مصير اللعين إبن ملجم في الدنيا والاخرة
اختلاف الرواة
اما عبد الرحمن بن ملجم فقد اختلفو في مصيره اذ روي ان الناس قد عمدوا الى ابن ملجم فقتلوه وعلى قطام فقطعوها باليدين ونهبوا دارها وأحرقوا جثتها (1)وجثة بن ملجم فقد روي عن عبد الله بن جعفر إنه قال للإمام الحسن عليه السلام :
ـ يا أبا محمد إدفعه إلي أشفي نفسي منه(2).
قتل في المكان الذي ضرب فيه الأمير عليه السلام
قال أبو مخنف لما رجع الحسن عليه السلام دخلت عليه أم كلثوم وأشارت عليه أن لا يترك الملعون في الحياه ساعة واحدة وكان قد عزم على تأخيره ثلاثة أيام فأجابها إلى ذلك وخرج لوقته وساعته وجمع أهل بيته وأهل البصائر من أصحاب أمير المؤمنين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه واله كصعصعة والأحنف وأتياهما رضوان الله عليهم وتشاور في قتل بن ملجم ، فالكل أشار بقتله في ذلك اليوم وأجمع رأيهم على قتله في المكان الذي ضرب فيه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام (1)
قال الواقدي : آخر كلمة قالها أمير المؤمنين عليه السلام : يا بني إذا مت فالحقوا بي بن ملجم [ لعنه الله ] أخاصمه عند رب العالمين ثم قرأ [ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ] (2)وفي رواية أخرى إنهم لما فرغوا من دفن الإمام جلس الإمام الحسن عليه السلام وأمر أن يؤتى بإبن ملجم فجيء به فلما وقف بين يديه أمر بضرب عنقه وأخذه الناس وأحرقوه (3)
فقال قوم : جيء له بميلين وكحل بهما فكان يقول : إنك يا إبن أخي تكحل عمك بملمولين مضيافين .
وقال قوم : بل قطع يديه ورجليه ، وقال قوم بل قطع رجليه ويديه وهو في ذلك يذكر الله عز وجل ثم عمدوا إلى لسانه فثقل ذلك عليه فقيل له :
ـ لم تجزع من قطع يديك ورجليك ونراك جزعت من قطع لسانك
فقال : نعم أحببت أن لا يزال فمي بذكر الله رطبا (1)، وقيل إنه أحرق .
القول الفصل
ويبدو من تضارب الأقوال في مصير عبد الرحمن بين الرواة انه قتل بالسيف ضربة واحدة واحرق كما أوصى أمير المؤمنين إبنه الحسن عليهما السلام إذ ما كان للأمام الحسن عليه السلام أن يخالف وصية والده وهي واضحة في الضهور كما مرت وسيأتي قسم آخر منها ، وأما قولهم في الرواية إنه ثقل عليه قطع لسانه فهو متهافت جدا لأن الذكر لايلزم منه اللفظ بالسان وإنما إنعقاد النية في القلب يكفي في تحققه وقد فات ملفق هذه الروايات ذلك مع إننا سنقرأ بعد قليل ندم عبد الرحمن على فعلته وهذا واضح في التناقض
حقيقة مصيره
واضح الأقوال عندي إنه لما اجتمع أولاد أمير المؤمنين عليه السلام لقتل اللعين عدو الله إبن ملجم فقال عبد الله بن جعفر :
ـ إقطعوا يديه ورجليه ولسانه وإقتلوه بعد ذلك .
وقال محمد بن الحنفية : اجعلوه غرضا للنشاب واحرقوه .
وقال آخر : اصلبوه حيا حتى يموت واحرقوه بالنار بعد ذلك .
أمر الحسن عليه السلام : ان يأتوا به فجاءو به مكتوفا حتى أدنوه من الموضع الذي ضرب فيه الأمام علي بن أبي طالب عليه السلام والناس يلعنونه ويوبخونه وهو ساكت لا يتكلم فقال الحسن عليه السلام يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين وإمام المسلمين وأعظمت الفساد في الدين .
فقال لهما : يا حسن ويا حسين ماذا تريدان أن تصنعا بي ؟
فقالا : نريد أن نقتلك كما قتلت سيدنا وامامنا ومولانا(1).
قال إصنعا ما شئتما إن تصنعا اتنقذان من استزله الشيطان فصده عن السبيل وقد زجرت نفسي فلم تنزجر ونهيتها فلم تنتهي فدعها تذوق وبال أمرها ولها عذاب شديد ثم بكى فقال له الحسن عليه السلام :
يا ويلك ما هذه الرقة أين كانت حين وضعت قدمك وركبت خطيئتك .
فقال [ لعنه الله ]:[ إستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولائك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون] (2) ولقد إنقضى التوبيخ وإنما قتلت أباك وصرت بين يديك فأصنع ما شئت وخذ بحقك مني كيف شئت ، ثم برك على ركبتيه فقال :
ـ يابن رسول الله الحمد لله الذي أجرى قتلي على يديك فرق له الحسن عليه السلام ثم قام اليه والسيف بيده وجرده من غمده ونده حتى لاح الموت في حده ثم ضربه ضربه أراد بها عنقه فأشتد زحام الناس عليه وعلت أصواتهم فلم يتمكن من فتح باعه فأرتفع السيف الى باعه فأبراه فأنقلب عدو الله يخور بدمه فقام الحسين الى أخيه وقال : يا أخي أليس الأب واحد والأم واحدة ولي نصيب في هذه الضربة([1]) ولي حق في قتله فدعني أضربه ضربة أشفي بها بعض ما في نفسي فناوله الحسن عليه السلام السيف فأخذه وضربه ضربة على الضربة التي ضربها الحسن عليه السلام فبلغ الى طرف أنفه وقطع جانبه الآخر ثم اشتد الناس بعد ذلك بأسيافهم فقطعوه إربا وعجل الله بروحه الى النار([2]).
ثم احرق
ان لقاتلي الأوصياء خصوصية في قتلتهم وذلك هو الأحراق بالنار فقد جاء في وصية أمير المؤمنين عليه السلام :عن محمد بن عدي الأزدي قال : قال أمير المؤمنين في وصيته : وإن هلكت فأصنعوا به ما يصنع بقاتل النبي صلى الله عليه واله ، فسئل عن معناه ؟ فقال : إقتلوه ثم إحرقوه بالنار.
مصيره في قبره
وقيل انهم أحرقوه بالنار وطرحوه في حفرة وطموه في التراب فهو يعوي كعوي الكلاب بحفرته الى يوم القيامة .
عن علي بن ابراهيم العقيلي قال :
لما ضرب ابن ملجم أمير المؤمنين عليه السلام قال للحسن عليه السلام :
ـ يا بني اذا نامت العيون فأقتل ابن ملجم وأحفر له في الكناسة ثم إرمي به فيه فأنه وادي من أودية جهنم .
ووصف العقيلي الموضع على باب طاق المحامل موضع الشواء والرواس([3])
آثار قبر عبد الرحمن بن ملجم
قيل ان الناس حملوا جثته وأخرجوها وجمعوا له حطبا وأحرقوه بالنار ويوجد في الكوفة حتى الآن التل الذي أحرقت فيه جثة ابن ملجم حيث يشاهد المارة رابية سوداء من الرماد. وقد ذكر بن بطوطة هذه الرابية فقال :
ـ رأيت بقرب جبانة الكوفة موضعا مسودا كثير السواد في بسيط أبيض فأخبرت إنه قبر الشقي ابن ملجم وأن أهل الكوفه يأتون في كل سنة بالحطب الكثير فيوقدون النار على الموضع سبعة أيام([4])
عذابه بالدنيا .
قال أبو القاسم بن محمد كنت في المسجد الحرام فرأيت الناس حول مقام إبراهيم فقلت : ما هذا ؟
فقالوا : راهب قد أسلم وجاء الى مكة وهو يتحدث بحديث عجيب فأشرفت عليه فإذا هو شيخ كبير وعليه جبة صوف وقلنسوة صوف عظيم اللحية وهو قاعد عند المقام يحدث الناس وهم يستمعون إليه قال :
بينما أنا قاعد في صومعتي في بعض الأيام إذا شرفت منها إشرافه فإذا طائر كالنسر الكبير قد سقط على صخرة على شاطيء البحر فتقيأ فرمى من فيه ربع إنسان ثم طار فغاب يسيرا ثم عاد فتقيأ ربعا آخر ثم هكذا إلى أن تقيأ أربعة أرباع إنسان ثم طار فدنت الأرباع بعضها من بعض فتآلفت فقام منها إنسان كامل وأنا أتعجب مما رأيت فإذا بالطائر قد إنقض عليه فأختطف ربعه ثم طار ثم عاد واختطف ربعا آخر ثم طار وهكذا إلى أن اختطف جميعها فبقيت متفكر متحير لما لم أسئله من هو وما قصته فلما كان في اليوم التالي وإذا بالطائر قد أقبل وفعل كفعله بالأمس فلما إكتملت الأرباع وصارت شخصا كاملا نزلت من صومعتي مبادرا إليه وسألته :
بالله من أنت ؟ فسكت ، فقلت: بحق من خلقك ألا ما أخبرتني من أنت ؟
قال : أنا عبد الرحمن بن ملجم .
قلت : وما قصتك مع هذا الطائر ؟
قال : قتلت علي بن أبي طالب فوكل بي هذا الطائر يفعل بي ما ترى كل يوم
فخرجت من صومعتي وسألت عن علي بن أبي طالب فقيل لي إنه إبن عم الرسول صلى الله عليه واله فأسلمت وأتيت إلى بيت الله الحرام قاصدا الحج وزيارة الرسول صلى الله عليه واله
(1) هذا يدل على أحد أمرين أما إن عبد الرحمن قد تزوج قطام قبل قتل أمير المؤمنين مما دعى على الناس لقتل زوجته أو إن الأصحاب في الكوفة كانوا على علم بتدبيرها لهذه المؤامرة وقد يكون كلا الأمرين واقع .
(1) بحار ج42 ص 297
(2) الزلزلة 7 البحار ج 42
(1) وفي رواية إنه قال للحسن عليه السلام استبقني لك أكفك أمر عدوك بالشام فعلاه الحسن بالسيف فأستقبل السيف بيده فقطع خنصره ثم ضربه ضربة على يافوخه فقتله .
وروي عن الأمام الباقر عليه السلام ا نه قال : أخبرني أبي إن الحسين عليه السلام قدم إبن ملجم فأراد أن يضرب عنقه بيده فقال : عهدت لله عهدا أن أقتل أباك وقد وفيت فإن شئت فأقتل وإن شئت فأعف فإن عفوت ذهبت الى معاوية فقتلته وأرحتك منه وجئتك .فقال عليه السلام لا حتى أعجلك الى النار فقدمه فضربه .(البحار ج42 ص 297)، قرب الإسناد ص 67
أقول إنظر الى كذبه على الأمام عليه السلام وهو يعلم إن له صاحبا ذهب لقتل معاوية .
(2) المجادلة /19
([2])بحار الأنوار ج42 ص 298 وقال قفي مقاتل الطالبيين ص 28 : استوهبت أم الهيثم بنت الأسود النخعية جيفته من الحسن فوهبها لها فأحرقتها بالنار
([3])اصول الكافي ويعجبني هنا أن أذكر بعض ترهات شيخ الصوفية الشيخ فريد الدين العطار وليس العجب مما يقوله العطار ولكن العجب لبعض علماء الإمامية كيف يتخذون من كلماته مستندا لإعتقاداتهم لاسيما في مباحث الحكمة الإلهية يقول في منطق الطير ص 174 :
لما فاجأ سيء الحظ الجاهل ، المرتضى بطعنه حتى سارع الجميع لتقديم جرعة ماء للمرتضى فقال : أين قاتلي ؟ لتقدموا له الماء أولا ، ثم يأتي بعد ذلك دوري ، إذ سيكون هذا القاتل رفيقي ، فقدموا الجرعة له ، فقال القاتل : أي عذاب هذا ؟ أيريد الحيدر قتلي بالسم هكذا ؟ فقال المرتضى : بحق الخالق لابأس في أن تشرب جرعتي على الإطلاق ، ولن أخطو خطوة واحدة أمام الحق في جنة المأوى دون أن تكون في صحبتي
(1) ورد هذا الخبر في عدة مصادر منها : مناقب الخوارزمي ص 281 ، ونور الأبصار ص 108، والخرايج والجرايح للراوندي ص 18 ، والبحار ج42 ص 307 ، كشف الغمة ص 130 ، مناقب آل أبي طالب ج3 ص 481