لماذا اختار الامام علي الخروج للمسجد رغم علمه بوقوع الجريمة
من الشبهات التي تطرح دائما كسؤال عند الحديث حول مقتل أمير المؤمنين عليه السلام هي علة إقدامه على القتل رغم علمه بذلك ؟
وقد اجاب علماء الشيعة رضوان الله عليهم عن هذه الشبهة بعدة اجوبة نذكرها مع ذكر المجيبين
الوجه الأول : جواب الشيخ المفيد
وهو الذي أجاب به [ Q ] عندما سئل في المسائل العكبرية إنه لا يمتنع أن يتعبد الله تعالى بالصبر على الشهادة والاستسلام للقتل ليبلغه بذلك علو الدرجات ما لا يبلغه إلا به ولعلمه إنه يطيعه في ذلك طاعة لو كلفها سواه لم يردها([1]).
الوجه الثاني : جواب العلامة الحلي
إن تكليف الإمام غير تكليفنا كما أجاب به العلامة الحلي في سؤال مهنا بن سنان : إن تكليفه عليه السلام مغاير لتكليفنا فجاز أن يكون بذل مهجته الشريفة في ذات الله تعالى كما يجب على المجاهد الثابت وإن كان ثباته يفضي إلى القتل([2]).
ويؤيد هذا الراي مارواه علي بن رئاب عن ضريس الكناسي قال سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول وعنده اناس من اصحابه وهم حوله اني لاعجب من قوم يتولونا ويجعلونا ائمة ويصفون بان طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة الله تعالى ثم ينكرون حجتهم ويخصمون انفسهم لضعف قلوبهم فينقصونا حقنا ويعيبون ذلك على من اعطاه الله برهان حق معرفتنا والتسليم لامرنا اترون ان الله افترض طاعة اولياءه على عباده ثم يخفي عنهم اخبار السماوات والارض ويقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم مما فيه قوام دينهم .
فقال له حمران : يابن رسول الله ارأيت ماكان من قيام امير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام وخروجهم وقيامهم بدين الله ومااصيبوا به من قبل الطواغيت والظفر بهم حتى قتلوا وغلبوا
ولو انهم حين نزل بهم مانزل من ذلك سألوا الله تعالى ان يرفع عنهم ذلك والحوا عليه في ازالة الطواغيت عنهم وذهاب ملكهم لكان ذلك اسرع من سلك منظوم انقطع وتبدد وماكان الذي اصابهم لذنب اقترفوه ولا لعقوبة موجبة خالفوه فيها ولكن لمنازل وكرامة من الله تعالى اراد ان يبلغوها فلا تذهب بك المذاهب([3]).
الوجه الثالث :اختار الأولى تعبدا وفرارا من المعصية
إنه عليه السلام اختار الأولى على علم منه بالقتل لأنه لو لم يختر القتل لكان عاصيا والعياذ بالله ونظيره قول الله سبحانه وتعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام [يا بني إني أرى في النام إني أذبحك ]([4]) وهل رأيت والدا يذبح ولده بل إن الحكم الظاهر حرمة ذبح الوالد لولده إلا أنه لما كان فيه تعبدا لله جاز وهو تكليف خاص بالمعصومين عليهم السلام فيصح فيه الوجه الثاني وهذا الوجه هو الأنسب بمقام أمير المؤمنين عليه السلام لأن الأنبياء والأوصياء لما ثبتت عصمتهم عندنا ما كانوا ولا كان الله ينسب إليهم عصيانا إلا بترك الأولى كما قال تعالى [ وعصى آدم ربه فغوى ]([5]) وقوله تعالى [ وذا النون إذ ذهب مغاضبا ]([6]) فإن جميع هذه المعاصي المنسوبة إليهم من باب ترك الأولى والتي هي بالمعنى الأخص التردد في الولاية .ولما كان أمير المؤمنين عليه السلام معصوما وبأشد درجات العصمة رقيا ما كان يترك حتى الأولى وهو القتل .
الإمام يعلم بساعة قتله
أما من نفى عن الإمام عليه السلام علمه بساعة القتل فليس له دليل على مدعاة بل العكس من ذلك إن الدليل دل على خلاف ما يدعي فإن الإمام عليه السلام يعلم ساعة ومكان مقتله ومن يقتله .
عن الحسن بن الجهم قال : قلت للرضا عليه السلام :
ـ إن أمير المؤمنين قد عرف قاتله والليلة التي يقتل فيها والموضع
الذي يقتل فيه وقوله لما سمع صياح الإوز في الدار صوائح تتبعها نوائح وقول أم كلثوم : لو صليت الليلة داخل الدار وأمرت غيرك يصلي بالناس فأبى عليها وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح وقد عرف بن ملجم [ لعنه الله ] قاتله بالسيف كان هذا مما لم يجز تعرضه .
الذي يقتل فيه وقوله لما سمع صياح الإوز في الدار صوائح تتبعها نوائح وقول أم كلثوم : لو صليت الليلة داخل الدار وأمرت غيرك يصلي بالناس فأبى عليها وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح وقد عرف بن ملجم [ لعنه الله ] قاتله بالسيف كان هذا مما لم يجز تعرضه .
بيان الوجوه الثلاثة
وبيان هذه الوجوه الأربعة بشكل مجمل ذوقي كالآتي :لما كان عليه السلام لا يجري فيه الحديث القدسي : ما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته .
إذ كيف يجري فيه ما هو أجراه لأنه عليه السلام آنس بالموت من الطفل الرضيع بثدي أمه وهو سيد العارفين المتشوق للقاء ربه فلما خير ـ كما مر بنا ـ بين بقاءه في دار الفساد ولقاء الله اختار لقاء الله فورا وبلا تردد منه أو من خالقه لأن خالقه ما احتاج ترددا فيه إذ هو تعالى غاية في الكمال والنقاء كما اختار إبن عمه صلى الله عليه واله وأخوه رسول الله صلى الله عليه واله الفقر على الغنى تعبدا لله وانقطاعا له وطلب رؤية ذل العبودية كما هي في قوله صلى الله عليه واله : اللهم أرني الأشياء كما هي . وأما ما ينقل من إنه ورد في بعض الأخبار إنه غاب عنه المحدث
فجواب هذا الإشكال يرد علينا عند الإطلاع على علوم أهل البيت عليهم السلام بحقائق الأشياءوليس المقام بيان ذلك.
([1])بحار الأنوار 42/259 .
([2])بحار الأنوار 42/259 .
([3])مختصر البصائر /121
([4])الصافات 102
([5]) طه 121
([6]) الأنبياء 187
([7]) أصول الكافي ج1 ص 259