خطبة له عليه السّلام تسمّى الوسيلة
منها : فِىَّ مَناقِبُ لَوْ ذَكَرْتُها لَعَظُمَ بِهَا الْإِرْتِفاعُ ، وَ طالَ لَهَا الْإِسْتِماعُ ، وَ لَئِنْ تَقَمَّصَها دُونِىَ الْأَشْقَيانِ وَ نازَعَنى فيما لَيْسَ لَهُما بِحَقٍّ ، وَ رَكِباها ضَلالَةً ، وَ اعْتَقَداها جَهالَةً ، فَلَبِئْسَ ما عَلَيْهِ وَرَدا وَ لَبِئْسَ ما لِاَنْفُسِهِما مَهَّدا ، يَتَلاعَنانِ فى دوُرِهِما ، وَ يَبْرَءُ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُما مِنْ صاحِبِهِ ، يَقوُلُ لِقَرينِهِ اِذَا الْتَقَيا : يا لَيْتَ بَيْنى وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرينُ ، فَيُجيبُهُ الْأَشْقى عَلى وُثوُبِهِ يا لَيْتَنى لَمْ اَتَّخِذْكَ خَليلاً ، لَقَدْ اَضْلَلْتَنى عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ اِذْ جاءَنى ، وَ كانَ الشَّيْطانُ لِلْأِنْسانِ خَذُولاً ، فَاَنَا الذِّكْرُ الَّذى عَنْهُ ضَلَّ ، وَ السَّبيلُ الَّذى عَنْهُ مالَ ، وَ الْإيمانُ الَّذى بِهِ كَفَرَ ، وَ الْقُرْانُ الَّذى اِيَّاهُ هَجَرَ ، وَ الدّينُ الَّذى بِهِ كَذَّبَ ، وَ الصِّراطُ الَّذى عَنْهُ نُكِبَ ، وَ لَئِنْ رَتَعا فِى الْحِطامِ الْمُتَصَرِّمِ ، وَ الْغُروُرِ الْمُنْقَطِعِ ، وَ كانا مِنْهُ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ ، لَهُما عَلى شَرِّ وُرُودٍ فى اَخْيَبِ وُفوُدٍ ، وَ اَلْعَنِ مَوْروُدٍ ، يَتَصارَخانِ بِاللَّعْنَةِ ، وَ يَتَناعَقانِ بِالْحَسْرَةِ ، ما لَهُما مِنْ راحَةٍ ، وَ لا عَنْ عَذابِهِما مِنْ مَنْدُوحَةٍ ، اِنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَزالُوا عُبَّادَ اَصْنامٍ ، وَ سَدَنَةِ اَوْثانٍ ، يُقيمُونَ لَهَا الْمَناسِكَ ، وَ يَنْصِبوُنَ لَهَا الْعَتايِرَ ، وَ يَتَّخِذُونَ لَهَا الْقُرُبانَ ، وَ يَجْعَلوُنَ لَهَا الْبُحَيْرَةَ وَ السَّآئِبَةَ وَ الْوَصيلَةَ وَ الْحامَ ، وَ يَسْتَقْسِمُونَ بِالْأَزْلامِ ، عامِهينَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ ، حايِرينَ عَنِ الرَّشادِ ، مُهْطِعينَ اِلَى الْبِعادِ ، قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ ، وَ غَمَرَتْهُمْ سَوْدآءُ الْجاهِلِيَّةِ ، وَ رَضَعُوا جَهالَةً ، وَ انْفَطَموُا ضَلالَةً ، فَاَخْرَجَنَا اللَّهُ اِلَيْهِمْ رَحْمَةً ، وَ اَطْلَعَنا عَلَيْهِمْ رَأْفَةً ، وَ اَسْفَرَ بِنا عَنِ الْحُجُبِ نُوراً لِمَنِ اقْتَبَسَهُ ، وَ فَضْلاً لِمَنِ اتَّبَعَهُ ، وَ تَاْييداً لِمَنْ صَدَّقَهُ ، فَتَبَوَّءُ الْعِزَّ بَعْدَ الذِّلَّةِ ، وَ الْكَثْرَةَ بَعْدَ الْقِلَّةِ ، وَ هابَتْهُمُ الْقُلوُبُ وَ الْأَبْصارُ ، وَ اَذْعَنَتْ لَهُمُ الْجَبابِرَةُ وَ طَواغيتُها ، وَ صارُوا اَهْلَ نِعْمَةٍ مَذْكُورَةٍ ، وَ كَرامَةٍ مَنْسوُرَةٍ ، وَ اَمْنٍ بَعْدَ خَوْفٍ ، وَ جَمْعٍ بَعْدَ حَوْبٍ ، وَ اَضآئَتْ بِنا مَفاخِرُ مُعْدِ بْنِ عَدْنانٍ ، وَ اَوْلَجْناهُمْ بابَ الْهُدى ، وَ اَدْخَلْناهُمْ دارَ السَّلامِ ، وَ اُثيبَتْ لَهُمْ اَيَّامَ الرَّسوُلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ الِهِ وَ سَلَّمَ اثارُ الصَّالِحينَ مِنْ حامٍ مُجاهِدٍ ، وَ مُصَلٍّ قانِتٍ ، وَ مُعْتَكِفٍ زاهِدٍ ، يُظْهِرُونَ الْأَمانَةَ ، وَ يَأْتوُنَ الْمَثابَةَ ، حَتّى اِذا دَعَا اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ الِهِ وَ سَلَّمَ ، وَ رَفَعَهُ اِلَيْهِ ، لَمْ يَكُ ذلِكَ بَعْدَهُ كَلَمْحَةٍ مِنْ خَفْقَةٍ ، اَوْ وَمِيضٍ مِنْ بُرْقَةٍ ، اِلى اَنْ رَجَعوُا عَلىَ الْأَعْقابِ ،
وَ انْتَكَصوُا عَلىَ الْأَدْبارِ ، وَ طَلَبُوا بِالْأَوْتارِ ، وَ اَظْهَروُا الْكَتَّآئِبَ ، وَ رَدَموُا الْبابَ ، وَ قَلّوُا الدِّيارَ ، وَ غَيَّروُا اثارَ رَسوُلِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ الِهِ وَ سَلَّمَ ، وَ رَغِبوُا عَنْ اَحْكامِهِ ، وَ بَعُدُوا مِنْ اَنْوارِهِ ، وَ اسْتَبْدَلوُا بِمُسْتَخْلَفِهِ . . . .
و منها : وَ عَنْ قَليلٍ يَجِدوُنَ غِبَّ ما يَعْمَلوُنَ ، وَ سَيَجِدُ التَّالوُنَ غِبَّ ما اَسَّسَهُ الْأَوَّلوُنَ ، وَ لَوْ كانوُا فى مَنْدُوحَةٍ مِنَ الْمُهَلِ وَ شَفا مِنَ الْأَجَلِ ، وَ سَعَةٍ مِنَ الْمُنْقَلَبِ ، وَ اسْتِدْراجٍ مِنَ الْغُروُرِ وَ سُكوُنٍ مِنَ الْحالِ ، وَ اِدْراكٍ مِنَ الْأَمَلِ ، فَقَدْ اَمْهَلَ اللَّهُ تَعالى شَدَّادَ بْنَ عادٍ ، وَ ثَمُودَ بْنَ عَبوُدٍ ، وَ بَلْعَمَ بْنَ باعوُرَ ، وَ اَسْبَغَ عَلَيْهِمْ نِعْمَةً ظاهِرَةً وَ باطِنَةً ، وَ اَمَدَّهُمْ بِالْأَمْوالِ وَ الْأَعْمارِ ، وَ اَتَتْهُمُ الْأَرْضُ بِبَرَكاتِها ، لِيَذَّكَّروُا الآءَ اللَّهِ ، وَ لِيَعْرِفُوا الْأِهابَةَ لَهُ وَ الْأِنابَةَ اِلَيْهِ ، وَ لِيَنْتَهوُا عَنِ الْإِسْتِكْبارِ ، فَلَمَّا بَلَغوُا الْمُدَّةَ ،
وَ اسْتَتَمّوُا الْأَكْلَةَ ، اَخَذَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ اصْطَلَمَهُمْ ، فَمِنْهُمْ مَنْ حُصِبَ ، وَ مِنْهُمْ مَنْ اَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ ، وَ مِنْهُمْ مَنْ اَحْرَقَتْهُ الظُّلَّةُ ، وَ مِنْهُمْ مَنْ اَوْدَتْهُ الرَّجْفَةُ ، وَ مِنْهُمْ مَنْ اَرْدَتْهُ الْخَسْفَةُ ، وَ ما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَ لكِنْ كانوُا اَنْفسَهُمْ يَظْلِموُنَ ، اَلا وَ اِنَّ لِكُلِّ اَجَلٍ كِتاباً فَاِذا بَلَغَ الْكِتابُ اَجَلَهُ ، لَوْ كَشَفَ لَكَ عَمَّا هَوى عَلَيْهِ الظَّالِموُنَ ، وَ الَ اِلَيْهِ الْأَخْسَروُنَ ، لَهَرِبْتَ اِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مِمَّا هُوَ اِلَيْهِ مُقيموُنَ وَ اِلَيْهِ صآئِرُونَ . اَلا وَ اِنّى فيكُمْ اَيُّهَا النَّاسُ كَهروُنَ فى الِ فِرْعَوْنَ ، وَ كَبابِ حِطَّةٍ فى بَنى اِسْرآئيلَ ، وَ كَسَفينَةِ نوُحٍ فى قَوْمِ نوُحٍ ، اِنّىِ النَّبَأُ الْعَظيمُ وَ الصِّدّيقُ الْأَكْبَرُ ، وَ عَنْ قَليلٍ سَتَعْلَموُنَ ما تُوعَدُونَ ، وَ هَلْ هِىَ اِلاَّ كَلَعْقَةِ الْأكِلِ ، وَ مَذْقَةِ الشَّارِبِ ، وَ خَفْقَةِ الْوَسْنانِ ثُمَّ تَلْتَزِمُهُمُ الْمُعَرَّاةُ جَزآءً فىِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ الْقِيمَةِ يُرَدُّوُنَ اِلى اَشَدِّ الْعَذابِ فَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلوُنَ ، فَما جَزآءُ مَنْ تَنَكَّبَ مَحَجَّتَهُ وَ اَنْكَرَ حُجَّتَهُ ، وَ خالَفَ هُداتِهِ ، وَ حآرَّ عَنْ نوُرِهِ ، وَ اقْتَحَمَ فى ظُلَمِهِ ، وَ اسْتَبْدَلَ بِالْمآءِ السَّرابَ ، وَ بِالنَّعيمِ الْعَذابَ ، وَ بِالْفَوْزِ الشَّقآءَ ، وَ بِالسَّرَّآءِ الضَّرَّآءَ ، وَ بِالسِّعَةِ الضَّنْكَ ، اِلاَّ جَزآءَ اقْتِرافِهِ ، وَ سُوءَ خِلافِهِ ، فَلْيُوقِنوُا بِالْوَعْدِ عَلى حَقيقَتِهِ ، وَ لْيَسْتَيْقِنُوا بِما يوُعَدوُنَ ، يَوْمَ تَاْتِى الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ ، ذلِكَ يَوْم الْخُرُوجِ اِنَّا نَحْنُ نُحْيى وَ نُميتُ وَ اِلَيْنَا الْمَصيرُ . . . .