العتبة العلوية المقدسة - الإمام علي في ذي قار -
» سيرة الإمام » » جهاد الامام علي عليه السلام » جهادة في خلافته » الامام علي والجمل » الإمام علي في ذي قار

 

الإمام علي عليه السلام  في ذي قار

 

أخذ البيعة

* ـ قال علىّ    بذى قار وهو جالس لأخذ البيعة : يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل ; لا يزيدون رجلاً ، ولا ينقصون رجلاً ، يبايعونى علي الموت .

قال ابن عبّاس : فجزعت لذلك ، وخفت أن ينقص القوم عن العدد أو يزيدوا عليه ; فيفسد الأمر علينا ، ولم أزل مهموماً دأبى إحصاء القوم ، حتي ورد أوائلهم ، فجعلت اُحصيهم ، فاستوفيت عددهم تسعمائة رجل وتسعة وتسعين رجلاً ، ثمّ انقطع مجىء القوم .

فقلت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ماذا حمله علي ما قال ؟ فبينا أنا مفكّر فى ذلك إذ رأيت شخصاً قد أقبل ، حتي دنا ; فإذا هو راجل عليه قَباء صوف معه سيفه وتُرْسُه وإداوته ، فقرب من أمير المؤمنين   فقال له : امدد يدك اُبايعْك .

فقال له أمير المؤمنين   : وعلام تبايعُنى ؟ قال : علي السمع والطاعة ، والقتال بين يديك حتي أموت أو يفتح الله عليك .

فقال له : ما اسمك ؟ قال : اُوَيْس .

قال : أنت اُويس القَرَنى ؟ قال : نعم .

قال : الله أكبر ، أخبرنى حبيبى رسول الله   أنّى اُدرك رجلاً من اُمّته يقال له : اُويس القرنى ، يكون من حزب الله ورسوله ، يموت علي الشهادة ، يدخل فى شفاعته مثل ربيعة ومضر .

قال ابن عبّاس : فسُرّى عنّى  .

* ـ عن ابن عبّاس : لمّا نزل (الإمام علىّ  بذى قار أخذ البيعة علي من حضره ، ثمّ تكلّم فأكثر من الحمد لله والثناء عليه والصلاة علي رسول الله ) ثمّ قال :

قد جرت اُمور صبرنا عليها ـ وفى أعيننا القذي ـ تسليماً لأمر الله تعالي فيما امتحننا به رجاء الثواب علي ذلك ، وكان الصبر عليها أمثل من أن يتفرّق المسلمون وتُسفك دماؤهم .

نحن أهل بيت النبوّة ، وأحقّ الخلق بسلطان الرسالة ، ومعدن الكرامة التى ابتدأ الله بها هذه الاُمّة .

وهذا طلحة والزبير ليسا من أهل النبوّة ولا من ذرّية الرسول ، حين رأيا أنّ الله

دأب الماضين قبلهما ، ليذهبا بحقّى ، ويفرّقا جماعة المسلمين عنّى . ثمّ دعا عليهما .

ومن خطب الإمام بذي قار

* ـ فى ذكر خطبة له   عند خروجه لقتال أهل البصرة ـ : قال عبد الله بن عبّاس : دخلت علي أمير المؤمنين   بذى قار وهو يخصف نعله ، فقال لى : ما قيمة هذا النعل ؟ فقلت : لا قيمة لها . فقال   : والله لهى أحبّ إلىّ من إمرتكم إلاّ أن اُقيم حقّاً أو أدفع باطلا . ثمّ خرج فخطب الناس فقال :

إنّ الله بعث محمّداً   وليس أحد من العرب يقرأ كتاباً ولا يدّعى نبوّة ، فساق الناس حتي بوّأهم محلّتهم وبلّغهم منجاتهم ، فاستقامت قناتهم واطمأنّت صفاتهم .

أما والله ، إن كنت لفى ساقتها حتي تولّت بحذافيرها ، ما عجَزتُ ولا جبنتُ ، وإنّ مسيرى هذا لمثلها ، فَلأنقُبنَّ الباطل حتي يخرج الحقّ من جنبه .

مالى ولقريش ! والله ، لقد قاتلتهم كافرين ولاُقاتلنّهم مفتونين ، وإنّى لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم ، والله ما تنقم منّا قريش إلاّ أنّ الله اختارنا عليهم ، فأدخلناهم

 

أدَمتَ لَعَمرى شُربَكَ المحضَ صابحاً

وأكلَكَ بالزبد المقشّرةَ البُــــــــجرا

ونحــن وهــبنــاك العــــلاءَ ولـم تكن

عليّاً وحُطنا حولك الجُردَ والسُّمرا

* ـ عن زيد بن صوحان ـ من خطبته بذى قار ـ : قد علم الله سبحانه أنّى كنت كارهاً للحكومة بين اُمّة محمّد   ، ولقد سمعته يقول : "ما من وال يلى شيئاً من أمر اُمّتى إلاّ اُتى به يوم القيامة مغلولة يداه إلي عنقه علي رؤوس الخلائق ، ثمّ يُنشر كتابه ، فإن كان عادلاً نجا ، وإن كان جائراً هوي" .

حتي اجتمع علىَّ ملؤكم ، وبايعنى طلحة والزبير ، وأنا أعرف الغدر فى أوجههما ، والنكث فى أعينهما ، ثمّ استأذنانى فى العمرة ، فأعلمتُهما أن ليس العمرة يريدان ، فسارا إلي مكّة واستخفّا عائشة وخدعاها ، وشخص معهما أبناءُ الطلقاء ، فقدموا البصرة ، فقتلوا بها المسلمين ، وفعلوا المنكر . ويا عجباً لاستقامتهما لأبى بكر وعمر وبغيهما علىَّ ! وهما يعلمان أنّى لست دون أحدهما ، ولو شئت أن أقول لقلت ، ولقد كان معاوية كتب إليهما من الشام كتاباً يخدعهما فيه ، فكتماه عنّى ، وخرجا يوهمان الطَّغام أنّهما يطلبان بدم عثمان .

والله ، ما أنكرا علىّ منكراً ، ولا جعلا بينى وبينهم نِصْفاً ، وإنّ دم عثمان لمعصوب بهما ، ومطلوب منهما .

يا خيبة الداعى ! إلامَ دعا ؟ وبماذا اُجيبَ ؟ والله ، إنّهما لعلي ضلالة صمّاء ، وجهالة عمياء ، وإنّ الشيطان قد ذمر لهما حزبه ، واستجلب منهما خيله ورجله ، ليعيد الجور إلي أوطانه ، ويردّ الباطل إلي نصابه .

ثمّ رفع يديه ، فقال :

اللهمّ إنّ طلحة والزبير قطعانى ، وظلمانى ، وألّبا علىَّ ، ونكثا بيعتى ، فاحلل ما عقدا ، وانكث ما أبرما ، ولا تغفر لهما أبداً ، وأرهما المساءة فيما عملا وأمّلا !

* ـ من كلامه   ـ وقد نهض من ذى قار متوجّهاً إلي البصرة ـ بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة علي رسول الله   :

أمّا بعد ، فإنّ الله تعالي فرض الجهاد وعظّمه وجعله نصرة له ، والله ، ما صلحت دنيا قطّ ولا دين إلاّ به ، وإنّ الشيطان قد جمع حزبه واستجلب خيله وشبّه فى ذلك وخدع ، وقد بانت الاُمور وتمخّضت ، والله ما أنكروا علىّ منكراً ، ولا جعلوا بينى وبينهم نَصِفاً ، وإنّهم ليطلبون حقّاً تركوه ودماً هم سفكوه ، ولئن كنت شركتهم فيه ، إنّ لهم لنصيبهم منه ، ولَئن كانوا ولوه دونى فما تبعته إلاّ قِبلهم ، وإنّ أعظم حجّتهم لعلي أنفسهم ، وإنّى لعلي بصيرتى ما لُبِّست علىَّ ، وإنّها لَلفئة الباغية فيها الحُمّي والحُمة ، قد طالت هلبتها وأمكنت درّتها ، يرضعون اُمّاً فطمت ، ويحيون بيعة تركت ; ليعود الضلال إلي نصابه .

ما أعتذر ممّا فعلت ، ولا أتبرّأ ممّا صنعت ، فخيبة للداعى ومن دعا ، لو قيل له : إلي من دعواك ؟ وإلي من أجبت ؟ ومن إمامك ؟ وما سنّته ؟ إذاً لزاح الباطل عن مقامه ، ولصمت لسانه فما نطق . وايم الله ، لأفرُطنّ لهم حوضاً أنا

ماتحه ، لا يصدرون عنه ولا يلقون بعده ريّاً أبداً ، وإنّى لراض بحجّة الله عليهم وعذره فيهم ، إذ أنا داعيهم فمُعذر إليهم ، فإن تابوا وأقبلوا فالتوبة مبذولة والحقّ مقبول ، وليس علي الله كفران ، وإن أبوا أعطيتهم حدّ السيف وكفي به شافياً من باطل وناصراً لمؤمن .

* ـ عن سلمة بن كهيل : لمّا التقي أهل الكوفة وأمير المؤمنين   بذى قار رحبّوا به وقالوا : الحمد لله الذى خصّنا بجوارك وأكرمنا بنصرتك . فقام أمير المؤمنين   فيهم خطيباً فحمد الله وأثني عليه ، ثمّ قال :

يا أهل الكوفة ! إنّكم من أكرم المسلمين وأقصدهم تقويماً ، وأعدلهم سنّة ، وأفضلهم سهماً فى الإسلام ، وأجودهم فى العرب مُرَكّباً ونصاباً ، أنتم أشدّ العرب ودّاً للنبىّ   ولأهل بيته ، وإنّما جئتكم ثقةً ـ بعد الله ـ بكم للذى بذلتم من أنفسكم عند نقض طلحة والزبير وخلعهما طاعتى ، وإقبالهما بعائشة للفتنة ، وإخراجهما إيّاها من بيتها حتي أقدماها البصرة ، فاستغووا طغامها وغوغاءها ، مع أنّه قد بلغنى أنّ أهل الفضل منهم وخيارهم فى الدين قد اعتزلوا وكرهوا ما صنع طلحة والزبير .

ثمّ سكت ، فقال أهل الكوفة : نحن أنصارك وأعوانك علي عدوّك ، ولو دعوتنا إلي أضعافهم من الناس احتسبنا فى ذلك الخير ورجوناه .

كلامه عليه السلام  مع رجل من اهل البصرة في ذي قار

* ـ نهج البلاغة : من كلامه   فى وجوب اتّباع الحقّ عند قيام الحجّة كلّم به بعض العرب ، وقد أرسله قوم من أهل البصرة لمّا قرب   منها ليعلم لهم منه حقيقة حاله مع أصحاب الجمل لتزول الشبهة من نفوسهم ، فبيّن له   من أمره معهم ما علم به أنّه علي الحقّ ، ثمّ قال له : بايع .

فقال : إنّى رسول قوم ، ولا اُحدث حدثاً حتي أرجع إليهم .

فقال   : أ رأيت لو أنّ الذين وراءك بعثوك رائداً تبتغى لهم مساقط الغيث ، فرجعت إليهم وأخبرتهم عن الكلأ والماء ، فخالفوا إلي المعاطش والمجادب ، ما كنتَ صانعاً ؟

قال : كنت تاركهم ومخالفهم إلي الكلأ والماء .

فقال   : فامدد إذاً يدك .

فقال الرجل : فوَ الله ما استطعت أن أمتنع عند قيام الحجّة علىَّ ، فبايعته   .

والرجل يُعرف بكُليب الجرمى .

* ـ عن كليب : لمّا قتل عثمان ما لبثنا إلاّ قليلاً حتي قدم طلحة والزبير البصرة ، ثمّ ما لبثنا بعد ذلك إلاّ يسيراً حتي أقبل علىّ بن أبى طالب   فنزل بذى قار ، فقال شيخان من الحىّ : اِذهب بنا إلي هذا الرجل فننظر ما يدعو إليه ، فلمّا أتينا ذا قار قدمنا علي أذكي العرب ، فوَ الله لدخل علي نسب قومى ، فجعلت أقول : هو أعلم به منّى وأطوع فيهم .

فقال : من سيّد بنى راسب ؟

فقلت : فلان .

قال : فمن سيّد بنى قدامة ؟

قلت : فلان ، لرجل آخر .

فقال : أنت مبلغهما كتابين منّى ؟

قلت : نعم .

قال : أ فلا تبايعونى ؟

فبايعه الشيخان اللذان كانا معى وتوقّفت عن بيعته ، فجعل رجال عنده قد أكل السجود وجوههم يقولون : بايع بايع .

فقال   : دعوا الرجل .

فقلت : إنّما بعثنى قومى رائداً وساُنهى إليهم ما رأيتُ ، فإن بايعوا بايعت ، وإن اعتزلوا اعتزلت .

فقال لى : أ رأيت لو أنّ قومك بعثوك رائداً فرأيت روضةً وغديراً ، فقلتَ : يا قومى النجعة النجعة ! فأبوا ، ما كنت بمُستنجح بنفسك ؟

فأخذت بإصبع من أصابعه وقلت : اُبايعك علي أن اُطيعك ما أطعتَ الله ، فإذا عصيتَه فلا طاعة لك علىَّ .

فقال : نعم . وطوّل بها صوته ، فضربت علي يده .

ثمّ التفتَ إلي محمّد بن حاطب ، وكان فى ناحية القوم ، فقال :

إذا انطلقت إلي قومك فأبلغهم كتبى وقولى .

فتحوّل إليه محمّد حتي جلس بين يديه وقال : إنّ قومى إذا أتيتهم يقولون : ما يقول صاحبك فى عثمان ؟ فسبّ عثمان الذين حوله ، فرأيت عليّاً قد كره ذلك حتي رشح جبينه وقال :

أيّها القوم ! كفّوا ما إيّاكم يَسأل .

قال : فلم أبرح عن العسكر حتي قدم علي علىّ   أهل الكوفة فجعلوا يقولون : نري إخواننا من أهل البصرة يقاتلوننا ، وجعلوا يضحكون ويعجبون ويقولون : والله لو التقينا لتعاطينا الحقّ ، كأنّهم يرون أنّهم لا يقتتلون . وخرجت بكتابَى علىّ   فأتيت أحد الرجلين فقبل الكتاب وأجابه ، ودُللت علي الآخر ، وكان متوارياً ، فلو أنّهم قالوا له : كليب ، ما أذن لى ، فدخلت عليه ودفعت الكتاب إليه وقلت : هذا كتاب علىّ وأخبرته الخبر وقلت : إنّى أخبرت عليّاً أنّك سيّد قومك ، فأبي أن يقبل الكتاب ولم يجبه إلي ما سأله وقال : لا حاجة لى اليوم فى السؤدد ، فوَ الله ، إنّى لبالبصرة ما رجعت إلي علىّ حتي نزل العسكر ، ورأيت القوم الذين مع علىّ   فطلع القوم