العتبة العلوية المقدسة - ثورة سيد الشهداء -
» سيرة الإمام » » اولاد الامام علي عليه السلام » سيرة الامام الحسين عليه السلام » الامام الحسين باقلام اعلام الامة » ثورة سيد الشهداء

 

ثورة سيد الشهداء

 

 

 

بقلم: السيد محمد كاظم القزويني

 

لو تصفحنا التاريخ لوجدنا عدداً ضخماً من الذين فازوا بالشهادة في سبيل الله، ونالو السعادة فبقى لهم الذكر الخالد والثناء الجميل والاثر الحسن في التاريخ. والشهادة فضيلة ليس فوقها فضيلة كما في الحديث النبوي انه صلى الله عليه وآله قال: ((فوق كل بر بر الا الشهادة)  لان الشهيد يبذل اعز شيء عنده وهو الحياة، والحقيقة: ان الانسان يريد كل شيء لاجل حياته، وان فقد الحياة فقد كل شيء.

 

وان كان المقصود من الشهيد في لسان الشرع الاسلامي هو الذي يقتل في ساحة الجهاد، بامر نبي او وصي نبي او المنصوب من قبلهما، ولكن قد يطلق كلمة (الشهيد) على غير المقتول في جبهة القتال كالمقتول في سبيل الدفاع عن دينه او عرضه او ماله، او في سبيل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وكالغريق والحريق والنفساء والمهدوم عليه وغيرهم مما هو مذكور في محله.

 

وكل شهيد قتل في سبيل الله كان لشهادته سبب واحد وعلة واحدة ضبطها التاريخ ولكن التاريخ سجل ترجمة شهيد واحد كانت لشهادته اسباب عديدة، وجهات مختلفة وعلل كثيرة وذلك الشهيد هو سيد الشهداء الامام ابو عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام) .

 

فالقرآن الكريم اخبر عن الشهيد قبل شهادته بقوله تعالى : ]وفديناه بذبح عظيم[ أي فديناه اسماعيل بن ابراهيم (H) بذبيح اخر، أي رفعنا حكم الذبح عن اسماعيل وكتبناه على ذبيح آخر، وقد ورد في التفسير: ان جبرئيل نزل بكبش من الجنة وامر ابراهيم ان يذبح الكبش عوضاً عن ابنه اسماعيل، ولكن اترى ان الله الحكيم يعبر عن البهيمة بـ(العظيم) ؟؟

 

حاشا، فان منطق القرآن على خلاف هذا الاسلوب من الكلام، وقد وردت احاديث متواترة عن اهل البيت الذين نزل القرآن في بيوتهم –واهل البيت ادرى بما في البيت- ان المقصود من ذلك الذبيح هو الحسين بن علي (عليه السلام)، راجع تفسير البرهان.

 

وهلم معي الى الاحاديث المتواترة الواردة في بيان ولادة الحسين (عليه السلام) وان افواج الملائكة كانت تهبط على جده الرسول الاعظم (5) وتهنئه بولادة الحسين وتعزيه بشهادته اضف اليها الأخبار التي تتضمن اخبار النبي بشهادة الحسين وبكائه (صلى الله عليه واله) في ذلك.

 

ثم ارجع البصر على ما ذكره التاريخ من حوادث تاريخية. وذلك حينما مات معاوية في منتصف رجب سنة 60 من الهجرة، واستولى ابنه يزيد على منصبة الحكم والامارة، يدعى خلافة رسول الله (5) وزعامة المساكين في ذلك العهد، ولم تكن اعمال يزيد ومخازيه خافية عن الناس، بل كان الرجل مستهتراً بكل خلاعة، متظاهراً بكل مجون وفجور، ولا غرو فهو وليد الخمور وربيب الفسوق اضف الى ما كان عليه من اصل معلوم ونسب معروف وبيئة فاسدة ترعرع فيها وكبر.

 

فلم يرض المسلمون ان يكون يزيد ولي امرهم وشاغلاً لمنصب الخلافة خلافة رسول الله (صلى الله عليه واله) لان الخليفة ينبغي ان يمثل صاحب الشريعة الاسلامية علماً وتقوى وورعاً وغير ذلك يزيد لم يكن كذلك، ولم تكن فيه مؤهلات لزعامة المسلمين وقيادتهم، وخاصة مع وجود الامام سيد شباب اهل الجنة وسبط رسول الله الحسين، وما كان فيه من فضائل وفواضل ومؤهلات للخلافة، اضف اليها النص الصريح الوارد عن جده الرسول الاعظم بقوله (صلى الله عليه واله): (الحسن والحسين امامان قاما او قعدا) وغير ذلك من النصوص التي قرعت مسامع المسلمين يومذاك في شأن الحسين (عليه السلام).

 

فجعل اهل العراق يكاتبون الحسين، ويطلبون منه التوجه الى العراق لتكون له الخلافة بجميع معنى الكلمة، ووعدوه لينصروه ويبذلوا في سبيل نصرته كل غال ورخيص، حتى اجتمعت عند الحسين اثنا عشر الف كتاب وكلها لسان واحد ومضمون واحد وهو الدعوة الى العراق، فرأى الحسين لزاماً عليه شرعاً (في الظاهر) ان يلبي دعوتهم ليستنقذهم من استعباد بني امية ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم من تلك الحكومة الظالمة الغاشمة فنهض وسار نحوهم، وسرعان ما انقلب الامر وتقلبت القلوب والاهواء، واذا بالانصار خرجوا شاهرين سيوفهم في وجه الحسين، كأنهم لم يكتبوا الى الحسين ولم يطلبوا منه شيئاً.

 

هذه قضايا ظاهرية أي نحكم عليها ظاهرياً، وهناك امور واقعية باطنية يمكن استخراجها من زوايا بطون التاريخ فنقول:

 

تختلف الامور الالهية والتكاليف الشرعية باختلاف افراد المكلفين وباختلاف الظروف والازمنة، فالنبي مأمور خاص، والامام مكلف بتكاليف لا يشاركه فيها احد، فكما ان الله امر النبي بالجهاد والقاء النفس في معرض الخطر والهلاك في سبيل الدين كذلك الامام يرى من الواجب عليه ان يثور وينهض محافظة على بيضة الاسلام، وان كانت نتيجة تلك الثورة والنهضة القتل والشهادة. فليكن، فان الدين اعز من كل شيء واعز من كل احد.

 

ان الحسين (عليه السلام) كان مأموراً بالقيام ضد تلك الحكومة التي كان رئيسها يعتقد:

 

لعبت هاشم بالملك فلا       خبر جاء ولا وحي نزل

 

وماذا كان مصير المسلمين لو دامت تلك الحكومة، وهل كان يبقى من الاسلام والقرآن اسم او رسم او أثر ؟؟ فقام الامام ثائراً ضد ذلك الجهاز الفاسد، مستعداً للقتل والقتال مستميتاً موطناً نفسه على كل ما ينـزل من مكاره وشدائد، وقصد نحو ارض الجهاد والتضحية قصد نحو كربلاء، وكانت هذه نيته من ساعة خروجه من مكة، تشهد بذلك خطبته الغراء التي خطبها في مكة بقوله: (خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وكأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء …الخ).

 

وفي اثناء الطريق حينما بلغه خبر مقتل مسلم بن عقيل وانقلاب الامور قام خطيباً في اصحابه وقال فيما قال: (الا ومن كان منكم يصبر على حر السيوف فليكن معي)..

 

وكشف الامام (صلى الله عليه واله) الغطاء للناس وازاح الستار عن تلك النهضة المقدسة حينما منعه بعض اقاربه عن التوجه نحو العراق قال: ان رسول الله امرني بامر انا ماض فيه، فسأله ابن عباس قائلاً: وبماذا امرك جدك ؟ قال (عليه السلام):

 

قال جدي: ولدي حسين اخرج الى العراق فان الله شاء ان يراك قتيلاً.

 

فتعجب ابن عباس وقال: فما معنى حملك هؤلاء النساء معك ؟

 

فقال الحسين: هن ودائع رسول الله، ولا آمن عليهن احد، وهن ايضاً لا يفارقنني.

 

فسمع ابن عباس امرأة تخاطبه من داخل الهودج قائلة: يا ابن عباس : اتشير على شيخنا وزعيمنا الحسين ان يتركنا هيهنا ويمضي وحده ؟ لا والله بل نحي بحياته ونموت بمماته، وهل ابقى الزمان لنا غيره ؟

 

فقال ابن عباس من هذه ؟

قيل له: هي زينب الكبرى بنت امير المؤمنين (عليه السلام)