السيد رضا الهندي
جاء من بغداد سنة 1317 هـ إلى النجف قصيدة من أحد الآلوسيين يستبعد فيها وجود الإمام المهدي وغيبته ، وأولها :
أيا علماء العصر يا من لهم خبر * بكل دقيق حار في مثله الفكر
لقد حار مني الفكر في القائم الذي * تنازع فيه الناس والتبس الأمر
فمن قائل في القشر لب وجوده * ومن قائل قد ذب عن لبه القشر
وقد تصدى للرد عليه جماعة من الأعلام منهم السيد رضا بهذه القصيدة :
يمثلك الشوق المبرح والفكر * فلا حجب تخفيك عني ولا ستر
ولو غبت عني ألف عام فإن لي * رجاء وصال ليس يقطعه الدهر
تراك بكل الناس عيني فلم يكن * ليخلو ربع منك أو مهمه قفر
وما أنت إلا الشمس ينأى محلها * ويشرق من أنوارها البر والبحر
تمادى زمان البعد وامتد ليله * وما أبصرت عيني محياك يا بدر
ولو لم تعللني بوعدك لم يكن * ليألف قلبي في تباعدك الصبر
ولكن عقبى كل ضيق وشدة * رخاء وإن العسر من بعده يسر
وإن زمان الظلم إن طال ليله * فعن كثب يبدو بظلمائه الفجر
ويطوى بساط الجور في عدل سيد * لألوية الدين الحنيف به نشر
هو القائم المهدي ذو الوطأة التي * بها يذر الأطواد يرجحها الذر
هو الغائب المأمول يوم ظهوره * يلبيه بيت الله والركن والحجر
هو ابن الإمام العسكري محمد * بذا كله قد أنبأ المصطفى الطهر
كذا ما روى عنه الفريقان مجملا * بتفصيله تفنى الدفاتر والحبر
فأخبارهم عنه بذاك كثيرة * وأخبارنا قلت لها الأنجم الزهر
ومولده " نور " به يشرق الهدى * وقيل لظامي العدل مولده " نهر
فيا سائلا عن شأنه اسمع مقالة * هي الدر والفكر المحيط لها بحر
ألم تدر أن الله كون خلقه * ليمتثلوه كي ينالهم الأجر
وما ذاك إلا رحمة بعباده * وإلا فما فيه إلى خلقهم فقر
ويعلم أن الفكر غاية وسعهم * وهذا مقام دونه يقف الفكر
فأكرمهم بالمرسلين أدلة * لما فيه يرجى النفع أو يختشى الضر
ولم يؤمن التبليغ منهم من الخطا * إذا كان يعروهم من السهو ما يعرو
ولو أنهم يعصونه لاقتدى الورى * بعصيانهم فيهم وقام لهم عذر
فنزههم عن وصمة السهو الخطا * كما لم يدنس ثوب عصمتهم وزر
وأيدهم بالمعجزات خوارقا * لعاداتنا كي لا يقال هي السحر
ولم أدر لم دلت على صدق قولهم * إذا لم يكن للعقل نهي ولا أمر
ومن قال للناس انظروا في ادعائهم * فإن صح فليتبعهم العبد والحر
ولو أنهم فيما لهم من معاجز على خصمهم طول المدى لهم النصر
لغالى بهم كل الأنام وأيقنوا * بأنهم الأرباب والتبس الأمر
كذلك تجري حكمة الله في الورى * وقدرته في كل شئ له قدر
وكان خلاف اللطف ، واللطف واجب * إذا من نبي أو وصي خلا عصر
أينشئ للانسان خمس جوارح * تحس وفيها تدرك العين والأثر
وقلبا لها مثل الأمير يردها * إذا أخطأت في الحس واشتبه الأمر
ويترك هذا الخلق في ليل ضلة * بظلمائه لا تهتدي الأنجم الزهر
فذلك أدهى الداهيات ولم يقل * به أحد إلا أخو السفه الغر
فأنتج هذا القول ، إن كنت مصغيا ، * وجوب إمام عادل أمره الأمر
وإمكان أن يقوى وإن كان غائبا * على رفع ضر الناس إن نالها الضر
وإن رمت نجح السؤل فاطلب مطالب * السؤول فمن يسلكه يسهل له الأمر
ففيه أقر الشافعي ابن طلحة * برأي عليه كل أصحابنا قروا
وجادل من قالوا خلاف مقاله * فكان عليهم في الجدال له نصر
وكم للجويني انتظمن فرائد * من الدر لم يسعد بمكنونها البحر
فرائد سمطين " المعاني بدرها * تحلت لأن الحلي أبهجه الدر
فوكل بها عينيك فهي كواكب * لدريها أعياني العد والحصر
ورد من " ينابيع المودة " موردا * به يشتفي من قبل أن يصدر الصدر
وفتش على " كنز الفوائد " فاستعن * به فهو نعم الذخر إن أعوز الذخر
ولاحظ به ما قد رواه " الكراجكي " * من خبر الجارود إن أغنت النذر
وقد قيل قدما في ابن خولة إنه * له غيبة والقائلون به كثر
وفي غيره قد قال ذلك غيرهم * وما هم قليل في العداد ولا نزر
وما ذاك إلا لليقين بقائم * يغيب وفي تعيينه التبس الأمر
وكم جد في التفتيش طاغي زمانه * ليفشي سر الله فانكتم السر
وحاول أن يسعى لإطفاء نوره * وما ربحه إلا الندامة والخسر
وما ذاك إلا أنه كان عنده * من العترة الهادين في شأنه خبر
وحسبك عن هذا حديث مسلسل * لعائشة ينهيه أبناؤها الغر
بأن النبي المصطفى كان عندهم * وجبريل إذ جاء الحسين ولم يدر
وا فأخبر جبريل النبي بأنه * سيقتل عدوانا وقاتله شمر
وأن بنيه تسعة ثم عدهم * بأسمائهم والتاسع القائم الطهر
وأن سيطيل الله غيبة شخصه * ويشقى به من بعد غيبته الكفر
وما قال في أمر الإمامة أحمد * وأن سيليها اثنان بعدهم عشر
فقد كاد أن يرويه كل محدث * وما كاد يخلو من تواتره سفر
وفي جلها أن المطيع لأمرهم * سيجو إذا ما حاق في غيره المكر
ففي " أهل بيتي فلك نوح " دلالة * على من عناهم بالإمامة يا حبر
فمن شاء توفيق النصوص وجمعها * أصاب وبالتوفيق شد له أزر
وأصبح ذا جزم بنصب ولاتنا * لرفع العمى عنا بهم يجبر الكسر
وآخرهم هذا الذي قلت إنه * " تنازع فيه الناس واشتبه الأمر
وقولك إن الوقت داع لمثله * إذا صح لم لا ذب عن لبه القشر
وقولك إن الاختفاء مخافة * من القتل شئ لا يجوزه الحجر
فقل لي لماذا غاب في الغار أحمد * وصاحبه الصديق إذ حسن الحذر
ولم أمرت أم الكليم بقذفه * إلى نيل مصر حين ضاقت به مصر
؟ وكم من رسول خاف أعداه فاختفى * وكم أنبياء من أعاديهم فروا
أيعجز رب الخلق عن نصر دينه * على غيرهم ؟ كلا فهذا هو الكفر
وهل شاركوه في الذي قلت إنه * يؤول إلى جبن الإمام وينجر
فإن قلت هذا كان فيهم بأمر من * له الأمر في الأكوان والحمد والشكر
فقل فيه ما قد قلت فيهم فكلهم * على ما أراد الله أهواؤهم قصر
وإظهار أمر الله من قبل وقته المؤجل * لم يوعد على مثله النصر
وليس بموعود إذا قام مسرعا * إلى وقت ( عيسى ) يستطيل له العمر
وإن تسترب فيه لطول بقائه * أجابك إدريس وإلياس والخضر
ومكث نبي الله نوح بقومه * كذا نوم أهل الكهف نص به الذكر
وقد وجد الدجال في عهد أحمد * ولم ينصرم منه إلى الساعة العمر
وقد عاش عوج ألف عام وفوقها * ولولا عصى موسى لأخره الدهر
ومن بلغت أعمارهم فوق مائة * وما بلغت ألفا فليس لهم حصر
وما أسعد السرداب في سر من رأى * وأسعد منه مكة فلها البشر
سيشرق نور الله منها فلا تقل * ( له الفضل عن أم القرى ولها الفخر )
فإن أخر الله الظهور لحكمة * به سبقت في علمه وله الامر
فكم محنة لله بين عباده * يميز فيها فاجر الناس والبر
ويعظم أجر الصابرين لأنهم * أقاموا على ما دون موطئه الجمر
ولم يمتحنهم كي يحيط بعلمهم * عليم تساوى عنده السر
والجهر ولكن ليبدوا عندهم سؤ ما اجتروا * عليهم فلا يبقى لآثمهم عذر
وإني لأرجو أن يحين ظهوره * لينتشر المعروف في الناس والبر
ويحيى به قطر الحيا ميت الثرى * ( فتضحك من بشر إذا ما بكى القطر )
( فتخضر من وكاف نائل كفه ) * ويمطرها فيض النجيع فتحمر
ويطهر وجه الأرض من كل مأثم * ورجس فلا يبقى عليها دم هدر
وتشقى به أعناق قوم تطولت * فتأخذ منها حظها البيض والسمر
فكم من كتابي على مسلم علا * وآخر ( حربي ) به شمخ الكبر
ولولا أمير المؤمني وعدله * إذن لتوالى الظلم وانتشر الشر
فلا تحسبن الأرض ضاقت بظلمها * فذلك قول عن معايب يفتر
وذا الدين في ( عبد الحميد ) بناؤه * رفيع وفيه الشرك أربعه دثر
إذا خفقت بالنصر رايات عزه * فأحشأ أعداه بها يخفق الذعر
وعنه سل اليونان كم ميت لهم * له جدثان الذئب والقشعم النسر
وكم جحفل إذ ذاك قبل لقائه * بنو الأصفر انحازت وأوجهها صفر
عشية جاء المسلمون كتائبا * مؤيدة بالرعب يقدمها النصر
ببيض مواض تمطر الموت أحمرا * ورقش صلال تحتها الدهم والشقر
فلا يبرح السلطان منه مخلدا * ولا يخل من آثار قدرته قطر
وخذه جوابا شافيا لك كافيا * معانيه آيات وألفاظه سحر
وما هو إن أنصفته قول شاعر * ولكنه عقد تحلى به الشعر
ولو شئت إحصاء الأدلة كلها * عليك لكل النظم عن ذاك والنثر
فكم قد روى أصحابكم من رواية * هي الصحو للسكران والشبه السكر
وفي بعض ما أسمعته لك مقنع * إذا لم يكن في أذن سامعه وقر
وإن عاد إشكال فعد قائلا لنا : ( أيا علماء العصر يا من لهم خبر )
وله ايضا من قصيدة اخرى في الإمام المهدي ورثأ الحسين :
يان تنجز لي يا دهر ما تعد * قد عشرت فيك آمالي ولا تلد
طال الزمان وعندي بعد أمنية * يأتي عليها ولا يأتي بها الأمد
تمضي الليالي ولا أقضي المرام فهب * أني ابن عاد فكم يبقى له لبد
علام أحبس عن غاياتها هممي * ولي هموم تفانى دونها العدد
ولا أداوي بإتلاف العدى سقمي * وكم يقيم على أسقامه الجسد
والدهر يبطش بي جهلا فتحسبني * يغض عيني عنه العجز لا الجلد
وما درى ، بل درى لكن تجاهل بي * إني مخيف الردى والضيغم الأسد
لو كان يجهل فتكي في الحروب لما * ظلت فرائصه إن صلت ترتعد
فيا مغذا على وجناء مرتعها * قطع الفجاج ولمع الآل ما ترد
تطوى القفار به حرف عملسة * شملالة حرة مرقالة أجد
كأنها عرش بلقيس وقد علقت * بها أماني سليمان إذا تخد
جب بالمسير هداك الله كل فلا * عن الهدى فيه حتى للقطا رصد
حتى يبوئك الترحال ناحية * تحل من كرب اللاجي بها العقد
وبقعة ترهب الأيام سطوتها * وليس تهرب من ذؤبانها النقد
وروضة أنجم الزهراء قد حسدت * حصباءها وعليها يحمد الحسد
وأرض قدس من الأفلاك طاف بها * طوائف كلما مروا بها سجدوا
فأرخص الدمع من عينين قد غلتا * على لهيب جوى في القلب يتقد
وقل ولم تدع الأشجان منك سوى * قلب الفريسة إذ ينتاشها الأسد
يا صاحب العصر أدركنا فليس لنا * ورد هني ولا عيش لنا رغد
طالت علينا ليالي الانتظار فهل * يا ابن الزكي لليل الانتظار غد
فاكحل بطلعتك الغرا لنا مقلا * يكاد يأتي على إنسانها الرمد
ها نحن مرمى لنبل النائبات وهل * يغني اصطبار وهي من درعه الجلد
كم ذا يؤلف شمل الظالمين لكم * وشملكم بيدي أعدائكم بدد
فانهض فدتك بقايا أنفس ظفرت * بها النوائب لما خانها الجلد
هب أن جندك معدود فجدك قد * لاقى بسبعين جيشا ما له عدد
غداة جاهد من أعدائه نفرا * جدوا بإطفاء نور الله واجتهدوا
وعصبة جحدوا حق الحسين كما * من قبل حق أبيه المرتضى جحدوا
وعاهدوه وخانوا عهده وعلى * غير الخيانة للميثاق ما عهدوا
سموا نفوسهم بالمسلمين وهم * لم يعبدوا الله بل أهواءهم عبدوا
تجمعت عدة منهم يضيق بها * صدر الفضا ولها أمثالها مدد
فشد فيهم بأبطال إذا برقت * سيوفهم مطروا حتفا وما رعدوا
صالوا وجالوا وأدوا حق سيدهم * في موقف فيه عق الوالد الولد
وشاقهم ثمر العقبى فأصبح في * صدورهم شجر الخطي يختضد
وعاد ريحانة المختار منفردا * بين العدا ما له حام ولا عضد
وتر به أدركت أوتار ما فعلت * بدر ولم تكفهم ثأرا لها أحد
يكر فيهم بماضيه فيهزمهم * وهم ثلاثون ألفا وهو منفرد
لو شئت يا علة التكوين محوهم * إياه يثبت منهم في الوغى أحد
لكن صبرت لأمر الله محتسبا * إياه والعيش ما بين العدا نكد
فكنت في موقف منهم بحيث على * رحيب صدرك وفاد القنا تفد
حتى مضيت شهيدا بينهم عميت * عيونهم شهدوا منك الذي شهدوا
يا ثاويا في هجير الصيف كفنه * سافي الرياح ووارته القنا القصد
لا بل ذا غلة نهر قتلت به * موري الفؤاد أواما وهو مطرد
على النبي عزيز لو يراك وقد * شفى بمصرعك الأعداء ما حقدوا
وأصدروك لهيف القلب ، لا صدروا * وحلأوك عن المورود ، لا وردوا
ولو ترى أعين الزهراء قرتها * والنبل من فوقه كالهدب ينعقد
له لي السمر رأس تستضيىء به * سمر القنا وعلى وجه الثرى جسد
إذا لحنت وأنت وانهمت مقل * منها وحرت بنيران الأسى كبد
عجبت للأرض ما ساخت جوانبها * وقد تضعضع منها الطود والوتد
وللسماوات لم لا زلزلت وعلى * من بعد سبط رسول الله تعتمد
الله أكبر مات الدين وانطمست * أعلامه وعفى الإيمان والرشد
وقوضت خيم الأطهار من حرم المختار لما هوى من بينها العمد
ورب بارزة من خدرها ولها * قلب تقاسمه الأشجان والكمد
تقول يا إخوتي لا تبعدوا أبدا * عن حيكم ، وبلى والله ، قد بعدوا
لم يبق لي إذ نأيتم ، لا فقدتكم ، * حام فيرعى ولا راع فيفتقد
إلا فتى صده عن رعي أسرته * أساره ونحول الجسم والصفد
وكيف يملك دفعا وهو مرتهن * بالسير ممتهن بالأسر مضطهد
ونحن فوق النياق المصعبات بنا * يجاب حزن الربى والغور والسند
في كل يوم بنا للسير مجهلة * تطوى ويبرزنا بين الورى بلد يا آل أحمد
جودوا بالشفاعة لي * في يوم لا والد يغني ولا ولد
لكم بقلبي حزن لا يغيره * مر الزمان ويفنى قبله الأبد
ثوب الجديدين يبلى من تقادمه * وخطبكم أبدا أثوابه جدد