العتبة العلوية المقدسة - الحسين ( عليه السلام ) في طريقه إلى كربلاء -
» سيرة الإمام » » اولاد الامام علي عليه السلام » سيرة الامام الحسين عليه السلام » الامام الحسين من المدينة الى كربلاء » الحسين ( عليه السلام ) في طريقه إلى كربلاء

الحسين ( عليه السلام ) في طريقه إلى كربلاء

 وخرج [ الإمام أبو عبد الله ] الحسين ( عليه السلام ) من مكّة يوم الثلاثاء يوم التروية لثمان مضين من ذي الحجّة . ([1])

اعتراض عمرو بن سعيد

*-  الطبري : قال أبو مخنف : حدّثني الحارث بن كعب الوالبي ، عن عقبة بن سمعان ، قال : لمّا خرج الحسين ( عليه السلام ) من مكّة إعترضه رسل عمرو بن سعيد بن العاص ، ([2])عليهم يحيى بن سعيد فقالوا له : انصرف ، أين تذهب ؟ ! فأبى عليهم ومضى ، وتدافع الفريقان فاضطربوا بالسياط ، ثمّ إنّ الحسين وأصحابه امتنعوا امتناعاً قوّياً ، ومضى الحسين ( عليه السلام ) على وجهه . فنادوه : يا حسين ! ألا تتّقي الله ؟ ! تخرج من الجماعة وتفرّق بين هذه الأُمّة ! فتأوّل الحسين ( عليه السلام ) قول الله عزّوجلّ : ( لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُم بَرِيُئونَ مِمَّا  أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِئٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ) . ([3])

 *-  ابن أعثم : وانتقل الخبر بأهل المدينة أنّ الحسين بن عليّ ( عليهما السلام ) يريد الخروج إلى العراق ، فكتب إليه عبد الله بن جعفر : بسم الله الرحمن الرحيم ، للحسين بن عليّ ( عليهما السلام ) من عبد الله بن جعفر ، أمّا بعد ! أنشدك الله أن لا تخرج عن مكّة ، فإنّي خائف عليك من هذا الأمر الذي قد أزمعت عليه أن يكون فيه هلاكك وأهل بيتك ، فإنّك إن قتلت أخاف أن يطفئ نور الأرض ، وأنت روح الهدى وأمير المؤمنين ، فلا تعجل بالمسير إلى العراق فإنّي آخذ لك الأمان من يزيد ، وجميع بني أميّة على نفسك ومالك وولدك وأهل بيتك ، والسلام . قال : فكتب إليه الحسين بن عليّ ( عليهما السلام ) : أمّا بَعْدُ ! فَإِنَّ كِتابَكَ وَرَدَ عَلَيَّ فَقَرَأْتُهُ وَفَهِمْتُ ما ذَكَرْتَ ، وَأُعْلِمُكَ أَنّي رَأَيْتُ جَدّي رَسُولَ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) في مَنامي فَخَبَّرَني بِأَمْر وَأَنَا ماض لَهُ ، لي كانَ أَوْ عَلَيَّ ، وَاللهِ ، يَا ابْنَ عَمّي ! لَوْ كُنْتُ في جُحْرِ هامَّة مِنْ هَوامِّ الأْرْضِ لاَسْتَخْرَجُوني وَيَقْتُلُوني ؛ وَاللهِ ، يَا ابْنَ عَمّي ! لَيَعْتَدُنَّ عَلَي چَ كَمَا اعْتَدَتِ الْيَهُودُ عَلَى السَّبْتِ ، وَالسّلام .  ([4])

 *-  ابن سعد : أخبرنا عليّ بن محمّد ، عن الحسن بن دينار ، عن معاوية بن قرّة قال : قال الحسين : وَاللهِ ! لَيَعْتَدُنَّ عَلَيَّ كَمَا اعْتَدَتْ بَنُو إِسْرائيلَ في السَّبْتِ . ([5])

 وروي ابن عساكر كتاب عبد الله بن جعفر وقال : فكتب إليه الحسين : ( عليه السلام ) إِنّي رَأَيْتُ رُؤْياً ، وَرَأَيْتُ فيها رَسُولَ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) وَأَمَرَني بِأَمر أَنَا ماض لَهُ ، وَلَسْتُ بِمُخْبِر بِها أَحَداً حَتّى أُلاقي عَمَلي . ([6])

 *-  الطبري : قام عبد الله بن جعفر إلى عمرو بن سعيد بن العاص فكلّمه وقال : أكتب إلى الحسين ( عليه السلام ) كتاباً تجعل له فيه الأمان ، وتمنّيه فيه البرّ والصلة ، وتوثّق له في كتابك ، وتسأله الرجوع ، لعلّه يطمئنّ إلى ذلك فيرجع ، وابعث به مع أخيك يحيى بن سعيد ، فإنّه أحرى أن تطمئنّ نفسه إليه ويعلم أنّه الجدّ منك . فقال عمرو بن سعيد : اكتب ما شئت وأتني به حتّى أختمه . فكتب عبد الله بن جعفر الكتاب : بسم الله الرحمن الرحيم ، من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن عليّ ، أمّا بعد ، فإنّي أسأل الله أن يصرفك عمّا يوبقك ، وأن يهديك لما يرشدك ، بلغني أنّك قد توجّهت إلى العراق ، وإنّي أُعيذك من الشّقاق ، فإنّي أخاف عليك فيه الهلاك ، وقد بعثت إليك عبد الله بن جعفر ويحيى بن سعيد ، فأقبل إليّ معهما ، فإنّ لك عندي الأمان والصلة والبرّ وحسن الجوار ، لك الله بذلك شهيد وكفيل ، ومراع ووكيل ، والسلام عليك . ثمّ أتى به عمرو بن سعيد فقال له : اختمه . ففعل ، فلحقه عبد الله بن جعفر يحيى بن سعيد ، فأقرأه يحيى الكتاب . وكتب إليه الحسين ( عليه السلام ) : أَمّا بَعْدُ ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ مَنْ دَعا إِلىَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنّني مِنَ الْمُسْلِمينَ ، وَقَدَ دَعَوْتَ إِلَى الأْمانِ وَالْبِرِّ وَالصِّلَةِ ، فَخَيْرُ الأْمانِ أَمانُ اللهِ ، وَلَنْ يُؤمِنَ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ مَنْ لَمْ يَخَفْهُ  في الدُّنْيا ، فَنَسْأَلُ الله مَخافَةً في الدُّنْيا تُوجِبُ لَنا أَمانَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ ، فَإِنْ كُنْتَ نَوَيْتَ بِالْكِتابِ صِلَتي وَبِرّي فَجُزيتَ خَيْراً فِي الدُّنْيا وَالآْخِرَةِ ، وَالسَّلامُ . ثمّ انصرفا إلى عمرو بن سعيد فقالا : أقرأناه الكتاب وجهدنا به ، وكان ممّا اعتذر إلينا أن قال : إِنّي رَأَيْتُ رُؤْياً فيها رَسُولُ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) ، وأُمِرْتُ فيها بِأَمْر أَنَا ماض لَهُ ، عَلَيَّ كانَ أَوْ لي . فقالا له : فما تلك الرؤيا ؟ قال : ما حَدَّثْتُ أَحَداً بِها ، وَما أَنَا مُحَدِّثٌ بِها حَتّى أَلقى رَبّي ! ([7])

 *-  روى ابن عساكر جواب الحسين ( عليه السلام ) لعمرو بن سعيد العاص هكذا : إِنْ كُنْتَ أَرَدْتَ بِكِتابِكَ إِليَّ بِرّي وَصِلَتي فَجُزِيتَ خَيْراً في الدُّنْيا وَالآْخِرَةِ وَإِنَّهُ لَمْ يُشاقِقِ اللهَ مَنْ دَعا إِلىَ اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّني مِنَ الْمُسْلِمينَ ، وَخَيْرُ الأَْمانِ أَمانُ اللهِ ، وَلَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ مَنْ لَمْ يَخَفْهُ فِي الدُّنْيا ، فَنَسْأَلُ اللهَ مَخافَةً فِي الدُّنْيا تُوجِبُ لَنا أَمانَ الآْخِرَةِ عِنْدَهُ . ([8])

 *-  وعنه : أخبرنا أبو عبد الله الفراوي ، أنبأنا أبو بكر البيهقي ، أنبأنا أبو الحسن عليّ بن محمّد بن عليّ المقرئ ، أنبأنا الحسن بن محمّد بن إسحاق الإسفرايني ، أنبأنا يوسف بن يعقوب القاضي ، أنبأنا محمّد بن عبد الملك بن زنجويه ، أنبأنا شبابة ابن سوار ، أنبأنا يحيى بن سالم الأسدي ، قال : سمعت الشعبي يقول : كان ابن عمر قدم المدينة فأخبر أنّ الحسين بن عليّ قد توجّه إلى العراق ، فلحقه على مسير ليلتين - أو ثلاث - من المدينة فقال : أين تريد ؟ قال : الْعِراقَ ، و [ كان ] معه طوامير وكتب .  فقال له : لا تأتهم . فقال : هذِهِ كُتُبُهُمْ وَبَيْعَتُهُمْ . . فقال : إنّ الله عزّوجلّ خيّر نبيّه بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا ، وإنّكم بضعة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، والله ! لا يليها أحد منكم أبداً ، وما صرفها الله عزّوجلّ عنكم إلاّ للذي هو خير لكم ، فارجعوا . فأبى وقال : هذِهِ كُتُبُهُمْ وَبَيْعَتُهُمْ . قال : فاعتنقه ابن عمر وقال : استودعك الله من قتيل . ([9])

 *-  محمّد مهدي الحائري : وفي بعض الكتب نقلاً عن أبي مخنف : أنّ الحسين ( عليه السلام ) حين خرج من مكّة إلى الكوفة سار في طريقه إلى المدينة ، ثمّ أتى قبر جدّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) واعتنقه وبكى بكاء شديداً ، فحملته عينه فغفا ونام ، ورأى في منامه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو يقول : يا ولدي ! الوحا الوحا ، العجل العجل ، فقد قدمت أُمّك وأبوك وأخوك الحسن وجدّتك خديجة الكبرى ، وكلهم مشتاقون إليك ، فبادر إلينا . فانتبه الحسين ( عليه السلام ) باكياً حزيناً شوقاً إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وجاء إلى أخيه محمّد ابن الحنفيّة وهو عليل فحدّثه بما رأى وبكى ، فقال له : يا أخي ! ماذا تريد أن تصنع ؟ قال ( عليه السلام ) : أُريدُ الرَّحيلَ إِلَى الْعِراقِ ، فَإِنّي عَلى قَلَق مِنْ أَجْلِ ابْنِ عَمّي مُسْلِمِ بْنِ عَقيل . فقال له محمّد الحنفيّة : سألتك بحقّ جدّك محمّد ( صلى الله عليه وآله ) أن لا تفارق حرم جدّك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فإنّ لك فيه أعواناً كثيرة .  فقال الحسين ( عليه السلام ) : لا بُدَّ مِنَ الْعِراقِ . فقال محمّد بن الحنفيّة : إنّي والله ! ليحزنني فراقك ، وما أقعدني عن المسير معك إلاّ لأجل ما أجده من المرض الشديد ، فوالله ، يا أخي ! ما أقدر أن أقبض على قائم سيف ولا كعب رمح ، فوالله ! لا فرحت بعدك أبداً ، ثمّ بكى شديداً حتّى غشي عليه ، فلمّا أفاق من غشيته قال : يا أخي ! استودعك الله من شهيد مظلوم ، وودّعه الحسين ( عليه السلام ) وسار من المدينة . ([10])

 وفي أكثر كتب التاريخ : أنّه ( عليه السلام ) خرج من مكّة إلى الكوفة ولم يسر إلى المدينة ، وأوّل موضع مرّ به ( عليه السلام ) بعد مكّة ، التنعيم . ([11])



([1])الفتوح 5 : 77

([2])عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق ، كان هو عامل يزيد على مكة .  

([3])يونس : 9 / 41 . تأريخ الطبري 3 : 296 ، الإرشاد : 219 لم يشر إلى الآية ، مثير الأحزان : 39 ، البداية والنهاية 8 : 179 ، وقعة الطفّ : 153 .

([4])الفتوح 5 : 74 ، مقتل الحسين ( عليه السلام ) للخوارزمي 1 : 217 وروي الطبري في تاريخه كتاب عبد الله بن جعفر وأنّه بعثه مع ابنه عون ومحمّد وكتب فيه : فإنّي في أثر الكتاب ، ولكنّه لم يذكر جواب الحسين ( عليه السلام ) ، تأريخ الطبري 3 : 297 .

([5])ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) من الطبقات لابن سعد : 50 ، تاريخ ابن عساكر ( ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ) : 211 ح 267 .

([6])تاريخ ابن عساكر ( ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ) : 202 ، البداية والنهاية 8 : 176 .

([7])تأريخ الطبري 3 : 297 ، الفتوح لابن أعثم 5 : 75 مع اختلاف ، الكامل في التأريخ 2 : 548 ، بحار الأنوار 44 : 366 ، العوالم 17 : 216 في الثلاثة الأخيرة ذكروا قوله : إنّي رأيت رؤياً ، وقعة الطفّ : 155 .

([8])تاريخ ابن عساكر ( ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ) : 203 ، البداية والنهاية8 : 176 .

([9])تاريخ ابن عساكر ( ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ) : 192 ح 246 ، ذخائر العقبى 150 ، نظم درر السمطين 214

([10])معالي السبطين 1 : 229 ، أسرار الشهادة : 246 ، مقتل الحسين ومصرع أهل بيته : 61 .

([11])التنعيم : موضع على فرسخين من مكّة ، وهو بين مكة وسرِف ، عن يمينه جبل اسمه نعيم ، وعن شماله آخر اسمه ناعم ، والوادي نعيمان وبه مسجد ، معجم البلدان - 2 : 49