العتبة العلوية المقدسة - هذا ينقاد وهذا لا ينقاد -
» سيرة الإمام » » المناسبات » من سيرة الامام الصادق عليه السلام » العقائد » هذا ينقاد وهذا لا ينقاد

هذا ينقاد وهذا لا ينقاد

*عن يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فورد عليه رجل من أهل الشام، فقال: إني رجل صاحب كلام وفقه وفرائض، وقد جئت لمناظرة أصحابك. فقال أبو عبد الله  عليه السلام كلامك من كلام رسول الله  صلى الله عليه وآله أو من عندك ؟ فقال: من كلام رسول الله  صلى الله عليه وآله ومن عندي، فقال له أبو عبد الله  عليه السلام: فأنت إذا شريك رسول الله صلى الله عليه وآله  ؟ قال: لا. قال: فسمعت الوحي عن الله عزوجل يخبرك ؟ قال: لا، قال: فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لا، قال: فالتفت أبو عبد الله عليه السلام إلي فقال: يا يونس بن يعقوب هذا قد خصم نفسه قبل أن يتكلم، ثم قال: يا يونس لو كنت تحسن الكلام كلمته. قال يونس: فيالها من حسرة، فقلت: جعلت فداك إني سمعتك تنهى عن الكلام وتقول: ويل لاصحاب الكلام يقولون: هذا ينقاد وهذا لا ينقاد، وهذا ينساق وهذا لا ينساق، وهذا نعقله وهذا لا نعقله. فقال أبو عبد الله  عليه السلام: إنما قلت: ويل لهم إن تركوا ما أقول وذهبوا إلى ما يريدون، ثم قال لي: اخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلمين فأدخله، قال: فأدخلت حمران بن أعين  وكان يحسن الكلام وأدخلت الاحوال  وكان يحسن الكلام وأدخلت هشام بن سالم  وكان يحسن الكلام وأدخلت قيس بن الماصر وكان عندي أحسنهم كلاما وكان قد تعلم الكلام من علي بن الحسين عليه السلام. فلما استقر بنا المجلس  وكان أبو عبد الله  عليه السلام  قبل الحج يستقر أياما في جبل في طرف الحرم في فازة له مضروبة  قال: فأخرج أبو عبد الله  عليه السلام  رأسه من فازته، فإذا هو ببعير يخب، فقال: هشام ورب الكعبة، قال: فظننا أن هشاما رجل من ولد عقيل كان شديد المحبة له. قال: فورد هشام بن الحكم وهو أول ما اختطت لحيته، وليس فينا إلا من هو أكبر سنا منه، قال: فوسع له أبو عبد الله عليه السلام وقال: ناصرنا بقبله ولسانه ويده، ثم قال: يا حمران كلم الرجل، فكلمه فظهر عليه حمران، ثم قال: يا طاقي كلمه، فكلمه فظهر عليه الاحول، ثم قال: يا هشام بن سالم كلمه، فتعارفا، ثم قال أبو عبد الله  عليه السلام لقيس الماصر: كلمه، فكلمه، فأقبل أبو عبد الله  عليه السلام  يضحك من كلامهما مما قد أصاب الشامي. ثم قال للشامي: كلم هذا الغلام يعني هشام بن الحكم  فقال: نعم، فقال الشامي لهشام: يا غلام سلني في إمامة هذا، فغضب هشام حتى ارتعد ثم قال للشامي: يا هذا أربك أنظر لخلقه أم خلقه لانفسهم ؟ فقال الشامي: بل ربي أنظر لخلقه، قال: ففعل بنظره لهم ماذا ؟ قال: أقام لهم حجة ودليلا كي لا يتشتتوا و  يختلفوا، يتألفهم ويقيم أودهم ويخبرهم بفرض ربهم، قال: فمن هو ؟ قال: رسول  صلى الله عليه وآله. قال هشام: فبعد رسول الله صلى الله عليه وآله من ؟ قال: الكتاب والسنة. قال هشام: فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة في رفع الاختلاف عنا ؟ قال الشامي: نعم، قال: فلم اختلفنا أنا وأنت وصرت إلينا من الشام في مخالفتنا إياك ؟ قال: فسكت الشامي. فقال أبو عبد الله عليه السلام للشامي: مالك لا تتكلم قال الشامي: إن قلت لم نخالف كذبت، وإن قلت: إن الكتاب والسنة يرفعان عنا الاختلاف أبطلت، لانهما يحتملان الوجوه وإن قلت: قد اختلفنا وكل واحد منا يدعي الحق فلم ينفعنا إذن الكتاب والسنة إلا أن لي عليه هذه الحجة، فقال أبو عبد الله عليه السلام: سله تجده مليا. فقال الشامي: يا هذا من أنظر للحق أربهم أو أنفسهم ؟ فقال هشام: ربهم أنظر لهم من أنفسهم، فقال الشامي: فهل أقام لهم من يجمع لهم كلمتهم ويقيم أودهم ويخبرهم بحقهم من باطلهم ؟ قال هشام: في وقت رسول الله صلى الله عليه وآله  أو الساعة ؟ قال الشامي: في وقت رسول الله  صلى الله عليه وآله  رسول الله والساعة من ؟ فقال هشام: هذا القاعد الذي تشد إليه الرحال، ويخبرنا بأخبار السماء والارض وراثة عن أب عن جد. قال الشامي: فكيف لي أن أعلم ذلك ؟ قال هشام: له عما بدا لك، قال الشامي: قطعت عذري فعلي السؤال. فقال أبو عبد الله  عليه السلام: يا شامي: اخبرك كيف كان سفرك ؟ وكيف كان طريقك ؟ كان كذا وكذا، فأقبل الشامي يقول: صدقت، أسلمت لله الساعة. فقال أبو عبد الله  عليه السلام: بل آمنت بالله الساعة، إن الاسلام قبل الايمان وعليه يتوارثون ويتناكحون، والايمان عليه يثابون، فقال الشامي: صدقت، فأنا الساعة أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله  وأنك وصي الاوصياء. ثم التفت أبو عبد الله  عليه السلام  إلى حمران، فقال: تجري الكلام على الاثر فتصيب، والتفت إلى هشام بن سالم فقال: تريد الاثر ولا تعرفه، ثم التفت إلى الاحول فقال: قياس رواغ  تكسر باطلا بباطل إلا أن باطلك أظهر ثم التفت إلى قيس الماصر، فقال: تتكلم وأقرب ما يكون من الخبر عن رسول الله  صلى الله عليه وآله  أبعد ما يكون منه، وتمزج الحق مع الباطل وقليل الحق يكفي عن كثير الباطل، أنت والاحول قفازان حاذقان. قال يونس: فظننت والله أن  يقول لهشام قريبا  مما قال لهما، ثم قال يا هشام لا تكاد تقع تلوي رجليك  إذا هممت بالارض طرت، مثلك فليكم الناس، فاتق الزلة، والشفاعة من ورائها إن شاء الله.. ([1])

 



([1])الارشاد للمفيد: 278، الكافي ج 1   ص 171