العتبة العلوية المقدسة - خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام في يوم الجمعة -
» » سيرة الإمام » بلاغة الامام علي وحكمته » خطب الامام علي عليه السلام » خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام في يوم الجمعة

خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام في يوم الجمعة

الحمد لله المتوحّدِ بالكبرياء ، المتفردِ بالآلاء ، القاهرِ بعزهِ ، المتسلطِ بقهرهِ الممتنع بقوّتهِ ، المهيمن بقدرتِه ، المتعالي بجبروته ، المحمود بامتنانه ، المتفضلِ بإحسانه ، نحمده على تَظَافُر آلائِه ([1]) وتظاهرِ نعمائه . حمداً يزن قدْرَ كبريائه ، وعظمة جلالهِ و اشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، خضعت الخلائق لربوبيته ، ودانوا لدوام أبديته ، و اشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرتُه من خلقه اختاره بعلمه ، و اصطفاه لوحيه ، وأتمنه على سرهِ ، و أنتدبه لعظيم أمره و أضاءة معالم دينه ومناهج سبيله ، وجعله مفتاحاً لوحيه ، وسبباً لرحمته ، ابتعثه على حين فترة من الرسل ، و اختلاف من الملل، وهَدْأة من العِلْم وضلالٍ عن الحق وجهالة بالرب وكفر بالبعث أرسله رحمة للعالمين ، بكتاب كريم قد فصَّله وفضلَّه وبيَّنه وأوضحه و أعزه وحفظه ، ضرب للناس فيه الأمثال وصرَّف فيه الآيات ، وحرَّم فيه الحرام ، و أحل فيه الحلال ، وشرع فيه الدين لعباده عُذراً أو نُذراً ،لئلا يكون للناس على الله حُجَّةٌ ويكون بلاغاً لقوم عابدين فبلَّغ رسالته وجاهد في سبيله وعبده حتى آتاه اليقين ، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً . أوصيكم  – عباد الله – ونفسي بتقوى الله الذي ابتدأ الأمور بعلم ، و إليه يصير معادها ، وبيده فناؤكم وفناؤها ، فكأنْ قد زالت عنكم كما قد زالت عمن قبلكم فتزوّدوا من الدنيا ، فإنها دار عمل و ابتلاء ، و الآخرة دار قرار و جزاء ، ولن تعدو الدنيا – إذا تناهت إليها أمنية الراغب فيها المطمئن إليها المفتون بها – أن تكون كما قال الله – عزّ وجلّ – : " كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ " فاتقوا الله عزّ ذكره وسارعوا إلى رضوانه و العمل بطاعته . ثم قرأ عليه السلام  سورة العصر وصلى على النبي صلى الله عليه واله  وجلس قليلاً ثم قام فقال : الحمد لله أحقّ مَن خُشي وعُبِد و أولى من عُظّم ومُجِد ، نحمده لعظيم غنائه ، وجزيل عطائه ، وتظاهر نعمائه ، وحسن بلائه ، ونؤمن بهداه الذي لا يخبو ضياؤه ، ولا يتهمَّد سناؤه ، ونعوذ به من سوء الرِّيَب وظِلَم الفِتن ، ونستعصمه من مساوئ الأعمال ومكاره الآمال .

 



([1]) تظافر آلائه : تكاثر نعمه وتواليها .