خطبة له عليه السّلام فى علّة خلق العباد و تكليفهم
لمّا علم عليه السلام انّ قوماً من اصحابهم خاضوا فى التّعديل و التّجوير فخرج حتّى صعد المنبر ، فحمد اللّه و اثنى عليه ، ثمّ قال عليه السّلم :
اَيُّهَا النَّاسُ اِنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وَ تَعالى لَمَّا خَلَقَ خَلْقَهُ اَرادَ اَنْ يَكوُنوُا عَلى ادابٍ رَفيعَةٍ ، وَ اَخْلاقٍ شَريفَةٍ ، فَعَلِمَ اَنَّهُمْ لَمْ يَكوُنوُا كَذلِكَ اِلاَّ بِاَنْ يُعَرِّفَهُمْ ما لَهُمْ وَ ما عَلَيْهِمْ ، وَ التَّعْريفُ لا يَكوُنُ اِلاَّ بِالْأَمْرِ وَ النَّهْىِ ، وَ الْأَمْرُ وَ النَّهْىُ لا يَجْتَمِعانِ اِلاَّ بِالْوَعْدِ وَ الْوَعيدِ ، وَ الْوَعْدُ لا يَكوُنُ اِلاَّ بِالتَّرْغيبِ ، وَ الْوَعيدُ لا يَكوُنُ اِلاَّ بِالتَّرْهيبِ ، وَ التَّرْغيبُ لا يَكوُنُ اِلاَّ بِما تَشْتَهيهِ اَنْفُسُهُمْ وَ تَلذُّهُ اَعْيُنُهُمْ ، وَ التَّرْهيبُ لا يَكُونُ اِلاَّ بِضِدِّ ذلِكَ .
ثُمَّ خَلَقَهُمْ فى دارِهِ ، وَ اَراهُمْ طَرْفاً مِنَ اللَّذَّاتِ ، لِيَسْتَدِلّوُا بِهِ عَلى ما وَرآئَهُمْ مِنَ اللَّذَّاتِ الْخالِصَةِ ، الّتى لا يَشوُبُها اَلَمٌ ، اَلا وَ هِىَ الْجَنَّةُ ، وَ اَراهُمْ طَرْفاً مِنَ الْألامِ ، لِيَسْتَدِلّوُا بِهِ عَلى ما وَرآئَهُمْ مِنَ الْألامِ الْخالِصَةِ ، الَّتى لا يَشُوبُها لَذَّةٌ ، اَلا وَ هِىَ النَّارُ ، فَمِنْ اَجْلِ ذلِكَ تَرَوْنَ نَعيمَ الدُّنْيا مَخْلوُطاً بِمِحَنِها ، وَ سُرُورَها مَمْزوُجاً بِكُدوُرِها وَ غُموُمِها