العتبة العلوية المقدسة - خطبة له عليه السّلام فى عظمة اللّه تبارك و تعالى و صفاته -
» » سيرة الإمام » بلاغة الامام علي وحكمته » خطب الامام علي عليه السلام » خطبة له عليه السّلام فى عظمة اللّه تبارك و تعالى و صفاته

 خطبة له عليه السّلام فى عظمة اللّه تبارك و تعالى و صفاته

قال الحرث الأعور :

 خطب امير المؤمنين علىّ بن ابيطالب عليه السّلم يوما خطبة بعد العصر ، فعجب النّاس من حسن صفته ، و ما ذكره من تعظيم اللّه جلّ جلاله ، قال ابو اسحاق : فقلت للحرث او ما حفظتها قال : قد كتبتها ، فأملاها علينا من كتابه : اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذى‏ لا يَمُوتُ وَ لا تَنْقَضى عَجآئِبُهُ ، لِأَنَّهُ كُلَّ يَوْمٍ فى‏ شَاْنٍ مِنْ اِحْداثِ بَديعٍ لَمْ يَكُنْ ، اَلَّذى‏ لَمْ يُولَدْ فَيَكونَ فىِ الْعِزِّ مُشارِكاً وَ لَمْ يَلِدْ فَيَكُونَ مَوْرُوثاً هالِكاً ، وَ لَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ الْاَوْهامُ فَتُقَدِّرَهُ شَبَحاً ماثِلاً ، وَ لَمْ تُدْرِكْهُ الْاَبْصارُ فَيَكونَ بَعْدَ انْتِقالِها حائِلاً ، اَلَّذى‏ لَيْسَتْ لَه فى‏ اَوَّلِيَّتِهِ نَهايَةٌ ، وَ لا فى‏ اخِرِيَّتِهِ حَدٌّ وَ لا غايَةٌ ، وَ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ زَمانٌ ، وَ لَمْ يَتَعاوَرْهُ زِيادَةٌ وَ لا نُقْصانٌ ، وَ لَمْ يُوصَفْ بِاَيْنٍ وَ لا بِمَ وَ لا بِمَكانٍ ، اَلَّذى‏ بَطَنَ مِنْ خَفِيَّاتِ الْأُمُورِ ، وَ ظَهَرَ فىِ الْعُقُولِ بِما يُرى‏ فى‏ خَلْقِهِ مِنْ عَلاماتِ التَّدْبيرِ ، اَلَّذى‏ سُئِلَتِ الْاَنْبِيآءُ عَنْهُ فَلَمْ تَصِفْهُ بِحَدٍّ ، بَلْ وَصَفَتْهُ بِاَفْعالِهِ ، وَ دَلَّتْ عَلَيْهِ بِاياتِهِ ، وَ لَمْ تَسْتَطِعْ عُقُولُ الْمُتَفَكِّرينَ جَحْدَهُ ، لِاَنَّ مَنْ كانَتِ السَّمواتُ وَ الْاَرْضُ فِطْرَتَهُ ، وَ ما فيهِنَّ وَ ما بَيْنَهُنَّ وَ هُوَ الصَّانِعُ لَهُنَّ ، فَلا مُدافِعَ لِقُدْرَتِهِ ، وَ الَّذى‏ خَلَقَ خَلْقَهُ لِعِبادَتِهِ ، وَ اَقْدَرَهُمْ عَلى‏ طاعَتِهِ بِما جَعَلَ فيهِمْ ، وَ قَطَعَ عُذْرَهُمْ بِالْحُجَجِ ، فَعَنْ بَيِّنَةٍ هَلَكَ مَنْ هَلَكَ ، وَ بِمِنَّةٍ نَجا مَنْ نَجا ، وَ لِلَّهِ الْفَضْلُ مُبْدِءًا وَ مُعيدًا . ثُمَ اِنَّ اللَّهَ وَ لَهُ الْحَمْدُ ، افْتَتَحَ الْحَمْدَ لِنَفْسِهِ ، وَ خَتَمَ اَمْرَ الدُّنْيا ، وَ حَكَمَ الْأخِرَةَ بِالْحَمْدِ لِنَفْسِهِ ، فَقالَ : " وَ قَضى‏ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ قيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمينَ "

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اللاَّبِسِ الْكِبْرِيآءَ بِلا تَجَسُّدٍ ، وَ الْمُرْتَدى‏ بِالْجَلالِ بِلا تَمْثيلٍ ، وَ الْمُسْتَوى‏ عَلَى الْعَرْشِ بِلا زَوالٍ ، وَ الْمُتَعالى‏ عَنِ الْخَلْقِ بِلا تَباعُدٍ مِنْهُمْ ، الْقَريبِ مِنْهُمْ بِلا مُلامَسَةٍ مِنْهُ لَهُمْ ، لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهى‏ اِلى‏ حَدِّهِ ، وَ لا لَهُ مِثْلٌ فَيُعْرَفَ بِمِثْلِهِ ، ذَلَّ مَنْ تَجَبَّرَ غَيْرَهُ ، وَ صَغُرَ مَنْ تَكَبَّرَ دُونَهُ ، وَ تَواضَعَتِ الْأَشْيآءُ لِعَظَمَتِهِ ، وَ انْقادَتْ لِسُلْطانِهِ وَ عِزَّتِهِ ، وَ كَلَّتْ عَنْ اِدْراكِهِ طُرُوفُ الْعُيُونِ ، وَ قَصُرَتْ دُونَ بُلُوغِ صِفَتِهِ اَوْهامُ الْخَلائِقِ ، اَلْأَوَّلُ قَبْلَ كُلِّ شَىْ‏ءٍ وَ لا قَبْلَ لَهُ ، وَ الاخِرُ بَعْدَ كُلِّ شَىْ‏ءٍ وَ لا بَعْدَ لَهُ ، الظَّاهِرُ عَلى‏ كُلِّ شَىْ‏ءٍ بِالْقَهْرِ لَهُ ، وَ الشَّاهِدُ لِجَميعِ الْأَماكِنِ بِلاَ انْتِقالٍ اِلَيْها ، لا تَلْمَسُهُ لامِسَةٌ ، وَ لا تَحُسُّهُ حآسَّةٌ ، وَ هُوَ الَّذى‏ فىِ السَّمآءِ اِلهٌ وَ فىِ الْأَرْضِ اِلهٌ ، وَ هُوَ الْحَكيمُ الْعَليمُ ، اَتْقَنَ ما اَرادَ خَلْقَهُ مِنَ الْأَشْيآءِ كُلِّها ، بِلا مِثالٍ سَبَقَ اِلَيْهِ وَ لا لُغُوبٍ دَخَلَ عَلَيْهِ ، فى‏ خَلْقِ ما خَلَقَ لَدَيْهِ ، اِبْتِدآءً ما اَرادَ اِبْتِدآءَهُ ، وَ اِنْشآءًا ما اَرادَ اِنْشآئَهُ عَلى‏ ما اَرادَهُ مِنَ الثَّقَلَيْنِ الْجِنِّ وَ الْأِنْسِ ، لِتُعْرَفَ بِذلِكَ رُبُوبِيَّتُهُ ، وَ تَمَكَّنَ فيهِمْ طَواعيتُهُ. نَحْمَدُهُ بِجَميعِ مَحامِدِه كُلِّها عَلى‏ جَميعِ نَعْمآئِهِ كُلِّها ، وَ نَسْتَهْديهِ لِمَراشِدِ اُمُورِنا ، وَ نَعُوذُ بِهِ مِنْ سَيِّئاتِ اَعْمالِنا ، وَ نَسْتَغْفِرُهُ لِلذُّنُوبِ الَّتى‏ سَلَفَتْ مِنَّا ، وَ نَشْهَدُ اَنْ لا اِلهَ اِلاَّ اللَّهُ ، وَ اَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ بَعَثَهُ بِالْحَقِّ نَبِيًّا ، دآلاًّ عَلَيْهِ وَ هادِيًا اِليْهِ ، فَهَدانا بِهِ مِنَ الضَّلالَةِ ، وَ اسْتَنْقَذَنا بِهِ مِنَ الْجَهالَةِ ، مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظيماً ، وَ نالَ ثَواباً كَريماً جَزيلاً ، وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبيناً ، وَ اسْتَحَقَّ عَذاباً اَليماً ، فَانْجِعُوا بِما يَحِقُّ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمْعِ وَ الطَّاعَةِ ، وَ اِخْلاصِ النَّصيحَةِ ، وَ حُسْنِ الْمُؤازَرَةِ ، وَ اَعينُوا اَنْفُسَكُمْ بِلُزُومِ الطَّريقَةِ ، وَ هِجْرَةِ الْأُمُورِ الْمَكْرُوهَةِ ، وَ تَعاطُوا الْحَقَّ بَيْنَكُمْ ، وَ تَعاوَنُوا عَلَيْهِ ، وَ خُذُوا عَلى‏ يَدَىِ الظَّالِمِ السَّفيهِ ، مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ ، وَ انْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ اعْرِفُوا لِذَوىِ الْفَضْلِ فَضْلَهُمْ ، عَصَمَنَا اللَّهُ وَ اِيَّاكُمْ بِالْهُدى‏ ، وَ ثَبَّتَنا وَ اِيَّاكُمْ عَلىَ التَّقْوى‏ ، وَ اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ لى‏ وَ لَكُمْ .