العتبة العلوية المقدسة - إخفاء قبر الأمير -
» » سيرة الإمام » استشهاد الامام علي عليه السلام » بعد شهادة الامام علي عليه السلام » إخفاء قبر الأمير

 إخفاء قبر الأمير

سبب الإخفاء

أخفى أهل البيت سلام الله عليهم قبر أمير المؤمنين طوال عهد الدولة الأموية خوفا أن تنتهك حرمته من قبل أعداءه الذين استمروا يسبونه على المنابر ثمانين عاما ومعهم الخوارج وأن أمير المؤمنين عليه السلام كان يخشى أن يقدم هؤلاء على نبش قبره فتثور بني هاشم لذلك فيتسنى للأمويين عذر في استأصالهم فهم كانوا يلتمسون الذرائع لقتلهم لذلك أخذ أهل البيتعليهم السلام  يتعاهدون على إخفاء قبره عن العامة عملا بما أوصى به جدهم أمير المؤمنين عليه السلام .

وقد تقدم في هذا أبو حسن            إلى حسين وأوصى قبله الحسنا

عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن أمير المؤمنين عليه السلام أمر إبنه الحسن أن يحفر له أربعة قبور في أربعة مواقع ، في المسجد وفي الغري وفي دار جعدة بي هبيرة المخزومي (1) وفي الرحبة ، وإنما أراد بهذا أن لا يعلم أحد من أعداءه موضع قبره(2) .

وبني مروان أيضا سبب في إخفاءه

إن الذين انتهكوا حرمته في حياته وحاربوه ثم قتلوه وعمدوا إلى ولده فقتلوهم كيف يكون لديه حرمة عندهم بعد وفاته وقد صدقت نبوءة أمير المؤمنين في ذلك حين رمي نعش الإمام الحسن عليه السلام بسبعين سهما لا لشيء إلا لأنه جيء به ليجدد عهدا بزيارة جده المصطفى صلى الله عليه واله فهذا السبب هو أبرز الأسباب التي دعت أمير المؤمنين عليه السلام إلى أن يوصي أبناءه باخفاء قبره والتمويه عليه .

عن صفوان الجمال قال : خرجت مع الصادق من المدينة أريد الكوفة فلما جزنا باب الحيرة قال : يا صفوان ، قلت : لبيك يا بن رسول الله .

قال : اخرج المطايا إلى القائم وجد الطريق إلى الغري .

قال صفوان : فلما صرنا إلى قائم الغري أخرج رشاء كان معه دقيقا قد عمل من الكنبار ثم تبعد من القائم مغربا خطى كثيرة ثم مد ذلك الرشاء حتى إنتهى إلى آخره فوقف ثم ضرب بيده إلى الأرض فأخرج منها كفا من تراب فشمه مليا ثم أقبل يمشي حتى وقف على موضع القبر الآن ثم ضرب بيده المباركة إلى التربة فقبض منها قبضة ثم شهق شهقة حتى ظننت إنه فارق الدنيا فلما أفاق قال : ها هنا والله مشهد أمير المؤمنين عليه السلام ، ثم خط تخطيطا ،فقلت يا بن رسول الله ما منع الأبرار من أهل بيته من إظهار مشهده ؟

قال عليه السلام : حذرا من بني مروان والخوارج أن تحتال في أذاه([1]).

وأخفي حتى عن بعض الشيعة

وبعد أن علم بعض الأصحاب إنه يدفن في ظهر الكوفة عند قبر نوح وخوفا من صفة [ حدثناكم فأذعتم ] هيأ الله سبحانه وتعالى لقبره وسيلة إخفاء غيبية إلا لمن إرتضى من خلقه إلى حين زوال السبب المانع من الإظهار .

عن مولى لعلي بن أبي طالب عليه السلام قال : لما حضرت أمير المؤمنين الوفاة قال للحسن والحسين  (H) :

ـ إذا أنا مت فاحملاني على سريري ثم أخرجاني واحملا مؤخرة السرير فإنكما تكفيان مقدمه ثم إئتيا بي الغريين فإنكما ستريان صخرة بيضاء فاحتفروا فيها فإنكما ستجدان فيها ساجة فادفناني فيها .

قال : فلما مات أخرجناه وجعلنا نحمل مؤخرة السرير ونكفي مقدمه وجعلنا نسمع دويا وحفيفا حتى أتينا الغريين فإذا بصخرة بيضاء تلمع نورا فاحتفرنا فإذا ساجة مكتوب عليها :

 هذا ما إدخره نوح لعلي بن أبي طالب ، فدفناه فيها وانصرفنا ونحن مسرورون بإكرام الله تعالى لأمير المؤمنين ، فلحقنا قوم من الشيعة لم يشهدوا الصلاة عليه فأخبرناهم بما جرى وبإكرام الله تعالى لأمير المؤمنين عليه السلام فقالوا : نحب أن نعاين من أمره ما عاينتم

فقلنا لهم : إن الموضع قد عفي أثره بوصية منه .

فمضوا وعادوا إلينا فقالوا إنهم إحتفروا فلم يروا شيئا([2]).

أقول : أنظر إلى هؤلاء المتشيعة يقول لهم الإمام إنه عفي قبره بأمر منه وهم يريدون البحث عنه وهم يزعمون إنهم أولياءه فكيف حال أعداءه ..

وقت الإظهار

قد علمت إن أهل البيت عليهم السلام  جميعا يعلمون أين موضع قبره بل إن بعض خواص الشيعة أيضا يعرفون موضع قبره قبل وفاته وقد زاره ولداه الحسن والحسين وزاره السجاد والباقر[ صلوات الله عليهم أجمعين ] ولكن بعد أن احتدم الصراع بين الأمويين والعباسيين في عصر الإمام الصادق عليه السلام وانشغل الخوارج فيما بينهم فرقا وأحزاب ولم يعد أحد يشغله أمر علي بن أبي طالب إذ كان له بنفسه شغل ، أظهر الإمام الصادق عليه السلام قبر جده أمير المؤمنين عليه السلام وزاره وأوصى بزيارته

إظهاره للعامة

هذا الإظهار الذي سمعت عنه كان لخواص الشيعة وكان الصحابي إذ يستنصحه الإمام الصادق عليه السلام لزيارة جده يسأله :

أتأذن لي أن أخبر أصحابنا بالكوفة فيجيب الإمام بالموافقة فاشتهر بين الشيعة ظهوره .

أما الإظهار للعامة من المسلمين فكان في أيام داود العباسي المتوفي سنة 133هـ حيث أصلحه وعمل عليه صندوقا وسكن بعض العلوية النجف حتى القرن الرابع الهجري وإذ بالنجف من السادة العلوية ألف وثلاثمائة عدا غيرهم من الموالين

المنصور يحفر القبر لبيان الحال

وبعد اشتهار إظهاره من خلال زيارة الإمام الصادق عليه السلام مع صفوان الجمال وبيانه عليه السلام ما للزيارة من الفضل ، إضطرب العباسيون لذلك فأراد أبو جعفر الدوانيقي الخليفة في حينه أن يتبين الحال بحفر القبر .

سأل أحمد بن عيسى بن يحيى الحسن بن يحيى في حديث قبر علي عليه السلام عن حديث صفوان الجمال : فقال : نعم أخبرني مولى لنا من موالي لبني العباس قال قال لي أبو جعفر المنصور :

ـ خذ معك معولا وزنبيلا وامض معي .

قال : فأخذت ما قال وذهبت معه ليلا حتى أتى الغري فإذا قبر فقال : أحفر

فحفرت حتى بلغت اللحد فقلت :

ـ هذا قبر قد ظهر .

فقال : طم ذلك ، هذا قبر أمير المؤمنين عليه السلام إنما أردت أن أعلم([3])

أول معجزة ظاهرة للقبر

وهذا المرقد الشريف هو معين لا ينضب من الفضائل والكرامات ولقد شاهدت الناس ما لو سطرعلى القرطاس لم تستطع إملاءه جميع الناس … وكاتب هذه السطور قد ظهر له ماوجب عليه أن يكتبه بالنورعلى مر الدهور…وأول ما ظهر منه لأشد الناس خصومة له وعداءا لشيعته وولدهعليهم السلام  وهم آل العباس بل أشد العباسيين عداوة وهو هارون العباسي ، خرج هارون يوما للصيد وأرسل الصقور والكلاب على الضباء بجانب الغريين فجاولتها ساعة ثم لجأت الضباء إلى الأكمة فرجعت الكلاب والصقور عنها فسقطت في ناحية ثم هبطت الضباء من الأكمه فهبطت الصقور والكلاب ترجع إليها فتراجعت الضباء إلى الأكمه فانصرفت عنها الصقور والكلاب ففعلت ذلك ثلاثا فتعجب هارون وسأل شيخا من بني أسد

ـ ما هذه الأكمه ؟، قال : لي الأمان ؟

قال : نعم .

قال : فيها قبر الإمام علي بن أبي طالب .

فتوضأ هارون وصلى ودعا ثم أظهر الصادق موضع قبره بتلك الأكمه(1)

القصة منظومة

وقد نظم هذه القصة السماوي في إرجوزته المعروفة فقال :

فلاذ بين الربوات البيــــــــــــض        وما انبرى الفهد مع التحريض

بل انثنى من دونهن واقفـــــــــــا       فظنه من قد رآه خـا ئـفـــــــــــــــا

ثم عدا الجؤذر و الفهد عطف        فعاود الجؤذر والفهد وقـــــــف

وهكذا فاستغـرب الرشـيـــــــــد       من صنع فهد لم يزل  يصيـــــد

ثم دعا شيوخ تلك الناحيــــــة        فقال : هذه الربوات ما هــــــــي

فقال هذا جدث بن عمــــــك      مـن لحمه مختلط بلحمــــــــــــك

قبر أمير  المؤمنين المرتضــــــى       قد زاره جل بنيه و مـضـــــــــى

وافيتهم أنا ووافاهم أبــــــــــي       وجملـة من قدمـاء العـــــــــرب

فاعتقد الرشـيـد في  كلامـــــه        وزاد مـا شـاء فـي إكرامـــــــــــــــه

ثم بنى فيـه قبة  إبتـــــــــــداءا         وضـم فـيهـا حبرة خـضـــــــــــراءا

وعـرف الناس بتلك  التربة             وربما صلى هنـــاك قربــــــــــــــه

(1)

 


 

 

 

 


 


(1)   هو بيت أمير المؤمنين حاليا .

(2) فرحة الغري  ص 32.

 

([1])فرحة الغري ص 92

([2])فرحة الغري ص 37

([3])فرحة الغري ص 118

(1) الخرايج والجرايح ص21 ، بحار ج42 ص224،إرشاد القلوب ص 435،فرحة الغري ص 119