رسالته عليه السلام في الغنائم ووجوب الخمس
فَهِمْتُ مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ اهْتَمَمْتَ بِهِ مِنَ الْعِلْمِ بِوُجُوهِ مَوَاضِعِ مَا لِلَّهِ فِيهِ رِضًا وَكَيْفَ أُمْسِكُ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى مِنْهُ وَمَا سَأَلْتَنِي مِنْ إِعْلَامِكَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَاسْمَعْ بِقَلْبِكَ وَانْظُرْ بِعَقْلِكَ ثُمَّ أَعْطِ فِي جَنْبِكَ النَّصَفَ مِنْ نَفْسِكَ فَإِنَّهُ أَسْلَمُ لَكَ غَداً عِنْدَ رَبِّكَ الْمُتَقَدِّمِ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ إِلَيْكَ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ
اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكَ مَا غَابَ عَنْ شَيْءٍ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَمَا فَرَّطَ فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلَهُ تَفْصِيلًا وَأَنَّهُ لَيْسَ مَا وَضَّحَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ أَخْذِ مَالِهِ بِأَوْضَحَ مِمَّا أَوْضَحَ اللَّهُ مِنْ قِسْمَتِهِ إِيَّاهُ فِي سُبُلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْتَرِضْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا وَقَدْ أَتْبَعَهُ بِسُبُلِهِ إِيَّاهُ غَيْرَ مُفَرِّقٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ يُوجِبُهُ لِمَنْ فَرَضَ لَهُ مَا لَا يَزُولُ عَنْهُ مِنَ الْقَسْمِ كَمَا يَزُولُ مَا بَقِيَ سِوَاهُ عَمَّنْ سُمِّيَ لَهُ لِأَنَّهُ يَزُولُ عَنِ الشَّيْخِ بِكِبَرِهِ وَالْمِسْكِينِ بِغِنَاهُ وَابْنِ السَّبِيلِ بِلُحُوقِهِ بِبَلَدِهِ وَمَعَ تَوْكِيدِ الْحَجِّ مَعَ ذَلِكَ بِالْأَمْرِ بِهِ تَعْلِيماً وَبِالنَّهْيِ عَمَّا رَكِبَ مِمَّنْ مَنَعَهُ تَحَرُّجاً فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ فِي الصَّدَقَاتِ وَكَانَتْ أَوَّلَ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ سُبُلَهُ- إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَاللَّهُ أَعْلَمَ نَبِيَّهُ ع مَوْضِعَ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ يَضَعُهَا حَيْثُ يَشَاءُ مِنْهُمْ عَلَى مَا يَشَاءُ وَيَكُفُّ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ نَبِيَّهُ وَأَقْرِبَاءَهُ عَنْ صَدَقَاتِ النَّاسِ وَأَوْسَاخِهِمْ فَهَذَا سَبِيلُ الصَّدَقَاتِ
وَأَمَّا الْمَغَانِمُ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه واله مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا وَمَنْ أَسَرَ أَسِيراً فَلَهُ مِنْ غَنَائِمِ الْقَوْمِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَنِي أَنْ يَفْتَحَ عَلَيَّ وَأَنْعَمَنِي عَسْكَرَهُمْ فَلَمَّا هَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ وَجُمِعَتْ غَنَائِمُهُمْ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ أَمَرْتَنَا بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَحَثَثْتَنَا عَلَيْهِ وَقُلْتَ مَنْ أَسَرَ أَسِيراً فَلَهُ كَذَا وَكَذَا مِنْ غَنَائِمِ الْقَوْمِ وَمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا إِنِّي قَتَلْتُ قَتِيلَيْنِ لِي بِذَلِكَ الْبَيِّنَةُ وَأَسَرْتُ أَسِيراً فَأَعْطِنَا مَا أَوْجَبْتَ عَلَى نَفْسِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ جَلَسَ
فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مَنَعَنَا أَنْ نُصِيبَ مِثْلَ مَا أَصَابُوا جُبْنٌ عَنِ الْعَدُوِّ وَلَا زَهَادَةٌ فِي الْآخِرَةِ وَالْمَغْنَمِ وَلَكِنَّا تَخَوَّفْنَا إِنْ بَعُدَ مَكَانُنَا مِنْكَ فَيَمِيلَ إِلَيْكَ مِنْ جُنْدِ الْمُشْرِكِينَ أَوْ يُصِيبُوا مِنْكَ ضَيْعَةً فَيَمِيلُوا إِلَيْكَ فَيُصِيبُوكَ بِمُصِيبَةٍ وَإِنَّكَ إِنْ تُعْطِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ مَا طَلَبُوا يَرْجِعْ سَائِرُ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ لَهُمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ ثُمَّ جَلَسَ
فَقَامَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الْأُولَى ثُمَّ جَلَسَ يَقُولُ ذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَصَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه واله بِوَجْهِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ وَالْأَنْفَالُ اسْمٌ جَامِعٌ لِمَا أَصَابُوا يَوْمَئِذٍ مِثْلُ قَوْلِهِ ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ وَمِثْلُ قَوْلِهِ أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ قَالَ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاخْتَلَجَهَا اللَّهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ فَجَعَلَهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ثُمَّ قَالَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه واله الْمَدِينَةَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ
فَأَمَّا قَوْلُهُ لِلَّهِ فَكَمَا يَقُولُ الْإِنْسَانُ هُوَ لِلَّهِ وَلَكَ وَلَا يُقْسَمُ لِلَّهِ مِنْهُ شَيْءٌ فَخَمَّسَ رَسُولُ اللَّهِ ص الْغَنِيمَةَ الَّتِي قَبَضَ بِخَمْسَةِ أَسْهُمٍ فَقَبَضَ سَهْمَ اللَّهِ لِنَفْسِهِ يُحْيِي بِهِ ذِكْرَهُ وَيُورَثُ بَعْدَهُ وَسَهْماً لِقَرَابَتِهِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَنْفَذَ سَهْماً لِأَيْتَامِ الْمُسْلِمِينَ وَسَهْماً لِمَسَاكِينِهِمْ وَسَهْماً لِابْنِ السَّبِيلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي غَيْرِ تِجَارَةٍ فَهَذَا يَوْمُ بَدْرٍ وَهَذَا سَبِيلُ الْغَنَائِمِ الَّتِي أُخِذَتْ بِالسَّيْفِ
وَأَمَّا مَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ فَإِنْ كَانَ الْمُهَاجِرُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ أَعْطَتْهُمُ الْأَنْصَارُ نِصْفَ دُورِهِمْ وَنِصْفَ أَمْوَالِهِمْ وَالْمُهَاجِرُونَ يَوْمَئِذٍ نَحْوُ مِائَةِ رَجُلٍ فَلَمَّا ظَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ ص عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ وَقَبَضَ أَمْوَالَهُمْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه واله لِلْأَنْصَارِ إِنْ شِئْتُمْ أَخْرَجْتُمُ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ دُورِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَقَسَمْتُ لَهُمْ هَذِهِ الْأَمْوَالَ دُونَكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُمْ أَمْوَالَكُمْ وَدُورَكُمْ وَقَسَمْتُ لَكُمْ مَعَهُمْ
قَالَتِ الْأَنْصَارُ بَلِ اقْسِمْ لَهُمْ دُونَنَا وَاتْرُكْهُمْ مَعَنَا فِي دُورِنَا وَأَمْوَالِنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ يَعْنِي يَهُودَ قُرَيْظَةَ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَعَهُمْ بِالْمَدِينَةِ أَقْرَبَ مِنْ أَنْ يُوجَفَ عَلَيْهِمْ بِخَيْلٍ وَرِكَابٍ ثُمَّ قَالَ لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ فَجَعَلَهَا اللَّهُ لِمَنْ هَاجَرَ مِنْ قُرَيْشٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه واله وَصَدَقَ وَأَخْرَجَ أَيْضاً عَنْهُمُ الْمُهَاجِرِينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه واله مِنَ الْعَرَبِ لِقَوْلِهِ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ لِأَنَّ قُرَيْشاً كَانَتْ تَأْخُذُ دِيَارَ مَنْ هَاجَرَ مِنْهَا وَأَمْوَالَهُمْ وَلَمْ تَكُنِ الْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِمَنْ هَاجَرَ مِنْهَا ثُمَّ أَثْنَى عَلَى الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ جَعَلَ لَهُمُ الْخُمُسَ وَبَرَّأَهُمْ مِنَ النِّفَاقِ بِتَصْدِيقِهِمْ إِيَّاهُ حِينَ قَالَ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ لَا الْكَاذِبُونَ ثُمَّ أَثْنَى عَلَى الْأَنْصَارِ وَذَكَرَ مَا صَنَعُوا وَحُبَّهُمْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَإِيثَارَهُمْ إِيَّاهُمْ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَاجَةً يَقُولُ حَزَازَةً مِمَّا أُوتُوا يَعْنِي الْمُهَاجِرِينَ دُونَهُمْ فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
وَقَدْ كَانَ رِجَالٌ اتَّبَعُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه واله قَدْ وَتَرَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فِيمَا أَخَذُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَكَانَتْ قُلُوبُهُمْ قَدِ امْتَلَأَتْ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا حَسُنَ إِسْلَامُهُمْ اسْتَغْفَرُوا لِأَنْفُسِهِمْ مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ وَسَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يَذْهَبَ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْغِلِّ لِمَنْ سَبَقَهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ وَاسْتَغْفَرُوا لَهُمْ حَتَّى يُحَلِّلَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ وَصَارُوا إِخْوَاناً لَهُمْ فَأَثْنَى اللَّهُ عَلَى الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ خَاصَّةً فَقَالَ وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ
فَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه واله الْمُهَاجِرِينَ عَامَّةً مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ فِيمَا يَرَى لِأَنَّهَا لَمْ تُخْمَسْ فَتُقْسَمُ بِالسَّوِيَّةِ وَلَمْ يُعْطِ أَحَداً مِنْهُمْ شَيْئاً إِلَّا الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ غَيْرَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَنْصَارٍ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَ لِلْآخَرِ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ أَبُو دُجَانَةَ فَإِنَّهُ أَعْطَاهُمَا لِشِدَّةِ حَاجَةٍ كَانَتْ بِهِمَا مِنْ حَقِّهِ وَأَمْسَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه واله مِنْ أَمْوَالِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ مَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ خَيْلٌ وَلَا رِكَابٌ سَبْعَ حَوَائِطَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَفْ عَلَى فَدَكَ خَيْلٌ أَيْضاً وَلَا رِكَابٌ
وَأَمَّا خَيْبَرُ فَإِنَّهَا كَانَتْ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنَ الْمَدِينَةِ وَهِيَ أَمْوَالُ الْيَهُودِ وَ لَكِنَّهُ أُوجِفَ عَلَيْهَا خَيْلٌ وَرِكَابٌ وَكَانَتْ فِيهَا حَرْبٌ فَقَسَمَهَا عَلَى قِسْمَةِ بَدْرٍ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فَهَذَا سَبِيلُ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا أُوجِفَ عَلَيْهِ خَيْلٌ وَرِكَابٌ
وَ قَدْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام مَا زِلْنَا نَقْبِضُ سَهْمَنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي أَوَّلُهَا تَعْلِيمٌ وَآخِرُهَا تَحَرُّجٌ حَتَّى جَاءَ خُمُسُ السُّوسِ وَجُنْدَيْسَابُورَ إِلَى عُمَرَ وَأَنَا وَالْمُسْلِمُونَ وَالْعَبَّاسُ عِنْدَهُ فَقَالَ عُمَرُ لَنَا إِنَّهُ قَدْ تَتَابَعَتْ لَكُمْ مِنَ الْخُمُسِ أَمْوَالٌ فَقَبَضْتُمُوهَا حَتَّى لَا حَاجَةَ بِكُمُ الْيَوْمَ وَبِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ وَخَلَلٌ فَأَسْلِفُونَا حَقَّكُمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِقَضَائِهِ مِنْ أَوَّلِ شَيْءٍ يَأْتِي الْمُسْلِمِينَ فَكَفَفْتُ عَنْهُ لِأَنِّي لَمْ آمَنْ حِينَ جَعَلَهُ سَلَفاً لَوْ أَلْحَحْنَا عَلَيْهِ فِيهِ أَنْ يَقُولَ فِي خُمُسِنَا مِثْلَ قَوْلِهِ فِي أَعْظَمَ مِنْهُ أَعْنِي مِيرَاثَ نَبِيِّنَا صلى الله عليه واله حِينَ أَلْحَحْنَا عَلَيْهِ فِيهِ
فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ لَا تَغْمِزْ فِي الَّذِي لَنَا يَا عُمَرُ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْبَتَهُ لَنَا بِأَثْبَتَ مِمَّا أَثْبَتَ بِهِ الْمَوَارِيثَ بَيْنَنَا
فَقَالَ عُمَرُ وَأَنْتُمْ أَحَقُّ مَنْ أَرْفَقَ الْمُسْلِمِينَ وَشَفَّعَنِي فَقَبَضَهُ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ لَا وَاللَّهِ مَا آتِيهِمْ مَا يَقْبِضُنَا حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ ثُمَّ مَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ بَعْدَهُ ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه واله الصَّدَقَةَ فَعَوَّضَهُ مِنْهَا سَهْماً مِنَ الْخُمُسِ وَحَرَّمَهَا عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ خَاصَّةً دُونَ قَوْمِهِمْ وَ أَسْهَمَ لِصَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ وَذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ وَفَقِيرِهِمْ وَشَاهِدِهِمْ وَغَائِبِهِمْ وَلِأَنَّهُمْ إِنَّمَا أُعْطُوا سَهْمَهُمْ لِأَنَّهُمْ قَرَابَةُ نَبِيِّهِمْ وَالَّتِي لَا تَزُولُ عَنْهُمْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَهُ مِنَّا وَجَعَلَنَا مِنْهُ فَلَمْ يُعْطِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه واله أَحَداً مِنَ الْخُمُسِ غَيْرَنَا وَغَيْرَ حُلَفَائِنَا وَمَوَالِينَا لِأَنَّهُمْ مِنَّا وَأَعْطَى مِنْ سَهْمِهِ نَاساً لِحُرَمٍ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مَعُونَةً فِي الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ
فَقَدْ أَعْلَمْتُكَ مَا أَوْضَحَ اللَّهُ مِنْ سَبِيلِ هَذِهِ الْأَنْفَالِ الْأَرْبَعَةِ وَمَا وَعَدَ مِنْ أَمْرِهِ فِيهِمْ وَنَوَّرَهُ بِشِفَاءٍ مِنَ الْبَيَانِ وَضِيَاءٍ مِنَ الْبُرْهَانِ جَاءَ بِهِ الْوَحْيُ الْمُنْزَلُ وَعَمِلَ بِهِ النَّبِيُّ الْمُرْسَلُ صلى الله عليه واله فَمَنْ حَرَّفَ كَلَامَ اللَّهِ أَوْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ وَعَقَلَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَيْهِ وَاللَّهُ حَجِيجُهُ فِيهِ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ