العتبة العلوية المقدسة - هجرة الامام علي عليه السلام بالفواطم -
» » سيرة الإمام » الهجرة النبوية ودور الإمام علي عليه السلام فيها » هجرة الامام علي عليه السلام بالفواطم

هجرة الامام علي عليه السلام بالفواطم

  * - قال ابن عباس : لما انطلق النبي صلى الله عليه وآله إلى الغار أنا عليا في مكانه وألبسه برده ، فجاءت قريش تريد أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وآله ، فجعلوا يرمون عليا عليه السلام وهم يرون أنه النبي صلى الله عليه وآله ، فجعل يتضور ، فلما نظروا إذا هو علي عليه السلام . وروى علي بن هاشم ، عن محمد بن عبد الله بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن جده أبي رافع قال : كان علي عليه السلام يجهز النبي صلى الله عليه وآله حين كان في الغار يأتيه بالطعام والشراب ، واستأجر له ثلاث رواحل للنبي صلى الله عليه وآله ولأبي بكر ، ولدليلهم رقيد ، وخلفه النبي صلى الله عليه وآله ليخرج إليه أهله ، فأخرجهم ، وأمره أن يؤدي  عنه أماناته ووصاياه وما كان بمؤتمن عليه من مال ، فأدى علي عليه السلام أماناته كلها . وقال له النبي صلى الله عليه وآله : إن قريش لن يفتقدوني ما رأوك ، فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله ، فكانت قريش يرى رجلا على فراش النبي صلى الله عليه وآله ، فيقولون هو محمد ، فحبسهم الله عن طلبه ، وخرج علي عليه السلام إلى المدينة ماشيا على رجليه فتورمت قدماه ، فلما قدما المدينة رآه النبي صلى الله عليه وآله ، فاعتنقه وبكى رحمة مما رأى بقدميه من الورم وإنما يقطران دما ، فدعا له بالعافية ، ومسح رجليه فلم يشكهما بعد ذلك .

* - كان هند بن أبي هالة ، وأبو رافع ، وعمار بن ياسر جميعا يحدثون عن هجرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه آله بالمدينة ومبيته قبل ذلك على فراشه قال هند ، وعمار وأبي رافع ، وقد دخل حديث بعضهم في بعض ، قالوا : كان الله عز وجل مما يمنع نبيه صلى الله عليه وآله بعمه أبي طالب عليه السلام فما يخلص إليه امرؤ بسوء من قومه مدة حياته فلما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وآله بغيتها ، وأصابته بعظيم من الأذى حتى تركته لقى ، فقال صلى الله عليه وآله : لأسرع ما وجدنا فقدك يا عم ، وصلتك رحم ، و جزيت خيرا يا عم ، ثم ماتت خديجة بعد أبي طالب بشهر ، واجتمع بذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله حزنان حتى عرف ذلك فيه ، قال هند : ثم انطلق ذوو الطول والشرف من قريش إلى دار الندوة ليرتأوا ويأتمروا في رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأسروا ذلك بينهم ، فقال بعضهم : نبني له علما ، ونترك فرجا . نستودعه فيه فلا يخلص من الصباة فيه إليه أحد ، ولا نزال في رفق من العيش حتى يتضيفه ريب المنون ، وصاحب  هذه المشورة العاص بن وائل وأمية وأبي ابنا خلف ، فقال قائل : كلا ما هذا لكم برأي ، ولئن صنعتم ذلك ليتنمرن له الحدب الحميم ، والمولى الحليف ، ثم ليأتين المواسم والأشهر الحرم بالأمن ، فلينتزعن من أنشوطتكم ، قولوا قولكم . فقال عتبة وشيبة وشركهما أبو سفيان ، قالوا : فإنا نرى أن نرحل بعيرا صعبا ونوثق محمدا عليه كتافا ، ثم نقطع البعير بأطراف الرماح ، فيوشك أن يقطعه بين الدكادك إربا إربا ، فقال صاحب رأيهم : إنكم لم تصنعوا بقولكم هذا شيئا ، أرأيتم إن خلص به البعير سالما إلى بعض الأفاريق فأخذ بقلوبهم بسحره و بيانه وطلاقة لسانه فصبأ القوم إليه ، واستجابت القبائل له قبيلة فقبيلة فليسيرن حينئذ إليكم بالكتائب والمقانب ، فلتهلكن كما هلكت أياد ومن كان قبلكم . قولوا قولكم ، فقال له أبو جهل : لكن أرى لكم أن تعمدوا إلى قبائلكم العشرة فتنتدبوا من كل قبيلة منها رجلا نجدا ، ثم تسلحوه حساما عضبا ، وتمهد الفتية حتى إذا غسق الليل وغور بيتوا  بابن أبي كبشة بياتا فيذهب دمه في قبائل قريش جميعا ، فلا يستطيع بنو هاشم وبنو المطلب مناهضة قبائل قريش في صاحبهم ، فيرضون حينئذ بالعقل منهم ، فقال صاحب رأيهم : أصبت يا با الحكم ، ثم أقبل عليهم فقال : هذا الرأي ، فلا تعدلن به رأيا ، وأوكئوا في ذلك أفواهكم حتى  يستتب أمركم ، فخرج القوم عزين ، وسبقهم بالوحي بما كان من كيدهم جبرئيل عليه السلام فتلا هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله  وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين  فلما أخبره جبرئيل بأمر الله في ذلك ووحيه وما عزم له من الهجرة دعا رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب لوقته ، فقال له : يا علي إن الروح هبط علي بهذه الآية آنفا ، يخبرني أن قريشا اجتمعت على المكر بي وقتلي ، وإنه أوحى إلي عن ربي عز وجل أن أهجر دار قومي ، وأن أنطلق إلى غار ثور تحت ليلتي وأنه آمرني أن آمرك بالمبيت على ضجاعي  - أو قال : مضجعي  - لتخفي بمبيتك عليه أثرى ، فما أنت قائل وصانع ؟ فقال علي عليه السلام : أو تسلمن بمبيتي هناك يا نبي الله ؟ قال : نعم ، فتبسم علي عليه السلام ضاحكا ، وأهوى إلى الأرض ساجدا ، شكرا لما أنبأه به رسول الله صلى الله عليه وآله من سلامته ، فكان علي عليه السلام أول من سجد لله شكرا ، و أول من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته من هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلما رفع رأسه قال له : امض لما أمرت ، فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي ، و مرني بما شئت أكن فيه كمسرتك واقع منه بحيث مرادك ، وإن توفيقي إلا بالله ، وقال : وأن القي عليك شبه مني ، أو قال : شبهي ، قال : إن يمنعني نعم ، قال : فارقد على فراشي ، واشتمل ببردي الحضرمي ، ثم إني أخبرك يا علي أن الله تعالى يمتحن أولياءه على قدر إيمانهم ومنازلهم من دينه ، فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، وقد امتحنك يا بن أم  وامتحنني فيك بمثل ما امتحن  به خليله إبراهيم عليه السلام والذبيح إسماعيل عليه السلام ، فصبرا صبرا ، فإن رحمة الله قريب من المحسنين ، ثم ضمه النبي صلى الله عليه وآله إلى صدره وبكى إليه وجدا به ، وبكى علي عليه السلام جشعا لفراق رسول الله صلى الله عليه وآله ، واستتبع رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر بن أبي قحافة وهند بن أبي هالة ، فأمرهما أن يقعدا له بمكان ذكره لهما من طريقه إلى الغار ، ولبث رسول الله صلى الله عليه وآله بمكانه مع علي عليه السلام يوصيه ويأمره في ذلك بالصبر حتى صلى العشائين ، ثم خرج صلى الله عليه وآله في فحمة العشاء ، والرصد من قريش قد أطافوا بداره ينتظرون أن ينتصف الليل وتنام الأعين ، فخرج وهو يقرأ هذه الآية :  وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون  وكان بيده قبضة من تراب فرمى بها في رؤوسهم ، فما شعر القوم به حتى تجاوزهم ، و مضى حتى أتى إلى هند وأبي بكر ، فنهضا معه حتى وصلوا إلى الغار ، ثم رجع هند إلى مكة بما أمره به رسول الله صلى الله عليه وآله ، ودخل رسول الله صلى الله عليه وآله وأبو بكر إلى الغار ، فلما خلق الليل وانقطع الأثر أقبل القوم على علي عليه السلام قذفا بالحجارة والحلم ، فلا يشكون أنه رسول الله صلى الله عليه وآله حتى إذا برق الفجر ، وأشفقوا أن يفضحهم الصبح هجموا على علي عليه السلام ، وكانت دور مكة يومئذ سوائب لا أبواب لها فلما بصر بهم علي عليه السلام قد انتضوا السيوف وأقبلوا عليه بها يقدمهم خالد بن الوليد بن المغيرة وثب به علي عليه السلام فختله وهمز يده ، فجعل خالد يقمص قماص  البكر ، وإذا له رغاء فابذعر الصبح وهم في عرج الدار من خلفه ، وشد عليهم علي عليه السلام بسيفه ، يعني سيف خالد ، فأجفلوا أمامه إجفال النعم إلى ظاهر الدار وتبصروه ، فإذا علي عليه السلام ، قالوا : وإنك لعلي ؟ قال : أنا علي ، قالوا : فإنا لم نردك ، فما فعل صاحبك ؟ قال : لا علم لي به ، وقد كان علم  - يعني عليا - أن الله تعالى قد أنجى نبيه صلى الله عليه وآله بما كان أخبره من مضيه إلى الغار واختبائه فيه ، فأذكت قريش عليه العيون ، وركبت في طلبه الصعب والذلول ، وأمهل علي عليه السلام حتى إذا اعتم من الليلة القابلة انطلق هو وهند بن أبي هالة حتى دخلا على رسول الله صلى الله عليه وآله في الغار ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله هندا أن يبتاع له ولصاحبه بعيرين ، فقال أبو بكر : قد كنت أعددت لي ولك يا نبي الله راحلتين نرتحلهما إلى يثرب ، فقال : إني لا آخذهما ولا أحدهما إلا بالثمن ، قال : فهي لك بذلك ، فأمر صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام فأقبضه الثمن ، ثم وصاه بحفظ ذمته وأداء أمانته ، وكانت قريش تدعوا محمدا صلى الله عليه وآله في الجاهلية الأمين ، وكانت تستودعه وتستحفظه أموالها وأمتعتها ، وكذلك من يقدم مكة من العرب في الموسم ، وجاءته النبوة والرسالة والامر كذلك ، فأمر عليا عليه السلام أن يقيم صارخا يهتف بالأبطح غدوة وعشيا : من كان له قبل محمد أمانة أو وديعة فليأت فلنؤد إليه أمانته ، قال : فقال صلى الله عليه وآله : إنهم لن يصلوا من الآن إليك يا علي بأمر تكرهه حتى تقدم علي ، فأد أمانتي على أعين الناس ظاهرا ، ثم إني مستخلفك على فاطمة ابنتي ومستخلف ربي عليكما ومستحفظه فيكما ، فأمره أن يبتاع رواحل له وللفواطم من أزمع للهجرة معه من بني هاشم .

قال أبو عبيدة : فقلت لعبيد الله يعني ابن أبي رافع : أو كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجد ما ينفقه هكذا ؟ فقال : إني سألت أبي عما سألتني ، وكان يحدث لي هذا الحديث  فقال : وأين يذهب بك عن مال خديجة عليها السلام ؟ قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : ما نفعني مال قط ما نفعني مال خديجة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يفك في مالها الغارم والعاني ، ويحمل الكل ، ويعطي في النائبة ، ويرفد فقراء أصحابه إذ كان بمكة ، و يحمل من أراد منهم الهجرة ، وكانت قريش إذا رحلت غيرها في الرحلتين يعني رحلة الشتاء والصيف كانت طائفة من العير لخديجة عليها السلام وكانت أكثر قريش مالا ، وكان صلى الله عليه وآله ينفق منه ما شاء في حياتها ، ثم ورثها هو وولدها ، قال : و قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام وهو يوصيه : فإذا أبرمت ما أمرتك من أمر فكن على أهبة الهجرة إلى الله ورسوله ، وسر إلي لقدوم كتابي عليك ولا تلبث ، و انطلق رسول الله صلى الله عليه وآله لوجه يؤم المدينة ، وكان مقامه في الغار ثلاثا ، ومبيت علي عليه السلام على الفراش أول ليلة . قال عبيد الله بن أبي رافع : وقد قال علي بن أبي طالب عليه السلام يذكر مبيته على الفراش ومقام رسول الله صلى الله عليه وآله في الغار :

وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى

 

ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر

محمد لما خاف أن يمكروا به

 

فوقاه ربي ذو الجلال من المكر

وبت أراعيهم متى ينشرونني

 

وقد وطنت نفسي على القتل والأسر

وبات رسول الله صلى الله في الغار
آمنا

 

هناك وفي حفظ الاله وفي ستر

أقام ثلاثا ثم زمت قلائص

 

قلائص يفرين الحصى أينما تفري

ولما ورد رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة نزل في بني عمرو بن عوف بقباء ، فأراده أبو بكر على دخوله المدينة وألاصه في ذلك ، فقال : فما أنا بداخلها حتى يقدم ابن أمي وأخي وابنتي ، عليا وفاطمة عليهما السلام . قالا : قال أبو اليقظان : فحدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن معه بقباء عما أرادت قريش من المكر به ، ومبيت علي عليه السلام على فراشه ، قال : أوحى الله عز وجل إلى جبرئيل وميكائيل عليهما السلام : أني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه ، فأيكما يؤثر أخاه ؟ وكلاهما كره الموت ، فأوحى الله إليهما : عبداي ألا كنتما مثل وليي علي آخيت بينه وبين محمد نبيي ، فآثره بالحياة على نفسه ؟ ثم ظل  - أو قال : رقد  - على فراشه يقيه بمهجته ، اهبطا إلى الأرض جميعا فاحفظاه من عدوه ، فهبط جبرئيل فجلس عند رأسه ، وميكائيل عند رجليه ، وجعل جبرئيل يقول : بخ بخ ، من مثلك يا ابن أبي طالب ؟ والله عز وجل يباهي بك الملائكة ، قال : فأنزل الله عز وجل في علي عليه السلام وما كان من مبيته على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله :  ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد  .

 قال أبو عبيدة : قال أبي وابن أبي رافع : ثم كتب رسول الله صلى الله عليه وآله إلى علي ابن أبي طالب عليه السلام كتابا يأمره فيه بالمسير إليه ، وقلة التلوم ، وكان الرسول إليه أبا واقد الليثي ، فلما أتاه كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله تهيأ للخروج والهجرة ،  فآذن من كان معه من ضعفاء المؤمنين فأمرهم أن يستللوا ويتخففوا  - إذا ملا الليل بطن كل واد  - إلى ذي طوى ، وخرج علي عليه السلام بفاطمة عليها السلام بنت رسول  - الله صلى الله عليه وآله وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم ، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب ، وقد قيل : هي ضباعة ، وتبعهم أيمن بن أم أيمن مولى رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأبوه واقد رسول رسول الله صلى الله عليه وآله ، فجعل يسوق بالرواحل فأعنف بهم ، فقال علي عليه السلام ارفق بالنسوة أبا واقد ! إنهن من الضعائف ، قال : إني أخاف أن يدركنا الطالب - أو قال : الطلب  - فقال علي عليه السلام : أربع عليك ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي : يا علي إنهم لن يصلوا من الآن إليك بأمر تكرهه ، ثم جعل يعني عليا عليه السلام يسوق بهن سوقا رفيقا وهو يرتجز ويقول :

 

ليس إلا الله فارفع ظنكا

 

يكفيك رب الناس ما أهمكا

وسار فلما شارف ضجنان أدركه الطلب سبع فوارس من قريش مستلئمين وثامنهم مولى الحارث بن أمية يدعى جناحا ، فأقبل علي عليه السلام على أيمن وأبي واقد وقد تراءى القوم فقال لهما : أنيخا الإبل واعقلاها ، وتقدم حتى أنزل النسوة ، ودنا القوم فاستقبلهم علي عليه السلام منتضيا سيفه ، فأقبلوا عليه فقالوا : ظننت أنك يا غدار ناج بالنسوة ، ارجع لا أبا لك ، قال : فإن لم أفعل ؟ قالوا : لترجعن راغما ، أو لنرجعن بأكبرك سعرا ، وأهون بك من هالك ، ودنا الفوارس من النسوة والمطايا ليثوروها فحال علي عليه السلام بينهم وبينها ، فأهوى له جناح بسيفه ، فراغ علي عليه السلام عن ضربته ، وتختله علي عليه السلام فضربه على عاتقه ، فأسرع السيف مضيا فيه حتى مس كاثبة فرسه ، فكان علي عليه السلام يشد على قدمه شد الفرس ، أو الفارس على فرسه ، فشد عليهم بسيفه وهو يقول : 

خلوا سبيل الجاهد المجاهد

 

آليت لا أعبد غير الواحد

فتصدع القوم عنه ، فقالوا له : اغن عنا نفسك يا ابن أبي طالب ، قال : فإني منطلق إلى ابن عمي رسول الله صلى الله عليه وآله بيثرب ، فمن سره أن افري لحمه وأهريق دمه فليتبعني ، أو فليدن مني ، ثم أقبل على صاحبيه : أيمن وأبي واقد فقال لهما : أطلقا مطاياكما ، ثم سار ظاهرا قاهرا حتى نزل ضجنان ، فتلوم بها قدر يومه وليلته ، ولحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين ، وفيهم أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وآله ، فصلى ليلته تلك هو والفواطم : أمه فاطمة بنت أسد رضي الله عنها ، وفاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ، وفاطمة بنت الزبير ، يصلون لله ليلتهم و يذكرونه قياما وقعودا وعلى جنوبهم ، فلن يزالوا كذلك حتى طلع الفجر ، فصلى علي عليه السلام بهم صلاة الفجر ، ثم سار لوجهه ، فجعل وهم يصنعون ذلك منزلا بعد منزل يعبدون الله عز وجل ويرغبون إليه كذلك حتى قدم المدينة ، وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم :  الذين يذكرون الله قياما وقعودا و على جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا  إلى قوله :  فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى   الذكر : علي عليه السلام ، والأنثى فاطمة ، عليها السلام ،  بعضكم من بعض  يقول : علي  من فاطمة أو قال : الفواطم ، وهن من علي  فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب  وتلا صلى الله عليه وآله :  ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد  قال : و قال له : يا علي أنت أول هذه الأمة إيمانا بالله ورسوله ، وأولهم هجرة إلى الله ورسوله ، وآخرهم عهدا برسوله ، لا يحبك والذي نفسي بيده إلا مؤمن قد امتحن الله قلبه للايمان ، ولا يبغضك إلا منافق أو كافر

  * - مناقب ابن شهرآشوب : تاريخ الطبرسي : إن أمير المؤمنين عليه السلام نزل بقباء على أم كلثوم بنت هدم وقت الهجرة ليلتين أو ثلاثا ، فرآها تخرج كل ليلة نصف الليل  إلى طارق وتأخذ منه شيئا ، فسألها عن ذلك فقالت : هذا سهل بن حنيف قد عرف أني امرأة لا أحد لي ، فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها ثم جاءني بها ، و قال : احتطبي بهذا ، فكان أمير المؤمنين عليه السلام يحترمه بعد ذلك .