امان عمران بن شاهين
* حكي أيضا أن عمران بن شاهين من أمراء أهل العراق ، عصى على عضد الدولة ، فطلبه طلبا حثيثا فهرب منه إلى المشهد متخفيا ، فرأى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في منامه وهو يقول له : يا عمران إن في غد يأتي فناخسرو إلى هاهنا ، فيخرجون ممن بهذا المكان ، فتقف أنت هاهنا وأشار إلى زاوية من زوايا القبة فإنهم لا يرونك ، فسيدخل ويزور ويصلي ويبتهل بالدعاء والقسم بمحمد وآله أن يظفره بك ، فادن منه وقل له أيها الملك : من هذا الذي قد ألححت بالقسم بمحمد وآله ان يظفرك الله به ؟ فسيقول : رجل شق عصاي ونازعني في ملكي وسلطاني . فقل له : ما لمن يظفرك به ؟ سيقول : إن حتم علي بالعفو عنه عفوت عنه ، فأعلمه بنفسك فإنك تجد منه ما تريد ، فكان كما قال له ، فقال له : انا عمران بن شاهين . قال : من أوقفك ها هنا ؟ قال له : هذا مولانا قال لي في منامي غدا يحضر فناخسرو إلى هاهنا وأعاد عليه القول . فقال له : بحقه قال لك فناخسرو ! قلت : أي وحقه . فقال عضد الدولة : ما عرف أحد ان اسمي فناخسرو إلا أمي والقابلة وأنا ، ثم خلع عليه خلع الوزارة ، وطلع من بين يديه إلى الكوفة . وكان عمران بن شاهين قد نذر عليه أنه متى عفا عنه عضد الدولة أتى إلى زيارة أمير المؤمنين عليه السلام حافيا حاسرا ، فلما جنه الليل خرج من الكوفة وحده فرأى جدي علي بن طحال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في منامه وهو يقول له : اقعد افتح لوليي عمران بن شاهين الباب ، فقعد وفتح الباب وإذا بالشيخ قد أقبل ، فلما وصل قال : بسم الله يا مولانا ! فقال : ومن أنا ؟ فقال : عمران بن شاهين . قال : لست بعمران بن شاهين . فقال : بلى ، إن أمير المؤمنين أتاني في منامي وقال لي : اقعد افتح لوليي عمران بن شاهين . قال له : بحقه هو قال لك ! قال : أي وحقه هو قال لي . فوقع على القبة يقبلها وأحاله على ضامن السمك بستين دينارا ، وكانت له زوارق تعمل في الماء في صيد السمك .
أقول : وبنى الرواق المعروف برواق عمران في المشهدين الشريفين الغروي والحائري على مشرفهما السلام . (
[1])
وقدنظم السماوي قصة عمران بن شاهين في الوشي قائلا :
وقال في الفرحة عند الذكر |
|
لما بدا من معجزات القبر |
بان عمران بن شاهين عصى |
|
وعم في عصيانه وخصصا |
فجاءه السلطان عضدالدوله |
|
وساق طوله له وحوله |
فلم يجد نجاته الا بان |
|
يلوذ منه في حمى ابي الحسن |
ولا زم المشهد في حال الجفا |
|
فورد العضديزور النجفا |
ونام عمران فطاف حيدر |
|
له بنوم فشكا م يحذر |
فقال قم واذهب لفنا خسرا |
|
وسمه فما تنال خسرا |
وقل اجارني امان الخلق |
|
واسمك ذا علامة الصدق |
فجاءه مسميا وقالا |
|
انا الذي تطلب ان تنالا |
اجارني الوصي بالامامة |
|
فقال صدقت واسمي العلامة |
فذلك اسم لي وما به درى |
|
من الورى غيري الا حيدرا |
كانت تسميني به امي وقد |
|
ماتت فلم يدر به غيري احد |
واطلق المال له واسعده |
|
وكان باجتياحه توعده |
فشكر المولى الذي قد امنه |
|
من بعد ما راى الردى وعاينه |
وشادخلف قبره رواقا |
|
شكرا لما وافى به وواقى |
وشاد خلف روضة الشهيد |
|
بكربلا اخر للتمهيد |
وذا حتى اليوم يعرفان |
|
بنسبتيهما اى عمران ([2])
|
ومن المناسب ان نذكر شيئا عن رواق عمران في المرقد العلوي المطهر فنقول :
عمران بن شاهين :رواق أو مسجد
يقع رواق أو مسجد عمران في الجهة الشمالية من السور الخارجي للصحن الشريف، وإن الجزء المتبقي من الرواق الذي بناه بن شاهين هو ما يطلق عليه اليوم (مسجد عمران)، والذي أُنشأ في أواسط القرن الرابع الهجري، لذا يمكن اعتباره أقدم مساجد مدينة النجف الأشرف، ويمكننا أن نحدد فترة بناء الرواق فيما بين سنة تولي عضد الدولة الحكم في العراق عام (367هـ)، وبين وفاة عمران عام (369هـ). ذكر الشيخ جعفر أن عمران بن شاهين في بدء أمره كان من أهل الجامدة (قرية من قرى واسط)، جنا جناية فهرب إلى البطيحة من سلطان الناحية فأقام بين القصب والآجام، واقتصر على ما يصيده من السمك، ثم اضطر إلى معارضة من يسلك البطيحة متلصصاً، وعرف خبره جماعة من صيادي السمك فاجتمعوا إليه مع جماعة من المتلصصة، حتى حمي جانبه من السلطان فلما أشفق من أن يقصد، استأمن أبي القاسم البريدي فقلّده الجامدة بالحماية والأهوار التي في البطائح، فما زال يجمع الرجال إلى أن كثر أصحابه وقوى، فغلب على تلك النواحي وحارب سلطان عصره(عضد الدولة) مراراً وصارت مملكة من الممالك الشيعية، توفي فجأة سنة (369هـ) وجاء بعده ولده حسن بن عمران ثم أبو المعالي بن حسن.
هذا وقد اشار الشيخ جعفر[3] وكذلك سعاد ماهر عن تجارب الأمم لمسكويه
أن عمران بنى الرواق وفاءاً لنذر نذره إن عفا عنه السلطان.
وقد ناقش الشيخ جعفر محبوبة ما قاله الجواهري (
[3]) من ان ما بناه عمران بن شاهين كان مسجداً فقال: (مسجد عمران لم يُعْلَم قبل أنه كان مسجداً، بل المشهور والمسطور أنه بنى رواقاً، فعلى هذا هو من جملة أروقة الحرم العَلَوي ولا ريب في جواز الدفن فيه، وغير بعيد أنه بعد انفصاله عن الحرم العَلَوي رتّبت عليه آثار المسجدية، والآثار الموجودة كما يزعم إنما حدثت وقت انفصاله)
يقع بابه اليوم في مدخل باب الشيخ الطوسي(الذي توسّع وأخذ جزءاً من رواق عمران في عام (1369هـ))، وهناك صخرة قديمة نصبت فوق الباب تعود إلى عام (776هـ)، يبدو أنها لأحد المقابر في هذه المنطقة، ونصبت في موقعها الحالي بسبب توسيع ممر باب الطوسي، فقد جاء في أعيان الشيعة (توجد صخرة على باب رواق عمران بن شاهين عليها كتابة مؤرخة في شهر صفر سنة (776هـ)، ويظهر إنها كانت على مقبرة، وأن هناك قبوراً ثلاثة: قبر الأمير نجيب الدين أحمد، وقبر محمود بن أحمد المهابادي، وقبر المرحومة سعيدة، وأن هذه الصخرة كانت موضوعة على بُنْية خاصة بهم، ثم دخلت تلك البنية في عمارة الصحن الشريف، فوضعت الصخرة هناك تذكاراً لهم)
وذكر الشيخ محمد حرز الدين في معارفه حينما تعرّض لترجمة السيد كاظم اليزدي (قدس سره)، ما معناه أن للمسجد باباً آخر في الصحن الشريف، اندثر بعد أن دُفن السيد محمد كاظم اليزدي
وخلال عدة قرون سابقة(منذ القرن الرابع الهجري) طرأت عدة إصلاحات على رواق عمران، فقد هُدم جزء منه وأُدخل إلى الصحن الشريف عند مجيء الشاه عباس الأول للنجف، إذ كان مفصولاً بخطوات قليلة عن الرواق الموجود اليوم، ثم جاء الشاه صفي الصفوي فقام بهدم الدور المجاورة للحرم العَلَوي من الجهة الشرقية والجنوبية وضمها إلى الصحن الشريف، فكانت العمارة الموجودة اليوم التي توسعت من الجهات الثلاثة الشمالية والشرقية والجنوبية.وفي هذا الجانب أشار الشيخ جعفر أنه (يبعد كل البعد أن تكون هذه العمارة والدلائل القرآنية هي من آثار عمران،
ان سعاد ماهر في دراستها أشارت إلى أنه وبفحص عمارة المسجد ومبانيه، تبين لها أنه يرجع إلى نفس طراز الإيوانات والسور الخارجي، سواء من حيث مواد البناء كالأحجار وغيرها، أم من ناحية العقود والفتحات، هذا بالإضافة إلى أنه لا يوجد (لحام) وصل مستحدث، مما يستدل منه أن مباني المسجد حدثت في نفس وقت بناء الإيوانات والجدران الجانبية، وعلى ذلك يمكن القول أن رواق عمران بن شاهين حُوّل إلى مسجد في القرن العاشر الهجري على أقل تقدير، أي في العصر الصفوي
وهذا ما يؤكد إن عمران -حسبما ذكرت المصادر- بنى رواقاً، وقد دفن فيه بعض العلماء كما في أروقة الصحن الشريف، ثم حُوّل إلى مسجد حين اقتطعت منه أجزاء أضيفت إلى الصحن الشريف.تبلغ مساحة المسجد اليوم حوالي( 215متر مربع)، ترتفع من أرضيته أربعة أقواس كبيرة متجاورة ومتقابلة، تحيط عند السقف بقبة صغيرة ذات نوافذ للتهوية والإضاءة عددها 12 نافذة، وهذه الاقواس تحصر من ارض المسجد ما يشبه الغرف الصغيرة وعددها اربعة، في احداها توجد مقبرة العلامة اليزدي وهي عند الجهة الجنوبية الغربية من المسجد