العتبة العلوية المقدسة - أروى بنت الحارث بن عبدالمطلب القرشية -
» » سيرة الإمام » اصحاب الامام علي عليه السلام » النساء » أروى بنت الحارث بن عبدالمطلب القرشية

 

 
أروى بنت الحارث بن عبدالمطلب القرشية
توفيت حدود 50هـ.من ربات البلاغة والبيان، وكانت أغلظ الوافدات على معاوية بن أبيسفيان خطاباً. عاشت إلى زمنه وكان مقامها بالمدينة. وفدت عليه إلى دمشق، وهي عجوزكبيرة، فلما رآها معاوية، قال: مرحباً بك يا عمة، قالت: كيف أنت يا ابن أخي قد كفرتبعدي بالنعمة، وأسأت لابن عمك الصحبة، وتسميت بغير اسمك، وأخذت غير حقِّك، بغيربلاء كان منك، ولا من آبائك في الإسلام، ولقد كفرتم بما جاء محمد صلى الله عليه واله فأتعس اللهمنكم الجدود، وأصعر منكم الخدود، حتّى ردّ الله الحق إلى أهله، وكانت كلمة الله هيالعليا، ونبينا محمد صلى الله عليه واله هو المنصور على من ناواه، ولو كره المشركون.
فكنا أهل البيت أعظم الناس في الدين حظاً ونصيباً وقدراً، حتّى قبضالله نبيه صلى الله عليه واله مغفوراً ذنبه مرفوعاً درجته، شريفاً عند الله، مرضياً، فصرنا أهلالبيت منكم بمنزلة قوم موسى من آل فرعون، يذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، وصارابن عمّ سيد المرسلين فيكم بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى، حيث يقول: يا ابن أمالقوم استضعفوني وكادوا يقتلونني. ولم يجمع بعد رسول الله صلى الله عليه واله لنا شمل، ولم يسهللنا وعر، وغايتنا الجنة، وغايتكم النار.قال عمرو بن العاص: أيتها العجوز الضالة، أقصري من قولك وغضِّي منطرفك، قالت: ومن أنت لا أم لك؟ قال: عمرو بن العاص. قالت: يا ابن اللخناء النابغةأتكلّمني، أربع على ظلعك، واعن بشأن نفسك، فوالله ما أنت من قريش في اللباب منحسبها، ولا كريم منصبها، ولقد ادعاك ستة من قريش كله يزعم أنّه أبوك، ولقد رأيت أمكأيام منى بمكة، مع كل عبد عاهر فأثم بهم فإنّك بهم أشبه. فقال مروان بن الحكم: أيتها العجوز الضالة، ساخ بصرك مع ذهاب عقلك فلا تجوز شهادتك، قالت: يا بني أتتكلمفوالله لأنت إلى سفيان بن الحارث بن كلدة أشبه منك بالحكم، وإنّك لشبهة في زرقةعينيك وحمرة شعرك، مع قصر قامته، وظاهر دمامته، ولقد رأيت الحكم ماد القامة ظاهرالأمة سبط الشعر، وما بينكما من قرابة إلا كقرابة الفرس الضامر من الأتان المقرب،فاسأل أمك عما ذكرت لك، فإنّها تخبرك بشأن أبيك إن صدقت.ثم التفتت إلى معاوية فقالت: والله ما عرضني لهؤلاء غيرك، وإنّ أمكهند القائلة في يوم أحد، في قتل حمزة رحمة الله عليه:
نحن جزيناكم بيوم بدر     والحرب يوم الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر     أبي وعمي وأخي وصهري
شفيت وحشي غليل صدري     شفيت نفسي وقضيت نذري
فشكر وحشي علي عمري     حتى تغيب أعظمي في قبري
فأجبتها:
يا بنت رقاع عظيم الكفر     خزيت في بدر وغير بدر
صبّحك الله قبيل الفجر     بالهاشميين الطوال الزهر
بكل قطاع، حسام يفري     حمزة ليثي، وعليّ صقري
إذرام شبيب وأبوك غدري     أعطيت وحشي ضمير الصدر
هتك وحشي حجاب الستر     ما للبغايا بعدها من فخر
فقال معاوية، لمروان، وعمرو: ويلكما أنتما عرضتماني لها، وأسمعتمانيما أكره. ثم قال لها: يا عمة اقصدي قصد حاجتك، ودعي عنك أساطير النساء، قالت: تأمرلي بألفي دينار، وألفي دينار، وألفي دينار. قال: ما تصنعين يا عمة بألفي دينار؟قالت: أشتري بها عيناً خرخارة في أرض خوارة، تكون لولد الحارث بن عبدالمطلب، قال: نعم الموضع وضعتها. فما تصنعين بألفي دينار؟ قالت: أزوج بها فتيان عبدالمطلب منأكفائهم. قال: نعم الموضع وضعتها. فما تصنعين بألفي دينار؟ قالت: أستعين بها علىعسر المدينة وزيارة بيت الله الحرام. قال: نعم الموضع وضعتها هي لك نعم وكرامة. ثمقال: أما والله لو كان عليّ ما أمر لك بها.
قالت: صدقت إنّ علياً أدى الأمانة، وعمل بأمر الله، وأخذ به، وأنتضيعت أمانتك، وخنت الله في ماله، فأعطيت مال الله من لا يستحقه، وقد فرض الله فيكتابه الحقوق لأهلها، وبيّنها فلم تأخذ بها، ودعانا عليّ إلى أخذ حقنا الذي فرضالله لنا، فشغل بحربك عن وضع الأمور مواضعها، وما سألتك مالك شيئاً فتمنّ به، إنّماسألتك حقنا ولا نرى أخذ شيءٍ غير حقنا، أتذكر علياً فضّ الله فاك، وأجهد بلاءك، ثمعلا بكاؤها وقالت:
ألا يا عين ويحك أسعدينا     ألا وابكي أميرالمؤمنينا
رزينا خير من ركب المطايا     وفارسها ومن ركب السفينا
ومن لبس النعال أو احتذاها     ومن قرأ المثاني والمئينا
إذا استقبلت وجه أبي حسين     رأيت البدر راع الناظرينا
ولا والله لا أنسي علياً     وحسن صلاته في الراكعينا
أفيالشهر الحرام فجمعتمونا     بخير الناس طرّاً أجمعينا
فأمر معاوية له بستة آلاف دينار. وقال لها: يا عمة أنفقي هذه فيماتحبين، فإذا احتجت فاكتبي إلى ابن أخيك، يحسن صفدك ومعونتك إن شاء الله.
وفي رواية، قال لها معاوية: عفا الله عما سلف يا خالة، هات حاجتك. قالت: مالي إليك حاجة وخرجت عنه. فقال معاوية لأصحابه: والله لو كلمها من في مجلسيجميعاً لأجابت كل واحد بغير ما تجيب به الآخر، وإنّ نساء بني هاشم لأفصح من رجالغيرهم. وعادت إلى المدينة.
(الاستيعاب4/ 224. أسد الغابة 4/ 390. الإصابة 4/ 227. ا الدر المنثور / 25. شاعرات العرب / 3. الطبقات الكبرى 5/ 453. العقد الفريد 1/ 302 و5/ 5. الغدير 2/ 121 و10/ 167. الكامل في التأريخ 2/ 74)