العتبة العلوية المقدسة - من خطبة له عليه السّلام الخالية عن حرف الألف -
» » سيرة الإمام » بلاغة الامام علي وحكمته » خطب الامام علي عليه السلام » من خطبة له عليه السّلام الخالية عن حرف الألف

من خطبة له عليه السّلام  الخالية عن حرف الألف

تسمّى‏ بالمونقة ارتجلها من غير تريث و لا تفكير قال الحديدى فى شرح النّهج : و انا الأن اذكر من كلامه الغريب ما لم يورده ابو عبيدة و ابن قتيبة فى كلامهما ، و اشرحه ايضاً ، و هى خطبة رواها كثير من النّاس له عليه السّلم خالية من حرف الألف ، قالوا : تذاكر قوم من اصحاب رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و اله :

اىّ حروف الهجاء ادخل فى الكلام ؟ فأجمعوا على الألف فقال علىّ عليه السّلم :

حَمِدْتُ مَنْ عَظُمَتْ مِنَّتُهُ ، وَ سَبَغَتْ نِعْمَتُهُ ، وَ سَبَقَتْ غَضَبَهُ رَحْمَتُهُ ، وَ تَمَّتْ كَلِمَتُهُ ، وَ نَفِذَتْ مَشيئَتُهُ ، وَ بَلَغَتْ قَضِيَّتُهُ ، حَمِدْتُهُ حَمْدَ مُقِرٍّ بِرُبوُبِيَّتِهِ ، مُتَخَضِّعٍ لِعُبوُدِيَّتِهِ ، مُتَنَصِّلٍ مِنْ خَطيئَتِهِ ، مُتَفَرِّدٍ بِتَوْحيدِهِ ، مُؤَمِّلٍ مِنْهُ مَغْفِرَةً تُنْجيهِ ، يَوْمَ يُشْغَلُ عَنْ فَصيلَتِهِ وَ بَنيهِ .

 وَ نَسْتَعينُهُ وَ نَسْتَرْشِدُهُ وَ نَسْتَهْديهِ ، وَ نُؤْمِنُ بِهِ وَ نَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ ، وَ شَهِدْتُ لَهُ شُهُودَ مُخْلِصٍ مُوقِنٍ ، وَ فَرَّدْتُهُ تَفَرُّدَ مُؤْمِن مُتَيَقِّنٍ ، وَ وَحَّدْتُهُ تَوْحيدَ عَبْدٍ مُذْعِنٍ ، لَيْسَ لَهُ شَريكٌ فى‏ مُلْكِهِ ، وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِىٌّ فى‏ صُنْعِهِ ، جَلَّ عَنْ مُشيرٍ وَ وَزيرٍ ، وَ عَنْ عَوْنِ مُعينٍ وَ نَصيرٍ وَ نَظيرٍ .

عَلِمَ فَسَتَرَ ، وَ بَطَنَ فَخَبَرَ ، وَ مَلَكَ فَقَهَرَ ، وَ عُصِىَ فَغَفَرَ ، وَ حَكَمَ فَعَدَلَ ، لَمْ يَزَلْ وَ لَنْ يَزوُلَ ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ‏ءٌ ، وَ هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَىْ‏ءٍ ، وَ هُوَ بَعْدَ كُلِّ شَىْ‏ءٍ ، رَبٌّ مُتَعَزِّزٌ بِعِزَّتِهِ ، مُتَمَكِّنٌ بِقُوَّتِهِ ، مُتَقَدِّسٌ بِعُلُوِّهِ ، مُتَكَبِّرٌ بِسُمُوِّهِ ، لَيْسَ يُدْرِكُهُ بَصَرٌ ، وَ لَمْ يُحِطْ بِهِ نَظَرٌ ، قَوِىٌّ مَنيعٌ ، بَصيرٌ سَميعٌ ، رَؤُفٌ رَحيمٌ .

عَجَزَ عَنْ وَصْفِهِ مَنْ يَصِفُهُ ، وَ ضَلَّ عَنْ نَعْتِهِ مَنْ يَعْرِفُهُ ، قَرُبَ فَبَعُدَ ، وَ بَعُدَ فَقَرُبَ ، يُجيبُ دَعْوَةَ مَنْ يَدْعُوهُ ، وَ يَرْزُقُهُ وَ يَحْبُوهُ ، ذُو لُطْفٍ خَفِىٍّ ، وَ بَطْشٍ قَوِىٍّ ، وَ رَحْمَةٍ مُوسَعَةٍ ، وَ عُقُوبَةٍ مُوجِعَةٍ ، رَحْمَتُهُ جَنَّةٌ عَريضَةٌ مُونِقَةٌ ، وَ عُقُوبَتُهُ جَحيمٌ مَمْدُودَةٌ موُبِقَةٌ .

وَ شَهِدْتُ بِبَعْثِ مُحَمَّدٍ رَسوُلِهِ ، وَ عَبْدِهِ وَ صَفِيِّهِ ، وَ نَبِيِّهِ وَ نَجِيِّهِ ، وَ حَبيبِهِ وَ خَليلِهِ ، بَعَثَهُ فى‏ خَيْرِ عَصْرٍ ، وَ حينِ فَتْرَةٍ وَ كُفْرٍ ، رَحْمَةً لِعَبيدِهِ ، وَ مِنَّةً لِمَزيدِهِ ، خَتَمَ بِهِ نُبُوَّتَهُ ، وَ شَيَّدَ بِهِ حُجَّتَهُ ، فَوَعَظَ وَ نَصَحَ ، وَ بَلَّغَ وَ كَدَحَ ، رَؤُفٌ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ ، رَحيمٌ سَخِىٌّ ، رَضِىٌّ وَلِىٌّ زَكِىٌّ ، عَلَيْهِ رَحْمَةٌ وَ تَسْليمٌ ، وَ بَرَكَةٌ وَ تَكْريمٌ ، مِنْ رَّبٍّ غَفوُرٍ رَحيمٍ ، قَريبٍ مُجيبٍ .

وَصَّيْتُكُمْ مَعْشَرَ مَنْ حَضَرَنى‏ بِوصِيَّةِ رَبِّكُمْ ، وَ ذَكَّرْتُكُمْ بِسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ ، فَعَلَيْكُمْ بِرَهْبَةٍ تَسْكُنُ قُلوُبَكُمْ ، وَ خَشْيَةٍ تُذْرى‏ دُمُوعَكُمْ ، وَ تَقِيَّةٍ تُنْجيكُمْ قَبْلَ يَوْمِ يُبْليكُمْ وَ يُذْهِلُكُمْ ، يَوْمَ يَفوُزُ فيهِ مَنْ ثَقُلَ وَزْنُ حَسَنَتِهِ ، وَ خَفَّ وَزْنُ سَيِّئَتِهِ ، وَ لْتَكُنْ مَسْئَلَتُكُمْ وَ تَمَلُّقُكُمْ مَسْاَلَةَ ذُلٍّ وَ خُضُوعٍ ، وَ شُكْرٍ وَ خُشوُعٍ ، بِتَوْبَةٍ وَ تَوَرُّعٍ ، وَ نَدَمٍ وَ رُجوُعٍ ، وَ لْيَغْتَنِمْ كُلُّ مُغْتَنِمٍ مِنْكُمْ صِحَّتَهُ قَبْلَ سُقْمِهِ ، وَ شَبيبَتَهُ قَبْلَ هَرَمِهِ ، وَ سَعَتَهُ قَبْلَ فَقْرِهِ ، وَ فَرْغَتَهُ قَبْلَ شُغْلِهِ وَ حَضَرَهُ قَبْلَ سَفَرِهِ ، قَبْلَ تَكَبُّرٍ وَ تَهَرُّمٍ وَ تَسَقُّمٍ ، يَمُلُّهُ طَبيبُهُ ، وَ يُعْرِضُ عَنْهُ حَبيبُهُ ، وَ يَنْقَطِعُ غِمْدُهُ ، وَ يَتَغَيَّرُ عَقْلُهُ ، ثُمَّ قيلَ هُوَ مَوْعُوكٌ وَ جِسْمُهُ مَنْهوُكٌ ، ثُمَّ جُدَّ فى‏ نَزْعٍ شَديدٍ ، وَ حَضَرَهُ كُلُّ قَريبٍ وَ بَعيدٍ ، فَشَخَصَ بَصَرُهُ ، وَ طَمَحَ نَظَرُهُ ، وَ رَشَحَ جَبينُهُ ، وَ عَطَفَ عَرينُهُ ، وَ سَكَنَ حَنينُهُ ، وَ حَزَنَتْهُ نَفْسُهُ ، وَ بَكَتْهُ عِرْسُهُ ، وَ حُفِرَ رَمْسُهُ ، وَ يُتِمُّ مِنْهُ وُلْدُهُ ، وَ تَفَرَّقَ مِنْهُ عَدَدُهُ ، وَ قُسِمَ جَمْعُهُ ، وَ ذَهَبَ بَصَرُهُ وَ سَمْعُهُ ، وَ مُدِّدَ وَ جُرِّدَ ، وَ عُرِىَ وَ غُسِلَ ، وَ نُشِفَ وَ سُجِّىَّ ، وَ بُسِطَ لَهُ وَ هُيِّى‏ءَ ، وَ نُشِرَ عَلَيْهِ كَفَنُهُ ، وَ شُدَّ مِنْهُ ذَقَنُهُ ، وَ قُمِّصَ وَ عُمِّمَ وَ وُدِّعَ وَ سُلِّمَ ، وَ حُمِلَ فَوْقَ سَريرٍ ، وَ صُلِّىَ عَلَيْهِ بِتَكْبيرٍ ، وَ نُقِلَ مِنْ دُورٍ مُزَخْرَفَةٍ ، وَ قُصُورٍ مُشَيَّدَةٍ ، وَ حُجُرٍ مُنَجَّدَةٍ ، وَ جُعِلَ فى‏ ضَريحٍ مَلْحُودٍ ، وَ ضيقٍ مَرْصوُدٍ ، بِلَبِنٍ مَنْضُودٍ ، مُسَقَّفٍ بِجُلْموُدٍ ، وَ هيلَ عَلَيْهِ حَفَرُهُ ، وَ حُثِىَ عَلَيْهِ مَدَرُهُ ، وَ تَحَقَّقَ حَذَرُهُ ، وَ نُسِىَ خَبَرُهُ ، وَ رَجَعَ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَ صَفِيُّهُ ، وَ نَديمُهُ وَ نَسيبُهُ ، وَ تَبَدَّلَ بِهِ قَرينُهُ وَ حَبيبُهُ ، فَهُوَ حَشْوُ قَبْرٍ ، وَ رَهينُ قَفْرٍ ، يَسْعى‏ بِجِسْمِهِ دوُدُ قَبْرِهِ ، وَ يَسيلُ صَديدُهُ مِنْ مَنْخَرِهِ ، يَسْتَحقُ تُرْبُهُ لَحْمَهُ ، وَ يَنْشَفُ دَمَهُ ، وَ يَرُمُّ عَظْمَهُ حَتّى‏ يَوْمِ حَشْرِهِ فَنُشِرَ مِنْ قَبْرِهِ حينَ يُنْفَخُ فى‏ صُورٍ ، وَ يُدْعى‏ بِحَشْرٍ وَ نُشُورٍ ، فَثَمَّ بُعْثِرَتْ قُبوُرٌ ، وَ حُصِّلَتْ سَريرَةُ صُدُورٍ ، وَ جيى‏ءَ بِكُلِّ نَبِىٍّ وَ صِدّيقٍ وَ شَهيدٍ ، وَ تَوَحَّدَ لِلْفَصْلِ قَديرٌ ، بِعَبْدِهِ خَبيرٌ بَصيرٌ ، فَكَمْ مِنْ زَفْرَةٍ تُضْنيهِ ، وَ حَسْرَةٍ تُنْضيهِ ، فى‏ مَوْقَفٍ مَهوُلٍ ، وَ مَشْهَدٍ جَليلٍ ، بَيْنَ يَدَىْ مَلِكٍ عَظيمٍ ، وَ بِكُلِّ صَغيرٍ وَ كَبيرٍ عَليمٍ ، فَحينئذٍ يُلْجِمُهُ عَرَقُهُ ، وَ يُحْصِرُهُ قَلَقُهُ ، عَبْرَتُهُ غَيْرُ مَرْحُومَةٍ ، وَ صَرْخَتُهُ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ ، وَ حُجَّتُهُ غَيْرُ مَقْبوُلَةٍ ، زالَتْ جَريدَتُهُ ، وَ نُشِرَتْ صَحيفَتُهُ ، نَظَرَ فى‏ سُوءِ

عَمَلِهِ ، وَ شَهِدَتْ عَلَيْهِ عَيْنُهُ بِنَظَرِهِ ، وَ يَدُهُ بِبَطْشِهِ ، وَ رِجْلُهُ بِخَطْوِهِ ، وَ فَرْجُهُ بِلَمْسِهِ ، وَ جِلْدُهُ بِمَسِّهِ ، فَسُلْسِلَ جيدُهُ ، وَ غُلَّتْ يَدُهُ ، وَ سيقَ فَسَحِبَ وَحْدَهُ ، فَوَرَدَ جَهَنَّمَ بِكَرْبٍ وَ شِدَّةٍ ، فَظُلَّ يُعَذَّبُ فى‏ جَحيمٍ ، وَ يُسْقى‏ شَرْبَةٌ مِنْ حَميمٍ ، تَشْوى‏ وَجْهَهُ ، وَ تَسْلَخُ جِلْدَهُ ، وَ تَضْرِبُهُ زِبْنِيَةٌ بِمَقْمَعٍ مِنْ حَديدٍ ، وَ يَعوُدُ جِلْدُهُ بَعْدَ نُضْجِهِ كَجِلْدٍ جَديدٍ ، يَسْتَغيثُ فَتُعْرِضُ عَنْهُ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ ، وَ يَسْتَصْرِخُ فَيَلْبَثُ حَقْبَةً يَنْدَمُ .

نَعوُذُ بِرَبٍّ قَديرٍ ، مِنْ شَرِّ كُلِّ مَصيرٍ ، وَ نَسْأَلُهُ عَفْوَ مَنْ رَضِىَ عَنْهُ ، وَ مَغْفِرَةَ مَنْ قَبِلَهُ ، فَهُوَ وَلِىُّ مَسْأَلَتى‏ ، وَ مُنْجِحُ طَلِبَتى‏ ، فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ تَعْذيبِ رَبِّهِ جُعِلَ فى‏ جَنَّتِهِ بِقُرْبِهِ ، وَ خُلِّدَ فى‏ قُصوُرٍ مُشَيَّدَةٍ ، وَ مُلْكِ بِحُورٍ عينٍ وَ حَفَدَةٍ ، وَ طيفَ عَلَيْهِ بِكُؤُسٍ اُسْكِنَ فى‏ حَظيرَةِ قُدُّوسٍ ، وَ تَقَلَّب فى‏ نَعيمٍ ، وَ سُقِىَ مِنْ تَسْنيمٍ ، وَ شَرِبَ مِنْ عَيْنٍ سَلْسَبيلٍ ، وَ مُزِجَ لَهُ بِزَنْجَبيلٍ ، مُخْتَمٍ بِمِسْكٍ وَ عَبيرٍ مُسْتَديمٍ لِلْمُلْكِ ، مُسْتشْعِرٍ لِلسُّرُرِ ، يَشْرَبُ مِنْ خُموُرٍ ، فى‏ رَوْضٍ مُغْدِقٍ ، لَيْسَ يُصَدَّعُ مِنْ شُرْبِهِ ، وَ لَيْسَ يُنْزَفُ .

هذِهِ مَنْزِلَةُ مَنْ خَشِىَ رَبَّهُ ، وَ حَذَّرَ نَفْسَهُ مَعْصِيَتَهُ ، وَ تِلْكَ عُقُوبَةُ مَنْ جَحَدَ مَشيئَتَهُ ، وَ سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ مَعْصِيَتَهُ ، فَهُوَ قَوْلٌ فَصْلٌ ، وَ حُكْمٌ عَدْلٌ ، وَ خَبَرٌ قَصَصٌ قَصٌّ ، وَ وَعْظٌ نَصٌّ : تَنْزيلٌ مِنْ حَكيمٍ حَميدٍ ، نَزَلَ بِهِ رُوحُ قُدُسٍ مُّبينٍ عَلى‏ قَلْبِ نَبِىّ مُهْتَدٍ رَشيدٍ ، صَلَّتْ عَلَيْهِ رُسُلٌ سَفَرَةٌ ، مُكَرَّمُونَ بَرَرَةٌ ، عُذْتُ بِرَبٍّ عَليمٍ ، رَحيمٍ كَريمٍ ، مِنْ شَرِّ كُلِّ عَدُوٍّ لَعينٍ رَجيمٍ ، فَلْيَتَضَرَّعْ مُتَضَرِّعُكُمْ وَ لْيَبْتَهِلْ مُبْتَهِلُكُمْ ، وَ لْيَسْتَغْفِرْ كُلُّ مَرْبوُبٍ مِنْكُمْ لى‏ وَ لَكُمْ ، وَ حَسْبى‏ رَبّى‏ وَحْدَهُ .