مؤامرة معاوية
عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : بلغ معاوية إن عليا عليه السلام يستنفر الناس بالكوفة للمسير إليه إلى الشام وذلك بعد الموادعة والحكومة فبلغ ذلك من معاوية المبالغ وجعل يدس الرجال إلى علي عليه السلام للقتل([1]) ولعمل الحيلة في ذلك إلى أن كاتب عمرو بن مريث المخزومي إلى الكوفة فقدم الرجل إلى عمرو بن حريث فأنزله مكان يقرب منه.
وكان أمير المؤمنين عليه السلام لا يرى المسح على الخفين وكان يجلس في مسجد الكوفة الأعظم يفتي في الناس ويقضي بينهم حتى تجب الصلاة فيخلع الخفين ويضهر الرجلين ويصلي بالناس فإذا أراد أن ينصرف إلى أهله لبس خفه وانصرف فأجمع الرجل أن يرصد عليا عليه السلام فإذا خلع خفيه جعل في إحداهما أفعى أو قال ثعبان مما كان معه ففعل ذلك وجعل الأفعى أو قال الثعبان في أحد الخفين ، فلما أراد أمير المؤمنين أن يليه انقض عقاب فاختطف الخف وطار به في الجو ثم طرحه فخرجت الأفعى فقتل([2]).
إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه السلام عزم على الركوب قال : فقال أمير المؤمنين عليه السلام للناس :
ـ خذوا أبواب المسجد ، فأخذت الأبواب ونظروا فإذا برجل غريب وهو الذي أرصد عليا بما صنع فاعترف إن معاوية بعثه لذلك إلى عمرو بن حريث .
قال فقال أمير المؤمنين عليه السلام جيئوا بعمرو بن حريث ولا تنالوه بسوء فانطلقوا فجاؤا به ترتعد فرائصه فأرادوا قتله فقال أمير المؤمنين عليه السلام :
ـ دعوه فليس هو ولا معاوية بقاتلي ولا يقدران على ذلك إن قاتلي من مراد ضرب من الرجال أعسر أيسر أصفر ينظر بعيني شيطان ، وجعل أمير المؤمنين عليه السلام يصفه ، قال عليه السلام :
ـ يقتلني في الشهر الحرام لا بل في شهر الصيام عهد من النبي الأمي صلى الله عليه واله إلي بذلك وقد خاب من افترى ثم أطلق عمرو([3]) وأنشأ يقول :
تلكم قريشا تمناني لتقتلــــنــي
|
|
فلا وربك ما بروا ولا ظفــروا
|
أما بقيت فإني لست متخــذا
|
|
أهلا ولا شيعة في الدين إذا فجروا
|
قد بايعوني فما أوفوا ببيعتهـم
|
|
يوما ومالوا بأهل الكفر إذ كفـروا
|
وناصبوني في حرب مضرســـــة
|
|
ما لم يلاقي أبو بكر و لا عمــر
|
فإن هلكت فرهن ذمتي لكـــــم
|
|
بـــذات و دقين لا يعفو لها أثر
|
عام الثلاثين خيـل غير محلفـــــة
|
|
إذا المحرم عنها مر أو صفــــــــر
|
وسوف يأتيك عن أنباء ملحمه
|
|
يبيض من ذكر أنباءها الشـعر
|
إذا التقى مرة بالمرج جمعهـــم
|
|
تعلوا قضاعة أو تبقى بها مضر
|
فسوف يبعث مهدي لسنتـــــه
|
|
([1])وكانت محاولات معاوية لاغتيال أمير المؤمنين عليه السلام كثيرة هذه واحدة منها ، وقد روى الأصبغ بن نباتة قال : صلينا مع أمير المؤمنين عليه السلام الغداء فإذا عليه ثياب السفر قد أقبل فقال : من إين ؟ قال : من الشام ، قال : ما أقدمك ، قال : لي حاجة ، قال : أخبرني وإلا أخبرتك بقضيتك ، قال : أخبرني بها يا أمير المؤمنين ؟ قال : نادى معاوية يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا من يقتل عليا فله عشرة آلاف دينار فوثب فلان وقال : أنا، قال : أنت فلما انصرف إلى منزله ندم وقال أسير إلى إبن عم رسول الله وأبي ولديه فأقتله ثم نادى مناديه يوم الثاني من يقتل عليا فله عشرون ألف دينار فوثب آخر فقال : أنا ، فقال: أنت ثم إنه ندم واستقال معاوية فأقاله ثم نادى مناديه يوم الثالث من يقتل عليا فله ثلاثون ألف دينار فوثبت أنت وأنت رجل من حمير قال : صدقت ، قال : فما رأيك تمضي إلى ما أمرت به أم ماذا ؟ قال : لا ولكن انصرف ، قال : يا قنبر أصلح له راحلته وهيء له زاده وأعطه نفقته . مناقب 2/97
([2])قال أبو الفرج كان السيد الحميري يأتي الأعمش سليمان بن مهران الكوفي المتوفى سنة 148 هـ فيكتب عنه فضائل علي أمير المؤمنين عليه السلام ويخرج من عنده ويقول في تلك المعاني شعرا فخرج ذات يوم من عند بعض أمراء الكوفة وقد حمل على فرس وخلع عليه فوقف في الكناسة ثم قال
يا معشر الكوفيين من جاءني منكم بفضيلة لعلي بن أبي طالب لم أقل فيها شعرا أعطيته فرسي هذا وما علي ، فجعلوا يحدثونه وينشدهم حتى أتاه رجل منهم وقال : = فلبس ثيابه وأراد لبس الخف فلبس أحد خفيه ثم أهوى إلى الآخر ليأخذه فانقض عقاب من السماء فحلق به ثم ألقاه فسقط منه أسود وانساب فدخل جحرا فلبس علي عليه السلام الخف .
قال ولم يقل في ذلك شيئا ففكر هنيهة ثم قال :
ألا يا قوم للعجب العجــاب
|
|
لخف أبي الحسين وللحباب
|
عدو من عـــــداه الجن وغــــد
|
|
بعيد في المراده من صواب
|
أتى خفا له وانساب فيـــــــــــه
|
|
لينهش رجله منـه بنـاب
|
لينهش خير من ركب المطايـا
|
|
أمـير المؤمنين أبـا تراب
|
فخرمن السماء له عــــــــــــقاب
|
|
من العقبان أو شبه العقـاب
|
فطار به فحلق ثم أهـــوى
|
|
به للأرض من دون السحاب
|
فصك بخفه وانساب منـــه
|
|
وولى هاربا حذر الحـصاب
|
إلـى جحر له فانساب منــه
|
|
بعيد القعر لم يرتج بـبـاب
|
كريه الوجه أسود ذو بصيص
|
|
حديد الناب أزرق ذو لعـاب
|
يهـيـل لـه الجري إذا رآه
|
|
حثيث القد محذور الوثــاب
|
تأخر حينه ولقـد رمـــاه
|
|
فأخطئه بأحجار وطـــلاب
|
ودوفع عن أبي حسن علــي
|
|
نضع سمامه بعد أنســيـاب
|
ثم حرك فرسه وتناهى وأعطى ما كان معه من المال والفرس للذي روى له الخبر قال : ـ إني لم أكن قلت في هذا شيئا .
(( الأغاني ج7 ص 257 ، الغدير ج2 ص 241 ))
([3])عمرو بن حريث أحد وجوه المنافقين وأعوان بني أمية وأحد ولاتهم .
عن الأصبغ بن نباته قال :
ـ أمرنا عليه السلام بالمسير معه إلى المدائن من الكوفة فسرنا يوم الأحد فتخلف عمرو بن الحريث مع سبعة نفر فخرجوا يوم الأحد إلى مكان بالحيرة يسمى أبي رنق فقالوا نتنزه هناك ثم نخرج يوم الأربعاء فنلحق عليا عليه السلام قبل صلاة الجمعة فبينما هم يتنزهون إذ خرج عليهم ضب فصادوه فأخذ عمرو بن الحريث في كفه فقال لهم :
بايعوا لهذا أمير المؤمنين فبايعه السبعة وثامنهم عمرو بن الحريث وارتحلوا ليلة الأربعاء فتقدموا المدائن يوم الجمعة وأمير المؤمنين عليه السلام يخطب وهم نزلوا على المسجد فنظر إليهم فقال : أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه واله أسر إلي ألف حديث في كل حديث ألف باب وفي كل باب ألف مفتاح وإني أعلم بهذا العلم وأيضا سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول : قال الله عز وجل (( يوم يدعى كل أناس بإمامهم )) وإني أقسم لكم بالله ليبعثن يوم القيامة ثمانية نفر بإمامهم وهو ضب ولو شئت أسميتهم .
قال الأصبغ :
ـ لقد رأيت عمرو بن حريث سقط رعبا وخجلا ( الإختصاص 277 )
([4])بشارة المصطفى لشيعة المرتضى ص 206