حالات الامام عليه السلام في السجن
يموت السجان اليلة
*- قال ابن اسحاق بن عمار: لما حبس الرشيد (لعنه الله) ابا الحسن موسى (عليه السلام) دخل عليه أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا ابي حنيفة، فقال احدهما للاخر: نحن على احد الامرين إما أن نساويه أو نشاكله فجلسنا بين يديه، فجاء رجل كان موكلاً به من قبل السندي بن شاهك فقال: إن نوبتي قد انقضت وانا على الارزاق فان كان لك حاجة فأمر بها حتى آتيك بها في الوقت الذي تلحقه النوبة.
قال: مالي حاجة, فلما خرج قال لابي يوسف: ما اعجب هذا يسألني أن أكلفه حاجة من حوائجي وهو ميت في هذه الليلة, ثم إن أبا يوسف ومحمداً قاما من عنده, فقال أحدهما للآخر: إنا جئنا لنسأله عن الفرض والسنة وهو الان جاء بشيءٍ من علم الغيب, ثم بعثا برجل مع الرجل وقالا له: اذهب معه وانظر ما يكون من امره في هذه الليلة فأتنا بخبره من الغد.
فمضى الرجل فنام في مسجد عند باب داره فلما اصبح سمع الواعية ورأى الناس يدخلون داره فقال ماهذا؟
قالوا: مات فلان في هذه الليلة فجاء من غير علة, فانصرف الرجل إلى ابي يوسف ومحمد واخبرهما بالخبر, فأتيا ابا الحسن (عليه السلام) فقالا قد علمنا أنك قد ادركت العلم في الحلال والحرام فمن اين ادركت امر هذا الرجل الموكل بك أنه يموت في هذه الليلة.
قال: من الباب الذي اخبر بعلمه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علي بن ابي طالب (عليه السلام) فلما اورد عليهما هذا بقيا متحيرين لا يردان جواباً(
[1]).
انفذو له في السجن جارية جميلة
*- عن كتاب الانوار عن العامري أن هارون الرشيد انفذ إلى موسى بن جعفر (عليه السلام) جارية حضيضة لها جمال ووضاء لتخدمه في السجن، فقال: قل له ﴿بل انتم بهديتكم تفرحون﴾(
[2]) لا حاجة لي في هذه ولا في امثالها.
قال: فاستطار هارون غضباً, وقال ارجع إليه وقل له: ليس برضاك حبسناك ولا برضاك خدمناك، واترك الجارية عنده وانصرف.
قال: فمضى ورجع ثم قام هارون عن مجلسه وانفذ الخادم إليه ليتفحص عن حالها فرآها ساجدة لربها لا ترفع رأسها, تقول: قدوس سبحانك سبحانك.
فقال هارون: سحرها والله موسى بن جعفر بسحره, علي بها فاُتي بها وهي ترعد شاخصة نحو السماء ببصرها, فقال ماشأنك؟
قالت: شإني الشأن البديع إني كنت عنده واقفة وهو قائم يصلي ليله ونهاره, فلما انصرف من صلاته بوجهه وهو يسبح الله ويقدسه قلت: ياسيدي هل لديك حاجة اعطيكها؟
قال: وما حاجتي إليك؟
قلت: إني ادخلت إليك لحوائجك.
قال: فما بال هؤلاء؟
قالت: فالتفت فإذا بروضة مزهرة لا أبلغ آخرها من اولها بنظري ولا اولها من آخرها, فيها مجالس مفروشة بالوشا والديباج وعليها وصفاء ووصائف لم ارَ مثل وجوههم حسناً ولا مثل لباسهم لباساً عليهم الحرير الاخضر والاكاليل والدر والياقوت وفي ايديهم الاباريق والمناديل ومن كل الطعام, فخررت ساجدة حتى اقامني هذا الخادم فرأيت نفسي حيث كنت.
قال هارون: ياخبيثة لعلك سجدت فنمت فرأيت هذا في منامك.
قالت: لا والله ياسيدي الا قبل سجودي رأيت فَسجدت من اجل ذلك.
فقال الرشيد: اقبض هذه الخبيثة إليك، فلا يسمع هذا منها احد فاقلبت في الصلوة فإذا قيل لها في ذلك قالت هكذا رأيت العبد الصالح فسئلت عن قولها, قالت: إني لما عاينت من الامر نادتني الجواري يافلانة ابعدي عن العبد الصالح حتى ندخل عليه فنحن له دونك, فما زالت كذلك حتى ماتت وذلك قبل موت موسى (عليه السلام) بأيام يسيرة(
[3]).
والله لا فعلت ذلك ولا هو من شأني
* كشف : قال محمد بن طلحة : ([4]) نقل عن الفضل بن الربيع أنه أخبر عن أبيه أن المهدي لما حبس موسى بن جعفر ففي بعض الليالي رأى المهدي في منامه علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يقول له : يا محمد فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الارض وتقطعوا أرحامكم (
[5]) قال الربيع : فأرسل إلي ليلا فراعني وخفت من ذلك وجئت إليه ، وإذا هو يقرأ هذه الآية وكان أحسن الناس صوتا فقال : علي الآن بموسى بن جعفر ! فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جانبه وقال : ياأبا الحسن رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في النوم فقرأ علي كذا فتؤمنني أن تخرج علي أو على أحد من ولدي ، فقال : والله لا فعلت ذلك ولا هو من شأني ، قال : صدقت ياربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار وزوده إلى أهله إلى المدينة .قال الربيع : فأحكمت أمره ليلا فما أصبح إلا وهو في الطريق خوف العوايق ، ورواه الجنابذي وذكر أنه وصله بعشرة آلاف دينار
رسالة من السجن لهارون
*- وقال الحافظ عبدالعزيز : حدث أحمد بن إسماعيل قال : بعث موسى بن جعفر عليهما السلام إلى الرشيد من الحبس برسالة كانت : إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء ، حتى نقضي جميعا إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون. (
[6])
ادع بهذه الدعاء
* - باسناد صحيح عن عبدالله بن مالك الخزاعي قال : دعاني هارون الرشيد فقال : ياأبا عبدالله كيف أنت وموضع السر منك ؟ فقلت : ياأمير المؤمنين ماأنا إلا عبد من عبيدك فقال : امض إلى تلك الحجرة وخذ من فيها واحتفظ به إلى أن أسألك عنه ، قال : فدخلت فوجدت موسى بن جعفر عليه السلام فلما رآني سلمت عليه وحملته على دابتي إلى منزلي فأدخلته داري وجعلته مع حرمي وقفلت عليه والمفتاح معي وكنت أتولى خدمته ، ومضت الايام فلم أشعر إلا برسول الرشيد يقول : أجب أمير المؤمنين .فنهضت ودخلت عليه وهو جالس وعن يمينه فراش وعن يساره فراش ، فسلمت عليه فلم يرد غير أنه قال مافعلت بالوديعة ؟ فكأني لم أفهم ماقال فقال : مافعل صاحبك ؟ فقلت : صالح ، فقال : امض إليه وادفع إليه ثلاثة آلاف درهم واصرفه إلى منزله وأهله ، فقمت وهممت بالانصراف فقال لي : أتدري ماالسبب في ذلك وماهو ؟ قلت : لا ياأمير المؤمنين ، قال : نمت على الفراش الذي عن يميني فرأيت في منامي قائلا يقول لي : ياهارون أطلق موسى بن جعفر فانتبهت فقلت : لعلها لما في نفسي منه فقمت إلى هذا الفراش الآخر فرأيت ذلك الشخص بعينه وهو يقول : ياهارون أمرتك أن تطلق موسى بن جعفر فلم تفعل ، فانتبهت وتعوذت من الشيطان ، ثم قمت إلى هذا الفراش الذي أنا عليه وإذا بذلك الشخص بعينه وبيده حربة كأن أولها بالمشرق وآخرها بالمغرب وقد أومأ إلي وهو يقول : والله ياهارون لئن لم تطلق موسى بن جعفر لاضعن هذه الحربة في صدرك وأطلعها من ظهرك ، فأرسلت إليك فامض فيما أمرتك به ولاتظهره إلى أحد فأقتلك فانظر لنفسك .قال : فرجعت إلى منزلي وفتحت الحجرة ودخلت على موسى بن جعفر عليه السلام فوجدته قد نام في سجوده فجلست حتى استيقظ ورفع رأسه وقال : ياأبا عبدالله افعل ماامرت به ، فقلت له : يامولاي سألتك بالله وبحق جدك رسول الله هل دعوت الله عزوجل في يومك هذا بالفرج ؟ فقال : أجل إني صليت المفروضة وسجدت و غفوت في سجودي فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : ياموسى أتحب أت تطلق ؟ فقلت : نعم يارسول الله صلى الله عليه وآله فقال : ادع بهذه الدعاء ([7]) ثم ذكر الدعاء فلقد دعوت به ورسول الله يلقنيه حتى سمعتك ، فقلت : قد استجاب الله فيك ، ثم قلت له ماأمرني به الرشيد وأعطيته ذلك ([8]) .
وفتحت له الابواب
* - محمد بن الحسين بن أحمد الفارسي ، عن أبي القاسم الحليسي ، عن عيسى بن هوذا ، عن الحسن بن ظريف بن ناصح فقال : قد جئتك بحديث من يأتيك حدثني فلان ونسي الحليسي اسمه عن بشار مولي السندي بن شاهك قال : كنت من أشد الناس بغضا لآل أبي طالب ، فدعاني السندي بن شاهك يوما فقال لي : يابشار إني اريد أن أئتمنك على ماائتمنني عليه هارون ، قلت : إذن لا ابقي فيه غاية فقال : هذا موسى بن جعفر قد دفعه إلي وقد وكلتك بحفظه ، فجعله في دار دون حرمه ووكلني عليه ، فكنت أقفل عليه عدة أقفال ، فاذا مضيت في حاجة وكلت امرأتي بالباب فلا تفارقه حتى أرجع .قال بشار : فحول الله ماكان في قلبي من البغض حبا قال : فدعاني عليه السلام يوما فقال : يابشار امض إلى سجن القنطرة فادع لي هند بن الحجاج وقل له : أبوالحسن يأمرك بالمصير إليه ، فانه سينهرك ويصيح عليك فإذا فعل ذلك ، فقل له : أنا قد قلت لك وأبلغت رسالته فإن شئت فافعل ماأمرني ، وإن شئت فلا تفعل ، و اتركه وانصرف قال : ففعلت ماأمرني وأقفلت الابواب كما كنت أقفل وأقعدت امرأتي على الباب وقلت لها : لاتبرحي حتى آتيك .وقصدت إلى سجن القنطرة فدخلت إلى هند بن الحجاج فقلت : أبوالحسن يأمرك بالمصير إليه قال : فصاح علي وانتهرني فقلت له : أنا قد أبلغتك وقلت لك فان شئت فافعل ، وإن شئت فلا تفعل ، وانصرف وتركته وجئت إلى أبي الحسن عليه السلام فوجدت امرأتي قاعدة على الباب والابواب مغلقة فلم أزل أفتح واحدا واحدا منها حتى انتهيت إليه فوجدته وأعلمته الخبر فقال : نعم قد جآءني وانصرف فخرجت إلى امرأتي فقلت لها : جاء أحد بعدي فدخل هذا الباب ؟ فقالت : لا واله مافارقت الباب ولا فتحت الاقفال حتى جئت .قال : وروى لي علي بن محمد بن الحسن الانباري أخو صندل قال : بلغني من جهة اخرى أنه صار إليه هند بن الحجاج قال له العبد الصالح عليه السلام عند انصرافه إن شئت رجعت إلى موضعك ولك الجنة وإن شئت انصرفت إلى منزلك ، فقال : أرجع إلى موضعي إلى سجن رحمه الله .قال : وحدثني علي بن محمد بن صالح الصيمري أن هند بن الحجاج رضي الله عنه كان من أهل الصيمرة وأن قصره لبين
لعن الله من يسعى في دمك
* - محمد بن قولويه القمي قال : حدثني بعض المشايخ ولم يذكر اسمه ، عن علي بن جعفر بن محمد قال : جاءني محمد بن إسماعيل بن جعفر يسألني أن أسأل أبا الحسن موسى عليه السلام أن يأذن له في الخروج إلى العراق ، وأن يرضى عنه ويوصيه بوصية قال فتجنب حتى دخل المتوضا ، وخرج وهو وقت كان يتهيأ لي أن أخلو به واكلمه قال : فلما خرج قلت له : إن ابن أخيك محمد بن إسماعيل يسألك أن تأذن له في الخروج إلى العراق وأن توصيه ، فأذن له عليه السلام .فلما رجع إلى مجلسه قام محمد بن إسماعيل وقال : ياعم احب أن توصيني فقال : اوصيك أن تتقي الله في دمي فقال : لعن الله من يسعى في دمك ، ثم قال : ياعم أوصني فقال : اوصيك أن تتقي الله في دمي ، قال : ثم ناوله أبوالحسن عليه السلام صرة فيها مائة وخمسون دينارا فقبضها محمد ، ثم ناوله اخرى فيها مائة وخمسون دينارا فقبضها ، ثم أعطاه صرة اخرى فيها مائة وخمسون دينارا فقبضها ، ثم أمر له بألف وخمسمائة درهم كانت عنده ، فقلت له في ذلك ولاستكثرته فقال : هذا ليكون أوكد لحجتي إذا قطعني ووصلته .قال : فخرج إلى العراق فلما ورد حضرة هارون أتى باب هرون بثياب طريقه قبل أن ينزل واستأذن على هارون وقال للحاجب : قل لامير المؤمنين إن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بالباب فقال الحاجب : انزل أولا وغير ثياب طريقك وعد لادخلك إليه بغير إذن فقد نام أمير المؤمنين في هذا الوقت فقال : اعلم أمير المؤمنين أني حضرت ولم تأذن لي فدخل الحاجب وأعلم هارون قول محمد بن إسماعيل فأمر بدخوله فدخل قال : ياأمير المؤمنين خليفتان في الارض موسى بن جعفر بالمدينة يجبى له الخراج وأنت بالعراق يجبى لك الخراج فقال : والله ! ؟ فقال : في جوف ليلته فمات وحول من الغد المال الذي حمل إليه ([9])
*- حدثنا احمد بن زياد جعفر الهمداني، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه, عن عبدالله بن صالح قال: حدثني صاحب الفضل بن الربيع عن الفضل بن الربيع قال: كنت ذات ليلة في فراشي مع بعض الجواري، فلما كان في نصف الليل، سمعت حركت باب المقصورة، فراعني ذلك, فقالت الجارية: لعل هذا من الريح, فلم يمض إلا يسير حتى رأيت باب البيت الذي كنت فيه قد فتح وإذا مسرور الكبير قد دخل علي وقال: اجب الأمير ولم يسلم علي، فايست من نفسي وقلت هذا مسرور دخل إلي بلا إذن, ولم يسلم ما هو إلا القتل, وكنت جنباً فلم اجسر أن أسأله انتظاري حتى اغتسل.
فقالت الجارية لما رأت تحيري وتبلدي: ثق بالله عز وجل, وانهض فنهضت ولبست ثيابي وخرجت معه حتى اتيت الدار, فسلمت على امير المؤمنين وهو في مرقده فرد علي السلام فسقطت وقال تداخلك رعب؟
قلت: نعم يا امير المؤمنين , فتركني ساعه حتى سكنت ثم قال لي: سر إلى حبسنا فاخرج موسى بن حعفر بن محمد وادفع إليه ثلاثين الف درهم واخلع عليه خمس خلع فاحمله على ثلاثة مراكب وخيره بين المقام معنا و الرحيل عنا إلى أي بلد اراد وأحب.
فقلت: يا أمير المؤمنين تأمر باطلاق موسى بن جعفر؟
قال: نعم, فكررت ذلك ثلاث مرات.
فقال لي: ويلك أتريد أن أنكث العهد؟
فقلت: ياامير المؤمنين وما العهد؟
قال: بينا انا في مرقدي هذا إذ ساورني اسود مارأيت من السودان اعظم منه فقد علا صدري وقبض علي حلقي وقال لي: حبست موسى بن حعفر ظالماً له.
فقلت له: انا اطلقه واهب له واخلع عليه, فاخذ علي عهد الله وميثاقه وقام عن صدري, وقد كادت انفاسي تخرج، فخرجت من عنده ووافيت موسى بن حعفر في حبسه فرأيته قائماً يصلي فجلست حتى سلم, ثم ابلغته سلام امير المؤمنين واعلمته بالذي امر به في امره وإني قد احضرت ماوصله به.
فقال: إن كنت أُمرت بشيء غير هذا فافعله
قلت: لا وحق جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أُمرت إلابهذا.
فقال: لاحاجة لي في الخلع والحملان والمال إذ كانت فيه حقوق الامة
فقلت: ناشدتك بالله ان لا ترده فيغتاظ.
فقال: اعمل به مااحببت واخذت بيده وأخرجته من السجن ثم قلت له: يابن رسول الله إخبرني ما السبب الذي نلت به هذه الكرامة من هذا الرجل فقد وجب حقي عليك لبشارتي إياك ولما اجراه على يدي من هذا الأمر.
فقال: رأيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة الاربعاء في النوم, فقال لي: يا موسى أنت محبوس مظلوم.
فقلت: نعم يا رسول الله محبوس مظلوم فكرر ذلك عليَّ ثلاثاً ثم قال:وان ادري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين اصبح غداً صائماً واتبعه بصيام الخميس والجمعة فإذا كان وقت الافطار فصلِّ اثنى عشر ركعة تقرأ في كل ركعة الحمد لله واثني عشر مرة قل هو الله احد، فإذا صليت منها اربع ركعات فاسجد ثم قل: يا سابق الفوت ياسامع الصوت يامحيي العظام وهي رميم بعد الموت اسألك باسمك العظيم الاعظم ان تصلي على محمد عبدك ورسولك وعلى آل بيته الطيبين وأن تجعل لي الفرَج مما انا فيه ففعلت فكان الذي رأيت(
[10]).
علمه بالسم واضطراب السندي اللعين
* - عن سعد ، عن اليقطيني ، عن الحسن بن محمد بن بشار قال : حدثني شيخ من أهل قطيعة الربيع من العامة ممن كان يقبل قوله قال : قال لي : قد رأيت بعض من يقرون بفضله من أهل هذا البيت فما رأيت مثله قط في نسكه وفضله قال : قلت : من ؟ وكيف رأيته ؟ قال : جمعنا أيام السندي بن شاهك ثمانين رجلا من الوجوه ممن ينسب إلى الخير ، فأدخلنا على موسى بن جعفر فقال لنا السندي : ياهؤلاء انظروا إلى هذا الرجل هل حدث به حدث ؟ فإن الناس يزعمون أنه قد فعل مكروه به ، ويكثرون في ذلك ، وهذا منزله وفرشه موسع عليه غير مضيق ولم يرد به أمير المؤمنين سوءا ، وإنما ينتظره أن يقدم فيناظره أمير المؤمنين ، وها هوذا صحيح ، موسع عليه في جميع أمره فاسألوه .
قال : ونحن ليس لنا هم إلا النظر إلى الرجل ، وإلى فضله وسمته فقال : أما ماذكر من التوسعة وما أشبه ذلك فهو على ماذكر غير أني اخبركم أيها النفر أني قد سقيت السم في تسع تمرات وإني أخضر غدا وبعد غد أموت .قال : فنظرت إلى السندي بن شاهك يرتعد ويضطرب مثل السعفة ، قال الحسن : وكان هذا الشيخ من خيار العامة شيخ صديق ، مقبول القول ، ثقة ثقة جدا عند الناس ([11])
* - عن علي ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن صالح قال : حدثني حاجب الفضل بن الربيع عن الفضل بن الربيع قال : كنت ذات ليلة في فراشي مع بعض جواري فلما كان في نصف الليل سمعت حركة باب المقصورة فراعني ذلك فقالت الجارية : لعل هذا من الريح ، فلم يمض إلا يسير حتى رأيت باب البيت الذي كنت فيه قد فتح وإذا مسرور الكبير قد دخل علي فقال لي : أجب الامير ، ولم يسلم علي .فيئست من نفسي وقلت : هذا مسرور ودخل إلي بلا إذا ولم يسلم ، ماهو إلا القتل ، وكنت جنبا فلم أجسر أن أسأله إنظاري حتى أغتسل فقالت لي الجارية : لما رأت تحيري وتبلدي : ثق بالله عزوجل وانهض ، فنهضت ، ولبست ثيابي ، و خرجت معه حتى أتيت الدار فسلمت على أمير المؤمنين وهو في مرقده فرد علي السلام فسقطت فقال : تداخلك رعب ؟ قلت : نعم ياأمير المؤمنين فتركني ساعة حتى سكنت ثم قال لي : صر إلى حبسنا فأخرج موسى بن جعفر محمد وادفع إليه ثلاثين ألف درهم ، واخلع عليه خمس خلع ، واحمله على ثلاثة مراكب ، وخيره بين المقام معنا أو الرحيل عنا إلى أي بلد أراد وأحب .فقلت : ياأمير المؤمنين تأمر باطلاق موسى بن جعفر ؟ قال : نعم فكررت ذلك عليه ثلاث مرات فقال لي : نعم ويلك أتريد أن أنكث العهد ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين وما العهد ؟ قال : بينا أنا في مرقدي هذا إذ ساورني أسود مارأيت من السودان أعظم منه ، فقعد على صدري وقبض على حلقي وقال لي : حبست موسى ابن جعفر ظالما له ؟ فقلت : فأنا اطلقه وأهب له ، وأخلع عليه ، فأخذ علي عهد الله عزوجل وميثاقه ، وقام عن صدري ، وقد كادت نفسي تخرج .فخرجت من عنده ووافيت موسى بن جعفر عليه السلام وهو في حبسه فرأيته قائما يصلي فجلست حتى سلم ثم أبلغته سلام أمير المؤمنين وأعلمته بالذي أمرني به في أمره ، وأني قد أحضرت ماوصله به ، فقال : إن كنت امرت بشئ غير هذا فافعله ؟ فقلت : لا وحق جدك رسول الله ما امرت إلا بهذا فقال : لا حاجة لي في الخلع والحملان والمال إذ كانت فيه حقوق الامة فقلت : ناشدتك بالله أن لا ترده فيغتاظ فقال : اعمل به ماأحببت ، وأخذت بيده عليه السلام وأخرجته من السجن .
ثم قلت له : ياابن رسول الله أخبرني بالسبب الذي نلت به هذه الكرامة من هذا الرجل ، فقد وجب حقي عليك لبشارتي إياك ، ولما أجراه الله عزوجل على يدي من هذا الامر فقال عليه السلام : رأيت النبي صلى الله عليه وآله ليلة الاربعآء في النوم فقال لي : ياموسى أنت محبوس مظلوم ؟ فقلت : نعم يارسول الله محبوس مظلوم ، فكرر علي ذلك ثلاثا ثم قال : وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ([12]) أصبح غدا صائما وأتبعه بصيام الخميس والجمعة ، فاذا كان وقت الافطار فصل اثنتي عشرة ركعة تقرأ في كل ركعة الحمد واثنتي عشرة مرة قل هو الله أحد ، فاذا صليت منها أربع ركعات فاسجد ثم قل : ياسابق الفوت ياسامع كل صوت يامحيي العظام وهي رميم بعد الموت أسألك باسمك العظيم الاعظم أن تصلي على محمد عبدك ورسولك وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وأن تعجل لي الفرج مما أنا فيه ، ففعلت فكان الذي رأيت ([13])
* - حمدان بن الحسين النهاوندي ، عن إبراهيم بن إسحاق النهاوندي عن أحمد بن إسماعيل ، عن عبيد الله بن صالح مثله ، وفيه فسرت إليه مرعوبا فقال لي : يافضل أطلق موسى بن جعفر الساعة وهب له ثمانين ألف درهم ، واخلع عليه خمس خلع ، واحمله على خمسة من الظهر ([14]) .
* - الهمداني عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن الحسين المدني ، عن عبدالله بن الفضل ، عن أبيه الفضل قال : كنت أحجب للرشيد فأقبل علي يوما غضبانا وبيده سيف يقلبه فقال لي : يافضل بقرابتي من رسول الله لئن لم تأتني بابن عمي لآخذن الذي فيه عيناك ، فقلت : بمن أجيئك ؟ فقال : بهذا الحجازي قلت : وأي الحجازيين ؟ قال موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب .قال الفضل : فخفت من الله عزوجل إن جئت به إليه ثم فكرت في النقمة فقلت له : أفعل فقال : ائتني بسواطين وهبنازين ([15]) وجلادين قال : فأتيته بذلك ومضيت إلى منزل أبي إبراهيم موسى بن جعفر .فأتيت إلى خربة فيها كوخ من جرائد النخل فاذا أنا بغلام أسود فقلت له : استأذن لي على مولاك يرحمك الله فقال لي : لج ليس له حاجب ولا بواب ، فولجت إليه ، فاذا أنا بغلام أسود بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه وعرنين أنفه من كثرة سجوده فقلت له : السلام عليك ياابن رسول الله أجب الرشيد فقال : ماللرشيد و مالي ؟ أما تشغله نعمته عني ؟ ثم قام مسرعا ، وهو يقول : لولا أني سمعت في خبر عن جدي رسول الله صلى الله عليه وآله : أن طاعة السلطان للتقية واجبة إذا ماجئت .فقلت له : استعد للعقوبة ياأبا إبراهيم رحمك الله فقال عليه السلام : أليس معي من يملك الدنيا والآخرة ، ولن يقدر اليوم على سوء بي إنشآء الله قال الفضل بن الربيع : فرأيته وقد أدار يده يلوح على رأسه ثلاث مرات فدخلت إلى الرشيد فاذا هو كأنه امرأة ثكلى قائم حيران فلما رآني قال لي : يافضل فقلت : لبيك فقال : جئتني بابن عمي ؟ قلت : نعم قال : لا تكون أزعجته ؟ فقلت : لا قال : لا تكون أعلمته أني عليه غضبان ؟ فاني قد هيجت على نفسي مالم ارده ائذن له بالدخول فأذنت له .فلما رآه وثب إليه قائما وعانقه وقال له : مرحبا بابن عمي وأخي ، ووارث نعمتي ، ثم أجلسه على فخذه وقال له : ما الذي قطعتك عن زيارتنا ؟ فقال : سعة ملكك وحبك للدنيا فقال : ايتوني بحقة الغالية ، فاتي بها فغلفه بيده ثم أمره أن يحمل بين يديه خلع وبدرتان دنانير فقال موسى بن جعفر عليه السلام : والله لو لا أني أرى من ازوجه بها من عزاب بني أبي طالب لئلا ينقطع نسله أبدا ما قبلتها ثم تولى عليه السلام وهو يقول : الحمد لله رب العالمين .
فقال الفضل : ياأمير المؤمنين أردت أن تعاقبه فخلعت عليه وأكرمته ؟ فقال لي : يافضل إنك لما مضيت لتجيئني به رأيت أقواما قد أحوقوا بداري بأيديهم حراب قد غرسوها في أصل الدار يقولون : إن آذى ابن رسول الله خسفنا به وإن أحسن إليه انصرفنا عنه وتركناه .فتبعته عليه السلام فقلت له : ماالذي قلت حتى كفيت أمر الرشيد ؟ فقال : دعآء جدي علي بن أبي طالب عليه السلام كان إذا دعا به مابرز إلى عسكر إلا هزمه ، ولا إلى فارس إلا قهره ، وهو دعآء كفاية البلاء قلت : وماهو ؟ قال : قلت : اللهم بك اساور ، وبك احاول ، وبك احاور ، وبك أصول ، وبك أنتصر ، وبك أموت ، وبك أحيا أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك ولا حول ولا قوة إلا الله العلي العظيم اللهم إنك خلقتني ورزقتني وسترتني ، وعن العباد بلطف ماخولتني أغنيتني ، وإذا هويت رددتني ، وإذا عرثت قومتني ، وإذا مرضت شفيتني ، وإذا دعوت أجبتني ياسيدي ارض عني فقد أرضيتني ([16])
زعمت سخينة أن ستغلب ربها
* - يحيى بن المكتب عن الوراق ، عن علي بن هارون الحميري ، عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي ، عن أبيه ، عن علي بن يقطين قال : انهي الخبر إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام وعنده جماعة من أهل بيته ، بما عزم عليه موسى ابن المهدي في أمره فقال لاهل بيته : ما تشيرون ؟ قالوا : نرى أن تتباعد عنه ، وأن تغيب شخصك منه ، فانه لايؤمن شره ، فتبسم أبوالحسن عليه السلام ثم قال :
زعمت سخينة أن ستغلب ربها وليغلبن مغلب الغلاب
ثم رفع عليه السلام يده إلى السمآء فقال : اللهم كم من عدو شحذلي ظبة مديته ، وأرهف لي شبا حده وداف لي قواتل سمومه ، ولم تنم عني عين حراسته فلما رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح ، وعجزي عن ملمات الجوايح صرفت عني ذلك بحولك وقوتك ، لا بحولي وقوتي ، فألقيته في الحفير الذي احتفره لي خائبا مما أمله في دنياه متباعدا مما رجاه في آخرته فلك الحمد على ذلك قدر استحقاقك سيدي اللهم فخذه بعزتك وافلل حده عني بقدرتك ، واجعل له شغلا فيما يليه وعجزا عمن يناويه ، اللهم وأعدني عليه عدوى حاضرة تكون من غيظي شفآءا ومن حقي عليه وفآءا وصل اللهم دعائي بالاجابة ، وانظم شكايتي بالتغيير ، وعرفه عما قليل ماوعدت الظالمين ، وعرفني ماوعدت في إجابة المضطرين ، إنك ذو الفضل العظيم ، والمن الكريم ([17]) قال : ثم تفرق القوم فما اجتمعوا إلا لقراءة الكتاب الوارد عليه بموت موسى بن المهدي ، ففي ذلك يقول بعض من حضر موسى عليه السلام من أهل بيته : وسارية([18]) لم تسر في الارض تبتغي محلا ولم يقطع بها البعد قاطع سرت حيث لم تحد الركاب ولم تنخ لورد ولم يقصر لها البعد مانع تمر وراء الليل([19]) والليل ضارب بجثمانه([20]) فيه سمير وهاجع تفتح أبواب السمآء ودونها إذا قرع الابواب منهن قارع إذا وردت لم يردد الله وفدها على أهلها والله راء وسامع وإني لارجو الله حتى كأنما أرى بجميل الظن ماالله صانع ([21])
دعاء للخلاص من السجن
* - ما جيلويه ، عن علي ، عن أبيه قال : سمعت رجلا من أصحابنا يقول : لما حبس الرشيد موسى بن جعفر عليه السلام جن عليه الليل فخاف ناحية هارون أن يقتله ، فجدد موسى عليه السلام طهوره واستقبل بوجهه القبلة وصلى لله عزوجل أربع ركعات ثم دعا بهذه الدعوات فقال : ياسيدي نجني من حبس هارون ، وخلصني من يده ، يامخلص الشجر من بين رمل وطين ومآء ، ويامخلص اللبن من بين فرث ودم ، ويامخلص الولد من بين مشيمة ورحم ، ويا مخلص النار من بين الحديد والحجر ، ويا مخلص الروح من بين الاحشآء والامعاء ، خلصني من يدي هارون .قال : فلما دعا موسى عليه السلام بهذه الدعوات أتى هارون رجل أسود في منامه وبيده سيف قد سله ، فوقف على رأس هارون وهو يقول : ياهارون أطلق عن موسى بن جعفر وإلا ضربت علاوتك بسيفي هذا ، فخاف هارون من هيبته ثم دعا الحاجب فجآء الحاجب فقال له : اذهب إلى السجن فأطلق عن موسى بن جعفر قال : فخرج الحاجب فقرع باب السجن فأجابه صاحب السجن فقال : من ذا ؟ قال : إن الخليفة يدعو موسى بن جعفر فأخرجه من سجنك ، وأطلق عنه ، فصاح السجان ياموسى : إن الخليفة يدعوك .فقام موسى عليه السلام مذعورا فزعا وهو يقول : لايدعوني في جوف هذا الليل إلا لشر يريد بي ، فقام باكيا حزينا مغموما آيسا من حياته فجآء إلى هارون وهو ترتعد فرائصه فقال : سلام على هارون فرد عليه السلام ثم قال له هارون : ناشدتك بالله هل دعوت في جوف هذه الليلة بدعوات ؟ فقال : نعم ، قال : وماهن ؟ قال : جددت طهورا وصليت لله عزوجل أربع ركعات ، ورفعت طرفي إلى السمآء و قلت : ياسيدي خلصني من يد هارون وذكره وشره ، وذكر له ما كان من دعائه فقال هارون قد استجاب الله دعوتك ياحاجب أطلق عن هذا ، ثم دعا بخلع فخلع عليه ثلاثا وحمله على فرسه وأكرمه وصيره نديما لنفسه ، ثم قال : هات الكلمات فعلمه فأطلق عنه وسلمه إلى الحاجب ليسلمه إلى الدار ويكون معه ، فصار موسى بن جعفر عليه السلام كريما شريفا عند هارون ، وكان يدخل عليه في كل خميس إلى أن حبسه الثانية فلم يطلق عنه حتى سلمه إلى السندي بن شاهك وقتله بالسم ([22]) . وفي رواية الفضل بن الربيع أنه قال : صر إلى حبسنا وأخرج موسى بن جعفر وادفع إليه ثلاثين ألف درهم و اخلع عليه خمس خلع ، واحمله على ثلاث مراكب ، وخيره إما المقام معنا ، أو الرحيل إلى أي البلاد أحب ، فلما عرض الخلع عليه أبى أن يقبلها ([23]) .
عبادته في السجن
* - محمد بن علي بن محمد بن حاتم ، عن عبدالله بن بحر الشيباني قال : حدثني الخرزي أبوالعباس بالكوفة قال : حدثني الثوباني قال : كنت لابي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام بضع عشرة سنة كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس إلى وقت الزوال قال : فكان هارون ربما صعد سطحا يشرف منه على الحبس الذي حبس فيه أبا الحسن عليه السلام فكان يرى أبا الحسن عليه السلام ساجدا فقال للربيع : ماذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع ؟ قال : ياأمير المؤمنين ماذاك بثوب و إنما هو موسى بن جعفر ، له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال قال الربيع : فقال لي هارون : أما إن هذا من رهبان بني هاشم ، قلت : فما لك فقد ضيقت عليه في الحبس ! ؟ قال : هيهات لابد من ذلك ([24])
تعدد السجون
* - الطالقاني ، عن محمد بن يحيى الصولي ، عن أحمد بن عبدالله ، عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال : سمعت أبي يقول : لما قبض الرشيد على موسى ابن جعفر عليه السلام وهو عند رأس النبي صلى الله عليه وآله قائما يصلي فقطع عليه صلاته وحمل وهو يبكي ويقول : إليك أشكو يارسول الله ماألقى وأقبل الناس من كل جانب يبكون ويضجون فلما حمل إلى بين يدي الرشيد شتمه وجفاه ، فلما جن عليه الليل أمر ببيتين فهيئا له فحمل موسى بن جعفر عليه السلام إلى أحدهما في خفآء ودفعه إلى حسان السروي وأمره أن يصير به في قبة إلى البصرة فيسلمه إلى عيسى بن جعفر بن أبي جعفر ، وهو أميرها ، ووجه قبة اخرى علانية نهارا إلى الكوفة معها جماعة ليعمي على الناس أمر موسى بن جعفر عليه السلام .فقدم حسان البصرة قبل التروية بيوم ، فدفعه إلى عيسى بن جعفر بن أبي جعفر نهارا علانية حتى عرف ذلك ، وشاع أمره ، فحبسه عيسى في بيت من بيوت المحبس الذي كان يحبس فيه ، وأقفل عليه وشغله عنه العيد فكان لايفتح عنه الباب إلا في حالتين حال يخرج فيها إلى الطهور ، وحال يدخل إليه فيها الطعام .قال أبي : فقال لي الفيض بن أبي صالح : وكان نصرانيا ثم أظهر الاسلام وكان زنديقا ، وكان يكتب لعيسى بن جعفر ، وكان بي خاصا فقال : يا أبا عبدالله لقد سمع هذا الرجل الصالح في أيامه هذه في هذه الدار التي هو فيها من ضروب الفواحش والمناكير ماأعلم ولا أشك أنه لم يخطر بباله قال أبي : وسعي بي في تلك الايام إلى عيسى بن جعفر بن أبي جعفر علي بن يعقوب بن عون بن العباس ابن ربيعة في رقعة دفعها إليه أحمد بن أسيد حاجب عيسى قال : وكان علي بن يعقوب من مشايخ بني هاشم ، وكان أكبرهم سنا ، وكان مع سنه يشرب الشراب ويدعو أحمد بن أسيد إلى منزله فيحتفل له ويأتيه بالمغنين والمغنيات ، ويطمع في أن يذكره لعيسى فكان في رقعته التي دفعها إليه إنك تقدم علينا محمد بن سليمان في إذنك وإكرامك وتخصه بالمسك ، وفينا من هو اسن منه ، وهو يدين بطاعة موسى بن جعفر المحبوس عندك .
قال أبي : فإني لقائل ([25]) في يوم قائظ إذ حركت حلقة الباب علي فقلت : ماهذا ؟ فقال لي الغلام : قعنب بن يحيى على الباب يقول : لابد من لقائك الساعة فقلت : ماجاء إلا لامر ائذنوا له ، فدخل فخبرني عن الفيض بن أبي صالح بهذه القصة والرقعة ، وقد كان قال لي الفيض بعد ما أخبرني : لا تخبر أبا عبدالله فتخوفه فإن الرافع عند الامير لم يجد فيه مساغا وقد قلت للامير : أفي نفسك من هذا شئ حتى أخبر أبا عبدالله فيأتيك فيحلف على كذبه ؟ فقال : لاتخبره فتغمه فإن ابن عمه إنما حمله على هذا لحسد له فقلت له : أيها الامير أنت تعلم إنك لاتخلو بأحد خلوتك به ، فهل حملك على أحد قط ؟ قال : معاذ الله قلت : فلو كان له مذهب يخالف فيه الناس لاحب أن يحملك عليه قال : أجل ومعرفتي به أكثر .قال أبي : فدعوت بدابتي وركبت إلى الفيض من ساعتي فصرت إليه ومعي قعنب في الظهيرة فاستأذنت عليه ، فأرسل إلي : جعلت فداك قد جلست مجلسا أرفع قدرك عنه ، وإذا هو جالس على شرابه فأرسلت إليه لابد من لقائك فخرج إلي في قميص دقيق وإزار مورد فأخبرته بما بلغني فقال لقعنب : لاجزيت خيرا ألم أتقدم إليك أن لاتخبر أبا عبدالله فتغمه ثم قال : لابأس فليس في قلب الامير من ذلك شئ قال : فما مضت بعد ذلك إلا أيام يسيرة حتى حمل موسى بن جعفر عليه السلام سرا إلى بغداد وحبس ثم اطلق ، ثم حبس وسلم إلى السندي بن شاهك ، فحبسه وضيق عليه ثم بعث إليه الرشيد بسم في رطب وأمره أن يقدمه إليه ويحتم عليه في تناوله منه ففعل ، فمات صلوات الله عليه ([26]) .
ما ربحنا من موسى الا أن اطعمناه جيد الرطب
*- العيون حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي (رضي الله عنه) قال: حدثني ابي عن احمد بن علي الانصاري عن سليمان بن جعفر الهمداني عن عمر بن واقد قال: إن هارون الرشيد لما ضاق صدره مما كان يظهر له من فضل موسى بن جعفر (عليه السلام), وما كان يبلغه من قول الشيعة بامامته واختلافهم في السر إليه بالليل والنهار خشية على نفسه وملكه ففكر في قتله بالسم, فدعا برطب فأكل منه ثم اخذ صينية فوضع فيها عشرين رطبة واخذ سلكاً فعركه في السم وادخله في سم الخياط, فأخذ رطبة من ذلك الرطب فاقبل يردد إليها ذلك السم بذلك الخيط حتى علم أنه قد حصل السم فيها, فاستكثر منه ثم ردها في ذلك الرطب، وقال لخادم له احمل هذه الصينية إلى موسى بن جعفر وقل له إن أمير المؤمنين أكل من هذا الرطب وتنقص لك به, وهو يقسم عليك بحقه لما اكلته عن آخر رطبة فاني اخترتها لك بيدي, ولا تتركه يبقي منه شيئاً ولا يطعم منه احداً.
فأتاه بها الخادم وابلغه الرساله, فقال له: ائتني بخلال فناوله خلالاً وقام بازائه وهو يأكل من الرطب, وكانت للرشيد كلبة تعز عليه فجذبت نفسها وخرجت تجر سلاسلها من ذهب وجوهر حتى حاذت موسى (عليه السلام), فبادر بالخلال إلى الرطبة المسمومة ورمى بها إلى الكلبة فأكلتها فلم تلبث أن ضربت نفسها إلى الارض وعوت وتهرت قطعة قطعة, واستوفى (عليه السلام) باقي الرطب وحمل الغلام الصينية حتى صار بها إلى الرشيد فقال له: قد اكل الرطب عن آخره؟
قال: نعم يا امير المؤمنين, قال وكيف رأيته؟
قال ما أنكرت منه شيئاً يا امير المؤمنين, ثم ورد عليه خبر الكلبة وأنها قد تهرت وماتت فقلق الرشيد بذلك قلقاً شديداً, واستعظمه ووقف على الكلبة فوجدها متهرئة بالسم فأَحضر الخادم ودعا بسيف ونطع وقال: لتصدقني عن خبر الرطب أو لأقتلنك فقال: يا اميرالمؤمنين إني حملت الرطب إلى موسى بن جعفر وابلغته سلامك وقمت بازائه, فطلب مني خلالاً فدفعته إليه فأَقبل يغرز في الرطبة ويأكلها حتى مرت الكلبة, فغرز الخلال في رطبة من ذلك الرطب فرمى بها فأكلتها الكلبة وأكل هو باقي الرطب فكان ما ترى يا امير المؤمنين.
فقال الرشيد: ما ربحنا من موسى الا أن اطعمناه جيد الرطب وضيعنا سمنا وقتلنا كلبتنا ما في موسى حيلة.
قال: ثم إنَّ سيدنا موسى (عليه السلام) دعا بالمسيب وذلك قبل وفاته بثلاثة أيام وكان موكلاً به فقال له يا مسيب, قال: لبيك يا مولاي، إني ضاعن في هذه الليلة إلى المدينة مدينة جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأعهد إلى علي ابني ما عهد إليّ ابي واجعله وصيي وخليفتي وأمره امري.
قال المسبب: فقلت يامولاي كيف تأمرني أن افتح لك الأبواب واقفالها والحرس معي على الأبواب؟
فقال: يا مسيب ضعف يقينك في الله عز وجل وفينا؟
قلت: لا يا سيدي.
قال: فمه
فقال: ياسيدي ادع الله ان يثبتني.
فقال: اللهم ثبته.
ثم قال: إني ادعو الله عز وجل باسمه العظيم الذي دعاه به آصف حتى جاء بسرير بلقيس ووضعه بين يدي سليمان قبل ارتداد طرفه إليه حتى يجمع بيني وبين ابني علي في المدينة.
قال المسيب: فسمعته يدعو ففقدته عن مصلاه فلم ازل قائماً على قدمي حتى رأيته قد عاد إلى مكانه, واعاد الحديد إلى رجله فخررت لله ساجداً لوجهي شاكراً على ما انعم به علي من معرفته.
فقال لي: ارفع رأسك يامسيب واعلم أني راحل إلى الله عز وجل في ثالث هذا اليوم قال: فبكيت, فقال: لاتبك يامسيب فان علياً ابني هو امامك ومولاك بعدي فاستمسك بولايته فانك لا تضل ما لزمته.
فقلت: الحمد لله, قال: ثم إن سيدي دعاني في ليلة اليوم الثالث فقال: إني على ما عرفتك من الرحيل إلى الله عزّ وجلّ فإذا دعوت بشربة من الماء فشربتها ورأيتني قد انتفخت وارتفعت بطني واصفر لوني واحمر واخضر وتلون الواناً فخبر الطاغية بوفاتي, وإذا رأيت بي هذا الحديث فإياك ان تظهر عليه ابداً ولا على من عندي إلاّ بعد وفاتي.
قال المسيب بن زهير: فلم ازل ارقب وعده حتى دعا بالشربة فشربها ثم دعاني فقال لي: يامسيب إن هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم أنه يتولى غسلي ودفني وهيهات هيهات أن يكون ذلك ابداً فإذا حملت إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فالحدوني فيها ولا ترفعوا قبري فوق اربعة اصابع مفرجات ولا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبركوا فيه فان كل تربة لنا محرمة الا تربة جدي الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهما السلام) فإنَّ الله تعالى جعلها شفاء لشيعتنا واوليائنا.
قال: ثم رأيت شخصاً اشبه الاشخاص به (عليه السلام) جالساً إلى جانبه وكان عهدي بسيدي علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وهو غلام, فاردت سؤاله فصاح بي سيدي موسى (عليه السلام) وقال اليس قد نهيتك يا مسيب؟ فلم ازل صابراً حتى مضى وغاب الشخص, ثم انتهيت الخبر إلى الرشيد فوافى السندي بن شاهك فوالله قد رأيتهم بعيني وهم يظنون أنهم يغسلونه فلا تصل ايديهم إليه, ويظنون أنهم يحنطونه ويكفنونه وأراهم لا يصنعون به شيئاً, ورأيت ذلك الشخص يتولى غسله وتحنيطه وتكفينه, وهو يظهر المعاونة وهم لا يعرفونه, فلما فرغ من امره قال لي ذلك الشخص يا مسيب، مهما شككت فيه فلا تشكن في فإني امامك ومولاك وحجة الله عليك بعد ابي، يامسيب مثلي مثل يوسف الصديق (عليه السلام) ومثلهم مثل اخوته حين دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون, ثم حمل (عليه السلام) حتى دفن في مقابر قريش ولم يرفع قبره اكثر مما امر به, ثم رفعوا قبره بعد ذلك وبنوا عليه(
[27]).
([7])الدعاء المذكور هو ياسابغ النعم ، يادافع النقم يابارى النسم ، يا مجلى الهمم ، يامغشى الظلم ، ياكاشف الضر والالم ، ياذا الجود والكرم ، وياسامع كل صوت ويامدك كل فوت ، ويامحيى العظام وهى رميم ومنشئها بعد الموت ، صل على محمد وآل محمد واجعل لى من أمرى فرجا ومخرجا ياذا الجلال والاكرام .كما في مهج الدعوات ص 247 .
([9])رجال الكشى ص 170 . الكافى ج 8 ص 124 . وفيه عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى عن موسى بن القاسم ، عن علي بن جعفر وفيه : فرماه الله بالذبحة وهي كهمزة وعنبة وكسرة وصبرة وجع في الحلق أو دم يخنق فيقتل ، ثم إن في بعض الروايات محمد بن إسماعيل وفي بعضها علي بن إسماعيل ، ويمكن أن يكون فعل كل منهما ما نسب
([18])وسارية أي ورب سارية من السرى ، وهو السير بالليل أي رب دعوة لم تجر في الارض تطلب محلا ، بل صعدت إلى السمآء ، ولم يقطعها قاطع لبعد المسافة جرت حيث لم تحد الركاب ، من حدى الابل ، ولم تنخذ من إناخة الابل لورد أي ورود على المآء ،