العتبة العلوية المقدسة - المناجاة الانجيلية -
» سيرة الإمام » » المناسبات » سيرة الامام علي بن الحسين السجاد » كلماته عليه السلام ومواعظه » المناجاة الانجيلية

 

المناجاة الانجيلية

  المناجاة الإنجيلية : لمولانا علي بن الحسين عليه السلام ، في بعض مرويات أصحابنا رضي الله عنه في كتاب أنيس العابدين من مؤلفات بعض قدمائنا عنه عليه السلام وهي :

بسم الله الرحمن الرحيم

 اللهم بذكرك أستفتح مقالي ، وبشكرك أستنجح سؤالي وعليك توكلي في كل أحوالي ، وإياك أملي فلا تخيب آمالي ،

 اللهم بذكرك أستعيذ وأعتصم ، وبركنك ألوذ وأتحزم ، وبقوتك أستجير وأستنصر ، وبنورك أهتدي و أستبصر ، وإياك أستعين وأعبد ، وإليك أقصد وأعمد ، وبك أخاصم وأحاول ، ومنك أطلب ما أحاول ، فأعني يا خير المعينين ، وقني المكاره كلها يا رجاء المؤمنين .

الحمد لله المذكور بكل لسان ، المشكور على كل إحسان ، المعبود في كل مكان ، مدبر الأمور ، ومقدر الدهور ، والعالم بما تجنه البحور وتكنه الصدور وتخفيه الظلام ، ويبديه النور ، الذي حار في علمه العلماء ، وسلم لحكمه الحكماء وتواضع لعزته العظماء ، وفاق بسعة فضله الكرماء ، وساد بعظيم حلمه الحلماء .

 والحمد لله الذي لا يخفر من انتصر بذمته ، ولا يقهر من استتر بعظمته ، ولا يكدى من أذاع شكر نعمته ، ولا يهلك من تغمده برحمته ، ذي المنن التي لا يحصيها العادون والنعم التي لا يجازيها المجتهدون ، والصنائع التي لا يستطيع دفعها الجاحدون ، والدلائل التي يستبصر بنورها الموجودون ،

 أحمده جاهرا بحمده ، شاكرا لرفده ، حمد موفق لرشده ، واثق بعدله له الشكر الدائم ، والامر اللازم .

 اللهم إياك أسئل وبك أتوسل ، وعليك أتوكل ، وبفضلك أغتنم ، وبحبلك أعتصم ، وفي رحمتك أرغب ، ومن نقمتك أرهب ، وبقوتك أستعين ، وبعظمتك أستكين ،

 اللهم أنت الولي المرشد ، والغني المرفد ، والعون المؤيد ، الراحم الغفور ، والعاصم المجير ، والقاصم المبير ، والخالق الحليم ، والرازق الكريم ، و السابق القديم ،

 علمت فخبرت ، وحلمت فسترت ، ورحمت فغفرت ، وعظمت فقهرت ، وملكت فاستأثرت ، وأدركت فاقتدرت ، وحكمت فعدلت ، وأنعمت فأفضلت وأبدعت فأحسنت ، وصنعت فأتقنت ، وجدت فأغنيت ، وأيدت فكفيت ، وخلقت فسويت ، ووفقت فهديت ،

بطنت الغيوب ، فخبرت مكنون أسرارها ، وحلت بين القلوب وبين تصرفها على اختيارها ، فأيقنت البرايا أنك مدبرها وخالقها وأذعنت أنك مقدرها ورازقها ،

لا إله إلا أنت . تعاليت عما يقول الظالمون علوا كبيرا .

 اللهم إني أشهدك وأنت أقرب الشاهدين ، وأشهد من حضرني من ملائكتك المقربين ، وعبادك الصالحين ، من الجنة والناس أجمعين ، أني أشهد بسريرة زكية ، وبصيرة من الشك بريئة ، شهادة أعتقدها باخلاص وإيقان ، واعدها طمعا في الخلاص والأمان ، أسرها تصديقا بربوبيتك ، وأظهرها تحقيقا لوحدانيتك ولا أصد عن سبيلها ، ولا الحد في تأويلها ، أنك أنت الله ربي لا أشرك بك أحدا ولا أجد من دونك ملتحدا لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد الذي لا يدخل في عدد ، والفرد الذي لا يقاس بأحد ، علا عن المشاكلة والمناسبة ، وخلا من الأولاد والصاحبة سبحانه من خالق ما أصنعه ورازق ما أوسعه وقريب ما أرفعه ومجيب ما أسمعه ، وعزيز ما أمنعه ، له المثل الاعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم .

وأشهد أن محمدا نبيه المرسل ووليه المفضل ، وشهيده المستعدل المؤيد بالنور المضئ ، والمسدد بالامر المرضي ، بعثه بالأوامر الشافية والزواجر الناهية ، والدلائل الهادية ، التي أوضح برهانها ، وشرح بنيانها ، في كتاب مهيمن على كل كتاب ، جامع لكل رشد وصواب ، فيه نبأ القرون ، وتفصيل الشؤون وفرض الصلاة والصيام ، والفرق بين الحلال والحرام ، فدعى إلى خير سبيل وشفا من هيام الغليل حتى علا الحق وظهر ، وزهق الباطل وانحسر . صلى الله عليه وآله صلاة دائمة ممهدة لا تنقضي لها مدة ولا ينحصر لها عدة .

اللهم صل على محمد وآل محمد ما جرت النجوم في الأبراج ، وطلاطمة البحور بالأمواج ، وما أدلهم ليل داج ، وأشرق نهار ذو ابتلاج ، وصل عليه وآله ما تعاقبت الأيام ، وتناوبت الأعوام ، وما خطرت الأوهام ، وتدبرت الافهام ، وما بقي الآنام .

 اللهم صل على محمد خاتم الأنبياء ، وآله البررة الأتقياء ، وعلى عترته النجباء صلاة معروفة بالتمام والنماء ، وباقية بلا فناء وانقضاء .

اللهم رب العالمين ، وأحكم الحاكمين ، وأرحم الراحمين ، أسئلك من الشهادة أقسطها ، ومن العبادة أنشطها ، ومن الزيادة أبسطها ، ومن الكرامة أغبطها ومن السلامة أحوطها ، ومن الأعمال أقسطها ، ومن الآمال أوفقها ، ومن الأقوال أصدقها ومن المحال أشرفها ومن المنازل ألطفها ومن الحياطة أكنفها ومن الرعاية أعطفها ومن العصمة أكفاها ومن الراحة أشفاها ومن النعمة أوفاها ومن الهمم أعلاها ومن القسم أسناها ومن الأرزاق أغزرها ومن الأخلاق أطهرها ومن المذاهب أقصدها ومن العواقب أحمدها ومن الأمور أرشدها ومن التدابير أوكدها ومن الحدود أسعدها ومن الشؤون أعودها ومن الفوائد أرجحها ومن العوائل أنجحها ومن الزيادات أتمها ومن البركات أعمها ومن الصالحات أعظمها .

اللهم إني أسئلك قلبا خاشعا زكيا ولسانا صادقا عليا ورزقا واسعا هنيئا وعيشا رغدا مريا وأعوذ بك من ضنك المعاش ومن شر كل ساع وواش وغلبة الأضداد والأوباش وكل قبيح باطن أو فاش وأعوذ بك من دعاء محجوب و رجاء مكذوب وحياء مسلوب واحتجاج مغلوب ورأي غير مصيب .

 اللهم أنت المستعان والمستعاذ وعليك المعول وبك الملاذ فأنلني لطائف مننك فإنك لطيف فلا تبتليني بمحنك فاني ضعيف ، وتولني بعطف تحننك يا رؤوف يامن آوى المنقطعين إليه وأغنى المتوكلين عليه ، جد بغناك عن فاقتي ولا تحملني فوق طاقتي .

اللهم اجعلني من الذين جدوا في قصدك فلم ينكلوا وسلكوا الطريق إليك فلم يعدلوا واعتمدوا عليك في الوصول حتى وصلوا فرويت قلوبهم من محبتك وآنست نفوسهم بمعرفتك فلم يقطعهم عنك قاطع ولا منعهم عن بلوغ ما أملوه لديك مانع فهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون ولا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون . اللهم لك قلبي ولساني ، وبك نجاتي وأماني ، وأنت العالم بسري وإعلاني فأمت قلبي عن البغضاء ، واصمت لساني عن الفحشاء ، وأخلص سريرتي عن علائق الأهواء ، واكفني بأمانك عن عوائق الضراء ، واجعل سري معقودا على مراقبتك وإعلاني موافقا لطاعتك ، وهب لي جسما روحانيا ، وقلبا سماويا ، وهمة متصلة بك ، ويقينا صادقا في حبك ، وألهمني من محامدك أمدحها ، وهب لي من فوائدك أسمحها . إنك ولي الحمد ، والمستولي على المجد .

 يا من لا ينقص ملكوته عصيان المتمردين ، ولا يزيد جبروته إيمان الموحدين ، إليك أستشفع بقديم كرمك ، أن لا تسلبني ما منحتني من جسيم نعمك واصرفني بحسن نظرك لي عن ورطة المهالك ، وعرفني بجميل اختيارك لي منجيات المسالك .

يا من قربت رحمته من المحسنين ، وأوجب عفوه للأوابين ، بلغنا برحمتك ‹ غنائم البر والاحسان ، وجللنا بنعمتك ملابس العفو والغفران ، واصحب رغباتنا بحياء يقطعها عن الشهوات ، واحش قلوبنا نورا يمنعها من الشبهات ، وأودع نفوسنا خوف المشفقين من سوء الحساب ، ورجاء الواثقين بتوفير الثواب ، فلا نغتر بالامهال ، ولا نقصر في صالح الأعمال ، ولا نفتر من التسبيح بحمدك في الغدو والآصال . يامن آنس العارفين بطيب مناجاته ، وألبس الخاطئين ثوب موالاته ، متى فرح من قصدت سواك همته ، ومتى استراح من أرادت غيرك عزيمته ، ومن ذا الذي قصدك بصدق الإرادة فلم تشفعه في مراده ، أم من ذا الذي اعتمد عليك في أمره فلم تجد باسعاده ، أم من ذا الذي استرشدك فلم تمنن بارشاده .

اللهم عبدك الضعيف الفقير ومسكينك اللهيف المستجير ، عالم أن في قبضتك أزمة التدبير ، ومصادر المقادير عن إرادتك ، وأنك أقمت بقدسك حياة كل شئ ، وجعلته نجاة لكل حي ، فارزقه من حلاوة مصافاتك ما يصير به إلى مرضاتك وهب له من خشوع التذلل وخضوع التقلل في رهبة الاخبات ، وسلامة المحيا والممات ، ما تحضره كفاية المتوكلين ، وتميزه به رعاية المكفولين ، وتعزه ولاية المتصلين المقبولين .

 يا من هو أبر بي من الوالد الشفيق ، وأقرب إلي من الصاحب اللزيق أنت موضع أنسي في الخلوة إذا أوحشني المكان ، ولفظتني الأوطان ، وفارقتني الآلاف والجيران ، وانفردت في محل ضنك ، قصير السمك ، ضيق الضريح ، مطبق الصفيح ، مهول منظره ، ثقيل مدره ، مخلاة بالوحشة عرصته ، مغشاة بالظلمة ساحته ، على غير مهاد ولا وساد ، ولا تقدمة زاد ولا اعتداد ، فتداركني برحمتك التي وسعت الأشياء أكنافها ، وجمعت الاحياء أطرافها ، وعمت البرايا ألطافها ، وعد علي بعفوك يا كريم ، ولا تؤاخذني بجهلي يا رحيم .

 اللهم ارحم من اكتنفته سيئاته ، وأحاطت به خطيئاته ، وحفت به جناياته بعفوك ارحم من ليس له من عمله شافع ، ولا يمنعه من عذابك مانع ، ارحم الغافل عما أظله والذاهل ان الامر الذي خلق له ، ارحم من نقض العهد وعذر وعلى معصيتك انطوى وأصر ، وجاهرك بجهله وما استتر ، ارحم من ألقى عن رأسه قناع الحياء ، وحسر عن ذراعيه جلباب الأتقياء ، واجترأ على سخطك بارتكاب الفحشاء ، فيا من لم يزل عفوا غفارا ، ارحم لمن لم يزل مسقطا عثارا .

 اللهم اغفر لي ما مضى مني ، واختم لي بما ترضى به عني ، واعقد عزامي على توبة بك متصلة ، ولديك متقبلة ، تقيلني بها عثراتي ، وتستر بها عوراتي ، وترحم بها عبراتي ، وتجيرني بها إجارة من معاطب انتقامك ، وتنيلني بها المسرة بمواهب إنعامك ، يوم تبرز الاخبار ، وتعظم الاخطار ، وتبلى الاسرار ، وتهتك الأستار وتشخص القلوب والابصار ، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ، ولهم اللعنة ولهم سوء الدار . إنك معدن الآلاء والكرم ، وصارف اللاواء والنقم ، لا إله إلا أنت ، عليك أعتمد ، وبك أستعين ، وأنت حسبي وكفى بك وكيلا .

يا مالك خزائن الأقوات وفاطر أصناف البريات ، وخالق سبع طرائق مسلوكات من فوق سبع أرضين مذللات ، العالي في وقار العز والمنعة ، والدائم في كبرياء الهيبة والرفعة ، والجواد بنيله على خلقه من سعة ، ليس له حد ولا أمد ، ولا يدركه تحصيل ولا عدد ، ولا يحيط بوصفه أحد .

الحمد لله خالق أمشاج النسم ، ومولج الأنوار في الظلم ، ومخرج الموجود من العدم ، والسابق الأزلية بالقدم ، والجواد على الخلق بسوابق النعم ، والعواد عليهم بالفضل والكرم ، الذي لا يعجزه كثرة الانفاق ، ولا يمسك خشية الاملاق ولا ينقصه إدرار الأرزاق ، ولا يدرك بأناسي الأحداق ، ولا يوصف بمضامة  ولا افتراق ، أحمده على جزيل إحسانه ، وأعوذ به من حلول خذلانه ، واستهديه بنور برهانه ، وأومن به حق إيمانه .

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي عم الخلائق جدواه ، وتم حكمه فيمن أضل منهم وهداه ، وأحاط علما بمن أطاعه وعصاه ، واستولى على الملك بعز أبد فحواه ، فسبحت له السماوات وأكنافها ، والأرض وأطرافها والجبال وأعراقها والشجر وأغصانها ، والبحار وحيتانها ، والنجوم في مطالعها ، والأمطار في مواقعها ووحوش الأرض وسباعها ، ومدد الأنهار وأمواجها ، وعذب المياه وأجاجها ، وهبوب الريح وعجاجها ، وكل ما وقع عليه وصف ، وتسمية ، أو يدركه حد يحويه ، مما يتصور في الفكر ، أو يتمثل بجسم أو قدر ، أو ينسب إلى عرض أو جوهر ، من صغير حقير ، أو خطير كبير ، مقرا له بالعبودية خاشعا ، معترفا له بالوحدانية طائعا مستجيبا لدعوته خاضعا ، متضرعا لمشيته متواضعا ، له الملك الذي لا نفاد لديموميته ، ولا انقضاء لعدته . وأشهد أن محمدا عبده الكريم ، ورسوله الطاهر المعصوم ، بعثه والناس في غمرة الضلالة ساهون ، وفي غرة الجهالة لاهون ، لا يقولون صدقا ، ولا يستعملون حقا ، قد اكتنفتهم القسوة ، وحقت عليهم الشقوة ، إلا من أحب الله إنقاذه ، ورحمه وأعانه فقام محمد صلوات الله عليه وآله فيهم مجدا في إنذاره ، مرشدا لأنواره ، بعزم ثاقب ، وحكم واجب ، حتى تألق شهاب الايمان ، وتفرق حزب الشيطان ، وأعز الله جنده ، وعبد وحده . ثم اختاره الله فرفعه إلى روح جنته ، وفسيح كرامته ، فقبضه تقيا زكيا راضيا مرضيا طاهرا نقيا ، وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم صلى الله عليه وعلى آله وأقربيه ، وذوي رحمه ومواليه ، صلاة جليلة جزيلة موصولة مقبولة لا انقطاع لمزيدها ، ولا اتضاع لمشيدها ، ولا امتناع لصعودها تنتهي إلى مقر أرواحهم ، ومقام فلاحهم ، فيضاعف الله لهم تحياتها ، ويشرف لديهم صلواتها ، فتتلقاهم مقرونة بالروح والسرور ، محفوفة بالنضارة والنور ، دائمة بلا فناء ولا فتور .

اللهم اجعل أكمل صلواتك وأشرفها ، وأجمل تحياتك وألطفها وأشمل بركاتك وأعطفها وأجل هباتك وأرأفها على محمد خاتم النبيين ، وأكرم الأميين وعلى أهل بيته الأصفياء الطاهرين ، وعترته النجباء المختارين ، وشيعته الأوفياء الموازرين ، من أنصاره والمهاجرين ، وأدخلنا في شفاعته يوم الدين ، مع من دخل في زمرته من الموحدين ، يا أكرم الأكرمين ، ويا أرحم الراحمين .

 اللهم أنت الملك الذي لا يملك والواحد الذي لا شريك لك ، يا سامع السر والنجوى ، ويا دافع والبلوى ، ويا كاشف العسر والبؤسى ، وقابل العذر والعتبى ، ومسبل الستر على الورى ، جللني من رأفتك بأمر واق ، و سمني من رعايتك بركن باق ، وأوصلني بعنايتك إلى غاية السباق ، واجعلني برحمتك من أهل الرعاية للميثاق ، واعمر قلبي بخشية ذوي الاشفاق ، يا من لم يزل فعله بي حسنا جميلا ، ولم يكن بستره علي بخيلا ، ولا بعقوبته علي عجولا ، أتمم علي ما ظاهرت من تفضلك ، ولا تؤاخذني بما سترت علي عند نظرك . سيدي كم من نعمة ظللت لأنيق بهجتها لابسا ، وكم أسديت عندي من يد قد طفقت بهدايتها منافسا ، وكم قلدتني من منة ضعفت قواي عن حملها ، وذهلت فطنتي عن ذكر فضلها ، وعجز شكري عن جزائها ، وضقت ذرعا باحصائها ، قابلتك فيها بالعصيان ، ونسيت شكر ما أوليتني فيها من الاحسان ، فمن أسوء حالا مني إن لم تتداركني بالغفران ، وتوزعني شكر ما اصطنعت عندي من فوائد الامتنان فلست مستطيعا لقضاء حقوقك إن لم تؤيدني بصحبة توفيقك

. سيدي لولا نورك عميت عن الدليل ، ولولا تبصيرك ضللت عن السبيل ، ولولا تعريفك لم ارشد للقبول ، ولولا توفيقك لم أهتد إلى معرفة التأويل . فيا من أكرمني بتوحيده ، وعصمني عن الضلال بتسديده ، وألزمني إقامة حدوده ، لا تسلبني ما وهبت لي من تحقيق معرفتك ، وأحيني بيقين أسلم به من الالحاد في صفتك ، يا خير من رجاه الراجون ، وأرأف من لجأ إليه اللاجون وأكرم من قصده المحتاجون ، ارحمني إذا انقطع معلوم عمري ، ودرس ذكري وامتحى أثري ، وبوئت في الضريح مرتهنا بعملي ، مسؤولا عما أسلفته من فارط زللي ، منسيا كمن نسي في الأموات ممن كان قبلي ،

 رب سهل لي توبة إليك وأعني عليها ،

 واحملني على محجة الاخبات لك ،

 وأرشدني إليك ، فان الحول والقوة بمعونتك ، والثبات والانتقال بقدرتك ، يا من هو أرحم لي من الوالد الشفيق وأبر بي من الولد الرفيق ،

 وأقرب إلي من الجار اللصيق ، قرب الخير من متناولي واجعل الخيرة العامة فيما قضيت لي ، واختم لي بالبر والتقوى عملي ،

و أجرني من كل عائق يقطعني عنك ، وكل قول وفعل يباعدني منك ،

وارحمني رحمة تشفي بها قلبي من كل شبهة معترضة ، وبدعة ممرضة سيدي خاب رجاء من رجا سواك وظفرت يد ا  من بحاجته ناجاك ، وضل من يدعو العباد لكشف ضرهم إلا إياك ، أنت المؤمل في الشدة والرخاء والمفزع في كل كربة وضراء ، والمستجار به من كل فادحة ولاواء ، لا يقنط من رحمتك إلا من تولى وكفر ، ولا ييأس من روحك إلا من عصى وأصر ،

أنت وليي في الدنيا والآخرة ، توفني مسلما وألحقني بالصالحين .

 يا من لا يحرم زواره عطاياه ، ولا يسلم من استجاره واستكفاه ، أملي واقف على جدواك ، ووجه طلبتي منصرف عمن سواك ، وأنت الملئ بتيسير الطلبات والوفي بتكثير الرغبات ، فأنجح لي المطلوب من فضلك برحمتك ، واسمح لي بالمرغوب فيه من بذلك بنعمتك ، سيدي ضعف جسمي ، ودق عظمي ، وكبر سني ، ونال الدهر مني ، ونفدت مدتي ، وذهبت شهوتي ، وبقيت تبعتي ، فجد بحلمك على جهلي ، وبعفوك على قبيح فعلي ، ولا تؤاخذني بما كسبت من الذنوب العظام ، في سالف الأيام .

 سيدي أنا المعترف بإساءتي ، المقر بخطائي ، المأسور باجرامي ، المرتهن بآثامي ، المتهور بإساءتي ، المتحير عن قصد طريقي ، انقطعت مقالتي ، وضل عمري وبطلت حجتي في عظيم وزري ، فامنن علي بكريم غفرانك واسمح لي بعظيم إحسانك فإنك ذو مغفرة للطالبين شديد العقاب للمجرمين .

 سيدي إن كان صغر في جنب طاعتك عملي ، فقد كبر في جنب رجائك أملي

 سيدي كيف أنقلب من عندك بالخيبة محروما ، وظني بك أنك تقلبني بالنجاة مرحوما ،

 سيدي لم أسلط على حسن ظني بك قنوط الآيسين ، فلا تبطل لي صدق رجائي لك في الآملين ،

سيدي عظم جرمي إذ بارزتك باكتسابه ، وكبر ذنبي إذ جاهرتك بارتكابه إلا أن عظيم عفوك يسع المعترفين وجسيم غفرانك يعم التوابين .

سيدي إن دعاني إلى النار مخشى عقابك فقد دعاني إلى الجنة مرجو ثوابك

 سيدي إن أوحشتني الخطايا من محاسن لطفك ، فقد أنسني اليقين بمكارم عطفك

 وإن أنامتني الغفلة عن الاستعداد للقائك ، فقد أيقظتني المعرفة بقديم آلائك ،

وإن عزب عني تقديم لما يصلحني فلم يعزب إيقاني بنظرك إلي فيما ينفعني ،

وإن انقرضت بغير ما أحببت من السعي أيامي ، فبالايمان أمضيت السالفات من أعوامي .

 سيدي جئت ملهوفا قد لبست عدم فاقتي ، وأقامني مقام الأذلاء بين يديك ضر حاجتي ،

 سيدي كرمت فأكرمني إذ كنت من سؤالك ، وجدت بمعروفك فاخلطني بأهل نوالك ،

 اللهم ارحم مسكينا لا يجيره إلا عطاؤك ، وفقيرا لا يغنيه إلا جدواك .

 سيدي أصبحت على باب من أبواب منحك سائلا ، وعن التعرض بسواك عادلا ، وليس من جميل امتنانك رد سائل ملهوف ، ومضطر لانتظار فضلك المألوف ،

 

 سيدي إن حرمتني رؤية محمد صلى الله عليه وآله في دار السلام ، وأعدمتني طوف الوصائف والخدام ، وصرفت وجه تأميلي بالخيبة في دار المقام فغير ذلك منتني نفسي منك يا ذا الطول والانعام ،

 سيدي وعزتك لو قرنتني في الأصفاد ، ومنعتني سيبك من بين العباد ، ما قطعت رجائي عنك ، ولا صرفت انتظاري للعفو منك

 سيدي لو لم تهدني إلى الاسلام لضللت ، ولو لم تثبتني إذا لذللت ، ولو لم تشعر قلبي الايمان بك ما آمنت ، ولا صدقت ،

 ولو لم تطلق لساني بدعائك ما دعوت ،

ولو لم تعرفني حقيقة معرفتك ما عرفت ،

 ولو لم تدلني على كريم ثوابك ما رغبت ،

 ولو لم تبين لي أليم عقابك ما رهبت ، فأسئلك توفيقي لما يوجب ثوابك وتخليصي مما يكسب عقابك .

 سيدي إن أقعدني التخلف عن السبق مع الأبرار ، فقد أقامتني الثقة بك على مدارج الأخيار ،

 سيدي كل مكروب إليك يلتجئ ، وكل محزون إياك يرتجي ،

سمع العابدون بجزيل ثوابك فخشعوا ،

 وسمع المولون عن القصد بجودك فرجعوا ،

 وسمع المحرومون بسعة فضلك فطمعوا ، حتى ازدحمت عصائب العصاة من عبادك  ببابك  وعجت إليك الألسن بأصناف الدعاء في بلادك ، فكل أمل ساق صاحبه إليك محتاجا ، وكل قلب تركه وجيب الخوف إليك مهتاجا

 سيدي وأنت المسؤول الذي لا تسود لديه وجوه المطالب ، ولم يردد راجيه فيزيله عن الحق إلى المعاطب

 سيدي إن أخطأت طريق النظر لنفسي بما فيه كرامتها فقد أصبت طريق الفرج بما فيه سلامتها ،

 سيدي إن كانت نفسي استعبدتني متمردة علي بما يرجيها فقد استعبدتها الآن على ما ينجيها ،

سيدي إن أجحف بي زاد الطريق في المسير إليك ، فقد أوصلته بذخائر ما أعددته من فضل تعويلي عليك .

سيدي إذا ذكرت رحمتك ضحكت لها عيون مسائلي ، وإذا ذكرت عقوبتك بكت لها جفون وسائلي ،

سيدي أدعوك دعاء من لم يدع غيرك في دعائه ، وأرجوك رجاء من لم يقصد غيرك برجائه ،

 سيدي وكيف أرد عارض تطلعي إلى نوالك وإنما أنا في هذا الخلق أحد عيالك ،

سيدي كيف اسكت بالافحام لسان ضراعتي وقد أقلقني ما أبهم علي من تقدير عاقبتي .

 سيدي قد علمت حاجة جسمي إلى ما قد تكفلت لي من الرزق أيام حياتي وعرفت قلة استغنائي عنه بعد وفاتي ،

فيا من سمح لي به متفضلا في العاجل ، لا تمنعنيه يوم حاجتي إليه في الآجل ، فمن شواهد نعماء الكريم إتمام نعمائه ، ومن محاسن آلاء الجواد إكمال آلائه .

 إلهي لولا ما جهلت من أمري لم أستقلك عثراتي ، ولولا ما ذكرت من شدة التفريط لم أسكب عبراتي ،

 سيدي فامح مثبتات العثرات لمسبلات العبرات ، وهب كثير السيئات ، بقليل الحسنات .

 سيدي إن كنت لا ترحم إلا المجدين في طاعتك فإلى من يفزع المقصرون ؟

وإن كنت لا تقبل إلا من المجتهدين فإلى من يلجأ الخاطئون ؟

 وإن كنت لا تكرم إلا أهل الاحسان فكيف يصنع المسيئون ؟

 وإن كان لا يفوز يوم الحشر إلا المتقون فبمن يستغيث المذنبون ؟

سيدي إن كان لا يجوز على الصراط إلا من أجازته براءة عمله فأنى بالجواز لمن لم يتب إليك قبل دنو أجله ؟

 وإن لم تجد إلا على من عمر بالزهد مكنون سريرته ، فمن للمضطر الذي لم يرضه بين العالمين سعى نقيته ؟

 سيدي إن حجبت عن أهل توحيدك نظر تغمدك بخطيئاتهم أوبقهم غضبك بين المشركين بكرباتهم ،

 سيدي إن لم تشملنا يد إحسانك يوم الورود ، اختلطنا في الخزي يوم الحشر بذوي الجحود .

فأوجب لنا بالاسلام مذخور هباتك ، واصف ما كدرته الجرائم بصفح صلاتك ،

 سيدي ليس لي عندك عهد اتخذته ، ولا كبير عمل أخلصته إلا أني واثق بكريم أفعالك ، راج لجسيم إفضالك عودتني من جميل تطولك عادة أنت أولى باتمامها ، ووهبت لي من خلوص معرفتك حقيقة أنت المشكور على إلهامها .

 سيدي ما جفت هذه العيون لفرط بكائها ، ولا جادت هذه الجفون بفيض مائها ، ولا أسعدها نحيب الباكيات الثاكلات لفقد عزائها ، إلا لما أسفلته من عمدها وخطائها ، وأنت القادر سيدي على كشف غماها .

 سيدي أمرت بالمعروف وأنت أولى به من المأمورين ، وحضضت على إعطاء السائلين وأنت خير المسؤولين ، وندبت إلى عتيق الرقاب وأنت خير المعتقين ، وحثثت على الصفح عن المذنبين وأنت أكرم الصافحين ،

 سيدي إن تلونا من كتابك سعة رحمتك أشفقنا من مخالفتك ، وفرحنا ببذل رحمتك ، وإذا تلونا ذكر عقوبتك جددنا في طاعتك ، وفرقنا من أليم نقمتك ، فلا رحمتك تؤمننا ، ولا سخطك يؤيسنا .

 سيدي كيف يتمنع من فيها من طوارق الرزايا ، وقد رشق في كل دار منها سهم من سهام المنايا ،

 سيدي إن كان ذنبي منك قد أخافني فان حسن ظني بك قد أجارني ،

 وإن كان خوفك قد أربقني فان حسن نظرك لي قد أطلقني ،

 سيدي إن كان قد دنا مني أجلي ولم يقربني منك عملي ، فقد جعلت الاعتراف بالذنب أوجه وسائل عللي .

 سيدي من أولى بالرحمة منك إن رحمت ،

 ومن أعدل في الحكم منك إن عذبت ،

سيدي لم تزل برا بي أيام حياتي ، فلا تقطع لطيف برك بي بعد وفاتي

 سيدي كيف آيس من حسن نظرك بي بعد مماتي ، وأنت لم تولني إلا جميلا في حياتي ،

 سيدي عفوك أعظم من كل جرم ، ونعمتك ممحاة لكل إثم ،

 سيدي إن كانت ذنوبي قد أخافتني فان محبتي لك قد آمنتني ، فتول من أمري ما أنت أهله وعد بفضلك على من قد غمره جهله ،

 يا من السر عنده علانية ، ولا تخفى عليه من الغوامض خافية ، فاغفر لي ما خفى على الناس من أمري ، وخفف برحمتك من ثقل الأوزار ظهري .

 سيدي سترت علي ذنوبي في الدنيا ، ولم تظهرها ، فلا تفضحني بها في القيامة واسترها ، فمن أحق بالستر منك يا ستار ،

ومن أولى منك بالعفو عن المذنبين يا غفار ، إلهي جودك بسط أملي ، وسترك قبل عملي ، فسرني بلقائك عند اقتراب أجلي ،

 سيدي ليس اعتذاري إليك اعتذار من يستغني عن قبول عذره ، ولا تضرعي تضرع من يستنكف عن مسئلتك لكشف ضره ،

 فاقبل عذري يا خير من اعتذر إليه المسيؤون ، وأكرم من استغفره الخاطئون .

 سيدي لا تردني في حاجة قد أفنيت عمري في طلبها منك ولا أجد غيرك معدلا بها عنك ، سيدي لو أردت إهانتي لم تهدني ،

 ولو أردت فضيحتي لم تسترني ، فأدم إمتاعي بماله هديتني ، ولا تهتك عما به سترتني ،

 سيدي لولا ما اقترفت من الذنوب ما خفت عقابك ،

 ولولا ما عرفت من كرمك ما رجوت ثوابك ، وأنت أكرم الأكرمين بتحقيق آمال الآملين ، وأرحم من استرحم في التجاوز عن المذنبين .

 سيدي ألقتني الحسنات بين جودك واحسانك ، وألقتني السيئات بين عفوك وغفرانك ، وقد رجوت أن لا يضيع بين ذين وذين مسئ مرتهن بجريرته ، ومحسن مخلص في بصيرته ،

سيدي إني شهد لي الايمان بتوحيدك ، ونطق لساني بتمجيدك ودلني القرآن على فواضل جودك ، فكيف لا يبتهج رجائي بتحقيق موعودك ، ولا تفرح أمنيتي بحسن مزيدك ،

 سيدي إن غفرت فبفضلك ، وإن عذبت فبعدلك فيا من لا يرجى إلا فضله ، ولا يخشى إلا عدله ، امنن علي بفضلك ، ولا تستقص علي في عدلك .

 سيدي أدعوك دعاء ملح لا يمل مولاه ، وأتضرع إليك تضرع من أقر على نفسه بالحجة في دعواه ، وخضع لك خضوع من يؤملك لآخرته ودنياه ، فلا تقطع عصمة رجائي ، واسمع تضرعي ، واقبل دعائي ، وثبت حجتي على ما أثبت من دعواي .

 سيدي لو عرفت اعتذارا من الذنب لاتيته ، فأنا المقر بما أحصيته وجنيته وخالفت أمرك فيه فتعديته ، فهب لي ذنبي بالاعتراف ، ولا تردني في طلبتي عند الانصراف ، سيدي قد أصبت من الذنوب ما قد عرفت ، وأسرفت على نفسي بما قد علمت ، فاجعلني عبدا إما طائعا فأكرمته وإما عاصيا فرحمته .

 سيدي كأني بنفسي قد أضجعت بقعر حفرتها ، وانصرف عنها المشيعون من جيرتها ، وبكى عليها الغريب لطول غربتها ، وجاد عليها بالدموع المشفق من عشيرتها وناداها من شفير القبر ذو مودتها ورحمها المعادي لها في الحياة عند صرعتها ، ولم يخف على الناظرين إليها فرط فاقتها ، ولا على من قد رآها توسدت الثرى عجز حيلتها ، فقلت : ملائكتي فريد نأى عنه الأقربون ، وبعيد جفاه الأهلون ووحيد فارقه المال والبنون نزل بي قريبا ، وسكن اللحد غريبا ، وكان لي في دار الدنيا داعيا ، ولنظري له في هذا اليوم راجيا ، فتحسن عند ذلك ضيافتي ، وتكون أشفق علي من أهلي وقرابتي .

 إلهي وسيدي لو أطبقت ذنوبي ما بين ثرى الأرض إلى أعنان السماء ، وخرقت النجوم إلى حد الانتهاء ، ما ردني اليأس عن توقع غفرانك ، ولا صرفني القنوط عن انتظار رضوانك ،

 سيدي قد ذكرتك بالذكر الذي ألهمتنيه ، ووحدتك بالتوحيد الذي أكرمتنيه ، ودعوتك بالدعاء الذي علمتنيه ، فلا ترحمني برحمتك الجزاء الذي وعدتنيه ، فمن النعمة لك علي أن هديتني بحسن دعائك ، ومن إتمامها أن توجب لي  محمودة  جزائك

 سيدي أنتظر عفوك كما ينتظره المذنبون ، وليس أيأس من رحمتك التي يتوقعها المحسنون ،

 وإلهي وسيدي انهملت بالسكب عبراتي ، حين ذكرت خطاياي وعثراتي ، ومالها لا تنهمل وتجري وتفيض ماؤها وتذرى ولست أدري إلى ما يكون مصيري ، وعلى ما يتهجم عند البلاغ مسيري ،

 يا انس كل غريب مفرد آنس في القبر وحشتي ، ويا ثاني كل وحيد ارحم في الثرى طول وحدتي .

سيدي كيف نظرك لي بين سكان الثرى ؟ وكيف صنيعك بي في دار الوحشة والبلى ؟ فقد كنت بي لطيفا أيام حياة الدنيا ،

 يا أفضل المنعمين في آلائه ، وأنعم المفضلين في نعمائه ، كثرت أياديك فعجزت عن إحصائها ، وضقت ذرعا في شكري لك بجزائها ،

 فلك الحمد على ما أوليت من التفضل ، ولك الشكر على ما أبليت من التطول .

 يا خير من دعاه الداعون ، وأفضل من رجاه الراجون ، بذمة الاسلام أتوسل إليك ، وبحرمة القرآن أعتمد عليك ، وبمحمد وأهل بيته أستشفع وأتقرب وأقدمهم أمام حاجتي إليك في الرغب والرهب

 اللهم فصل على محمد وأهل بيته الطاهرين ، واجعلني بحبهم يوم العرض عليك نبيها ، ومن الأنجاس والأرجاس نزيها ، وبالتوسل بهم إليك مقربا وجيها .

 يا كريم الصفح والتجاوز ، ومعدن العوارف والجوائز ، كن عن ذنوبي صافحا متجاوزا ، وهب لي من مراقبتك ما يكون بيني وبين معصيتك حاجزا ،

سيدي إن من تقرب منك لمكين من موالاتك ،

 وإن من تحبب إليك لقمين بمرضاتك ،

وإن من تعرف بك لغير مجهول ،

وإن من استجار بك لغير مخذول .

 سيدي أتراك تحرق بالنار وجها طالما خر ساجدا بين يديك ، أم تراك تغل إلى الأعناق أكفا طالما تضرعت في دعائها إليك ، أم تراك تقيد بأنكال الجحيم أقداما طالما خرجت من منازلها طمعا فيما لديك منا منك عليها لامنا منها عليك .

 سيدي كم من نعمة لك علي قل لك عندها شكري ، وكم من بلية ابتليتني  بها عجز عنها صبري ، فيا من قل شكري عند نعمه فلم يحرمني ، وعجز صبري عند بليتي فلم يخذلني ، جميل فضلك علي أبطرني وجليل حلمك عني غرني

قويت بعافيتك على معصيتك ، وأنفقت نعمتك في سبيل مخالفتك ، وأفنيت عمري في غير طاعتك ، فلم يمنعك جرأتي على ما عنه نهيتني ، ولا انتهاكي ما منه حذرتني : أن سترتني بحلمك الساتر ، وحجبتني عن عين كل ناظر ، وعدت بكريم أياديك حين عدت بارتكاب معاصيك فأنت العواد بالاحسان ، وأنا العواد بالعصيان .

 سيدي أتيتك معترفا لك بسوء فعلي ، خاضعا لك باستكانة ذلي ، راجيا منك جميل ما عرفتنيه ، من الفضل الذي عودتنيه ، فلا تصرف رجائي من فضلك خائبا ،

 ولا تجعل ظني بتطولك كاذبا ،

 سيدي إن آمالي فيك يتجاوز آمال الآملين ، وسؤالي إياك لا يشبه سؤال السائلين ، لان السائل إذا منع امتنع عن السؤال ، وأنا فلا غناء بي عنك في كل حال .

 سيدي غرني بك حلمك عني إذ حلمت ، وعفوك عن ذنبي إذ رحمت ، وقد علمت أنك قادر أن تقول للأرض خذيه فتأخذني ، وللسماء أمطريه حجارة فتمطرني ولو أمرت بعضي  أن  يأخذ بعضا لما أمهلني ، فامنن علي بعفوك عن ذنبي ، وتب علي توبة نصوحا تطهر بها قلبي .

سيدي أنت نوري في كل ظلمة ، وذخري لكل ملمة ، وعمادي عند كل شدة ، وأنيسي في كل خلوة ووحدة ، فأعذني من سوء مواقف الخائنين واستنقذني من ذل مقام الكاذبين .

 سيدي أنت دليل من انقطع دليله ، وأمل من امتنع تأميله ، فإن كان ذنوبي حالت بين دعائي وإجابتك ، فلم يحل كرمك بيني وبين مغفرتك وإنك لا  تضل من هديت ، ولا تذل من واليت ، ولا يفتقر من أغنيت ولا يسعد من أشقيت وعزتك لقد أحببتك محبة استقرت في قلبي حلاوتها ، وآنست نفسي ببشارتها ومحال في عدل أقضيتك أن تسد أسباب رحمتك عن معتقدي محبتك .

 سيدي لولا توفيقك ضل الحائرون ، ولولا تسديدك لم ينج المستبصرون أنت سهلت لهم السبيل حتى وصلوا ، وأنت أيدتهم بالتقوى حتى عملوا ، فالنعمة عليهم منك جزيلة ، والمنة منك لديهم موصولة .

 سيدي أسئلك مسألة مسكين ضارع ، مستكين خاضع ، أن تجعلني من الموقنين خبرا وفهما ، والمحيطين معرفة وعلما ، إنك لم تنزل كتبك إلا بالحق ، ولم ترسل رسلك إلا بالصدق ، ولم تترك عبادك هملا ولا سدى ، ولم تدعهم بغير بيان ولا هدى ولم ترض منهم بالجهالة والإضاعة ، بل خلقتهم ليعبدوك ، ورزقتهم ليحمدوك ، ودللتهم على وحدانيتك ليوحدوك ، ولم تكلفهم من الامر ما لا يطيقون ولم تخاطبهم بما يجهلون ، بل هم بمنهجك عالمون ، وبحجتك مخصوصون ، أمرك فيهم نافذ ، وقهرك بنواصيهم آخذ ، تجتبي من تشاء فتدنيه ، وتهدي من أناب إليك من معاصيك فتنجيه ، تفضلا منك بجسيم نعمتك ، على من أدخلته في سعة رحمتك يا أكرم الأكرمين ، وأرأف الراحمين .

 سيدي خلقتني فأكملت تقديري ، وصورتني فأحسنت تصويري ، فصرت بعد العدم موجودا وبعد المغيب شهيدا ، وجعلتني بتحنن رأفتك تاما سويا ، وحفظتني في المهد طفلا صبيا ، ورزقتني من الغذاء سائغا هنيئا ثم وهبت لي رحمة الآباء والأمهات ، وعطفت علي قلوب الحواضن والمربيات ، كافيا لي شرور الإنس والجان ، مسلما لي من الزيادة والنقصان ، حتى أفصحت ناطقا بالكلام ثم أنبتني زائدة في كل عام ، وقد أسبغت علي ملابس الانعام . ثم رزقتني من ألطاف المعاش ، وأصناف الرياش ، وكنفتني بالرعاية في جميع مذاهبي ، وبلغتني ما أحاول من سائر مطالبي إتماما لنعمتك لدي ، وإيجابا  لحجتك علي ، وذلك أكثر من أن يحصيه القائلون ، أو يثني بشكره العاملون فخالفت ما يقربني منك ، واقترفت ما يباعدني عنك ، فظاهرت علي جميل سترك وأدنيتني بحسن نظرك وبرك ، ولم يباعدني عن إحسانك تعرضي لعصيانك . بل تابعت علي في نعمك ، وعدت بفضلك وكرمك ، فان دعوتك أجبتني ، وإن سألتك أعطيتني وإن شكرتك زدتني ، وإن أمسكت عن مسئلتك ابتدأتني ، فلك الحمد على بوادي أياديك وتواليها ، حمدا يضاهي آلاءك ويكافيها .

سيدي سترت علي في الدنيا ذنوبا ضاق علي منها المخرج ، وأنا إلى سترها علي في القيامة أحوج ، فيا من جللني بستره عن لواحظ المتوسمين ، لا تزل سترك عني على رؤس العالمين .

 سيدي أعطيتني فأسنيت حظي ، وحفظتني فأحسنت حفظي ، وغذيتني فأنعمت غذائي ، وحبوتني فأكرمت مثواي ، وتوليتني بفوائد البر والاكرام وخصصتني بنوافل الفضل والانعام ، فلك الحمد على جزيل جودك ، ونوافل مزيدك ، حمدا جامعا لشكرك الواجب ، مانعا من عذابك الواصب  مكافئا لما بذلته من اقسام المواهب  .

 سيدي عودتني إسعافي بكل ما أسئلك وإجابتي إلى تسهيل كل ما أحاوله وأنا أعتمدك في كل ما يعرض لي من الحاجات ، وأنزل بك كل ما يخطر ببالي من الطلبات ، واثقا بقديم طولك ، ومدلا بكريم تفضلك ، وأطلب الخير من حيث تعودته ، والتمس النجح من معدنه الذي تعرفته ، وأعلم أنك لا تكل اللاجين إليك إلى غيرك ، ولا تخلي الراجين لحسن تطولك من نوافل برك .

 سيدي تتابع منك البر والعطاء ، فلزمني الشكر والثناء ، فما من شئ أنشره وأطويه من شكرك ، ولا قول أعيده وأبديه في ذكرك ، إلا كنت له أهلا ومحلا وكان في جنب معروفك مستصغرا مستقلا .

 سيدي أستزيدك من فوائد النعم ، غير مستبطئ منك فيه سنى الكرم وأستعيذ بك من بوادر النقم ، غير مخيل في عدلك خواطر التهم ،

 سيدي عظم قدر من أسعدته باصطفائك ، وعدم النصر من أبعدته من فنائك ،

 سيدي ما أعظم روح قلوب المتوكلين عليك ، وأنجح سعى الآملين لما لديك .

 سيدي أنت أنقذت أولياءك من حيرة الشكوك ، وأوصلت إلى نفوسهم حبرة الملوك ، وزينتهم بحلية الوقار والهيبة ، وأسبلت عليهم ستور العصمة والتوبة وسيرت هممهم في ملكوت السماء ، وحبوتهم بخصائص الفوائد والحباء ، وعقدت عزائمهم بحبل محبتك ، وآثرت خواطرهم بتحصيل معرفتك ، فهم في خدمتك متصرفون وعند نهيك وأمرك واقفون ، وبمناجاتك آنسون ، ولك بصدق الإرادة مجالسون وذلك برأفة تحننك عليهم ، وما أسديت من جميل منك إليهم .

 سيدي بك وصلوا إلى مرضاتك ، وبكرمك استشعروا ملابس موالاتك ،

 سيدي فاجعلني ممن ناسبهم من أهل طاعتك ، ولا تدخلني فيمن جانبهم من أهل معصيتك واجعل ما اعتقدته من ذكرك خالصا من شبه الفتن ، سالما من تمويه الاسرار والعلن مشوبا بخشيتك في كل أوان ، مقربا من طاعتك في الاظهار والابطان ، داخلا فيما يؤيده الدين ويعصمه ، خارجا مما تبنيه الدنيا وتهدمه ، منزها عن قصد أحد سواك ، وجيها عندك يوم أقوم لك وألقاك ، محصنا من لواحق الرئاء ، مبرءا من بوائق الأهواء ، عارجا إليك مع صالح الأعمال ، بالغدو والآصال ، متصلا لا ينقطع بوادره ، ولا يدرك آخره ، مثبتا عندك في الكتب المرفوعة في عليين ، مخزونا في الديوان المكنون الذي يشهده المقربون ، ولا يمسه إلا المطهرون .

اللهم أنت ولي الأصفياء والأخيار ، ولك الخلق والاختيار ، وقد ألبستني في الدنيا ثوب عافيتك ، وأودعت قلبي صواب معرفتك ، فلا تخلني في الآخرة عن عواطف رأفتك ، واجعلني ممن شمله عفوك ، ولم ينله سطوتك .

 يا من يعلم علل الحركات وحوادث السكون ، ولا تخفى عليه عواض الخطرات في محال الظنون ، اجعلنا من الذين أوضحت لهم الدليل عليك ، وفسحت لهم السبيل إليك ، فاستشعروا مدارع الحكمة ، واستطرفوا سبل التوبة ، حتى أناخوا في رياض الحرمة ، وسلموا من الاعتراض بالعصمة ، إنك ولي من اعتصم بنصرك ، ومجازي من أذعن بوجوب شكرك ، لا تبخل بفضلك ، ولا تسئل عن فعلك ، جل ثناؤك ، وفضل عطاؤك ، وتظاهرت نعماؤك ، وتقدست أسماؤك ، فبتسييرك يجري سداد الأمور ، وبتقديرك يمضي انقياد التدبير ، تجير ولا يجار منك ، ولا لراغب مندوحة عنك ، سبحانك لا إله إلا أنت ، عليك توكلي ، وإليك يفد أملي ، وبك ثقتي ، وعليك معولي ، ولا حول لي  عن معصيتك  إلا بتسديدك ، ولا قوة لي  على طاعتك  إلا بتأييدك ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين يا أرحم الراحمين ، وخير الغافرين .

 وصلى الله على محمد خاتم النبيين ، وعلى أهل بيته الطاهرين ، وأصحابه المنتجبين وسلم تسليما  كثيرا  ، وحسبنا الله وحده ، ونعم المعين

يا خير مدعو ، ويا خير مسؤول ، ويا أوسع من أعطى ، وخير مرتجى ، ارزقني وأوسع علي من واسع رزقك رزقا واسعا مباركا طيبا حلالا لا تعذبني عليه ، وسبب لي ذلك من فضلك إنك على كل شئ قدير . ([1])




([1])  بحار الأنوار ج 91  ص 153