خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام في مسجد الكوفة يوم الجمعة
الحمد لله الذي لا من شيء كان ، ولا من شيء كوّن ما قد كان ، مُستَشْهَد بحدوث الأشياء على أزليَّته وبما وسمها به من العجز على قدرته ، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه ، لم يَخْلُ منه مكان فيُدركَ بأيْنِيّه ، ولا له شبه ولا مثال فيوصفَ بكيفيه ، ولم يغب عن شيء فيُنعت بحيثية ، مباين لجمع ما احدث من الصفات ، ممتنع عن الإدراك بما ابتدع من تصريف الذوات ، خارج بالكبرياء و العظمة من جميع تصرّف الحالات ، مُحرّمٌ على بوارع الفطن تحديدهُ وعلى غوائص الفِكَر تصويره ، لا تحويه الأماكن ولا تدركه المقادير ولا تقطعه المقاييس ، ممتنع عن الأوهام أن تكتنهه وعن الأفهام أن تستغرقه وعن الأذهان أن تمثّله . قد يئست من الإحاطة به طوامح العقول ونضت عن الإشارة إليه بالإكتناه بحار العلوم ، واحدٌ لا من عدد ودائم لا بأمد وقائم لا بعَمَد ، ليس بجنس فتعادله الأجناس ولا بشبح فتضارعه الأشباح ، مقتدر بالآلاء ممتنع بالكبرياء متملك على الأشياء لا دهر يُخِلقُه ([1]) ولا وصف يحيط به. خضعت له الصعاب و أذعنت له رواصن الأسباب ، مستشهد بعجز الأشياء على قدرته وبزوالها على بقائه وليس لها خروج عن إحاطته بها ، ولا احتجاب عن إحصائه لها ولا امتناع من قدرته عليها ، كفى بإتقان الصنع له آية وبإحكام الصنعة لها عبرة ، ليس له مثل مضروب ولا شيء عنه محجوب تعالى عن الأمثال المضروبة و الصفات المخلوقة علواً كبيراً.
([1]) يُخلقه : أي يبليه .