ما ربحنا من موسى الا أن اطعمناه جيد الرطب
*- العيون حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي (رضي الله عنه) قال: حدثني ابي عن احمد بن علي الانصاري عن سليمان بن جعفر الهمداني عن عمر بن واقد قال: إن هارون الرشيد لما ضاق صدره مما كان يظهر له من فضل موسى بن جعفر (عليه السلام), وما كان يبلغه من قول الشيعة بامامته واختلافهم في السر إليه بالليل والنهار خشية على نفسه وملكه ففكر في قتله بالسم, فدعا برطب فأكل منه ثم اخذ صينية فوضع فيها عشرين رطبة واخذ سلكاً فعركه في السم وادخله في سم الخياط, فأخذ رطبة من ذلك الرطب فاقبل يردد إليها ذلك السم بذلك الخيط حتى علم أنه قد حصل السم فيها, فاستكثر منه ثم ردها في ذلك الرطب، وقال لخادم له احمل هذه الصينية إلى موسى بن جعفر وقل له إن أمير المؤمنين أكل من هذا الرطب وتنقص لك به, وهو يقسم عليك بحقه لما اكلته عن آخر رطبة فاني اخترتها لك بيدي, ولا تتركه يبقي منه شيئاً ولا يطعم منه احداً.
فأتاه بها الخادم وابلغه الرساله, فقال له: ائتني بخلال فناوله خلالاً وقام بازائه وهو يأكل من الرطب, وكانت للرشيد كلبة تعز عليه فجذبت نفسها وخرجت تجر سلاسلها من ذهب وجوهر حتى حاذت موسى (عليه السلام), فبادر بالخلال إلى الرطبة المسمومة ورمى بها إلى الكلبة فأكلتها فلم تلبث أن ضربت نفسها إلى الارض وعوت وتهرت قطعة قطعة, واستوفى (عليه السلام) باقي الرطب وحمل الغلام الصينية حتى صار بها إلى الرشيد فقال له: قد اكل الرطب عن آخره؟
قال: نعم يا امير المؤمنين, قال وكيف رأيته؟
قال ما أنكرت منه شيئاً يا امير المؤمنين, ثم ورد عليه خبر الكلبة وأنها قد تهرت وماتت فقلق الرشيد بذلك قلقاً شديداً, واستعظمه ووقف على الكلبة فوجدها متهرئة بالسم فأَحضر الخادم ودعا بسيف ونطع وقال: لتصدقني عن خبر الرطب أو لأقتلنك فقال: يا اميرالمؤمنين إني حملت الرطب إلى موسى بن جعفر وابلغته سلامك وقمت بازائه, فطلب مني خلالاً فدفعته إليه فأَقبل يغرز في الرطبة ويأكلها حتى مرت الكلبة, فغرز الخلال في رطبة من ذلك الرطب فرمى بها فأكلتها الكلبة وأكل هو باقي الرطب فكان ما ترى يا امير المؤمنين.
فقال الرشيد: ما ربحنا من موسى الا أن اطعمناه جيد الرطب وضيعنا سمنا وقتلنا كلبتنا ما في موسى حيلة.
قال: ثم إنَّ سيدنا موسى (عليه السلام) دعا بالمسيب وذلك قبل وفاته بثلاثة أيام وكان موكلاً به فقال له يا مسيب, قال: لبيك يا مولاي، إني ضاعن في هذه الليلة إلى المدينة مدينة جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأعهد إلى علي ابني ما عهد إليّ ابي واجعله وصيي وخليفتي وأمره امري.
قال المسبب: فقلت يامولاي كيف تأمرني أن افتح لك الأبواب واقفالها والحرس معي على الأبواب؟
فقال: يا مسيب ضعف يقينك في الله عز وجل وفينا؟
قلت: لا يا سيدي.
قال: فمه
فقال: ياسيدي ادع الله ان يثبتني.
فقال: اللهم ثبته.
ثم قال: إني ادعو الله عز وجل باسمه العظيم الذي دعاه به آصف حتى جاء بسرير بلقيس ووضعه بين يدي سليمان قبل ارتداد طرفه إليه حتى يجمع بيني وبين ابني علي في المدينة.
قال المسيب: فسمعته يدعو ففقدته عن مصلاه فلم ازل قائماً على قدمي حتى رأيته قد عاد إلى مكانه, واعاد الحديد إلى رجله فخررت لله ساجداً لوجهي شاكراً على ما انعم به علي من معرفته.
فقال لي: ارفع رأسك يامسيب واعلم أني راحل إلى الله عز وجل في ثالث هذا اليوم قال: فبكيت, فقال: لاتبك يامسيب فان علياً ابني هو امامك ومولاك بعدي فاستمسك بولايته فانك لا تضل ما لزمته.
فقلت: الحمد لله, قال: ثم إن سيدي دعاني في ليلة اليوم الثالث فقال: إني على ما عرفتك من الرحيل إلى الله عزّ وجلّ فإذا دعوت بشربة من الماء فشربتها ورأيتني قد انتفخت وارتفعت بطني واصفر لوني واحمر واخضر وتلون الواناً فخبر الطاغية بوفاتي, وإذا رأيت بي هذا الحديث فإياك ان تظهر عليه ابداً ولا على من عندي إلاّ بعد وفاتي.
قال المسيب بن زهير: فلم ازل ارقب وعده حتى دعا بالشربة فشربها ثم دعاني فقال لي: يامسيب إن هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم أنه يتولى غسلي ودفني وهيهات هيهات أن يكون ذلك ابداً فإذا حملت إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فالحدوني فيها ولا ترفعوا قبري فوق اربعة اصابع مفرجات ولا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبركوا فيه فان كل تربة لنا محرمة الا تربة جدي الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهما السلام) فإنَّ الله تعالى جعلها شفاء لشيعتنا واوليائنا.
قال: ثم رأيت شخصاً اشبه الاشخاص به (عليه السلام) جالساً إلى جانبه وكان عهدي بسيدي علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وهو غلام, فاردت سؤاله فصاح بي سيدي موسى (عليه السلام) وقال اليس قد نهيتك يا مسيب؟ فلم ازل صابراً حتى مضى وغاب الشخص, ثم انتهيت الخبر إلى الرشيد فوافى السندي بن شاهك فوالله قد رأيتهم بعيني وهم يظنون أنهم يغسلونه فلا تصل ايديهم إليه, ويظنون أنهم يحنطونه ويكفنونه وأراهم لا يصنعون به شيئاً, ورأيت ذلك الشخص يتولى غسله وتحنيطه وتكفينه, وهو يظهر المعاونة وهم لا يعرفونه, فلما فرغ من امره قال لي ذلك الشخص يا مسيب، مهما شككت فيه فلا تشكن في فإني امامك ومولاك وحجة الله عليك بعد ابي، يامسيب مثلي مثل يوسف الصديق (عليه السلام) ومثلهم مثل اخوته حين دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون, ثم حمل (عليه السلام) حتى دفن في مقابر قريش ولم يرفع قبره اكثر مما امر به, ثم رفعوا قبره بعد ذلك وبنوا عليه(
[1]).