أخنس بن زيد
قال السدّي: أضافني رجل في ليلة كنت أحب الجليس، فرحبت به وقربته وأكرمته، وجلسنا نتسامر، فانتهى في سمره إلى طفّ كربلاء، وكان قريب العهد من قتل الحسين عليه السلام، فتأوهت الصعداء، وتزفرت كملاً.
فقال: ما بالك؟
قلت: ذكرت مصاباً يهون عنده كل مصاب، مصاب الحسين عليه السلام لأن جده صلى الله عليه واله قال: إن من طولب بدم ولدي الحسين عليه السلام يوم القيامة لخفيف الميزان.
قال: قال هكذا جده؟
قلت: نعم.
وقال صلى الله عليه واله : ولدي الحسين يقتل ظلماً وعدواناً، ألا ومن قتله يدخل في تابوت من نار، ويعذّب بعذاب نصف أهل النار، وقد غلت يداه ورجلاه وله رائحة يتعوذ أهل النار منها، هو ومن شايع وبايع أو رضي بذلك، ]كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب[([1])، لا يفتر عنهم ساعة ويسقون من حميم جهنم، فالويل لهم من عذاب جهنم.
قال: لا تصدق هذا الكلام يا أخي؟
قلت: كيف هذا؟ وقد قال صلى الله عليه واله : لا كذبت ولا كذّبت.
قال: ترى قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه واله : قاتل ولدي الحسين لايطول عمره. وها أنا ـ وحقّك ـ قد تجاوزت التسعين، مع أنك ما تعرفني.
قلت: لا والله.
قال: أنا الأخنس بن زيد وقد حضرت قتله.
قلت: وما صنعت يوم الطفّ؟!
قال: أنا الذي أمرت على الخيل الذين أمرهم عمر بن سعد بوطء جسد الحسين عليه السلام بسنابك الخيل، وهشمت أضلاعه وجررت نطعاً من تحت علي بن الحسين عليه السلام وهو عليل، حتى كببته على وجهه، وخرمت أذني صفية بنت الحسين عليه السلام لقرطين كانا في أذنيها.
قال السدّي: فبكى قلبي هجوعاً وعيناي دموعاً، وخرجت أعالج على إهلاكه، وإذا بالسراج قد ضعفت..
فقام يزهرها، فاشتعلت به، ففركها في التراب فلم تنطف، فصاح بي: أدركني يا أخي..
فكببت الشربة عليها وأنا غير محب لذلك، فلما شمت النار رائحة الماء، ازدادت قوة..
فصاح بي: ما هذه النار وما يطفؤها؟!
قلت: ألق بنفسك في النهر.
فرمى بنفسه، فكلما ركس جسمه في الماء اشتعلت في جميع بدنه، كالخشبة البالية في الريح البارح.
هذا وأنا أنظره، فوالله الذي لا إله إلا هو، لم تطفأ حتى صار فحماً، وسار على وجه الماء.