دعاء زين العابدين صلوات الله عليه وسلامه قبل صلاة العيد
عن الشيخ أبي محمد بن هارون بن موسى التلعكبري رضي الله عنه ، باسناده إلى جابر بن يزيد الجعفي ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : كنت بالمدينة وقد ولاها مروان بن الحكم من قبل يزيد بن معاوية ، وكان شهر رمضان ، فلما كان في آخر ليلة منه أمر مناديه أن ينادي بالناس في الخروج إلى البقيع لصلاة العيد ، فغدوت من منزلي أريد إلى سيدي علي بن الحسين عليهما السلام غلسا .
فما مررت بسكة من سكك المدينة الا رأيت أهلها خارجين إلى البقيع ، فيقولون : إلى أين تريد يا جابر ؟ فأقول : إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ، حتى أتيت المسجد ، فدخلته ، فما وجدت فيه الا سيدي علي بن الحسين عليهما السلام قائم يصلي صلاة الفجر وحده ، فوقفت وصليت بصلاته ، فلما ان فرغ من صلاته سجد سجدة الشكر . ثم إنه جلس يدعو وجعلت أؤمن على دعائه ، فما أتي آخر دعائه حتى بزغت الشمس ، فوثب قائما على قدميه تجاه القبلة وتجاه قبر رسول الله صلى الله عليه وآله . ثم إنه رفع يديه حتى صارتا بإزاء وجهه وقال :
إلهي وسيدي أنت فطرتني وابتدأت خلقي ، لا لحاجة منك إلي بل تفضلا منك علي ، وقدرت لي أجلا ورزقا لا أتعداهما ، ولا ينقصني أحد منهما شيئا ، وكنفتني منك بأنواع النعم والكفاية طفلا وناشئا ، من غير عمل عملته ، فعلمته مني فجازيتني عليه ، بل كان ذلك منك تطولا علي وامتنانا .
فلما بلغت بي أجل الكتاب من علمك بي ووفقتني لمعرفة وحدانيتك والاقرار بربوبيتك ، فوحدتك مخلصا لم أدع لك شريكا في ملكك ، ولا معينا على قدرتك ، ولم أنسب إليك صاحبة ولا ولدا . فلما بلغت بي تناهي الرحمة منك علي ، مننت بمن هديتني به من الضلالة ، واستنقذتني به من الهلكة ، واستخلصتني به من الحيرة ، وفككتني به من الجهالة ، وهو حبيبك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله ، أزلف خلقك عندك ، وأكرمهم منزلة لديك ، فشهدت معه بالوحدانية ، وأقررت لك بالربوبية والرسالة ، وأوجبت له على الطاعة .
فأطعته كما أمرت ، وصدقته فيما حتمت ، وخصصته بالكتاب المنزل عليه والسبع المثاني الموحات إليه ، وأسميته القرآن ، وأكنيته الفرقان العظيم . فقلت جل اسمك : ( ولقد أتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) وقلت جل قولك له ، حين اختصصته بما سميته به من الأسماء : ( طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) ، وقلت عز قولك : ( يس والقرآن الحكيم ) ، وقلت تقدست أسماؤك : ( ص والقرآن ذي الذكر ) ، وقلت عظمت آلاؤك : ( ق والقرآن المجيد ) .
فخصصته أن جعلته قسمك حين أسميته ، وقرنت القرآن معه ، فما في كتابك من شاهد قسم ، والقرآن مردف به ، الا وهو اسمه ، وذلك شرف شرفته به وفضل بعثته إليه ، تعجز الألسن والأفهام عن وصف مرادك به ، وتكل عن علم ثنائك عليه . فقلت عز جلالك في تأكيد الكتاب وقبول ما جاء فيه : ( هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ) ، وقلت عززت وجللت : ( ما فرطنا في الكتاب من شئ ) ، وقلت تباركت وتعاليت في عامة ابتدائه : ( آلر تلك آيات الكتاب الحكيم ) ، و ( آلر كتاب أحكمت آياته ) ، و ( آلر كتاب أنزلناه إليك ) ، و ( آلر تلك آيات الكتاب المبين ) ، و ( آلم ذلك الكتاب لا ريب فيه ) ، وفي أمثالها من سور الطواسين والحواميم .
في كل ذلك ثنيت بالكتاب مع القسم الذي هو اسم من اختصصته لوحيك ، واستودعته سر غيبك ، فأوضح لنا منه شروط فرائضك ، وأبان لنا عن واضح سنتك ، وأفصح لنا عن الحلال والحرام ، وأنار لنا مدلهمات الظلام ، وجنبنا ركوب الآثام ، وألزمنا الطاعة ، ووعدنا من بعدها الشفاعة . فكنت ممن أطاع أمره ، وأجاب دعوته ، واستمسك بحبله ، فأقمت الصلاة ، وآتيت الزكاة ، والتزمت الصيام الذي جعلته حقا فقلت جل اسمك : ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) .
ثم إنك أبنته فقلت عززت وجللت من قائل : ( شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن ، وقلت : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) .
ورغبت في الحج بعد إذ فرضته إلى بيتك الذي حرمته ، فقلت جل اسمك : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) ، وقلت عززت وجللت : ( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) .
اللهم إني أسألك أن تجعلني من الذين يستطيعون إليه سبيلا ، ومن الرجال الذين يأتونه ليشهدوا منافع لهم ، وليكبروا الله على ما هداهم .
وأعني اللهم على جهاد عدوك في سبيلك مع وليك ، كما قلت جل قولك : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله ) ، وقلت جلت أسماؤك : ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم ) .
اللهم فأرني ذلك السبيل ، حتى أقاتل فيه بنفسي ومالي طلب رضاك ، فأكون من الفائزين .
إلهي أين المفر عنك ، فلا يسعني بعد ذلك إلا حلمك ، فكن بي رؤوفا رحيما ، وأقبلني وتقبل مني ، وأعظم لي فيه بركة المغفرة ومثوبة الأجر ، وأرني صحة التصديق بما سألت ، وإن أنت عمرتني إلى عام مثله ، ويوم مثله ، ولم تجعله آخر العهد مني ، فأعني بالتوفيق على بلوغ رضاك .
وأشركني يا إلهي في هذا اليوم ، في جميع دعاء من أجبته ، من المؤمنين والمؤمنات ، وأشركهم في دعائي إذا أجبتني في مقامي هذا بين يديك ، فاني راغب إليك لي ولهم ، وعائد بك لي ولهم ، فاستجب لي يا أرحم الراحمين .
( إقبال الأعمال ج 1 ص 495 )