كلام له عليه السّلام يصف المخلصين من اصحابه
اِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ اِذا اَحَبَّ قَوْماً تَنَسَّكوُا لَهُ فى دارِ الدُّنْيا تَنَسُّكَ مَنْ هَجَمَ عَلى ما عَلِمَ مِنْ فَزَعِ يَوْمِ الْقِيمَةِ مِنْ قَبْلِ اَنْ يُشاهِدَها فَحَمَلوُا اَنْفُسَهُمْ كُلَّ مَجْهوُدِها ، وَ كانوُا اِذا ذَكَرُوا صَباحَ يَوْمِ الْعَرْضِ عَلىَ اللَّهِ تَعالى ، تَوَهَّموُا خُرُوجَ عُنُقٍ مِنَ النَّارِ يَحْشُرُ الْخَلآئِقُ اِلى رَبِّهِمْ عَزَّ وَ جَلَّ ، وَ ظُهُورَ كِتابٍ تَبْدُو فيهِ فَضآئِحُ ذُنوُبِهِمْ فَكادَتْ اَنْفُسُهُمْ تَسيلُ سَيَلاناً ، وَ تَطيرُ قُلوُبُهُمْ بِاَجْنِحَةِ الْحَقِّ طَيَراناً ، وَ تُفارِقُهُمْ عُقوُلُهُمْ ، وَ اِذا غَلَتْ بِهِمْ مَراحِلُ الْمَرَدِّ اِلىَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ غَلَياناً ، يَحِنّوُنَ حَنينَ الْوُلاةِ فى دَجِىِّ الظُّلَمِ ، دُبُلَ الْأَجْسامِ حَزينَة قُلوُبُهُمْ ، كالِحَةً وُجوُهُهُمْ ، ذابِلَةً شِفاهُهُمْ ، خَميصَةً بُطوُنُهُمْ ، تَراهُمْ سَكْرى ، وَ لَيْسوُا بِسَكْرى ، هُمْ سُمَّارُ وَحْشِيَّةِ اللَّيالى مُتَخَشِّعُونَ ، قَدْ اَخْلَصوُا لِلَّهِ اَعْمالَهُمْ سِرّاً وَ عَلانِيَةً ، فَلَوْ رَاَيْتَهُمْ فى لَيْلِهِمْ وَ نَهارِهِمْ ، وَ قَدْ نامَتِ الْعُيوُنُ ، وَ هَدَأَتِ الْأَصْواتُ ، وَ سَكَنَتِ الْحَرَكاتُ ، مِنَ الطَّيْرِ فىِ الْوُكوُرِ وَ قَدْ نَهْنَهَهُمْ يَوْمُ الْوَعيد ، وَ ذلِكَ قَوْلُهُ تَعالى : " اَفَأَمِنَ اَهْلُ الْقُرى اَنْ يَأْتِيَهُمْ بَاْسُنا بَياتاً وَ هُمْ نآئِموُنَ " فَاسْتَفْزَعوُا لَها فَزَعاً ، يُعْوِلوُنَ مَرَّةً ، وَ يَبْكُونَ تارَةً ، وَ يُسَبِّحوُنَ لَيْلَةً ، مظْلِمَةً بَهْمآءَ .
فَلَوْ رَاَيْتَهُمْ يا اَحْنَفُ قِياماً عَلى اَطْرافِهِمْ مُنْحَنِيَةً ظُهُوُرهُمْ عَلى اَجْزآءِ الْقُرْانِ لِصَلَواتِهِمْ ، اِذا زَفَرُوا خِلْتَ النَّارَ قَدْ اَخَذَتْ مِنْهُمْ اِلى حَلاقيمِهِمْ ، وَ اِذا اَعْوَلوُا حَسِبْتَ السَّلاسِلَ قَدْ صارَتْ فى اَعْناقِهِمْ .
وَ لَوْ رَاَيْتَهُمْ فى نَهارِهِمْ اِذاً لَرَاَيْتَ قَوْماً يَمْشوُنَ عَلىَ الْأَرْضِ هَوْناً ، وَ يَقوُلوُنَ لِلنَّاسِ حُسْناً ، وَ اِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلوُنَ قالُوا سَلاماً ، وَ اِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً ، اولئِكَ يا اَحْنَفُ انْتَجَعوُا دارَ السَّلامِ الَّتى مَنْ دَخَلَها كانَ امِناً ، فَلَعَلَّكَ شَغَلَكَ يا اَحْنَفُ نَظَرُكَ اِلى وَجْهِ واحِدَةٍ يُبيدُ الْأَسْقامَ نَظارَةُ وَجْهِها ، وَ ذاتَ دارٍ قَدِ اشْتَغَلَتْ بِتَقْريبِ فِراقِها ، وَ ذاتَ سُتوُرٍ عَلَّقَتْها ، وَ الرِّياحُ وَ الْأَيَّامُ مُوَكَّلَةٌ بِتَمْزيقِها ، وَ لَيْسَتْ لَكَ دارُ الْبَقآءِ ، فَاحْتَلْ لِلدَّارِ الَّتى خَلَقَهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ بَيْضآءَ ، فَشَقَّ فيها اَنْهارَها ، وَ غَرَسَ فيها اَشْجارَها ، وَ اَظَلَّ عَلَيْها بِالنَّضيجِ مِنْ ثِمارِها ، وَ كَنَّها بِالْعَواتِقِ مِنْ حوُرِها ، ثُمَّ اَسْكَنَها اَوْلِيآءَهُ وَ اَهْلَ طاعَتِهِ ، فَاِنْ فاتَكَ يا اَحْنَفُ ما ذَكَرْتُ لَكَ فَلَتَرْفُلَنَّ فى سَرابيلِ الْقَطِرانِ ، وَ لَتَطُوفَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَميمٍ انٍ ، فَكَمْ يَوْمَئِذٍ مِنْ صُلْبٍ مَحْطوُمٍ ، وَ وَجْهٍ مَشْئوُمٍ .
وَ لَوْ رَاَيْتَ وَ قَدْ قامَ مُنادٍ يُنادى : يا اَهْلَ الْجَنَّةِ وَ نَعيمِها وَ حُلِيِّها وَ حُلَلِها خُلوُدٌ لا مَوْتَ فيها ، ثُمَّ يَلْتَفِتُ اِلى اَهْلِ النَّارِ فَيَقوُلُ : يا اَهْلَ النَّارِ يا اَهْلَ النَّارِ ، يا اَهْلَ السَّلاسِلِ وَ الْأَغْلالِ خُلوُدٌ لا مَوْتَ ، فَعِنْدَهَا انْقَطَعَ رَجآؤُهُمْ ، وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ . فَهذَا ما اَعَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِلْمُجْرِمينَ ، وَ ذلِكَ ما اَعَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِلْمُتَّقينَ .