طاعة إمامك أولى بك من إجابة عدوك
عن أبي الأعز التميمي قال : بينا أنا واقف بصفين مر بي العباس بن ربيعة مكفرا بالسلاح
وعيناه تصبان من تحت المغفر كأنهما عينا أرقم ، وبيده صفيحة له وهو على فرس له صعب يمنعه ويلين من عريكته ، إذ هتف به هاتف من أهل الشام يقال له عرار بن أدهم : يا عباس هلم إلى البراز ، قال العباس : فالنزول إذا فإنه إياس من القفول ، فنزل الشامي وهو يقول :
إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا أو تنزلون فإنا معشر نــــــــــــــزل
وثنى العباس وركه فنزل وهو يقول :
وتصد عنك مخيلة الرجل العريض موضحة عن العظــــم
بحسام سيفك أو لسانــك والكلم الأصيل كأرغب الكلم
ثم غضن فضلات درعه في حجزته ودفع قوسه إلى غلام له أسود يقال له أسلم كأني أنظر إلى خلائل شعره ، ثم دلف كل واحد منهما إلى صاحبه فذكرت بهما قول أبي ذؤيب :
فتنازلا وتواقفت خيلاهما وكلاهما بطل اللقاء مخدع
وكف الناس أعنة خيولهم ينظرون ما يكون من الرجلين ، فتكافحا مليا
من نهارهما ، لايصل واحد منهما إلى صاحبه لكمال لامته ، إلى أن لحظ العباس وهيا في دروع الشامي فأهوى إليه بيده فهتكه فضربه العباس ضربة انتظم بها جوانح صدره وخرّ الشامي لوجهه ، وكبر الناس تكبيرة ارتجت لها الأرض من تحتهم ، وانشام العباس في الناس وانشاع أمره ، وإذا قائل يقول من ورائي : [ قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيض قلوبكم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم ] فالتفت فإذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقال : يا أبا الأعز من المنازل لعدونا ؟ فقلت : هذا إبن أخيكم هذا العباس بن ربيعة ، قال : إنه له ، ياعباس ألم أنهك وإبن عباس أن تخلا بمركزكما أو تباشرا حربا ؟ قال : إن ذاك ، يعني نعم ، قال : فما عدا مما بدا ؟ قال : فأدعى إلى البراز فلا أجيب ؟ قال : نعم ، طاعة إمامك أولى بك من إجابة عدوك ، ثم نغط واستشاط حتى قلت : الساعة الساعة ، ثم تطامن وسكن ورفع يديه مبتهلا فقال : ( اللهم اشكر للعباس مقامه ، واغفر له ذنبه ، اللهم أني قد غفرت له فاغفر له ) قال : وتأسف معاوية على عرار ، وقال : متى ينطق فحل لمثله أيطل دمه لاها الله ذا ، ألا لله رجل يشتري نفسه يطلب بدم عرار ، فانتدب له رجلان من لخم فقال : إذهبا فأيكما قتل العباس برازا فله كذا فأتياه فدعواه إلى البراز فقال : إن لي سيدا أريد أن أوامره ، فأتى عليا عليه السلام فأخبره الخبر ، فقال علي عليه السلام : والله لو ود معاوية إنه ما بقي من هاشم نافخ ضرمة إلا طعن في نيطه إطفاءا لنور الله
[ ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ] أما والله ليملكنهم منا رجال ، ورجال يسومنهم الخسف حتى يحفروا الآبار ويتكففوا الناس ، ثم قال : يا عباس ناقلني سلاحك بسلاحي ، فناقله ووثب على فرس العباس وقصد اللخميين ، فلم يشكا إنه العباس فقالا له : أذن لك صاحبك ؟ فحرج أن يقول نعم فقال : [ أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ] فبرز أحدهما فضربه ضربة فكأنه أخطأه ثم برز له الآخر فألحقه بالأول ، ثم أقبل وهو يقول : [ الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ] ثم قال : يا عباس خذ سلاحك وهات سلاحي فإن عاد لك أحد فعد إلّي ، ونما الخبر إلى معاوية فقال : قبح الله اللجاج إنه لقعود ما ركبته قط إلا خذلت ، فقال عمرو بن العاص : المخذول والله اللخميان لا أنت ، قال معاوية : أسكت أيها الرجل فليس هذه من ساعتك ، قال : وإن لم تكن ، رحم الله اللخميين وما أراه يفعل ، قال : ذاك والله أخسر لصفقتك وأضيق لحجرك ، قال : قد علمت ذلك ولولا مصر لركبت المنجاة منها ، قال : هي أعمتك ولولا هي لألفيت بصيرا ، وقال عمرو بن العاص :
معاوية لا أعطيك ديني ولم أنل به منك دنياً فانظرن كيف تصنع
فإن تعطي مصرا فاربح بصفقــة أخذت بها شيخا يضر وينفــــــع