العتبة العلوية المقدسة - الملك الصالح -
» » سيرة الإمام » الامام علي في ضمير الشعراء » ‫شعراء القرن السادس الهجري » الملك الصالح

 

 

الملك الصالح

 

أبو الغارات الملك الصالح فارس المسلمين نصير الدين طلايع بن رزيك بن الصالح الأرمني  أصله من الشيعة الإمامية في العراق كما في [أعلام الزركلي].هو من أقوام جمع الله سبحانه لهم الدنيا والدين، فحازوا شرف الدارين، وحبوا بالعلم الناجع والأمرة العادلة، بينا هو فقيه بارع كما في [خواص العصر الفاطمي] وأديب شاعر مجيد كما طفحت به المعاجم، فإذا به ذلك الوزير العادل تزدهي القاهرة بحسن سيرته، وتعيش الأمة المصرية بلطف شاكلته، وتزدان الدولة الفاطمية بأخذه بالتدابير اللازمة في إقامة الدولة وسياسة الرعية ونشر الأمن وإدامة السلام، وكان كما قال الزركلي في [الأعلام] وزيرا عصاميا يعد من الملوك، ولقب بالملك الصالح، ولقد طابق هذا اللفظ معناه كما ينبئك عنه تاريخه المجيد، فلقد كان صالحا بعلمه الغزير وأدبه الرايق، صالحا بعدله الشامل وورعه الموصوف، صالحا بسياسته المرضية وحسن مداراته مع الرعية، صالحا بسيبه الهامر ونداه الوافر، صالحا بكل فضايله وفواضله دينية ودنيوية، وقبل هذه كلها تفانيه في ولاء أئمة الدين عليهم السلام و نشر مآثرهم ودفاعه عنهم بفمه وقلمه ونظمه ونثره، وكان يجمع الفقهاء ويناظرهم في الإمامة والقدر، وكان في نصر التشيع كالسكة المحماة كما في (الخطط والشذرات).وله كتاب [الاعتماد (2) في الرد على أهل العناد] يتضمن إمامة أمير المؤمنين عليه السلام والكلام على الأحاديث الواردة فيها، وديوانه مجلدان فيه كل فن من الشعر، وقد شرح سعيد بن مبارك النحوي الكبير المتوفى سنة 569 بيتا من شعر المترجم في عشرين كراسا، وكان الأدباء يزدلفون إلى دسته كل ليلة ويدونون شعره، و العلماء يفدون إليه من كل فج فلا يخيب أمل آمل منهم، وكان يحمل إلى العلويين في المشاهد المقدسة كل سنة أموالا جزيلة وللأشراف من أهل الحرمين ما يحتاجون إليه من كسوة وغيرها حتى ألواح الصبيان التي يكتب فيها والأقلام وأدوات الكتابة ووقف ناحية (المقس) (1) لأن يكون ثلثاها على الأشراف من بني الحسنين السبطين الإمامين عليهما السلام، وتسعة قراريط منها على أشراف المدينة النبوية المنورة، وجعل قيراطا على مسجد أمين الدولة، وأوقف بلقس بالقليوبية وبركة الحبش  و جدد الجامع بالقرافة الكبرى، وبنى الجامع الذي على باب زويلة بظاهر القاهرة و يسمى بجامع الصالح، ولم يترك غزو الأفرنج مدة حياته في البر والبحر، فكانت بعوثه إليهم تترى في كل سنة ولم يزل له صدر الدست وذرى الفخر ونفوذ الأمر وعرش الملك حتى اختار الله تعالى له على ذلك كله الفوز بالشهادة وقتل غيلة في دهليز قصره سنة 556 يوم الاثنين 19 شهر الصيام ودفن في القاهرة بدار الوزارة ثم نقله ولده العادل إلى القرافة الكبرى.

 

قال يمدح امير المؤمنين عليه السلام

 

سقى الحمى ومحلا كنت أعهده * حيا بحور بصوب المزن أجوده
فإن دنى الغيث واستسقت مرابعه * ربا فدمعي بالتسكاب ينحده
يا راكب الغي دع عنك الضلال * فهذا الرشد بالكوفة الغراء مشهده
من ردت الشمس من بعد المغيب له * فأدرك الفضل والأملاك تشهده
ويوم (خم) وقد قال النبي له * بين الحضور وشالت عضده يده
: من كنت مولى هذا يكون له * مولى أتاني به أمر يؤكده
من كان يخذله فالله يخذله * أو كان يعضده فالله يعضده
والباب لما دحاه وهو في سغب * من الصيام وما يخفى تعبده
وقلقل الحصن فارتاع اليهود له * وكان أكثرهم عمدا يفنده
نادى بأعلى السما جبريل ممتدحا *: هذا الوصي وهذا الطهر أحمده
وفي الفرات حديث إذ طغى فأتى * كل إليه لخوف الهلك يقصده
فقال للماء: غض طوعا فبان لهم * حصباؤه حين وافاه يهدده
وله من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين عليه السلام:
وفي مواقف لا يحصى لها عددا * ما كان فيها برعديد ولا نكل
كم كربة لأخيه المصطفى فرجت * به وكان رهين الحادث الجلل؟!
كم بين من كان قد سن الهروب ومن * في الحرب إن زالت الأجبال لم يزل؟!
في هل أتى بين الرحمن رتبته * في جوده فتمسك يا أخي بهل
علي قال. اسألوني كي أبين لكم علمي وغير علي ذاك لم يقل
بل قال: لست بخير إذ وليتكم * فقوموني فإني غير معتدل
إن كان قد أنكر الحساد رتبته * فقد أقر له بالحق كل ولي
وفي (الغدير) له الفضل الشهير بما * نص النبي له في مجمع حفل
وقال من قصيدة أولها:
لا تبك للجيرة السارين في الظعن * ولا تعرج على الأطلال والدمن
فليس بعد مشيب الرأس من غزل * ولا حنين إلى إلف ولا سكن

 

وتب إلى الله واستشفع بخيرته * من خلقه ذي الأيادي البيض والمنن
(محمد) خاتم الرسل الذي سبقت * به بشارة قس وابن ذي يزن
يقول فيها:
فاجعله ذخرك في الدارين معتصما * له وبالمرتضى الهادي أبي الحسن
وصيه ومواسيه وناصره على * أعاديه من قيس ومن يمن
أوصى النبي إليه لا إلى أحد * سواه في (خم) والأصحاب في علن
فقال: هذا وصيي والخليفة من * بعدي وذو العلم بالمفروض والسنن
قالوا: سمعنا فلما أن قضى غدروا * والطهر (أحمد) ما واروه في الجبن
وله:
أنا من شيعة الإمام علي * حرب أعدائه وسلم الولي
أنا من شيعة الإمام الذي ما * مال في عمره لفعل دني
أنا عبد لصاحب الحوض ساقي * من توالى فيه بكأس روي
أنا عبد لمن أبان لنا المشكل * فارتاض كل صعب أبي
والذي كبرت ملائكة الله له * عند صرعة العامري
الإمام الذي تخيره الله * بلا مرية أخا للنبي
قسما ما وقاه بالنفس لما بات في الفرش عنه غير علي
ولعمري إذ حل في يوم (خم) * لم يكن موصيا لغير الوصي
وله من قصيدة مطلعها:
ما كان أول تائه بجماله * بدر منال البدر دون مناله
متباين فالعدل من أقواله * ليغرنا والجور من أفعاله
صرع الفؤاد بسحر طرف فاتر * حتى دنى فأصابه بنباله
متعود للرمي حاجبه غدا * من قسيه واللحظ بعض نصاله
ما بلبل الأصداغ فوق عذاره * إلا انطوى قلبي على بلباله
يبغي مغالطة العيون بها لكي * يخفى عقاربه مدب صلاله
ويظل من ثقل الضلالة تشتكي * ما يشتكيه القلب من أغلاله
جعل السهاد رقيب عيني في الدجا * كي لا ترى في النوم طيف خياله
وحفظت في يدي اليمين وداده * جهدي وضيع مهجتي بشماله
وأباح حسادي موارد سمعه * وحميت ورد السمع عن عذاله
أغراه تأنيسي له بنفاره عنى * وإذلالي بفرط دلاله
ولربما عاتبته فيقول لي: قولي * يكذبه بفتح فعاله
كمعاشر أخذ النبي عهودهم * واستحسنوا الغدر الصراح بآله

 

خانوه في أمواله وزروا على * أفعاله وعصوه في أقواله
هذا (أمير المؤمنين) ولم يكن * في عصره من حاز مثل خصاله
العلم عند مقاله والجود حين نواله والبأس يوم نزاله
وأخوه من دون الورى وأمينه * قدما على المخفي من أحواله
وصاهم بولاية فكأنما * وصاهم بخلافه وقتاله
واستنقصوا الدين الحنيف بكتمهم * يوم (الغدير) وكان يوم كماله]