثين. فقال عبداللَّه: يا أميرالمؤمنين!! سلني عن اُمّي، فأنا أعلم بها، وسل الكلبي عن اُمّه فهو أعلم بها. (البحار: 43/ 213).
*- ذكر وهب بن منبّه، عن ابن عبّاس: أنّها عليهاالسلام بقيت أربعين يوماً بعده.
و في رواية: ستّة أشهر- وساق ابن عبّاس الحديث-... إلى أن قال: لمّا توفّيت عليهاالسلام شقّت أسماء جيبها و خرجت فتلقّاها الحسن والحسين عليهماالسلام، فقالا: أين اُمّنا؟ فسكتت، فدخلا البيت فإذا هي ممتدّة.
فحرّكها الحسين عليه السلام فإذا هي ميتة، فقال: يا أخاه! آجرك اللَّه في الوالدة. و خرجا يناديان: يا محمّداه! يا أحمداه! اليوم جدّد لنا موتك إذ ماتت اُمّنا. ثمّ أخبرا عليّاً عليه السلام و هو في المسجد، فغشي عليه حتّى رشّ عليه الماء. ثمّ أفاق فحملهما حتّى أدخلهما بيت فاطمة عليهاالسلام، و عند رأسها أسماء تبكي و تقول: و ايتامى محمّد! كنّا نتعزّى بفاطمة عليهاالسلام بعد موت جدّكما، فبمن نتعزّى بعدها؟ فكشف عليّ عليه السلام عن وجهها، فإذا برقعة عند رأسها، فنظر فيها، فإذا فيها:
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله، أوصت و هي تشهد أن لا إله إلّا اللَّه، و أنّ محمّداً عبده و رسوله، و أنّ الجنّة حقّ، والنار حقّ، و أنّ الساعة آتية لا ريب فيها، و أنّ اللَّه يبعث من في القبور.
يا عليّ! أنا فاطمة بنت محمّد، زوّجني اللَّه منك لأكون لك في الدنيا والآخرة، و أنت أولى بي من غيري، حنّطني و غسّلني و كفّنّي بالليل، و صلّ عَلَيّ، وادفنّي بالليل، و لا تعلم أحداً، و استودعك اللَّه، و أقرأ على ولديّ السلام إلى يوم القيامة.
فلمّا جنّ الليل غسّلها عليّ عليه السلام و وضعها على السرير، و قال للحسن عليه السلام: ادع لي أباذرّ.
فدعاه، فحملاه إلى المصلّى، فصلّى عليها، ثمّ صلّى ركعتين و رفع يديه إلى السماء، فنادى: هذه بنت نبيّك فاطمة عليهاالسلام أخرجتها من الظلمات إلى النور، فأضاءت الأرض ميلاً في ميل. فلمّا أرادوا أن يدفنوها نودوا من بقعة من البقيع: إليّ إليّ، فقد رفع تربتها منّي. فنظروا فإذا هي بقبر محفور، فحملوا السرير إليها، فدفنوها. فجلس عليّ عليه السلام على شفير القبر، فقال: يا أرض! استودعتك وديعتي هذه بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله. فنودي منها: يا عليّ! أنا أرفق بها منك، فارجع و لا تهتمّ. فرجع و انسدّ القبر و استوى بالأرض، فلم يعلم أين كان إلى يوم القيامة.
*-قال أبوالفرج في مقاتل الطالبيّين: كانت وفاة فاطمة عليهاالسلام بعد وفاة النبيّ صلى اللَّه عليه و آله بمدّة يختلف في مبلغها. فالمكثّر يقول: ثمانية أشهر، والمقلّل يقول: أربعين يوماً، إلّا أنّ الثبت في ذلك ما روي عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهماالسلام: أنّها توفّيت بعده بثلاثة أشهر. حدّثني بذلك الحسن بن عليّ، عن الحارث، عن ابن سعد، عن الواقدي، عن عمرو بن دينار، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهماالسلام.
(البحار: 43/ 212 ح 41)