هلاك من اراد نبش القبر الطاهر
* قال ابن طاووس : أخبرني عمي السعيد رضي الدين علي بن موسى بن طاووس ، والفقيه نجم الدين أبو القاسم بن سعيد ، والفقيه المقتدي بقية المشيخة نجيب الدين يحيى بن سعيد ( أدام الله بركتهم ) ، كلهم عن الفقيه محمد بن عبد الله بن زهرة الحسيني ، عن محمد بن الحسن العلوي الحسيني الساكن بمشهد الكاظم ( عليه السلام ) ، عن القطب الراوندي ، عن محمد بن علي بن الحسن الحلي ، عن الطوسي ، ونقلته حرفا حرفا عن المفيد محمد بن محمد بن النعمان ، عن محمد بن أحمد بن داود ، عن أبي الحسين محمد بن تمام الكوفي ، قال : حدثنا أبو الحسن علي بن الحسين بن الحجاج من حفظه ، قال : كنا جلوسا في مجلس ( ابن عمي ) أبي عبد الله محمد بن عمران بن الحجاج ، وفيه جماعة من أهل الكوفة من المشايخ ، وفيمن حضر العباسي بن أحمد العباسي ، وكانوا قد حضروا عند ابن عمي يهنئونه بالسلامة ، لأنه حضر وقت سقوط سقيفة سيدي أبي عبد الله الحسين بن علي ( عليه السلام ) في ذي الحجة من سنة ثلاث وسبعين ومائتين ، فبينا هم قعود يتحدثون إذ حضر المجلس إسماعيل بن عيسى العباسي ، فلما نظرت الجماعة إليه ، أحجمت عما كانت فيه ، وأطال إسماعيل الجلوس ، فلما نظر إليهم قال : يا أصحابنا أعزكم الله لعلي قطعت عنكم حديثكم بمجيئي ! قال أبو الحسن علي بن يحيى ( وكان شيخ الجماعة ومقدما فيهم ) : لا والله يا أبا عبد الله ( أعزك الله ) أمسكنا بحال من الأحوال . فقال لهم : يا أصحابنا إعلموا ان الله ( عز وجل ) سائلي عما أقول لكم وما أعتقده من المذهب ، حتى حلف بعتق جواريه ومماليكه وحبس دوابه انه ما يعتقد إلا ولاية ( أمير المؤمنين ) علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، والسادة الأئمة ( عليهم السلام ) ، وعدهم واحدا واحدا ، وساق الحديث ، فانبسط إليه أصحابنا ، وسألهم وسألوه ، ثم قال لهم : رجعنا يوم الجمعة من الصلاة من المسجد الجامع مع عمي داود ، فلما كان قبل منزلنا وقبل منزله وقد خلا الطريق قال لنا : أينما كنتم قبل ان تغرب الشمس فصيروا إلي ، ولا يكون أحد منكم على حال فيتخلف ( وكان مطاعا ) لأنه كان جمرة بني هاشم ، فصرنا إليه آخر النهار وهو جالس ينتظرنا ، فقال : صيحوا بفلان وفلان من الفعلة ، فجأه رجلان معهما آلتهما ، والتفت إلينا فقال : اجتمعوا كلكم واركبوا في وقتكم هذا وخذوا معكم الجمل ( يعني غلاما كان له أسود يعرف بالجمل ، وكان لو حمل هذا الغلام على سكر دجلة لكسرها من شدته وبأسه ) ، وامضوا إلى هذا القبر الذي قد أفتتن به الناس ، ويقولون إنه قبر علي ، حتى تنبشوه وتجيئوني بأقصى ما فيه ! ، فمضينا إلى الموضع فقلنا دونكم وما أمر به ، فحفر الحفارون وهم يقولون لا حول ولا قوة إلا بالله في أنفسهم ، ونحن في ناحية ، حتى نزلوا خمسة أذرع فلما بلغوا إلى الصلابة قال الحفارون : قد بلغنا إلى موضع صلب وليس نقوى بنقره ، فأنزلوا الحبشي ، فأخذ المنقار فضرب ضربة فسمعنا لها طنينا شديدا في البرية ، ثم ضرب ثانية ، فسمعنا طنينا أشد من ذلك ، ثم ضرب الثالثة فسمعنا طنينا أشد مما تقدم ، ثم صاح الغلام صيحة ، فقمنا وأشرفنا عليه وقلنا للذين كانوا معه سلوه ماله ، فلم يجبهم وهو يستغيث ، فشدوه وأخرجوه بالحبل ، فإذا على يده من أطراف أصابعه إلى مرفقه دم ! لا يكلمنا ولا يخبر جوابا ، فحملناه على البغل ورجعنا طائرين ، ولم يزل لحم الغلام ينثر من عضده وجسمه وسائر شقه الأيمن ، حتى انتهينا إلى عمي فقال : أيش وراءكم ؟ فقلنا : ما ترى ! وحدثناه بالصورة ، فالتفت إلى القبلة وتاب عما هو عليه ورجع عن مذهبه ، وتولى وتبرأ ، وركب بعد ذلك في الليل إلى علي بن مصعب بن جابر فسأله ان يضع على القبر صندوقا ، ولم يخبره بشي مما جرى ، ووجد من طم الموضع وعمر الصندوق عليه ، ومات الغلام الأسود من وقته . قال أبو الحسن بن الحجاج : رأينا هذا الصندوق الذي هذا حديثه لطيفا وذلك قبل أن يبنى عليه الحائط الذي بناه الحسن بن زيد ، وهذا آخر ما نقلته من خط الطوسي ( رضي الله عنه ) .
أقول : وقد ذكر هنا الشريف أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن ( بن علي ) بن الحسين بن عبد الرحمن الشجري ، بالاسناد المتقدم إليه : حدثني أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبد الله الجواليقي ( لفظا ) ، قال : أخبرنا أبو جعفر محمد بن محمد بن الحسين بن هارون إجازة وكتبته من خط يده ، قال : أخبرنا علي بن الحسين بن الحجاج املا من حفظه ، قال : كنا في مجلس عمي أبي عبد الله بن عمران بن الحجاج ، وتمم الحديث على نحو ما ذكرناه ، ولم يقل ابن عمي وفيه تغير لا يضر طائلا ، وقال في آخره الحسن بن زيد ( بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد ) بن الحسن بن علي ( عليه السلام ) المعروف بالداعي الخارج بطبرستان .
أقول : هذا الحسن بن زيد صاحب الدعوة بالري ( قتله مرداويج ) ملك بلادا كثيرة . وقال الفقيه صفي الدين محمد بن معد ( رحمه الله ) : وقد رأيت هذا الحديث بخط أبي يعلى محمد بن حمزة الجعفري ، صهر الشيخ المفيد ، والجالس بعد وفاته مجلسه .
أقول : وقد رأيته بخط أبي يعلى الجعفري أيضا في كتابه كما ذكره صفي الدين أيضا . ورأيت هذا في مزار ابن داود القمي ( وهو عندي ) في نسخة عتيقة مقابلة بنسخة عليها مكتوب ما صورته : قد أجزت هذا الكتاب وهو أول كتاب الزيارات من تصنيفي ، وجميع مصنفاتي ورواياتي ما لم يقع فيها سهو ولا تدليس لمحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سميع ( أعزه الله ) فليرو ذلك عني إذا أحب لا حرج عليه فيه أن يقول : أخبرنا وحدثنا . وكتب محمد بن داود القمي ، في شهر ربيع الاخر سنة ستين وثلاثمائة حامدا لله شاكرا ، وعلى نبيه مصليا ومسلما ، وهذه الرواية مطابقة لما أورده الطوسي بخطه . (
[1])
وقد نظم هذه الكرامة العلامة السماوي قائلا :
صحيفة في ذكر شيى موجز |
|
مما بدا في قبره من معجز |
تصرمت للناس الف شهر |
|
في المنع من ذكر اسم رب القبر |
ملك بني امية والشجرة |
|
اذ راها النبي تنزو منبره |
حتى اتى الملك بني العباس |
|
فرفهت بعض لبعض الناس |
فزارت الافواج قبر المرتضى |
|
وهم على رقابة مما مضى |
وابتدرت من قبره مناقب |
|
كانهن انجم ثواقب |
فذكر ابن احمد في الفرحة |
|
مناقبا تورق كل سرحة |
قال دعا داود يوما بالجمل |
|
وكان عبدا ايد الجسم بطل |
فقال خذ من شئت معك واحفر |
|
قبر علي في مسناة الغري |
فقام من ساعته في ليله |
|
مصاحبا لرجله وخيله |
وجاءللقبر قبيل الفجر |
|
ثم انبرى يضرب فوق القبر |
حتى اذ امكن منه المعولا |
|
صاح بذعر صيحة وولولا |
قالوا فجئنا لنرى ما يجد |
|
اذ يده ولحمها مبدد |
وقال قد اوفيت علي كف |
|
ففت عضد وابيد كتف |
وعاد محمولا له يفاحصه |
|
فارتعدت مما راى فرائصه |
ومات بعدما راه فاتلى |
|
داود ان يدين بعد بالولا |
ثم اتى ورد ترب القبر |
|
وشاد في بنائه بصخر |
وقد راه جملة من الاول |
|
اذ جددو البنا وشيدو العمل |
وقيل انشا فوقه صندوقا |
|
مودة ولم يكن صدوقا ([2])
|