منا ظرات الامام الحسن عليه السلام
مناظرته عليه السلام في فضل أبيه
اجتمع عند معاوية بن أبي سفيان ، عمرو بن عثمان بن عفان وعمرو بن العاص ، وعتبة بن أبي سفيان ، والوليد بن عقبة بن أبي معيط ، والمغيرة بن أبي شعبة ، وقد تواطؤوا على أمر واحد . فقال عمرو بن العاص لمعاوية : ألا تبعث إلى الحسن بن علي فتحضره ، فقد أحيا سنة أبيه ، وخفقت النعال خلفه ، أمر فأطيع وقال فصدق ، وهذان يرفعان به إلى ما هو أعظم منهما ، فلو بعثت إليه فقصرنا به وبأبيه ، وسببناه وسببنا أباه ، وصغرنا بقدره وقدر أبيه ، وقعدنا لذلك حتى صدق لك فيه . فقال لهم معاوية : أنى أخاف ان يقلدكم قلائد ، يبقى عليكم عارها ، حتى تدخلكم قبوركم ، والله ما رأيته قط الا كرهت جنابه وهبت عتابه ، وإني إن بعثت إليه لأنصفنه منكم . فبعثوا إلى الحسن عليه السلام ، فلما أتاه الرسول قال له : يدعوك معاوية ، قال : ومن عنده ؟ قال الرسول : عنده فلان وفلان ، وسمى كلا منهم باسمه ، فقال الحسن عليه السلام : ما لهم خر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون . فلما أتى معاوية رحب به وحياه وصافحه ، فقال معاوية : أجل ، ان هؤلاء بعثوا إليك وعصوني ليقروك ان عثمان قتل مظلوما ، وان أباك قتله ، فاسمع منهم ثم أجبهم بمثل ما يكلمونك ، فلا يمنعك مكاني من جوابهم . فقال الحسن عليه السلام : فسبحان الله ، البيت بيتك والاذن فيه إليك ، والله لئن أجبتهم إلى ما أرادوا اني لأستحيي لك من الفحش ، وان كانوا غلبوك على ما تريد ، إني لأستحيي لك من الضعف ، فبأيهما تقر ومن أيهما تعتذر ، واما اني لو علمت بمكانهم واجتماعهم لجئت بعدتهم من بني هاشم ، مع اني مع وحدتي هم أوحش مني من جمعهم ، فان الله عز وجل لوليي اليوم وفيما بعد اليوم ، فمرهم فليقولوا فاسمع ، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم . ثم تكلموا كلهم ، وكان كلامهم وقولهم كله وقوعا في علي عليه السلام ، ثم سكتوا ، فتكلم أبو محمد الحسن بن علي عليه السلام فقال : الحمد لله الذي هدى أولكم بأولنا ، وآخركم بآخرنا ، وصلى الله على جدي محمد النبي واله وسلم ، اسمعوا مني مقالتي وأعيروني فهمكم ، وبك ابدأ يا معاوية ، انه لعمر الله يا ازرق ما شتمني غيرك وما هؤلاء شتموني ، ولا سبني غيرك وما هؤلاء سبوني ، ولكن شتمتني وسببتني ، فحشا منك وسوء رأى ، وبغيا وعدوانا ، وحسدا علينا وعداوة لمحمد صلى الله عليه واله قديما وحديثا . وانه والله لو كنت انا وهؤلاء يا ازرق مشاورين في مسجد رسول الله صلى الله عليه واله ، وحولنا المهاجرون والأنصار ما قدروا ان يتكلموا به ولا استقبلوني بما استقبلوني به . فاسمعوا مني أيها الملا المجتمعون المتعاونون علي ، ولا تكتموا حقا علمتموه ، ولا تصدقوا بباطل ان نطقت به ، وسأبدأ بك يا معاوية ، ولا أقول فيك الا دون ما فيك . أنشدكم بالله هل تعلمون ان الرجل الذي شتمتموه صلى القبلتين كلتيهما ، وأنت تراهما جميعا ، وأنت في ضلالة تعبد اللات والعزى ، وبايع البيعتين كلتيهما بيعة الرضوان وبيعة الفتح ، وأنت يا معاوية بالأولى كافر وبالأخرى ناكث ؟ ثم قال : أنشدكم بالله هل تعلمون ان ما أقول حقا ، انه لقيكم مع رسول الله صلى الله عليه واله يوم بدر ومعه راية النبي صلى الله عليه واله والمؤمنين ، ومعك يا معاوية راية المشركين ، وأنت تعبد اللات والعزى ، وترى حرب رسول الله صلى الله عليه واله فرضا واجبا ؟ ولقيكم يوم أحد ومعه راية النبي ، ومعك يا معاوية راية المشركين ؟ ولقيكم يوم الأحزاب ومعه راية رسول الله صلى الله عليه واله ومعك يا معاوية راية المشركين ؟ كل ذلك يفلج الله حجته ويحق دعوته ويصدق أحدوثته ، وينصر رايته ، وكل ذلك رسول الله يرى عنه راضيا في المواطن كلها ساخطا عليك . ثم أنشدكم بالله هل تعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله حاصر بني قريظة وبني النضير ، ثم بعث عمر بن الخطاب ومعه راية المهاجرين ، وسعد بن معاذ ومعه راية الأنصار ، فاما سعد بن معاذ فخرج وحمل جريحا ، واما عمر فرجع هاربا ، وهو يجبن أصحابه ويجبنه أصحابه ، فقال رسول الله صلى الله عليه واله : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، كرار غير فرار ، ثم لا يرجع حتى يفتح الله على يديه . فتعرض لها أبو بكر وعمر وغيرهما من المهاجرين والأنصار ، وعلي يومئذ أرمد شديد الرمد ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه واله فتفل في عينه ، فبرأ من رمده ، وأعطاه الراية فمضى ، ولم يثن حتى فتح الله عليه بمنه وطوله ، وأنت يومئذ بمكة عدو لله ولرسوله ؟ فهل يستوي بين رجل نصح لله ولرسوله ، ورجل عادى الله ورسوله ؟ ثم اقسم بالله ما اسلم قلبك بعد ، ولكن اللسان خائف فهو يتكلم بما ليس في القلب ! أنشدكم بالله أتعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله استخلفه على المدينة في غزوة تبوك ، ولا سخطه ذلك ولا كرهه ، وتكلم فيه المنافقون ، فقال : لا تخلفني يا رسول الله فاني لم أتخلف عنك في غزوة قط ، فقال رسول الله صلى الله عليه واله : أنت وصيي وخليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى ، ثم اخذ بيد علي عليه السلام ، فقال : أيها الناس من تولاني فقد تولى الله ، ومن تولى عليا فقد تولاني ، ومن أطاعني فقد أطاع الله ، ومن أطاع عليا فقد أطاعني ، ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أحب عليا فقد أحبني . ثم قال : أنشدكم بالله أتعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله قال في حجة الوداع : أيها الناس ! اني قد تركت فيكم ما لم تضلوا بعده ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فأحلوا حلاله وحرموا حرامه ، واعملوا بمحكمه وامنوا بمتشابهه ، وقولوا : امنا بما انزل الله من الكتاب ، وأحبوا أهل بيتي وعترتي ، ووالوا من والاهم وانصروهم على من عاداهم ، وانهما لن يزالا فيكم حتى يردا على الحوض يوم القيامة . ثم دعا وهو على المنبر عليا فاجتذبه بيده فقال : اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، اللهم من عادى عليا فلا تجعل له في الأرض مقعدا ، ولا في السماء مصعدا ، واجعله في أسفل درك من النار . وأنشدكم بالله أتعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله قال له : أنت الذائد عن حوضي يوم القيامة ، تذود عنه كما يذود أحدكم الغريبة من وسط إبله . أنشدكم بالله أتعلمون انه دخل على رسول الله صلى الله عليه واله في مرضه الذي توفى فيه ، فبكى رسول الله صلى الله عليه واله فقال علي : ما يبكيك يا رسول الله ؟ فقال : يبكيني اني اعلم ان لك في قلوب رجال من أمتي ضغائن ، لا يبدونها لك حتى أتولى عنك ؟ أنشدكم بالله أتعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله حين حضرته الوفاة واجتمع عليه أهل بيته ، قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي ، اللهم وال من والاهم ، وعاد من عاداهم ، وقال : انما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح ، من دخل فيها نجى ، ومن تخلف عنها غرق . وأنشدكم بالله أتعلمون ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله قد سلموا عليه بالولاية في عهد رسول الله صلى الله عليه واله وحياته ؟ وأنشدكم بالله أتعلمون ان عليا أول من حرم الشهوات كلها على نفسه من أصحاب رسول الله ، فانزل الله عز وجل : ( يا أيها الذين امنوا لا تحرموا طيبات ما أحل لكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين * وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ) ، وكان عنده علم المنايا وعلم القضايا وفصل الكتاب ، ورسوخ العلم ومنزل القران . وكان رهط لا نعلمهم يتمون عشرة نبأهم الله انهم مؤمنون ، وأنتم في رهط قريب من عدة ، أولئك لعنوا على لسان رسول الله صلى الله عليه واله ، فاشهد لكم واشهد عليكم انكم لعناء الله على لسان نبيه كلكم . وأنشدكم بالله هل تعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله بعث إليك لتكتب له لبني خزيمة حين أصابهم خالد بن الوليد فانصرف إليه الرسول فقال : هو يأكل ، فأعاد الرسول إليك ثلاث مرات ، كل ذلك ينصرف الرسول إليه ويقول : هو يأكل ، فقال رسول الله صلى الله عليه واله : اللهم لا تشبع بطنه ، فهي والله في نهمتك وأكلك إلى يوم القيامة . ثم قال : أنشدكم بالله هل تعلمون ان ما أقول حقا ، انك يا معاوية كنت تسوق بأبيك على جمل احمر يقوده أخوك هذا القاعد ، وهذا يوم الأحزاب ، فلعن رسول الله القائد والراكب والسائق ، فكان أبوك الراكب ، وأنت يا ازرق السائق ، وأخوك هذا القاعد القائد . أنشدكم بالله هل تعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله لعن ابا سفيان في سبعة مواطن : أولهن : حين خرج من مكة إلى المدينة وأبو سفيان جاء من الشام ، فوقع فيه أبو سفيان فسبه وأوعده ، وهم ان يبطش به ثم صرفه الله عز وجل عنه . والثانية : يوم العير حيث طردها أبو سفيان ليحرزها من رسول الله . والثالثة : يوم أحد ، قال رسول الله صلى الله عليه واله : الله مولانا ولا مولى لكم ، وقال أبو سفيان : لنا العزى ولا عزى لكم ، فلعنه الله وملائكته ورسله والمؤمنون أجمعون . والرابعة : يوم حنين يوم جاء أبو سفيان يجمع قريش وهوازن وجاء عيينة بغطفان واليهود ، فردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا ، هذا قول الله عز وجل انزل في سورتين في كلتيهما ، يسمى ابا سفيان وأصحابه كفارا ، وأنت يا معاوية يومئذ مشرك على رأى أبيك بمكة ، وعلي يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه واله وعلى رأيه ودينه . والخامسة : قول الله عز وجل : ( والهدى معكوفا ان يبلغ محله ) ، وصددت أنت وأبوك ومشركو قريش رسول الله ، فلعنه الله لعنة شملته وذريته إلى يوم القيامة . والسادسة : يوم الأحزاب يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش ، وجاء عيينة بن حصين بن بدر بغطفان ، فلعن رسول الله القادة والاتباع والساقة إلى يوم القيامة ، فقيل : يا رسول الله اما في الاتباع مؤمن ؟ قال : لا تصيب اللعنة مؤمنا من الاتباع ، اما القادة فليس فيهم مؤمن ولا مجيب ولا ناج . والسابعة : يوم الثنية ، يوم شد على رسول الله صلى الله عليه واله اثنا عشر رجلا ، سبعة منهم من بني أمية ، وخمسة من سائر قريش ، فلعن الله تبارك وتعالى ورسول الله من حل الثنية غير النبي صلى الله عليه واله وسائقه وقائده . ثم أنشدكم بالله هل تعلمون ان ابا سفيان دخل على عثمان حين بويع في مسجد رسول الله صلى الله عليه واله فقال : يا بن أخي هل علينا من عين ؟ فقال : لا ، فقال أبو سفيان : تداولوا الخلافة يا فتيان بني أمية ، فو الذي نفس أبي سفيان بيده ، ما من جنة ولا نار ؟ وأنشدكم بالله أتعلمون ان ابا سفيان اخذ بيد الحسين حين بويع عثمان ، وقال : يا بن أخي اخرج معي إلى بقيع الغرقد ، فخرج حتى إذا توسط القبور اجتره ، فصاح بأعلى صوته : يا أهل القبور الذي كنتم تقاتلونا عليه صار بأيدينا وأنتم رميم ، فقال الحسين بن علي عليه السلام : قبح الله شيبتك وقبح وجهك ، ثم نتر يده وتركه ، فلولا النعمان بن بشير اخذ بيده ورده إلى المدينة لهلك . فهذا لك يا معاوية ، فهل تستطيع ان ترد علينا شيئا من لعنتك يا معاوية ، وان أباك ابا سفيان كان يهم ان يسلم فبعثت إليه بشعر معروف مروي في قريش وغيرهم تنهاه عن الاسلام وتصده . ومنها : ان عمر بن الخطاب ولاك الشام فخنت به ، وولاك عثمان فتربصت به ريب المنون ، ثم أعظم من ذلك جرأتك على الله ورسوله انك قاتلت عليا عليه السلام ، وقد عرفته وعرفت سوابقه ، وفضله وعلمه ، على امر هو أولى به منك ومن غيرك ، عند الله وعند الناس ، ولآذيته بل أوطأت الناس عشوة ، وأرقت دماء خلق من خلق الله بخدعك وكيدك وتمويهك ، فعل من لا يؤمن بالمعاد ولا يخشى العقاب . فلما بلغ الكتاب اجله صرت إلى شر مثوى وعلي إلى خير منقلب ، والله لك بالمرصاد فهذا لك يا معاوية خاصة ، وما أمسكت عنه من مساويك وعيوبك فقد كرهت به التطويل . واما أنت يا عمرو بن عثمان ، فلم تكن للجواب حقيقا بحمقك ، ان تتبع هذه الأمور ، فإنما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة : استمسكي فاني أريد ان انزل عنك ، فقالت لها النخلة : ما شعرت بوقوعك ، فكيف يشق علي نزولك ، واني والله ما شعرت انك تجسر ان تعادي لي فيشق علي ذلك ، واني لمجيبك في الذي قلت . ان سبك عليا عليه السلام أينقص في حسبه ، أو يباعده من رسول الله ، أو يسوء بلاءه في الاسلام ، أو بجور في حكم ، أو رغبة في الدنيا ، فان قلت واحدة منها فقد كذبت . واما قولك : ان لكم فينا تسعة عشر دما بقتلي مشركي بني أمية ببدر ، فان الله ورسوله قتلهم ، ولعمري ليقتلن في بني هاشم تسعة عشر وثلاثة بعد تسعة عشر ، ثم يقتل من بني أمية تسعة عشر وتسعة عشر في موطن واحد ، سوى ما قتل من بني أمية لا يحصي عددهم الا الله . وان رسول الله صلى الله عليه واله قال : إذا بلغ ولد الوزغ ثلاثين رجلا ، اخذوا مال الله بينهم دولا ، وعباده خولا ، وكتابه دغلا ، فإذا بلغوا ثلاثمائة وعشر حقت اللعنة عليهم ولهم ، فإذا بلغوا أربعمائة وخمسة وسبعين كان هلاكهم اسرع من لوك تمرة ، فاقبل الحكم بن أبي العاص ، وهم في ذلك الذكر والكلام ، فقال رسول الله : اخفضوا أصواتكم فان الوزغ يسمع ، وذلك حين رآهم رسول الله صلى الله عليه واله ومن يملك بعده منهم امر هذه الأمة - يعني في المنام - فساءه ذلك وشق عليه . فانزل الله عز وجل في كتابه : ( وما جعلنا الرؤيا التي أريناك الا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القران ) ، يعني بني أمية ، وانزل أيضا : ( ليلة القدر خير من الف شهر ) ، فاشهد لكم واشهد عليكم ما سلطانكم بعد قتل علي الا الف شهر ، التي اجلها الله عز وجل في كتابه . واما أنت يا عمرو بن العاص ، الشانئ اللعين الأبتر ، فإنما أنت كلب ، أول امرك ان أمك بغية ، وانك ولدت على فراش مشترك ، فتحاكمت فيك رجال قريش ، منهم أبو سفيان بن الحرب والوليد بن المغيرة وعثمان بن الحارث ، والنضر بن الحارث بن كلدة ، والعاص بن وائل ، كلهم يزعم انك ابنه ، فغلبهم عليك من بين قريش ألأمهم حسبا ، وأخبثهم منصبا ، وأعظمهم بغية . ثم قمت خطيبا وقلت : انا شاني محمد ، وقال العاص بن وائل : ان محمدا رجل أبتر لا ولد له ، فلو قد مات انقطع ذكره ، فانزل الله تبارك وتعالى : ( ان شانئك هو الأبتر ) . وكانت أمك تمشي إلى عبد قيس تطلب البغية ، تأتيهم في دورهم ورحالهم وبطون أوديتهم ، ثم كنت في كل مشهد يشهده رسول الله من عدوه ، أشدهم له عداوة وأشدهم له تكذيبا . ثم كنت في أصحاب السفينة الذين اتوا النجاشي والمهجر الخارج إلى الحبشة في الإشاطة بدم جعفر بن أبي طالب وسائر المهاجرين إلى النجاشي ، فحاق المكر السئ بك ، وجعل جدك الأسفل ، وأبطل أمنيتك ، وخيب سعيك ، وأكذب أحدوثتك ، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا . واما قولك في عثمان ، فأنت يا قليل الحياء والدين ، الهبت عليه نارا ثم هربت إلى فلسطين تتربص به الدوائر ، فلما اتاك خبر قتله حبست نفسك على معاوية ، فبعته دينك يا خبيث بدنيا غيرك ، ولسنا نلومك على بغضنا ، ولم نعاتبك على حبنا ، وأنت عدو لبني هاشم في الجاهلية والاسلام ، وقد هجوت رسول الله صلى الله عليه واله بسبعين بيتا من شعر ، فقال رسول الله صلى الله عليه واله : اللهم اني لا أحسن الشعر ولا ينبغي لي ان أقوله فالعن عمرو بن العاص بكل بيت الف لعنة . ثم أنت يا عمرو المؤثر دنياك على دينك ، أهديت إلى النجاشي الهدايا ورحلت إليه رحلتك الثانية ، ولم تنهك الأولى عن الثانية ، كل ذلك ترجع مغلوبا حسيرا ، تريد بذلك هلاك جعفر وأصحابه ، فلما أخطأك ما رجوت وأملت ، أحلت على صاحبك عمارة بن الوليد . واما أنت يا وليد بن عقبة ، فوالله ما ألومك ان تبغض عليا ، وقد جلدك في الخمر ثمانين جلدة ، وقتل أباك صبرا بيده يوم بدر ، أم كيف تسبه وقد سماه الله مؤمنا في عشرة آيات من القران وسماك فاسقا ، وهو قول الله عز وجل : ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ) ، وقوله : ( ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) . وما أنت وذكر قريش ، وانما أنت ابن علج من أهل صفورية ، اسمه : ذكوان ، واما زعمك انا قتلنا عثمان ، فوالله ما استطاع طلحة والزبير وعائشة ان يقولوا ذلك لعلي بن أبي طالب ، فكيف تقوله أنت . ولو سألت أمك من أبوك إذ تركت ذكوان فألصقتك بعقبة بن أبي معيط ، اكتسبت بذلك عند نفسها سناء ورفعة ، ومع ما أعد الله لك ولأبيك ولامك من العار والخزي في الدنيا والآخرة ، وما الله بظلام للعبيد . ثم أنت يا وليد ، والله أكبر في الميلاد ممن تدعي له ، فكيف تسب عليا ولو اشتغلت بنفسك لتثبت نسبك إلى أبيك لا إلى من تدعي له ، ولقد قالت لك أمك : يا بني أبوك والله الام وأخبث من عقبة . واما أنت يا عتبة بن أبي سفيان ، فو الله ما أنت بحصيف فأجاوبك ، ولا عاقل فأعاتبك ، وما عندك خير يرجى ، وما كنت ولو سببت عليا لأعير به عليك ، لأنك عندي لست بكفو لعبد علي بن أبي طالب فارد عليك وأعاتبك ، ولكن الله عز وجل لك ولأبيك وأمك وأخيك لبالمرصاد ، فأنت ذرية ابائك ، الذين ذكرهم الله في القران فقال : ( عاملة ناصبة * تصلى نارا حامية * تسقى من عين انية - إلى قوله - من جوع ) . واما وعيدك إياي ان تقتلني ، فهلا قتلت الذي وجدته على فراشك مع حليلتك ، وقد غلبك على فرجها وشركك في ولدها ، حتى الصق بك ولدا ليس لك ، ويلا لك ، لو شغلت بنفسك بطلب ثأرك منه لكنت جديرا ولذلك حريا ، إذ تسومني القتل وتوعدني به . ولا ألومك ان تسب عليا ، وقد قتل أخاك مبارزة ، واشترك هو وحمزة بن عبد المطلب في قتل جدك ، حتى أصلاهما الله على أيديهما نار جهنم ، وأذاقهما العذاب الأليم ، ونفي عمك بأمر رسول الله صلى الله عليه واله . واما رجائي الخلافة ، فلعمر الله ان رجوتها فان لي فيها لملتمسا ، وما أنت بنظير أخيك ، ولا بخليفة أبيك ، لان أخاك أكثر تمردا على الله وأشد طلبا لإهراقه دماء المسلمين ، وطلب ما ليس له باهل يخادع الناس ويمكرهم ، ويمكر الله والله خير الماكرين . واما قولك : ان عليا كان شر قريش لقريش ، فو الله ما حقر مرحوما ولا قتل مظلوما . واما أنت يا مغيرة بن شعبة ، فإنك لله عدو ، ولكتابه نابذ ، ولنبيه مكذب ، وأنت الزاني وقد وجب عليك الرجم ، وشهد عليك العدول البررة الأتقياء ، فاخر رجمك ، ودفع الحق بالأباطيل والصدق بالأغاليط ، وذلك لما أعد الله لك من العذاب الأليم والخزي في الحياة الدنيا ، ولعذاب الآخرة اخزى . وأنت الذي ضربت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله حتى أدميتها وألقت ما في بطنها ، استذلالا منك لرسول الله صلى الله عليه واله ومخالفة منك لامره ، وانتهاكا لحرمته ، وقد قال لها رسول الله صلى الله عليه واله : يا فاطمة أنت سيدة نساء أهل الجنة ، والله مصيرك إلى النار وجاعل وبال ما نطقت به عليك . فبأي الثلاثة سببت عليا ، انقصا في نسبه ، أم بعدا من رسول الله ، أم سوء بلاء في الاسلام ، أم جورا في حكم ، أم رغبة في الدنيا ، ان قلت بها فقد كذبت وكذبك الناس . أتزعم ان عليا عليه السلام قتل عثمان مظلوما ، فعلي والله اتقى وأنقى من لائمه في ذلك ، ولعمري لئن كان علي قتل عثمان مظلوما ، فو الله ما أنت في ذلك في شئ ، فما نصرته حيا ولا تعصبت له ميتا ، وما زالت الطائف دارك تتبع البغايا وتحيي امر الجاهلية ، وتميت الاسلام حتى كان ما كان في أمس . واما اعتراضك في بني هاشم وبني أمية ، فهو ادعاؤك إلى معاوية ، واما قولك في شأن الامارة وقول أصحابك في الملك الذي ملكتموه فقد ملك فرعون مصر أربعمائة سنة ، وموسى وهارون نبيان مرسلان يلقيان ما يلقيان من الأذى ، وهو ملك الله يعطيه البر والفاجر ، وقال الله : ( وان أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ) ، ( وإذا أردنا ان نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ) . ثم قام الحسن عليه السلام فنفض ثيابه وهو يقول : ( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات ) ، هم والله يا معاوية أنت وأصحابك هؤلاء وشيعتك ، ( والطيبون للطيبات أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم ) ، هم علي بن أبي طالب عليه السلام وأصحابه وشيعته . ثم خرج وهو يقول لمعاوية : ذق وبال ما كسبت يداك وما جنت ، وما قد أعد الله لك ولهم من الخزي في الحياة الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة . فقال معاوية لأصحابه : وأنتم فذوقوا وبال ما جنيتم ، فقال الوليد بن عقبة : والله ما ذقنا الا كما ذقت ، ولا اجتر الا عليك . فقال معاوية : ألم أقل لكم إنكم لن تنتقصوا من الرجل ، فهلا أطعتموني أول مرة فانتصرتم من الرجل إذ فضحكم ، فو الله ما قام حتى أظلم على البيت ، وهممت أن أسطو به ، فليس فيكم خير اليوم ولا بعد اليوم . وسمع مروان بن الحكم بما لقي معاوية وأصحابه المذكورون من الحسن بن علي عليه السلام ، فأتاهم فقال : أفلا أحضرتموني ذلك ، فوالله لأسبنه ولأسبن أباه وأهل البيت سبا تتغنى به الإماء والعبيد ، فأرسل معاوية إلى الحسن بن علي عليه السلام ، فلما جاء الرسول قال له الحسن عليه السلام : ما يريد هذا الطاغية مني ، والله ان أعاد الكلام لأوقرن مسامعه ما يبقى عليه عاره وشناره إلى يوم القيامة . فأقبل الحسن عليه السلام ، فقال مروان : والله لأسبنك وأباك وأهل بيتك سبا تتغنى به الإماء والعبيد . فقال الحسن عليه السلام : اما أنت يا مروان ، فلست سببتك ولا سببت أباك ، ولكن الله عز وجل لعنك ولعن أباك وأهل بيتك وذريتك وما خرج من صلب أبيك إلى يوم القيامة على لسان نبيه محمد ، والله يا مروان ما تنكر أنت ولا أحد ممن حضر هذه اللعنة من رسول الله صلى الله عليه واله لك ولأبيك من قبلك ، وما زادك الله يا مروان بما خوفك الا طغيانا كبيرا ، وصدق الله وصدق رسوله ، يقول الله تبارك وتعالى : ( والشجرة الملعونة في القران ونخوفهم فما يزيدهم الا طغيانا كبيرا ) ، وأنت يا مروان وذريتك الشجرة الملعونة في القران ، وذلك عن رسول الله صلى الله عليه واله ، عن جبرئيل ، عن الله عز وجل . فوثب معاوية فوضع يده على فم الحسن عليه السلام ، وقال : يا أبا محمد ما كنت فحاشا ، ولا طياشا ، فنفض الحسن عليه السلام ثوبه وقام فخرج ، فتفرق القوم عن المجلس بغيظ وحزن ، وسواد الوجوه في الدنيا والآخرة .
مناظرته عليه السلام في تعريف نفسه ومساوي معانديه
روي ان الحسن بن علي عليه السلام وفد على معاوية ، فحضر مجلسه ، وإذا عنده هؤلاء القوم ، ففخر كل رجل منهم على بني هاشم ووضعوا منهم ، وذكروا أشياء سائت الحسن بن علي عليه السلام وبلغت منه ، فقال الحسن بن علي عليه السلام : انا شعبة من خير الشعب ، وابائي أكرم العرب ، لنا الفخر والنسب والسماحة عند الحسب ، ونحن من خير شجرة أنبتت فروعا نامية ، وأثمارا زاكية ، وأبدانا قائمة ، فيها أصل الاسلام ، وعلم النبوة ، فعلونا حين شمخ بنا الفخر ، واستطلنا حين امتنع بنا العز ، ونحن بحور زاخرة لا تنزف ، وجبال شامخة لا تقهر . فتكلم مروان بن الحكم والمغيرة بن شعبة ووضعوه وأبيه ، فتكلم الحسن عليه السلام فقال : يا مروان أجبنا وخورا وضعفا وعجزا ، زعمت اني مدحت نفسي وانا ابن رسول الله ، وشمخت بأنفي وانا سيد شباب أهل الجنة ، وانما يبذخ ويتكبر ، ويلك من يريد رفع نفسه ، ويتبجح من يريد الاستطالة ، فاما نحن فأهل بيت الرحمة ، ومعدن الكرامة ، وموضع الخيرة ، وكنز الايمان ، ورمح الاسلام ، وسيف الدين . الا تصمت ثكلتك أمك قبل ان أرميك بالهوائل ، واسمك بميسم تستغني به عن اسمك ، فاما إيابك بالنهاب والملوك أفي اليوم الذي وليت فيه مهزوما ، وانحجزت مذعورا ، فكانت غنيمتك هزيمتك ، وغدرك بطلحة حين غدرت به فقتلته قبحا لك ، ما أغلظ جلدة وجهك . فنكس مروان رأسه وبقي المغيرة مبهوتا ، فالتفت إليه الحسن عليه السلام فقال : أعور ثقيف ما أنت من قريش فأفاخرك ، أجهلتني يا ويحك ، انا ابن خيرة الإماء وسيدة النساء ، غذانا رسول الله صلى الله عليه واله بعلم الله تبارك وتعالى ، فعلمنا تأويل القران ومشكلات الاحكام ، لنا العزة العليا والفخر والسناء . وأنت من قوم لم يثبت لهم في الجاهلية نسب ، ولا لهم في الاسلام نصيب ، عبد ابق ما له والافتخار عن مصادمة الليوث ومجاحشة الاقران ، نحن السادة ونحن المذاويد القادة ، نحمي الذمار ، وننفي عن ساحتنا العار ، وانا ابن نجيبات الابكار . ثم أشرت زعمت إلى وصي خير الأنبياء ، وكان هو بعجزك أبصر ، وبخورك اعلم ، وكنت للرد عليك منه اهلا ، لوغرك في صدرك وبدو الغدر في عينك هيهات لم يكن ليتخذ المضلين عضدا . وزعمك انك لو كنت بصفين بزعارة قيس وحلم ثقيف ، فبماذا ثكلتك أمك ، أبعجزك عند المقامات وفرارك عند المجاحشات ؟ اما والله لو التفت عليك من أمير المؤمنين الأشاجع ، لعلمت انه لا يمنعه منك الموانع ، ولقامت عليك المرنات الهوالع . واما زعارة قيس ، فما أنت وقيسا ، انما أنت عبد ابق فثقف ، فسمي ثقيفا فاحتل لنفسك من غيرها ، فلست من رجالها ، أنت بمعالجة الشرك وموالج الزرائب اعرف منك بالحروف . فاما الحلم ، فأي الحلم عند العبيد القيون ، ثم تمنيت لقاء أمير المؤمنين ، فذاك من قد عرفت : أسد باسل ، وسم قاتل ، لا تقاومه الأبالسة عند الطعن والمخالسة ، فكيف ترومه الضبعان ، وتناله الجعلان بمشيتها القهقرى . واما وصلتك فمنكورة ، وقرابتك مجهولة ، وما رحمك منه الا كبنات الماء من خشفان الظباء ، بل أنت ابعد منه نسبا . فوثب المغيرة والحسن يقول لمعاوية : اعذرنا من بني أمية ان تجاوزنا بعد مناطقة القيون ومفاخرة العبيد . فقال معاوية : إرجع يا مغيرة ، هؤلاء بنو عبد مناف لا تقاومهم الصناديد ولا تفاخرهم المذاويد ، ثم أقسم على الحسن عليه السلام بالسكوت ، فسكت .
مناظرته عليه السلام في فضلهم وان الخلافة لا تصلح الا فيهم
روي سليم بن قيس قال : سمعت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال : قال لي معاوية : ما أشد تعظيمك للحسن والحسين ، ما هما بخير منك ولا أبوهما بخير من أبيك ، لولا ان فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله لقلت ما أمك أسماء بنت عميس بدونها ، قال : فغضبت من مقالته واخذني ما لا املك - ثم ذكر قول عبد الله بن جعفر وابن عباس في فضل الحسن والحسين عليهما السلام ، وما هما سمعا عن النبي صلى الله عليه واله في فضلهم ، إلى ان قال : قال معاوية : ما تقول يا حسن عليه السلام ، قال : يا معاوية ! قد سمعت ما قلت وقال ابن عباس ، العجب منك يا معاوية ومن قلة حيائك ومن جرأتك على الله حين قلت : قد قتل الله طاغيتكم ورد الامر إلى معدنه ، فأنت يا معاوية معدن الخلافة دوننا ؟ ! ويل لك يا معاوية وللثلاثة قبلك ، الذين أجلسوك هذا المجلس وسنوا لك هذه السنة ، لأقولن كلاما ما أنت أهله ، ولكني أقول لتسمعه بنو أبي هؤلاء حولي . ان الناس قد اجتمعوا على أمور كثيرة ، ليس بينهم اختلاف فيها ولا تنازع ولا فرقة : على شهادة ان لا اله الا الله ، وان محمدا رسول الله وعبده ، والصلوات الخمس ، والزكاة المفروضة ، وصوم شهر رمضان ، وحج البيت ، ثم أشياء كثيرة من طاعة الله التي لا تحصى ولا يعدها الا الله . واجتمعوا على تحريم الزنا والسرقة والكذب والقطيعة والخيانة ، وأشياء كثيرة من معاصي الله التي لا تحصى ولا يعدها الا الله . واختلفوا في سنن اقتتلوا فيها ، وصاروا فرقا يلعن بعضهم بعضا ، وهي الولاية ، ويبرأ بعضهم من بعض ، ويقتل بعضهم بعضا أيهم أحق وأولى بها ، الا فرقة تتبع كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه واله ، فمن اخذ بما عليه أهل القبلة الذي ليس فيه اختلاف ، ورد علم ما اختلفوا فيه إلى الله ، سلم ونجا به من النار ودخل الجنة . ومن وفقه الله ومن عليه واحتج عليه بان نور قلبه بمعرفة ولاة الامر من أئمتهم ومعدن العلم اين هو ، فهو عند الله سعيد ولله ولي ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه واله : رحم الله امرئ علم حقا فقال فغنم أو سكت فسلم . نحن نقول أهل البيت : ان الأئمة منا ، وان الخلافة لا تصلح الا فينا ، وان الله جعلنا أهلها في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه واله ، وان العلم فينا ونحن أهله ، وهو عندنا مجموع كله بحذافيره ، وانه لا يحدث شى إلى يوم القيامة حتى أرش الخدش الا وهو عندنا مكتوب باملاء رسول الله صلى الله عليه واله وخط علي عليه السلام بيده . وزعم قوم انهم أولى بذلك منا ، حتى أنت يا ابن هند تدعي ذلك ، وتزعم ان عمر ارسل إلى أبي اني أريد ان اكتب القران في مصحف فابعث إلى بما كتبت من القران ، فاتاه فقال : تضرب والله عنقي قبل ان يصل إليك ، قال : ولم ؟ قال : لان الله تعالى قال : ( والراسخون في العلم ) ، قال : إياي عنى ولم يعنك ولا أصحابك ، فغضب عمر ثم قال : ان ابن أبي طالب يحسب ان أحدا ليس عنده علم غيره ، من كان يقر من القران شيئا فليأتني ، فإذا جاء رجل فقرأ شيئا معه فيه اخر كتبه والا لم يكتبه ، ثم قالوا : قد ضاع منه قران كثير ، بل كذبوا والله بل هو مجموع محفوظ عند أهله . ثم امر قضاته وولاته : اجهدوا آراءكم واقضوا بما ترون انه الحق ، فلا يزال هو وبعض ولاته قد وقعوا في عظيمة فيخرجهم منها أبي ، ليحتج عليهم بها ، فتجتمع القضاة عند خليفتهم وقد حكموا في شئ واحد بقضايا مختلفة فأجازها لهم ، لان الله لم يؤته الحكمة وفصل الخطاب . وزعم كل صنف من مخالفينا من أهل هذه القبلة ان معدن الخلافة والعلم دوننا ، فنستعين بالله على من ظلمنا وجحدنا حقنا ، وركب رقابنا ، وسن للناس علينا ما يحتج به مثلك وحسبنا الله ونعم الوكيل . انما الناس ثلاثة : مؤمن يعرف حقنا ويسلم لنا ، ويأتم بنا ، فذلك ناج محب لله ولي ، وناصب لنا العداوة يتبرأ منا ويلعننا ، ويستحل دماءنا ، ويجحد حقنا ، ويدين الله بالبراءة منا ، فهذا كافر مشرك فاسق ، وانما كفر وأشرك من حيث لا يعلم ، كما سبوا الله عدوا بغير علم ، كذلك يشرك بالله بغير علم . ورجل اخذ بما لا يختلف فيه ورد علم ما أشكل عليه إلى الله مع ولايتنا ، ولا يأتم بنا ، ولا يعادينا ولا يعرف حقنا ، فنحن نرجو ان يغفر الله له ويدخله الجنة ، فهذا مسلم ضعيف .
مناظرته عليه السلام مع عمرو بن عاص ومروان وابن زياد
روي انه اجتمع معاوية مع بطانته ، فجعل بعضهم يفخر على بعض ، فأراد معاوية أن يضحك على ذقونهم ، فقال لهم : أكثرتم الفخر ، فلو حضركم الحسن بن علي عليهما السلام وعبد الله بن عباس لقصرا من أعنتكم ما طال ، فبعث معاوية إلى الامام عليه السلام - إلى ان ذكر قولهم - ثم قال عليه السلام : ليس من العجز ان يصمت الرجل عند ايراد الحجة ، ولكن من الافك ان ينطق الرجل بالخنا ، ويصور الباطل بصورة الحق . يا عمرو افتخارا بالكذب وجرأة على الافك ، ما زلت اعرف مثالبك الخبيثة ، أبديها مرة وامسك عنها أخرى ، فتأبى الا انهماكا في الضلالة ، أتذكر مصابيح الدجى واعلام الهدى وفرسان الطراد ، وحتوف الاقران ، وأبناء الطعان ، وربيع الضيفان ، ومعدن النبوة ، ومهبط العلم . وزعمتم انكم أحمى لما وراء ظهوركم ، وقد تبين ذلك يوم بدر ، حين نكصت الابطال وتساورت الاقران ، واقتحمت الليوث ، واعتركت المنيه ، وقامت رحاها على قطبها ، وافترت عن نابها ، وطار شرار الحرب ، فقتلنا رجالكم ، ومن النبي على ذراريكم ، فكنتم لعمري في ذلك اليوم غير مانعين لما وراء ظهوركم من بني عبد المطلب . واما أنت يا مروان فما أنت والاكثار في قريش ، وأنت طليق وأبوك طريد ، يتقلب من خزية إلى سوأة ، ولقد جئ بك إلى أمير المؤمنين ، فلما رأيت الضرغام قد دميت براثنه واشتبكت أنيابه ، كنت كما قال القائل : ليث إذا سمع الليوث زئيره بصبصن ثم قذفن بالأبعار فلما من عليك بالعفو وأرخى خناقك بعد ما ضاق عليك ، وغصصت بريقك ، لم تقعد معنا مقعد أهل الشكر ، ولكن كيف تساوينا وتجارينا ، ونحن مما لا يدركنا عار ولا تلحقنا خزية . وما أنت يا زياد وقريشا ، لا اعرف لك فيها أديما صحيحا ، ولا فرعا نابتا ، ولا قديما ثابتا ، ولا منبتا كريما ، بل كانت أمك بغيا تداولها رجال من قريش وفجار العرب ، فلما ولدت لم تعرف لك العرب والدا فادعاك هذا - وأشار إلى معاوية - بعد ممات أبيه . مالك افتخار ، تكفيك سمية ويكفينا رسول الله صلى الله عليه واله وأبي علي بن أبي طالب عليه السلام سيد المؤمنين ، الذي لم يرتد على عقبيه ، وعمي حمزة سيد الشهداء ، وجعفر الطيار ، وانا وأخي سيدا شباب أهل الجنة . ثم التفت إلى ابن عباس فقال : يا ابن العم انما هي بغاث الطير انقض عليها أجدل . مناظرته عليه السلام مع عبد الله بن الزبير روي انه غاب عليه السلام عن دمشق أياما ، ثم رجع إليها ، فدخل على معاوية ، وكان في مجلسه عبد الله بن الزبير ، فلما رأى معاوية الامام قام إليه فاستقبله ، وبعد ما استقر به المجلس التفت إليه قائلا : يا ابا محمد ! اني أظنك تعبا نصبا ، فأت المنزل فأرح نفسك فيه . وخرج الامام عليه السلام من عنده والتفت معاوية إلى عبد الله بن الزبير : لو افتخرت على الحسن ، فإنك ابن حواري رسول الله صلى الله عليه واله وابن عمته ، ولأبيك في الاسلام نصيب وافر - إلى ان ذكر قول ابن الزبير في مجلس عند الامام عليه السلام - ثم قال عليه السلام : اما والله لولا ان بني أمية تنسبني إلى العجز عن المقال لكففت عنك تهاونا ، ولكن سأبين لك ذلك لتعلم اني لست بالعي ولا الكليل اللسان ، إياي تعير وعلي تفتخر ، ولم يكن لجدك بيت في الجاهلية ولا مكرمة ، فزوجته جدتي صفية بنت عبد المطلب ، فبذخ على جميع العرب بها وشرف مكانها ، فكيف تفاخر من هو من القلادة واسطتها ، ومن الاشراف سادتها ، نحن أكرم أهل الأرض زندا ، لنا الشرف الثاقب والكرم الغالب . ثم تزعم اني سلمت الامر ، فكيف يكون ذلك ، ويحك كذلك ، وانا ابن أشجع العرب ، وقد ولدتني فاطمة سيدة نساء العالمين وخيرة الإماء ، لم افعل ذلك ويحك جبنا ولا ضعفا ، ولكنه بايعني مثلك ، وهو يطلبني بترة ، ويداجيني المودة ولم أثق بنصرته ، لأنكم أهل بيت غدر ، وكيف لا يكون كما أقول . وقد بايع أبوك أمير المؤمنين ثم نكث بيعته ، ونكص على عقبيه ، واختدع حشية من حشايا رسول الله ، ليضل بها الناس ، فلما دلف نحو الأعنة ورأى بريق الأسنة قتل مضيعة لا ناصر له واتي بك أسيرا ، قد وطأتك الكماة بأظلافها ، والخيل بسنابكها ، واعتلاك الأشتر فغضضت بريقك ، وأقعيت على عقبيك كالكلب إذا احتوشته الليوث . فنحن ويحك نور البلاد وأملاكها ، وبنا تفخر الأمة والينا تلقى مقاليد الأزمة ، أتصول وأنت تخدع النساء ، ثم تفتخر على بني الأنبياء ، لم تزل الأقاويل منا مقبولة ، وعليك وعلى أبيك مردودة . دخل الناس في دين جدي طائعين وكارهين ، ثم بايعوا أمير المؤمنين عليه السلام ، فسار إلى أبيك وطلحة حين نكثا البيعة وخدعا عرس رسول الله صلى الله عليه واله ، فقتل أبوك وطلحة واتي بك أسيرا ، فبصبصت بذنبك وناشدته الرحم ان لا يقتلك ، فعفا عنك ، فأنت عتاقة أبي ، وانا سيد أبيك ، فذق وبال امرك . وخجل ابن الزبير ، فتقدم إلى الامام عليه السلام فقال : اعذر يا ابا محمد ، فإنما حملني على محاورتك هذا - وأشار إلى معاوية - فهلا إذ جهلت أمسكت عني ، فإنكم أهل بيت سجيتكم الحلم والعفو . والتفت الامام عليه السلام إلى معاوية ، فقال له : انظر هل أكيع عن محاورة أحد ، ويحك أتدري من أي شجرة انا ، وإلى من انتمى ، انته قبل ان اسمك بميسم تتحدث به الركبان في الآفاق والبلدان .
مناظرته عليه السلام مع مروان بن حكم
دخل الامام عليه السلام على معاوية ، فلما رآه عليه السلام قام إليه واحتفى به ، فساء ذلك مروان وذكر كلاما في تنقيصه ، فقال عليه السلام : ويحك يا مروان ، لقد تقلدت مقاليد العار في الحروب عند مشاهدتها ، والمخاذلة عند مخالطتها ، نحن هبلتك الهوابل ، لنا الحجج البوالغ ، ولنا ان شكرتم عليكم النعم السوابغ ، ندعوكم إلى النجاة وتدعوننا إلى النار ، فشتان ما بين المنزلتين . تفخر ببني أمية ، وتزعم انهم صبر في الحروب ، أسد عند اللقاء ، ثكلتك أمك ، أولئك البهاليل السادة والحماة الذادة والكرام القادة ، بنو عبد المطلب . اما والله لقد رأيتهم وجميع من في هذا البيت ما هالتهم الأهوال ولم يحيدوا عن الابطال ، كالليوث الضارية الباسلة الحنقة ، فعندها وليت هاربا واخذت أسيرا ، فقلدت قومك العار ، لأنك في الحروب خوار . أيراق دمي ، زعمت أفلا أرقت دم من وثب على عثمان في الدار ، فذبحه كما يذبح الجمل ، وأنت تثغو ثغاء النعجة ، وتنادي بالويل والثبور ، كالأمة اللكعاء ، الا دفعت عنه بيد أو ناضلت عنه بسهم ، لقد ارتعدت فرائصك وغشي بصرك ، فاستغثت بي كما يستغيث العبد بربه ، فأنجيتك من القتل ومنعتك منه ، ثم تحث معاوية على قتلي ، ولو رام ذلك معك لذبح كما ذبح ابن عفان ، أنت معه اقصر يدا ، وأضيق باعا ، وأجبن قلبا من ان تجسر على ذلك . ثم تزعم اني ابتليت بحكم معاوية ، اما والله لهو اعرف بشأنه ، واشكر لما وليناه هذا الامر ، فمتى بدا له فلا يغضين جفنه على القذى معك ، فوالله لأعقبن أهل الشام بجيش يضيق عنه فضاؤها ويستأصل فرسانها ، ثم لا ينفعك عند ذلك الهرب والروغان ، ولا يرد عنك الطلب تدريجك الكلام . فنحن ممن لا يجهل ، آباؤنا القدماء الأكابر ، وفروعنا السادة الأخيار ، انطق ان كنت صادقا . وصاح معاوية بمروان : قد كنت نهيتك عن هذا الرجل ، وأنت تأبى الا انهماكا فيما لا يعنيك ، اربع على نفسك ، فليس أبوك كأبيه ولا أنت مثله ، أنت ابن الطريد الشريد ، وهو ابن رسول الله صلى الله عليه واله الكريم ، ولكن رب باحث عن حتفه وحافر عن مديته .
مناظرته عليه السلام مع عمرو بن العاص
لقي عمرو بن العاص الحسن عليه السلام في الطواف فقال له : يا حسن زعمت ان الدين لا يقوم الا بك وبأبيك ، فقد رأيت الله أقام معاوية فجعله راسيا بعد ميله وبينا بعد خفائه ، افيرضى الله بقتل عثمان ؟ أو من الحق ان تطوف بالبيت كما يدور الجمل بالطحين عليك ثياب كغرقئ البيض ، وأنت قاتل عثمان ؟ والله انه لألم للشعث وأسهل للوعث أن يوردك معاوية حياض أبيك . فقال الحسن عليه السلام : ان لأهل النار علامات يعرفون بها ، الحادا لأولياء الله وموالاة لا عداء الله ، والله انك لتعلم ان عليا لم يرتب في الدين ، ولم يشك في الله ساعة ولا طرفة عين قط ، ووالله لتنتهين يا ابن أم عمرو أو لأنفذن حضنيك بنوافذ أشد من الأقضبة . فإياك والهجم علي ، فاني من قد عرفت ، ليس بضعيف الغمزة ولا هش المشاشة ، ولا مرئ المأكلة ، واني من قريش كواسطة القلادة ، يعرف حسبي ولا ادعي لغير أبي ، وأنت من تعلم ويعلم الناس ، تحاكمت فيك رجال قريش ، فغلب عليك جزارها : ألأمهم حسبا وأعظمهم لوما ، فإياك عني ، فإنك رجس ونحن أهل بيت الطهارة اذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيرا . فافحم عمرو وانصرف كئيبا .
مناظرته عليه السلام مع عمرو بن العاص
روي انه لما دخل الامام عليه السلام على معاوية ، رأى ابن العاص ما في الامام من عظيم الهيبة والوقار ساءه ذلك ، وتميز من الغيظ والحسد ، فقال : قد جاءكم الآفة العيي الذي كان بين لحييه عقله ، وكان عبد الله بن جعفر حاضرا فلذعه قوله فصاح به - إلى ان قال : - وسمع الامام الحديث فقال : يا معاوية ! لا يزال عندك عبد راتعا في لحوم الناس ، اما والله لو شئت ليكونن بيننا ما تتفاقم فيه الأمور ، وتحرج منه الصدور . ثم أنشأ يقول : أتأمر يا معاوي عبد سهم بشتمي والملا منا شهود إذا اخذت مجالسها قريش فقد علمت قريش ما تريد أأنت تظل تشتمني سفاها لضغن ما يزول وما يبيد فهل لك من أب كأبي تسامي به من قد تسامي أو تكيد ولا جد كجدي يا ابن حرب رسول الله ان ذكر الجدود ولا أم كأمي من قريش إذا حصل الحسب التليد فما مثلي تهكم يا ابن حرب ولا مثلي ينهنهه الوعيد فمهلا لا تهج منا أمورا يشيب لهولها الطفل الوليد
مناظرة اخرى له عليه السلام مع عمرو بن العاص
حضر عليه السلام في مجلس معاوية فقال : قد علمت قريش بأسرها اني منها في عز أرومتها ، لم اطبع على ضعف ، ولم أعكس على خسف ، اعرف بشبهي وادعى لأبي . وساء ذلك ابن العاص وذكر كلاما في تنقيصه ، ثم قال عليه السلام : اما والله لو كنت تسمو بحسبك وتعمل برأيك ، ما سلكت فج قصد ، ولا حللت رابية مجد ، وأيم الله لو أطاعني معاوية لجعلك بمنزلة العدو الكاشح ، فإنه طال ما طويت على هذا كشحك ، وأخفيته في صدرك ، وطمع بك الرجاء إلى الغاية القصوى التي لا يورق لها غصنك ، ولا يخضر لها مرعاك . اما والله ليوشكن يا ابن العاص ان تقع بين لحيي ضرغام من قريش ، قوي ممتنع ، فروس ذي لبد ، يضغطك ضغط الرحى للحب ، لا ينجيك منه الروغان إذا التقت حلقتا البطان .
مناظرته عليه السلام مع معاوية بن أبي سفيان
روي أن معاوية فخر يوما فقال : أنا ابن بطحاء ومكة ، وأنا ابن أغزرها جودا ، وأكرمها جدودا ، أنا ابن من ساد قريشا فضلا ناشئا وكهلا ، فقال الحسن عليه السلام : أعلي تفتخر يا معاوية ، انا ابن عروق الثرى ، انا ابن مأوى التقى ، انا ابن من جاء بالهدى ، انا ابن من ساد أهل الدنيا ، بالفضل السابق والحسب الفائق ، انا ابن من طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله ، فهل لك أب كأبي تباهيني به ، وقديم كقديمي تساميني به ، قل نعم أو لا . قال معاوية : بل أقول : لا ، وهي لك تصديق ، فقال الحسن عليه السلام : الحق أبلج ما يحيل سبيله والحق يعرفه ذوو الألباب
مناظرة اخرى له عليه السلام مع معاوية بن أبي سفيان
روي ان معاوية قال للحسن بن علي عليه السلام : انا خير منك يا حسن ، قال عليه السلام : وكيف ذلك يا ابن هند ؟ قال : لان الناس قد أجمعوا علي ولم يجمعوا عليك ، قال عليه السلام : هيهات هيهات لشر ما علوت يا بن اكلة الأكباد ، المجتمعون عليك رجلان ، بين مطيع ومكره ، فالطائع لك عاص لله ، والمكره معذور بكتاب الله . وحاش لله ان أقول : انا خير منك فلا خير فيك ، ولكن الله برأني من الرذائل ، كما برأك من الفضائل .
مناظرته عليه السلام مع وليد بن عقبة
فقال له عليه السلام : لا ألومك ان تسب عليا ، وقد جلدك في الخمر ثمانين سوطا ، وقتل أباك صبرا بأمر رسول الله في يوم بدر ، وقد سماه الله عز وجل في غير اية مؤمنا وسماك فاسقا ، وقد قال الشاعر فيك وفي علي عليه السلام : انزل الله في الكتاب علينا في علي وفي الوليد قرانا فتبوأ الوليد منزل كفر وعلي تبوأ الايمانا ليس من كان مؤمنا يعبد الله كمن كان فاسقا خوانا سوف يدع الوليد بعد قليل وعلي إلى الجزاء عيانا فعلي يجزى هناك جنانا وهناك الوليد يجزى هوانا
مناظرته عليه السلام مع يزيد بن معاوية
جلس الحسن بن علي عليه السلام ويزيد بن معاوية بن أبي سفيان يأكلان الرطب ، فقال يزيد : يا حسن أني قد كنت أبغضك . قال الحسن عليه السلام : اعلم يا يزيد ان إبليس شارك أباك في جماعه ، فاختلط الماءان فأورثك ذلك عداوتي ، لان الله تعالى يقول : ( وشاركهم في الأموال والأولاد ) ، وشارك الشيطان حربا عند جماعه ، فولد له صخر ، فلذلك كان يبغض جدي رسول الله صلى الله عليه واله .
مناظرته عليه السلام مع حبيب بن مسلمة الفهري
قال عليه السلام لحبيب بن مسلمة الفهري : رب مسير لك في غير طاعة ، قال : اما مسيري إلى أبيك فلا ، قال عليه السلام : بلى ، ولكنك أطعت معاوية على دنيا قليلة ، فلئن كان قام بك في دنياك لقد قعد بك في اخرتك ، فلو كنت إذا فعلت شرا قلت : خيرا ، كنت كما قال الله عز وجل : ( خلطوا عملا صالحا واخر سيئا ) ، ولكنك كما قال : ( بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) .