اثبات الصانع
* - عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه : ولو فكروا في عظيم القدرة ، وجسيم النعمة لرجعوا إلى الطريق وخافوا عذاب الحريق ، ولكن القلوب عليلة والابصار مدخولة ، أفلا ينظرون إلى صغير ما خلق ؟ كيف أحكم خلقه ، وأتقن تركيبه ، وفلق له السمع والبصر وسوى له العظم والبشر ، انظروا إلى النملة في صغر جثتها ولطافة هيئتها لا تكاد تنال بلحظ البصر ولا بمستدرك الفكر ، كيف دبت على أرضها ، وضنت على رزقها ، تنقل الحبة إلى جحرها وتعدها في مستقرها ، تجمع في حرها لبردها وفي ورودها لصدورها مكفول برزقها ، مرزوقة بوفقها ، لا يغفلها المنان ولا يحرمها الديان ولو في الصفا اليابس والحجر الجامس ، لو فكرت في مجاري أكلها ، وفي علوها وسفلها ، وما في الجوف من شراسيف بطنها ، وما في الرأس من عينها واذنها لقضيت من خلقها عجبا ولقيت من وصفها تعبا ، فتعالى الذي أقامها على قوائمها ، وبناها على دعائمها ، لم يشركه في فطرتها فاطر ، ولم يعنه على خلقها قادر ، ولو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ما دلتك الدلالة إلا على أن فاطر النملة هو فاطر النحلة لدقيق تفصيل كل شئ وغامض اختلاف كل حي ، وما الجليل واللطيف والثقيل والخفيف والقوي والضعيف في خلقه إلا سواء ، كذلك السماء والهواء والريح والماء ، فانظر إلى الشمس والقمر والنبات والشجر والماء والحجر ، واختلاف هذا الليل والنهار ، وتفجر هذه البحار وكثرة هذه الجبال ، وطول هذه القلال ، وتفرق هذه اللغات والالسن المختلفات ، فالويل لمن أنكر المقدر ، وجحد المدبر ، زعموا أنهم كالنبات مالهم زارع ، ولا لاختلاف صورهم صانع ، لم يلجأوا إلى حجة فيما ادعوا ، ولاتحقيق لما وعوا ، وهل يكون بناء من غير بان أو جناية من غير جان ؟ وإن شئت قلت : في الجرادة إذ خلق لها عينين حمراوين ، وأسرج لها حدقتين قمراوين ، وجعل لها السمع الخفي ، وفتح لها الفم السوي ، وجعل لها الحس القوي ، ونابين بهما تقرض ، ومنجلين بهما تقبض ، ترهبها الزراع في زرعهم ولا يستطيعون ذبها ولو أجلبوا بجمعهم ، حتى ترد الحرث في نزواتها ، وتقضي منه شهواتها ، وخلقها كله لا يكون إصبعا مستدقة ، فتبارك الذي يسجد له من في السماوات والارض طوعا وكرها ، ويعفر له خدا ووجها ، ويلقي بالطاعة إليه سلما وضعفا ، و يعطي له القياد رهبة وخوفا ، فالطير مسخرة لامره ، أحصى عدد الريش منها والنفس ، وأرسى قوائهما على الندى واليبس ، قدر أقواتها ، وأحصى أجناسها ، فهذا غراب ، وهذا عقاب وهذا حمام ، وهذا نعام ، دعا كل طائر باسمه ، وكفل له برزقه ، وأنشأ السحاب الثقال فأهطل ديمها ، وعدد قسمها فبل الارض بعد جفوفها ، وأخرج نبتها بعد جدوبها .
* - قال أمير المؤمنين عليه السلام - في قول الله عزوجل : هو الذي بخلق لكم ما في الارض جميعا ثم استوي إلى السماء فسويهن سبع سموات وهو بكل شئ عليم - قال - : هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا لتعتبروا به تتوصلو به إلى رضوانه ، وتتوقوا به من عذاب نيرانه ، ثم استوى إلى السماء أخذ في خلقها وإتقانها ، فسو يهن سبع سماوات وهو بكل شئ عليم ، ولعلمه بكل شي علم المصالح فخلق لكم كل ما في الارض لمصالحكم يا بني آدم .
* - سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن إثبات الصانع ، فقال : البعرة تدل على البعير ، والروثة تد على الحمير ، وآثار القدم تد على المسير ، فهيكل علوي بهذه اللطافة ومركز سفلي بهذه الكثافة كيف لايدلان على اللطيف الخبير ؟ .
* - وقال عليه السلام : بصنع الله يستدل عليه ، وبالعقول تعتقد معرفته ، وبالتفكر تثبت حجته ، معروف بالدلالات ، مشهور بالبينات .
* - - سئل أميرالمؤمنين صلوات الله عليه : ماالدليل على إثبات الصانع ؟ قال : ثلاثة أشياء : تحويل الحال ، وضعف الاركان ، ونقض الهمة