العتبة العلوية المقدسة - ضياع النبي صلى الله عليه وآله عن مرضعته حليمة -
» » سيرة الإمام » المناسبات » من سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله » ضياع النبي صلى الله عليه وآله عن مرضعته حليمة

 ضياع النبي صلى الله عليه وآله عن مرضعته حليمة

* قال الواقدي : فلما أتى على رسول الله صلى الله عليه وآله أربعة أشهر ماتت امه 

آمنة رضي الله عنها ، فبقي صلى الله عليه وآله بلا أب ولا ام ، وهو من أبناء أربعة أشهر ، فبقي يتيما في  حجر جده عبدالمطلب ، فاشتد عليه موت آمنة ليتم محمد صلى الله عليه وآله ، ولم يأكل ولم يشرب  ثلاثة ايام ، فبعث عبدالمطلب إلى بنيته ، عاتكة وصفية وقال لهما : خذ محمدا صلى الله عليه وآله ،  والنبي صلى الله عليه وآله لا يزداد إلا بكاء ولا يسكن ، وكانت عاتكة تلعقه عسلا صافيا مع الثريد ،  وهو لا يزداد إلا تماديا في البكاء .

 قال الواقدي : فضجر عبدالمطلب فقال لعاتكة : فلعله يقبل ثدي واحدة منهن 

ويرضعن ولدي وقرة عيني فبعثت عاتكة بالجواري والعبيد نحو نسآء بني هاشم وقريش ودعتهن  إلى رضاع النبي صلى الله عليه وآله ، فجئن إلى عاتكة واجتمعن عندها في اربعمائة وستين جارية من  بنات صناديد قريش فتقدمت كل واحدة منهن ووضعن ثديهن في فم رسول الله صلى الله عليه وآله  فما قبل منهن أحدا ، وبقين متحيرات ، وكان عبدالمطلب جالسا فأمر بإخراجهن و النبي  صلى الله عليه وآله لا يزداد إلا بكاء وحزنا ، فخرج عبدالمطلب مهموما و قعد عند ستارة الكعبة  ورأسه بين ركبتيه ، كأنه امرأه ثكلاء ، وإذا بعقيل بن أبي وقاص وقد أقبل وهو شيخ  قريش وأسنهم ، فلما رأى عبدالمطلب مغموما قال له : يا أبا الحارث ، ما لي أراك مغموما ؟  قال : يا سيد قريش إن نافلتي يبكي ولا يسكن شوقا إلى اللبن من حين ماتت امه ، و  أنا لا أتهنأ بطعام ولا شراب ، وعرضت عليه نسآء قريش وبني هاشم فلم يقبل ثدي  واحدة منهن ، فتحيرت وانقطعت حيلتي ، فقال عقيل : يا أبا الحارث إني لاعرف في  أربعة و أربعين صنديدا من صناديد العرب امرأة عاقلة هي أفصح لسانا ، وأصبح وجها ، و أرفع  حسبا ونسبا ، وهي حليمة بنت أبي ذؤيب عبدالله بن الحارث بن سخنة بن ناصر بن سعد بن  بكرين زهرين منصور بن عكرمة بن قيس بن غيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان  ابن اكدد بن يشخب بن يعرب بن نبت بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن ،  فقال عبدالمطلب : يا سيد قريش لقد نبهتني لامر عظيم وفرجت عني ، ثم دعا عبدالمطلب  بغلام اسمه شمردل وقال له : قم يا غلام واركب ناقتك ، واخرج نحو حي بني سعد بن  بكر ، وادع لي أبا ذؤيب عبدالله بن الحارث العدوي ، فذهب الغلام واستوى على ظهر ناقته ،  وكان حي بني سعد من مكة على ثمانية عشر ميلا في طريق جدة ، قال : فذهب الغلام نحو  حي بني سعد فلحق بهم وإذا خيمتهم من مسح وخوص ، وكذلك خيم الاعراب والبوادي ،  فدخل شمردل الحي وسأل عن خيمة عبدالله ابن الحارث فأعطوه الاثر ، فذهب شمردل إلى  الخيمة فإذا بخيمة عظيمة ، وإذا على باب الخيمة غلام أسود ، فاستأذن شمردل في  الدخول فدخل الغلام وقال : أنعم صباحا يا أبا ذؤيب ، قال : فحياه عبدالله ، وقال له : ما  الخبر يا شمردل ؟ فقال : اعلم يا سيدي إن مولاي أبا الحارث عبدالمطلب قد وجهني نحوك ،  وهو يدعوك ، فإن رأيت يا سيدي أن تجيبه فافعل ، قال عبدالله : السمع والطاعة ، و  قام عبدالله من ساعته ودعا بمفتاح الخزانة فأعطي المفتاح . ففتح باب الخزانة ، وأخرج  منها جوشنة فأفرغها على نفسه ، وأخرج بعد ذلك درعا فاضلا فأفرغه على نفسه فوق  جوشنه ، واستخرج بيضة عادية فقلبها على رأسه ، وتقلد بسيفين ، واعتقل رمحا ، ودعا  بنجيب فركبه ، وجاء نحو عبدالمطلب ، فلما دخل تقدم شمردل وأخبر عبدالمطلب ،  وكان جالسا مع رؤساء مكة ، مثل عتبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة ، وعقبة بن أبي معيط ،  وجماعة من قريش ، فلما رأى عبدالمطلب عبدالله قام على قدميه واستقبله وعانقه وصافحه  وأقعده إلى جنبه ، وألزق ركبتيه بركبتيه ، ولم يتكلم حتى استراح ، ثم قال له عبدالمطلب :  يا أبا ذؤيب أتدري بما دعوتك ؟ قال : يا سيدى وسيد قريش ورئيس بني هاشم حتى  تقول فأسمع منك وأعمل بأحسنه ، قال اعلم : يا أبا ذؤيب أن نافلتي محمد بن عبدالله  مات أبوه ، ولم يبن عليه أثره ، ثم ماتت أمه وهو ابن أربعة أشهر ، وهو لا يسكن من  البكاء عيمة إلى اللبن ، وقد أحضرت عنده أربعمائة وستين جارية من أشرف وأجل بني هاشم ، فلم يقبل من واحدة منهن لبنا ، والآن سمعنا أن لك بنتا ذات لبن ،  فإن رأيت أن تنفذها لترضع ولدي محمدا ، فإن قبل لبنها فقد جاءتك الدنيا بأسرها ، وعلي  غناك وغنى أهلك وعشيرتك ، وإن كان غير ذلك ترى مما رأيت من النسآء غيرها فافعل ،  ففرح عبدالله فرحا شديدا ، ثم قال : يا أبا الحارث إن لي بنتين ، فأيتهما تريد ؟ قال  عبدالمطلب : اريد أكملهما عقلا ، وأكثرهما لبنا ، وأصونهما عرضا ، فقال عبدالله : هاتيك  حليمة لم تكن كأخواتها ، بل خلقها الله تعالى أكمل عقلا ، وأتم فهما ، وأفصح لسانا ،  وأثج لبنا ، وأصدق لهجة ، وأرحم قلبا منهن جمع . 

قال الواقدي : فقال عبدالمطلب إني ورب السمآء ما اريد ، إلا ذلك ، فقال 

عبدالله : السمع والطاعة ، فقام من ساعته واستوى على متن جواده وأخذ نحو بني سعد بعد أن أضافه ، فلما أن وصل إلى منزل دخل على ابنته حليمة وقال لها : أبشري فقد  جاءتك الدنيا بأسرها ، فقالت حليمة : ما الخبر ؟ قال عبدالله : أعلمي أن عبدالمطلب رئيس  قريش وسيد بني هاشم سألني إنفاذك إليه لترضعي ولده ، وتبشري بالعطاء الجزيل ،  ففرحت حليمة بذلك ، وقامت من وقتها وساعتها واغتسلت وتطيبت وتبخرت وفرغت  من زينتها ، فلما ذهب من الليل نصفه قام عبدالله وزين ناقته فركبت عليها حليمة ، وركب  عبدالله فرسه وكذلك زوجها بكر بن سعد السعدي ، وخرجوا من دارهم في داج من الليل ،  فلما أصبحوا كانوا على باب مكة ودخلوها ، وذهبت إلى دار عاتكة ، وكانت تلاطف محمدا  وتلعقه العسل والزيد الطري ، فلما دخلت الدار وسمع عبدالمطلب بمجيئها جاء من  ساعته ودخل الدار ، ووقف بين يدي حليمة ، ففتحت حليمه جيبها وأخرجت ثديها الايسر ،  وأخذت رسول الله صلى الله عليه وآله فوضعته في حجرها ووضعت ثديها في فمه ، والنبي صلى الله عليه وآله ترك  ثديها الايسر واضطرب إلى ثديها الايمن ، فأخذت حليمة ثديها الايمن من يد النبي  صلى الله عليه وآله ووضعت ثديها الايسر في فمه ، وذلك أن ثديها الايمن كان جهامالم يكن فيه  لبن ، وخافت حليمة أن النبي صلى الله عليه وآله إذا مص الثدي ولم يجد فيه شيئا لا يأخذ بعده  الايسر ، فيأمر عبدالمطلب بإخراجها من الدار ، فلما ألحت على النبي صلى الله عليه وآله أن يأخذ  الايسر والنبي يميل إلى الايمن فصاحت عليه وقالت : يا ولدي مص الايمن حتى تعلم أنه  جهام يابس لا شئ فيه ، قال : فلما مص النبي الايمن امتلا فانفتح باللبن حتى ملا شدقيه بأمر الله تعالى وببركته ، فضجت حليمة وقالت : واعجباه منك يا ولدي ، وحق رب السمآء  ربيت بثدي الايسراثنى عشر ولدا ، وما ذاقوا من ثديي الايمن شيئا والآن قد انفتح ببركتك ،  وأخبرت بذلك عبدالله فامرها بكتمان ذلك ، فقال عبدالمطلب : تكونين عندي فآمر  لك بإفراغ قصر بجنب قصري ، واعطيك كل شهر ألف درهم بيض ، ودست ثياب رومية ،  وكل يوم عشرة أمنان خبز حوارى ولحما مشويا ، قال : فلما سمع أبوها عبدالله ذلك  أوحى لها أن لا تقيمي عنده ، قالت : يا أبا الحارث لوجعلت لي مال الدنيا ما أقمت عندك  ولا تركت الزوج والاولاد ، قال عبدالمطلب : فإن كان هكذا فأدفع إليك محمدا على شرطين ، قالت : وما الشرطين ؟ قال عبدالمطلب : أن تحسني إليه ، وتنوميه إلى جنبك ، وتدثريه  بيمينك ، وتوسديه بيسارك ، ولا تنبذيه ورآء ظهرك ، قالت حليمة : وحق رب السمآء  إني منذ وقع عليه نظري قد ثبت حبه في فؤادي ، فلك السمع والطاعة يا أبا الحارث ،  ثم قال : وأما الشرط الثاني أن تحمليه إلي في كل جمعة حتى أتمتع برؤيته ، فإني  لا أقدر على مفارقته ، قالت : أفعل ذلك إن شاء الله تعالى ، فأمر عبدالمطلب أن تغسل رأس  محمد صلى الله عليه وآله فغسلت رأسه ، ولففته في خرق السندس ، ثم إن عبدالمطلب دفعه إليها وأخذ  أربعة آلاف درهم ، وقال لها : يا حليمة نمضي إلى بيت الله حتى اسلمه إليك فيه ،  فحمله على ساعده ودخل وطاف بالنبي صلى الله عليه وآله سبعا وهو على ساعده ملففا بخرق السندس ،  ثم إنه دفعه إليها وأربعة الآف درهم بيض ، وأربعين ثوبا من خواص كسوته ، وهب  لها أربع جوار رومية ، وحلل سندس ، ثم إن عبدالله بن الحارث أتى بالناقة فركبتها  حليمة ، وأخذت رسول الله صلى الله عليه وآله في حجرها وشيعه عبدالمطلب إلى خارج مكة ، ثم أخذت  حليمة رسول الله صلى الله عليه وآله إلى جنبها من داخل خمارها ، فلما بلغت حليمة حي بني سعد 

كشفت عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله فأبرق من وجناته نور فارتفع في الهوآء طولا وعرضا إلى  أعنان السمآء

قال الواقدي : فلما رأى الخلق ذلك لم يبق في حي بني سعد صغير ولا كبير ولا 

شيخ ولا شاب إلا استقبلوا حليمة وهنأوها بما رزقها الله تعالى من الكرامة الكبرى ، 

فذهب حليمة إلى باب خيمتها وبركت الناقة والنبي صلى الله عليه وآله في حجرها ، فما وضعته  عند الصغير إلا حمله الكبير ، وما وضعته عند الكبير إلا وأخذه الصغير ، وذلك كله  لمحبة النبي صلى الله عليه وآله . 

قال الواقدي : فبقي النبي صلى الله عليه وآله عند حليمة ترضعه وكانت تقول : يا ولدي ورب  السمآء إنك لعندي أعز من ولدي ضمرة وقرة عيني ، أترى أعيش حتى أراك كبيرا  كما رأتيك صغيرا ؟ وكانت تؤثر محمدا على أولادها جدا ، ولا تفارقه ساعة. 

قال الواقدي : قالت حليمة : والله ما غسلت لمحمد ثوبا من بول ولا غائط ، بل كان 

إذا جاء وقت حاجته ينقلب من جنب إلى جنب حتى تعلم حليمة بذلك وتأخذه و 

تخدمه حتى تقضي حاجته ، ولا شممت ورب السمآء من محمد رائحة النتن قط ، بل كان  إذا خرج من قبله أو دبره شئ يفوح منه رائحة المسك والكافور ، قالت حليمة : فلما  أتى على النبي صلى الله عليه وآله تسعة أشهرما رأيث ما يخرج من دبره ، لان الارض كانت تبتلع ما  يخرج منه فلهذا لم أره . 

قال الواقدي : ولما كملت له عشرة أشهر قامت حليمة يوم الخميس وقعدت على 

باب الخيمة منتظرة لانتباه النبي صلى الله عليه وآله لتزينه وتحمله إلى عند جده عبدالمطلب ، قال :  فلم ينتبه النبي صلى الله عليه وآله وأبطأ الخروج من الخيمة إلى حليمة ، فلم يخرج إلا بعد أربع  ساعات ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله مغسول الرأس ، مسرح الذوائب ، وقد زوق جبينه وذقنه ،  وعليه ألوان الثياب من السندس والاستبرق ، فتعجبت حليمة من زينة النبي صلى الله عليه وآله ومن  لباسه مما رأت عليه ، فقالت : يا ولدي من أين لك هذه الثياب الفاخرة والزينة الكاملة ؟  فقال لها محمد صلى الله عليه وآله : أما الثياب فمن الجنة ، وأما الزينة فمن الملائكة ، قال : فتعجبت  حليمة من ذلك عجبا شديدا ، ثم حملته إلى جده في يوم الجمعة ، فلما نظر إليه عبدالمطلب  قام إليه واعتنقه ، وأخذه إلى حجره ، فقال له : يا ولدي من أين لك هذه الثياب الفاخرة  والزينة الكاملة ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وآله : يا جد استخبر ذلك من حليمة ، فكلمته حليمة و  قالت : ليس ذلك من أفعالنا ، فأمر عبدالمطلب حليمة أن تكتم ذلك ، وأمر لها بألف  درهم بيض ، وعشرة دسوت ثياب ، وجارية رومية ، فخرجت حليمة من عنده فرحة  مسرورة إلى حيها . 

قال الواقدي : فلما أتى على النبي خمسة عشر شهرا كان إذا نظر إليه الناظر 

يتوهم أنه من أبناء خمس سنين لاتمام وقارة جسمه وملاحة بدنه . 

قال الواقدي : فلما حملت حليمة النبي صلى الله عليه وآله إلى حيها حين أخذته من عند عبدالمطلب  وكان لها اثنان وعشرون رأسا من المواشي فوضعت في تلك السنة كل شاة توأما ببركة  النبي صلى الله عليه وآله ، وخرج من عندها ولها ألف وثلاثون رأسا من الشاغية والراغية . 

قال الواقدي : وكان لرسول الله صلى الله عليه وآله إخوة من الرضاعة يخرجون بالنهار الى  الرعاية ويعودون بالليل إلى منازلهم ، فرجعوا ذات ليلة مغمومين ، فلما دخلوا الدار قالت  لهم حليمة : مالي أراكم مغمومين ؟ قالوا : يا امنا إن في هذا اليوم جاء ذئب وأخذ  شاتين من شياهنا وذهب بهما ، فقالت حليمة : الخلف والخير على الله تعالى ، فسمع النبي  قولهم ، فقال لهم : لا عليكم ، فإني أسترجع الشاتين من الذئب بمشية الله تعالى ، فقال  ضمرة : واعجبا منك يا أخي قد أخذهما بالامس ، فكيف تسترجعهما باليوم ؟ فقال النبي  صلى الله عليه وآله : إنه صغير في قدرة الله تعالى ، فلما أصبحوا قام ضمرة وأخذ رسول الله على كتفه فقال  النبي صلى الله عليه وآله : مر بي إلى الموضع الذي أخذ الذئب فيه الشاتين ، قال : فذهب برسول الله صلى الله عليه وآله  إلى ذلك الموضع ، فعند ذلك نزل النبي صلى الله عليه وآله عن كتف أخيه ضمرة وسجد سجدة لله  تعالى وقال : الهي وسيدي ومولاي تعلم حق حليمة علي ، وقد تعدى ذئب على  مواشيها ، فأسألك أن تلزم الذئب برد المواشي إلي ، قال : فما استتم دعائه حتى أوحى الله  تعالى إلى الذئب : أن يرد المواشي إلى صاحبها . 

قال الواقدي : إن الذئب لما ذهب بالشاتين حين أخذهما نادى مناد : يا أيها الذئب 

احذر الله وبأسه وعقوبته ، واحفظ الشاتين اللتين أخذتهما حتى تردهما على خير 

الانبيآء والمرسلين ، محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب صلى الله عليه وآله ، فلما سمع الذئب الندآء تحير  ودهش ، وكل بهما راعيا يرعاهما إلى الصباح ، فلما حضر النبي عليه السلام ودعا بدعائه قام  الذئب وردهما ، وقبل قدم النبي صلى الله عليه وآله ، وقال : يا محمد اعذرني فإني لم أعلم أنهما لك ،  فأخذ ضمرة الشاتين ، ولم ينقص منهما شئ فقال ضمرة : يا محمد ما أعجب شأنك ؟  وأنفذ أمرك ؟ فبلغ ذلك عبدالمطلب فأمرهم بكتمانه فكتموه مخافة أن يحسده  قريش

قال الواقدي : فبقي رسول الله صلى الله عليه وآله سنتين ونظر إلى حليمة وقال لها : مالي لا أرى  إخوتي بالنهار وأراهم بالليل ؟ فقالت له : يا سيدي سألتني عن إخوتك وهم يخرجون  في النهار إلى الرعاء ، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله : يا أماه احب أن أخرج معهم إلى الرغاء ،  وأنظر إلى البر والسهل والجبل ، وأنظر إلى الابل كيف تشرب اللبن من امهاتها ، وأنظر  إلى القطائع ، وإلى عجائب الله تعالى في أرضه ، وأعتبر من ذلك ، وأعرف المنفعة من  المضرة ، فقالت له حليمة : أفتحب يا ولدي ذلك ؟ قال : نعم ، فلما أصبحوا اليوم الثاني  قامت حليمة فغسلت رأس محمد صلى الله عليه وآله ، وسرحت شعره ، ودهنته ومشطته وألبسته ثيابا  فاخرة ، وجعلت في رجليه نعلين من حذى مكة ، وعمدت إلى سلة وجعلت فيها أطعمة  جيدة ، وبعثته مع أولادها ، وقالت لهم : يا أولادي اوصيكم بسيدي محمد صلى الله عليه وآله أن تحفظوه ،  وإذا جاع فأطعموه ، وإذا عطش فاسقوه ، فإذاعي فأقعدوه حتى يستريح ، فخرج  النبي صلى الله عليه وآله وعلى يمينه عبدالله بن الحارث ، وعن يساره ضمرة ، وقرة قدامه ، والنبي  صلى الله عليه وآله بينهم كالبدر بين النجوم ، فما بقي حجر ولا مدر إلا وهم ينادون : السلام  عليك يا محمد ، السلام عليك يا أحمد ، السلام عليك يا حامد ، السلام عليك يا محمود ، السلام  عليك يا صاحب القول العدل : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، طوبى لمن آمن بك ، والويل  لمن كفر بك ، ورد عليك حرفا تأتي به من عند ربك ، والنبي صلى الله عليه وآله يرد عليهم السلام ، وقد  تحير الذين معه مما يرون من العجئاب ، ثم إن النبي صلى الله عليه وآله أصابه حر لاشمس ،  فأوحي الله تعالى إلى إستحيائيل : أن مد فوق رأس محمد صلى الله عليه وآله سحابة بيضآء ، فمدها  فأرسلت عزاليها كأفواه القرب ، ورش القطر على السهل والجبل ، ولم تقطر على رأس  محمد صلى الله عليه وآله قطرة ، وسالت من ذلك المطر الاودية ، وصار الوحل في الارض ما خلا طريق  محمد صلى الله عليه وآله ، وكان ينزل من تلك السحآبة ريش الزعفران ، وسنابل المسك ، وكان في  تلك البرية نخلة يابسة عادية قد يبست أغصانها ، وتناثرت أوراقها منذ سنتين ، فاستند  النبي صلى الله عليه وآله إليها فأورقت وأرطبت وأثرمت وأرسلت ثمارها من ثلاثة أجناس : أخضر ،  وأحمر ، واصفر ، وقعد النبي صلى الله عليه وآله هنالك يكلم إخوته ورأى النبي صلى الله عليه وآله روضة خضرآء ،  فقال : يا إخوتي اريد أن أمر بهذه الروضة ، وكان ورآء الروضة تل كؤود ، وعليه  أنواع النباتات ، فقال : يا إخوتي ما ذلك التل ؟ فقالوا له : يا محمد ورآء ذلك التل  البراري والمفاوز ، فقال النبي صلى الله عليه وآله إني قد اشتهيت أن أنظر إليه ، فقال القوم : نحن  نمضي معك إليه ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله : بل اشتغلوا أنتم بأعمالكم ، وأنا أمضي وحدي و  أرجع إليكم سريعا إن شاء الله تعالى ، فقالوا جميعا : مر يا محمد فإن قلوبنا متفكرة  بسبك . 

قال الواقدي : ثم إن النبي صلى الله عليه وآله مر في تلك الروضة وحده ونظر إلى تلك  البراري والمفاوز ، وهو يعتبر ويتعجب من الروضة حتى بلغ التل ، ونظر إلى جبل  شاهق في الهوآء كالحائط ولا يتهيأ له صعوده لاعتداله وارتفاعه في الهواء ، فقال النبي  صلى الله عليه وآله في نفسه : إني اريد أن أصعد هذا التل فأنظر إلى ما ورائه من  العجائب . 

قال الواقدي : فأراد النبي صلى الله عليه وآله أن يصعد الجبل فلم يتهيأ له ذلك لاستوائه في  الهوآء فصاح إستحيائيل في الجبل صيحة أرعشته فاهتز اهترازا ، وقال له : أيها الجبل  ويحك أطع محمدا صلى الله عليه وآله خير المرسلين ، فإنه يريد أن يصعد عليك ، ففرح الجبل وتراكم  بعضه إلى بعض كما يتراكم الجلد في النار ، فصعد النبي صلى الله عليه وآله أعلاه ، وكانت تحت  هذا الجبل حيات كثيرة من ألوان شتى ، وعقارب كالبغال ، فلما هم النبي صلى الله عليه وآله بالنزول  إلى تحت الجبل صاح الملك استحيائيل صيحة عظيمة ، وقال : أيتها الحيات والعقارب  غيبوا أنفسكم في جحوركم وتحت صخوركم لا يراكم سيد الاولين والآخرين ،  فسارع الحيات والعقارب إلى ما أمرهم استحيائيل ، وغيبوا أنفسهم في كل جحر وتحت  كل حجر ، ونزل النبي صلى الله عليه وآله من الجبل فرأى عين ماء بارد أحلى من العسل وألين من  الزبد ، فقعد النبي صلى الله عليه وآله عند العين ، فنزل جبرئيل عليه السلام في ذلك الموضع وميكائيل  وإسرافيل ودردائيل ، فقال جبرئيل : السلام عليك يا محمد ، السلام عليك يا أحمد ، السلام  عليك يا حامد ، السلام عليك يا محمود ، السلام عليك ياطه : السلام عليك يا أيها المدثر ،  السلام عليك يا أيها المليح ، السلام عليك يا طاب طاب ، السلام عليك يا سيد يا سيد ،  السلام عليك يا فارقليط ، السلام عليك يا طس ، السلام عليك يا طسم ، السلام عليك يا شمس  الدنيا ، السلام عليك يا قمر الآخرة ، السلام عليك يا نور الدنيا والآخرة ، السلام عليك  يا شمس القيامة ، السلام عليك يا خاتم النبيين ، السلام عليك يا زهرة الملائكة ، السلام  عليك يا شفيع المذنبين ، السلام عليك يا صاحب التاج والهراوة ، السلام عليك يا  صاحب القرآن والناقة ، السلام عليك يا صاحب الحج والزيارة ، السلام عليك يا صاحب الركن والمقام ، السلام عليك يا صاحب السيف القاطع ، السلام عليك يا صاحب الرمح  الطاعن ، السلام عليك يا صاحب السهم النافذ ، السلام عليك يا صاحب المساعي ، السلام عليك  يا أبا القاسم ، السلام عليك يا مفتاح الجنة ، السلام عليك يا مصباح الدين ، السلام عليك  يا صاحب الحوض المورود ، السلام عليك يا قائد المسلمين ، السلام عليك يا مبطل عبادة  الاوثان ، السلام عليك يا قائد المرسلين ، السلام عليك يا مظهر الاسلام ، السلام عليك يا  يا صاحب قول لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، طوبى لمن آمن بك ، والويل لمن كفر بك ، ورد  عليك حرفا مما تأتي به من عند ربك ، والنبي صلى الله عليه وآله يرد عليه السلام ، فقال لهم : من  أنتم ؟ قالوا : نحن عبادالله ، وقعدوا حوله ، قال : فنظر النبي صلى الله عليه وآله إلى جبرائيل عليه السلام  قال : ما اسمك ؟ قال : عبدالله ، ونظر إلى إسرافيل وقال له : ما اسمك ؟ قال : اسمي  عبدالله ، ونظر إلى ميكائيل وقال له : ما اسمك ؟ قال : عبدالجبار ، ونظر إلى دردائيل  وقال له : ما اسمك ؟ قال : عبدالرحمن ، فقال النبي صلى الله عليه وآله كلنا عباد الله ، وكان مع جبرئيل  طست من ياقوت أحمر ، ومع ميكائيل إبريق من ياقوت أخضر وفي الابريق مآء من الجنة ،  فتقدم جبرئيل عليه السلام ووضع فمه على فم محمد صلى الله عليه وآله إلى أن ذهبت ثلاث ساعات من النهار ،  ثم قال : يا محمد اعلم وافهم ما بينته لك ، قال : نعم إن شاء الله تعالى ، وقد ملا جوفه علما  وفهما وحكما وبرهانا ، وزاد الله تعالى في نور وجهه سبعة وسبعين ضعفا ، فلم يتهيأ لاحد  أن يملا بصره من رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال له جبرائيل عليه السلام : لا تخف يا محمد ، فقال له  النبي صلى الله عليه وآله : ومثلي من يخاف ؟ وعزة ربي وجلاله وجوده وكرمه وارتفاعه في علو مكانه  لو علمت شيئا دون جلال عظمته لقلت : لم أعرف ربي قط ، قال : ونزل جبرائيل إلى  ميكائيل وقال : حق لربنا أن يتخذ مثل هذا حبيبا ، ويجعله سيد ولد آدم ، ثم إن  جبرائيل عليه السلام ألقى رسول الله صلى الله عليه وآله على قفاه ورفع أثوابه ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله : ما تريد  تصنع يا أخي جبرائيل ؟ فقال جبرائيل : لا بأس عليك ، فأخرج جناحه  وشق بطن  النبي صلى الله عليه وآله وأدخل جناحه في بطنه ، وخرق قلبه ، وشق المقلبة وأظهر نكتة سودآء فأخذها  جبرائيل عليه السلام فغسلها ، وميكائيل يصب المآء عليه ، فنادى مناد من السمآء يقول : يا جبرائيل  لا تقشر قلب محمد صلى الله عليه وآله فتوجعه ، ولكن اغسله بزغبك والزغب ، هو الريش الذي تحت  الجناح فأخذ جبرئيل زغبة وغسل بها قلب محمد صلى الله عليه وآله ثم ، رد المقلبة إلى القلب ، والقلب إلى  الصدر ، فقال عبدالله بن العباس : ذات يوم والنبي صلى الله عليه وآله قد بلغ مبلغ الرجال : سألت  النبي صلى الله عليه وآله بأي شئ غسل قلبك يا رسول الله ؟ ومن أي شئ ؟ قال : غسل من الشك  واليقين لا من الكفر ، فإني لم أكن كافرا قط ، لاني كنت مؤمنا بالله من قبل أن  أكون في صلب آدم عليه السلام

 فقال له عمر بن الخطاب : متى نبئت يا رسول الله ؟ قال :  يا أبا حفص نبئت وآدم بين الروح والجسد .

  قال الواقدي : فقال إسرافيل لمحمد صلى الله عليه وآله : ما اسمك يافتى ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله :  أنا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف ولي اسم غير هذا ، قال إسرافيل :  صدقت يا محمد ، ولكني امرت بأمر فأفعل ، قال النبي صلى الله عليه وآله : افعل ما امرت به ، فقام  إسرافيل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وحل أزار قميصه ، وألقاه على قفاه ، وأخرج خاتما كان  معه وعليه سطران : الاول لا إله إلا الله ، والثاني محمد رسول الله ، وذلك خاتم النبوة ،  فوضع الخاتم بين كتفي النبي صلى الله عليه وآله ، فصار الخاتم بين كتفيه كالهلال الطالع بجسمه ، 

واستبان السطران بين كتفيه كالشامة يقرئهما كل عربي كاتب ، ثم دنا دردائيل وقال :  يا محمد تنام الساعة ، فقال له : نعم ، فوضع النبي صلى الله عليه وآله رأسه في حجر دردائيل وغفا غفرة فرأى في المنام كأن شجرة نابتة فوق رأسه ، وعلى الشجرة أغصان غلاظ مستويات  كلها ، وعلى كل غصن من أغصانها غصن وغصنان وثلاثة وأربعة أغصان ، ورأى عند ساق  الشجرة من الحشيش ما لايتهيأ وصفه ، وكانت الشجرة عظيمة غليظة الساق ذاهبة في الهوآء ،  ثابتة الاصل ، باسقة الفرع ، فنادى مناديا : يا محمد ! أتدري ما هذه الشجرة ؟ فقال  النبى صلى الله عليه وآله : لا يا أخي ، قال : اعلم أن هذه الشجرة أنت ، والاغصان أهل بيتك ، والذي  تحتها محبوك ومواليك ، فأبشر يا محمد بالنبوة الاثيرة ، والرئاسة الخطيرة ، ثم إن  دردائيل أخرج ميزانا عظيما كل كفة منه ما بين السمآء والارض ، فأخذ النبي صلى الله عليه وآله  ووضعه في كفه ، ووضع مأه من أصحابه في كفه فرجح بهم النبي صلى الله عليه وآله ، ثم عمد إلى  ألف رجل من خواص امته فوضعهم في الكفة فرجح بهم النبي صلى الله عليه وآله ،  ثم عمد إلى نصف امته فرجح بهم النبي ، ثم عمد إلى امته كلهم ثم الانبيآء والمرسلين  ثم الملائكة كلهم أجمعين ثم الجبال والبحار ثم الرمال ثم الاشجار ثم الامطار ثم  جميع ما خلق الله تعالى فوزن بهم النبي صلى الله عليه وآله فلم يعدلوه ، ورجح النبي صلى الله عليه وآله بهم ،  فلهذا قال : خير الخلق محمد صلى الله عليه وآله ، لانه رجح بالخلق أجمعين ، وهذا كله يراه بين النوم  واليقظة ، فقال دردائيل : يا محمد طوبى لك ، ثم طوبى لك ولامتك ، وحسن مآب ، والويل  كل الويل لمن كفر بك ورد عليك حرفا مما تأتي به من عند ربك ، ثم عرج الملائكة إلى  السمآء. 

قال الواقدي : فلما طال مكث النبي طلبه في تلك المفاوز إخوته أولاد حليمة ، فلم 

يجدوه فرجعوا إلى حليمة فأعلموها بقصته ، فقامت ذاهلة العقل ، تصيح في حي بني سعد ،  فوقعت الصيحة في حي بني سعد أن محمدا قد افتقد ، فقامت حليمة ومزقت أثوابها ، وخدشت  وجهها ، وكشفت شعرها وهي تعدو في البراري والمفاوز والقفار حافية القدم ، والشوك  يدخل في رجليها ، والدم يسيل منهما ، وهي تنادي : واولداه ، واقرة عيناه ، واثمرة  فؤاداء ، ومعها نسآء بني سعد يبكين معها ، مكشفات الشعور ، مخدشات الوجوه ، وحليمة  تسقط مرة ، وتقوم اخرى ، وما بقي في الحي شيخ ولا شاب ولا حر ولا عبد إلا يعدوا  في البرية في طلب محمد صلى الله عليه وآله وهم يبكون كلهم بقلب محترق ، وركب عبدالله بن الحارث  وركب معه آل بني سعد ، وحلف إن لا وجدت محمدا صلى الله عليه وآله الساعة وضعت سيفي في آل بني  سعد وغطفان ، وأقتلهم عن آخر هم ، وأطلب بدم محمد صلى الله عليه وآله ، وذهبت حليمة على حالتها  مع نسآء بني سعد نحو مكة ودخلها ، وكان عبدالمطلب قاعدا عند أستار الكعبة مع روسآء  قريش وبني هاشم ، فلما نظر إلى حليمة على تلك الحالة ارتعدت فرائصه وصاح وقال :  ما الخبر ؟ فقالت حليمة : اعلم أن محمدا قد فقدناه منذ أمس ، وقد تفرق آل سعد في طلبه ،  قال : فغشي عليه ساعة ، ثم أفاق وقال كلمة لا يخذل قائلها : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي  العظيم ، ثم قال : يا غلام هات فرسي وسيفي وجوشني ، فقام عبدالمطلب وصعد إلى أعلى  الكعبة ونادى : يا آل غالب ، يا آل عدنان ، يا آل فهر ، يا آل نزار ، يا آل كنانة ، يا آل مضر ، يا آل مالك ، فاجتمع عليه بطون العرب ورؤسآء بني هاشم وقالوا له : ما الخبر يا سيدنا ؟  فقال لهم عبدالمطلب : إن محمدا صلى الله عليه وآله لا يرى منذ أمس فاركبوا وتسلحوا ، فركب ذلك  اليوم مع عبدالمطلب عشرة آلاف رجل ، فبكى الخلق كلهم رحمة لعبدالمطلب ، وقامت  الصيحة والبكاء في كل جانب حتى المخدرات خرجن من الستور مرافقة لعبد المطلب مع  القوم إلى حي بني سعد ، وسائر الاطراف ، وانجذب عبدالمطلب نحوحي عبدالله بن  الحارث وأصحابه باكين العيون ، ممزقين الثياب ، فلما نظر عبدالله إلى عبدالمطلب رفع  صوته بالبكآء وقال : يا أبا الحارث واللات والعزى واثاف ونائلة إن لم أجد محمدا  وضعت سيفي في حي بني سعد وغطفان وأقتلهم عن آخرهم ، قال : فرق قلب عبدالمطلب  على حي آل سعد وقال : ارجعوا أنتم إلى حيكم إن لم أجد محمدا الساعة رجعت إلى مكة  ولا أدع فيها يهوديا ولا يهودية ، ولا أحدا ممن أتهمه بمحمد ، فأمدهم تحت سيفي  مدا طلبا لدم محمد صلى الله عليه وآله . 

قال الواقدي : وأقبل من اليمن أبو مسعود الثقفي وورقة بن نوفل وعقيل بن أبي 

وقاص وجازوا على الطريق الذي فيه محمد صلى الله عليه وآله ، وإذا بشجرة نابتة في الوادي ، فقال ورقة  لابي مسعود : إني سلكت هذا الطريق ثلاثين مرة ، وما رأيت قط هاهنا هذه الشجرة ،  قال عقيل : صدقت ، فمروا بنا حتى ننظر ما هي ، قال : فذهبوا جميعا وتركوا الطريق الاول ،  فلما قربوا من الشجرة رأوا تحت الشجرة غلاماأمرد ما راى الراؤون مثله ، كأنه قمر ،  فقال عقيل وورقة : ما هو إلا جني ! فقال أبومسعود : ما هو إلا من الملائكة وهم يقولون  والنبي صلى الله عليه وآله يسمع كلامهم ، فاستوى قاعدا فرأى القوم ورآءه ، فقال أبومسعود : ما أنت  يا غلام ؟ أجني أنت أم إنسي ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله : بل أنا إنسي ، فقال : ما اسمك ؟  قال : محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف ، فقال أبومسعود : أنت نافلة  عبدالمطلب ؟ قال : نعم ، قال : كيف وقعت هاهنا ؟ فقص عليهم القصة من أولها إلى آخرها ، فنزل  أبومسعود عن ظهر ناقته وقال له : أتريد أن أمر بك إلى جدك ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله : نعم ،  فأخذه على قربوس سرجه ومروا جميعا حتى بلغوا قريبا من حي بني سعد ، فنظر النبي  صلى الله عليه وآله في البرية فرأى جده عبدالمطلب وأصحابه لا يرونه ، فقالوا : يا محمد إنا لا نراه ، وذلك  أن نظرته نظرة الانبيآء عليهم السلام ، فقال لهم : مروا حتى أراكم ، فمروا وإذا عبدالمطلب  مقبل هو وأصحابه ، فلما نظر عبدالمطلب إلى محمد صلى الله عليه وآله وثب عن فرسه ، وأخذ  رسول الله صلى الله عليه وآله إلى سرجه ، وقال له : أين كنت يا ولدي ؟ وقد كنت عزمت أن أقتل أهل مكة  جميعا ، فقص النبي صلى الله عليه وآله القصة على جده من أولها إلى آخرها ، ففرح عبدالمطلب فرحا  شديدا ، وخرج من خيله ورجله ودخله مكة ، ودفع إلى أبي مسعود خمسين ناقة ، و  إلى ورقة بن نوفل وعقيل ستين ناقة ، قال : وذهب حليمة إلى عبدالمطلب وقالت له : ادفع  إلي محمدا صلى الله عليه وآله ، فقال عبدالمطلب : يا حليمة إني أحببت أن تكوني معنا بمكة وإلا ما كنت  بالذي اسلمه إليك مرة اخرى ، فوهب لعبد الله بن الحارث أبيها ألف مثقال ذهب أحمر ، و  عشرة آلاف درهم بيض ، ووهب لبكر بن سعد جملة بغير وزن ، ووهب لاخوان النبي صلى الله عليه وآله  أولاد حليمة وهما ضمرة وقرة أخواه من الرضاعة مأتي ناقة ، وأذن لهم بالرجوع إلى   حيهم([1])

 



([1])الفضآئل : 31 52 .