العتبة العلوية المقدسة - من تفاصيل الوقعة -
» سيرة الإمام » » جهاد الامام علي عليه السلام » جهادة في خلافته » الامام علي والجمل » من تفاصيل الوقعة

 

من تفاصيل الوقعة
دعاء الإمام قبل القتال
*ـالإمام الصادق   : لمّا توافق الناس يوم الجمل ، خرج علىّ صلوات الله عليه حتي وقف بين الصفّين، ثمّ رفع يده نحو السماء ، ثمّ قال : يا خير من أفضت إليه القلوب ، ودُعى بالألسن، يا حسن البلايا ، يا جزيل العطاء ، احكم بيننا وبين قومنا بالحقّ ، وأنت خيرالحاكمين .
*ـ: لمّا رأي أمير المؤمنين   ما قدم عليه القوم منالعناد واستحلّوه من سفك الدم الحرام ، رفع يديه إلي السماء وقال : اللهمّ اليكشخصت الأبصار ، وبسطت الأيدى ، وأفضت القلوب ، وتقرّبت إليك بالأعمال ، ³ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُالْفَاتِحِينَ  ²    .
*ـفى دعائه يوم الجمل ـ : اللهمّ إنّى أحمدك ـ وأنت للحمد أهل ـ علي حسن صنعك إلىّ ، وتعطّفك علىّ ، وعليما وصلتنى به من نورك ، وتداركتنى به من رحمتك ، وأسبغت علىّ من نعمتك ، فقداصطنعتَ عندى ـ يا مولاى ـ ما يحقّ لك به جهدى وشكرى ; لحسن عفوك ، وبلائك القديمعندى ، وتظاهر نعمائك علىّ ، وتتابع أياديك لدىّ ، لم أبلغ إحراز حظّى ، ولا صلاحنفسى ، ولكنّك يا مولاى بدأتنى أوّلاً بإحسانك فهديتنى لدينك ، وعرّفتنى نفسك ،وثبّتّنى فى اُمورى كلّها بالكفاية والصنع لى ، فصرفت عنّى جهد البلاء ، ومنعت منّىمحذور الأشياء ، فلستُ أذكر منك إلاّ جميلا ، ولم أرَ منك إلاّتفضيلا .
يا إلهى كم من بلاء وجهد صرفتَه عنى ، وأريتنيه فى غيرى ، فكم مننعمة أقررت بها عينى ، وكم من صنيعة شريفة لك عندى .
إلهى أنت الذى تجيب عند الاضطرار دعوتى ، وأنت الذى تنفّس عندالغموم كُربتى ، وأنت الذى تأخذ لى من الأعداء بظُلامتى ، فما وجدتك ولا أجدكبعيداً منى حين اُريدك ، ولا مُنقبضاً عنى حين أسألك ، ولا معرضاً عنّى حين أدعوك ،فأنت إلهى ، أجد صنيعك عندى محموداً ، وحسن بلائك عندى موجوداً ، وجميع أفعالك عندىجميلا ، يحمدك لسانى وعقلى وجوارحى وجميع ما أقَلّت الأرض منّى .
يا مولاى أسألك بنورك الذى اشتققتَه من عظمتك ، وعظمتك التىاشتققتها من مشيّتك ، وأسألك باسمك الذى علا أن تَمّن علىّ بواجب شكرى نعمتك .
ربّ ما أحرصنى علي ما زهّدتنى فيه وحثثتنى عليه ! إن لم تُعنّىعلي دنياى بزهد ، وعلي آخرتى بتقواى ، هلكتُ .
ربّى ، دعتنى دواعى الدنيا ; من حرث النساء والبنين ، فأجبتُهاسريعاً ، وركنتُ إليها طائعاً . ودعتنى دواعى الآخرة من الزهد والاجتهاد فكَبَوتلها ، ولم اُسارع إليها مسارعتى إلي الحطام الهامد ، والهشيم البائد ، والسرابالذاهب عن قليل .
ربّ خوّفتَنى وشوّقتَنى واحتجبتَعلىّ فما خفتُك حقّ خوفك ، وأخاف أن أكون قدتثبّطتُ عن السعى لك ، وتهاونت بشىء من احتجابك . اللهمّ فاجعل فىهذه الدنيا سعيى لك وفى طاعتك ، واملأ قلبى خوفك ، وحوّل تثبيطىوتهاونى وتفريطى وكلّ ما أخافه من نفسى فَرَقاًمنك ، وصبراً علي طاعتك ، وعملاً به ، يا ذاالجلال والاكرام .
واجعل جُنّتى من الخطايا حصينة ، وحسناتى مضاعفة ; فإنّك تضاعفلمن تشاء .
اللهمّ اجعل درجاتى فى الجنان رفيعة ، وأعوذ بك ربّى من رفيعالمطعم والمشرب ، وأعوذ بك من شرّ ما أعلم ومن شرّ ما لا أعلم ، وأعوذ بك منالفواحش كلّها ; ما ظهر منها وما بطن ، وأعوذ بك ربّى أن أشترى الجهلَ بالعلم كمااشتري غيرى ، أو السَّفهَ بالحلم ، أو الجزعَ بالصبر ، أو الضلالةَ بالهدي ، أوالكفرَ بالإيمان . يا ربّ مُنَّ علىّ بذلك ; فإنّك تتولّي الصالحين ، ولا تُضيع أجرالمحسنين ، والحمد لله ربّ العالمين .
بيان التوحيد في المعركة
- *- عن المقدام بن شريح بن هانئ ، عن أبيه ، قال : إن أعرابيا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : يا أمير - المؤمنين أتقول : إن الله واحد ؟ قال : فحمل الناس عليه ، قالوا : يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : دعوه ، فإن الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم ، ثم قال : يا أعرابي إن القول في أن الله واحد على أربعة أقسام : فوجهان منها لا يجوزان على الله عز وجل ، و وجهان يثبتان فيه ، فأما اللذان لا يجوزان عليه ، فقول القائل : واحد يقصد به باب الأعداد ، فهذا ما لا يجوز ، لأن ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ، أما ترى أنه كفر من قال : ثالث ثلاثة . وقول القائل : هو واحد من الناس ، يريد به النوع من الجنس ، فبهذا ما لا يجوز عليه لأنه تشبيه ، وجل ربنا عن ذلك و تعالى وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل : هو واحد ليس له في الأشياء شبه ، كذلك ربنا ، وقول القائل : إنه عز وجل أحدي المعنى ، يعني به أنه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم كذلك ربنا عز وجل .
بدء القتال
فجد الناس في القتال فنهاهم أمير المؤمنين وقال : اللهم إني أعذرت وأنذرت فكن لي عليهم من الشاهدين .
ثم أخذ المصحف وطلب من يقرأ عليهم وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما .الآية فقال مسلم المجاشعي : ها أنا ذا فخوفه بقطع يمينه وشماله وقتله فقال : لا عليك يا أمير المؤمنين فهذا قليل في ذات الله ! ! فأخذه ودعاهم إلى الله فقطعت يده اليمنى فأخذه بيده اليسرى فقطعت فأخذه بأسنانه فقتل فقالت أمه :
 يا رب إن مسلما أتاهم * بمحكم التنزيل إذ دعاهم
 يتلو كتاب الله لا يخشاهم * فرملوه رملت لحاهم
فقال ( عليه السلام ) : الآن طاب الضراب .
محمد بن الجنفية حامل الراية
*- وقال لمحمد بن الحنفية والراية في يده : يا بني تزول الجبال ولا تزل عض على ناجذك ، أعر الله جمجمتك تد في الارض قدميك ارم ببصرك أقصى القوم وغض بصرك واعلم أن النصر من الله .ثم صبر سويعة فصاح الناس من كل جانب من وقع النبال فقال عليه السلام : تقدم يا بني فتقدم وطعن طعنا منكرا وقال :
اطعن بها طعن أبيك تحمد      لا خير في حرب إذا لم توقد
 بالمشرفي والقنا المسدد         والضرب بالخطى والمهند
*ـعن عمرو بن دينار : قال أمير المؤمنين   لابنه محمّد : خذ الراية وامضِ ـ وعلىّ   خلفه ـ فناداه يا أباالقاسم ! فقال : لبّيك يا أبة . فقال : يا بنىّ لا يستفزّك ما تري ; قد حملتُالراية وأنا أصغر منك فما استفزّنى عدوّى ، وذلك أنّنى لم ألقَ أحداً إلاّ حدّثتنىنفسى بقتله ، فحدِّث نفسك ـ بعون الله ـ بظهورك عليهم ، ولا يخذلك ضعف النفسباليقين ; فإنّ ذلك أشدّ الخذلان .
قال فقلت : يا أبةِ أرجو أن أكون كما تحبّ إن شاء الله . قال : فالزم رايتك ، فإذا اختلطت الصفوف قف فى مكانك وبين أصحابك ، فإن لم ترَ أصحابكفسيرونك . قال : والله إنّى لفى وسط أصحابى فصاروا كلّهم خلفى وما بينى وبين القومأحد يردّهم عنّى ، وأنا اُريد أن أتقدّم فى وجوه القوم ، فما شعرت إلاّ بأبى منخلفى قد جرّد سيفه وهو يقول : لا تقدّم حتي أكون أمامك . فتقدّم   بين يدىّ يهرول ومعهطائفة من أصحابه ، فضربوا الذين فى وجهى حتي أنهضوهم ولحقتهم بالراية ، فوقفواوقفةً ، واختلط الناسُ ، وركدت السيوف ساعة ، فنظرتُ إلي أبى يفرّج الناس يميناًوشمالا ويسوقهم أمامه ، فأردتُ أن أجول فكرهت خلافه .
*ـمروج الذهب : جاء ذو الشهادتين خزيمة بنثابت إلي علىّ ، فقال : يا أمير المؤمنين ، لا تنكس اليوم رأس محمّد ، واردد إليهالراية ! فدعا به ، وردّ عليه الراية ، وقال :
اِطعنهمُ طَعنَ أبيكَ تُحمَدِ
لا خَيرَ فى الحَربِ إذا لَمتُوقَدِ
بالمَشرَفىِّ والقَنا المُسردِ
*ـالإمامة والسياسة : اقتتل القوم قتالاًشديداً ، فهزمت يمن البصرة يمن علىّ ، وهزمت ربيعة البصرة ربيعة علىّ . . . ثمّتقدّم علىّ فنظر إلي أصحابه يُهزمون ويُقتلون ، فلمّا نظر إلي ذلك صاح بابنه محمّدـ ومعه الراية ـ : أن اقتحم ! فأبطأ وثبت ، فأتي علىّ من خلفه فضربه بين كتفيه ،وأخذ الراية من يده ، ثمّ حمل فدخل عسكرهم ، وإنّ الميمنتين والميسرتين تضطربان ،فى إحداهما عمّار ، وفى الاُخري عبد الله بن عبّاس ، ومحمّد بن أبى بكر .
قال : فشقّ علىّ فى عسكر القوم يطعن ويقتل ، ثمّ خرج . . . ثمّأعطي الراية لابنه وقال : هكذا فاصنع . فتقدم محمّد بالراية ومعه الأنصار ، حتيانتهي إليالجمل والهودج وهزم ما يليه ، فاقتتل الناس ذلك اليوم قتالاًشديداً ، حتي كانت الواقعة والضرب علي الركب .
*ـعن محمّد ابن الحنفيّة : التقينا وقدعجّل أصحاب الجمل وزحفوا علينا ، فصاح أبى   : امضِ . فمضيت بين يديه أقطوبالراية قَطواً .
وتقدّم سرعان أصحابنا ، فلاذ أصحاب الجمل ، ونشب القتال ، واختلفتالسيوف ، وأبى بين كتفىَّ يقول : يا بنىَّ تقدّم ! ولستُ أجد متقدَّماً ، وهو يقول : تقدّم . فقلت : ما أجد متقدَّماً إلاّ علي الأسِنّة ! !
فغضب أبى   وقال : أقول لك : تقدّم ، فتقول : علي الأسنّة ! ! ثِق يا بنىَّ ،وتقدّم بين يدىّ علي الأسنّة ! !
وتناول الراية منّى ، وتقدّم يهرول بها ، فأخذتنى حِدّة ، فلحقتُهوقلت : أعطِنى الراية . فقال لى : خذها . وقد عرفت ما وصف لى .
حملة مالك الاشتر
 فأمر الاشتر أن يحمل فحمل وقتل هلال بن وكيع صاحب ميمنة الجمل .وكان زيد يرتجز ويقول : ديني ديني وبيعي وبيعي .وجعل مخنف بن سليم يقول :
 قد عشت يا نفس وقد غنيت     دهرا وقبل اليوم ما عييت
 وبعد ذا لا شك قد فنيت       أما مللت طول ما حييت
*ـلاذ بالجمل عبد الله بن الزبيروتناول خطامه بيده ، فقالت عائشة : من هذا الذى أخذ بخطام جملى ؟ قال : أنا عبدالله ابن اُختك . فقالت : وا ثكلَ أسماء !
ثمّ برز الأشتر إليه ، فخلّي الخطام من يده وأقبل نحوه ، فقاممقامه فى الخطام عبد أسود ، واصطرع عبد الله والأشتر ، فسقطا إلي الأرض ، فجعل ابنالزبير يقول ـ وقد أخذ الأشتر بعنقه ـ : اقتلونى ومالكاً ، واقتلوا مالكاً معى !
قال الأشتر : فما سرّنى إلاّ قوله "مالك" ; لو قال "الأشتر" لقتلونى . وو الله لقد عجبت من حمق عبد الله ; إذ ينادى بقتله وقتلى ، وما كانينفعه الموت إن قتلتُ وقتل معى ، ولم تلِد امرأة من النخع غيرى ! ! فأفرجتُ عنه ،فانهزم وبه ضربة مثخنة فى جانب وجهه .
*ـعن عبد الله بن عبيد بن عمير : إنّالأشتر وابن الزبير التقيا ، فقال ابن الزبير : فما ضربته ضربة حتي ضربنى خمساً أوستّاً ـ قال : ثمّ قال : ـ و ألقانى برجلى .
ثمّ قال : والله لولا قرابتك من رسول الله   ما تركت منك عضواً معصاحبه !
*ـعن زهير بن قيس : دخلت مع ابنالزبير الحمّامَ ، فإذا فى رأسه ضربة لو صُبّ فيها قارورة من دهن لاستقرّت .
قال : تدرى من ضربنى هذه ؟ ! قلتُ : لا . قال : ضربَنيها ابن عمّكالأشتر .
جندب بن زهير ومالك الاشتر
*ـعن صفوان : لمّا تصافّ الناس يومالجمل صاح صائح من أصحاب أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب : يا معاشر شباب قريش ! أراكم قد لججتم وغلبتم علي أمركم هذا ، وإنّى أنشدكم الله أن تحقنوا دماءكم ولاتقتلوا أنفسكم ، اتّقوا الأشتر النخعى وجندب بن زهير العامرى ، فإنّ الأشتر نشردرعه حتي يعفو أثره ، وإنّ جندباً يخرم درعه حتي يشمّر عنه ، وفى رايته علامة حمراء، فلمّا التقي الناس أقبل الأشتر وجندب قبال الجمل يرفلان فى السلاح حتي قتلا عبدالرحمن بن عتّاب بن أسيد ومعبد بن زهير بن خلف بن اُميّة ، وعمد جندب لابن الزبيرفلمّا عرفه قال : أتركك لعائشة . . .
شدة القتال
*ـ عن القعقاع : ما رأيت شيئاًأشبه بشىء من قتال القلب يوم الجمل بقتال صفّين ، لقد رأيتنا ندافعهم بأسنّتناونتّكئ علي أزجّتنا،وهم مثل ذلك ، حتي لو أنّ الرجال مشت عليها لاستقلّت بهم .
*ـعن محمّد وطلحة : كان القتال الأوّل يستحرّ إلي انتصاف النهار ، واُصيب فيه طلحة ،وذهب فيه الزبير ، فلمّا أووا إلي عائشة وأبي أهل الكوفة إلاّ القتال ولم يريدواإلاّ عائشة ، ذَمَرتهمعائشة .
فاقتتلوا حتي تنادوا فتحاجزوا ،فرجعوا بعد الظهر فاقتتلوا ، وذلك يوم الخميس فى جمادي الآخرة ، فاقتتلوا صدرالنهار مع طلحة والزبير ، وفى وسطهمع عائشة .
*ـعن الشعبى : حملت ميمنة أميرالمؤمنين علي ميسرة أهل البصرة فاقتتلوا ولاذ الناس بعائشة ، أكثرهم ضبّة والأزد . وكان قتالهم من ارتفاع النهار إلي قريب من العصر ، ويقال : إلي أن زالت الشمس ، ثمّانهزموا .
عمار بن ياسر
*- وروي سليمان بن عبد الله بن عويمر الأسلمى قال : قال ابن الزبير : إنّى لواقف فى يمين رجل من قريش إذ صاح صائح : يا معشر قريش ! اُحذّركم الرجلين : جندباً العامرى والأشتر النخعى . وسمعت عمّاراً يقول لأصحابنا : ما تريدون وماتطلبون ؟ فناديناه : نطلب بدم عثمان ، فإن خلّيتم بيننا وبين قتلته رجعنا عنكم . فقال عمّار : لو سألتمونا أن ترجعوا عنّا بئس الفحل ، فإنّه ألأم الغنم فحلاًوشرّها لجماً ما أعطيناكموه . ثمّ التحم القتال وناديناهم : مكّنونا من قتلة عثمانونرجع عنكم . فنادانا عمّار : قد فعلنا ، هذه عائشة وطلحة والزبير قتلوه عطشاً ،فابدؤوا بهم ، فإذا فرغتم منهم تعالوا إلينا نبذل لكم الحقّ . فأسكت والله أصحابالجمل كلّهم .
*ـ  خرج محمّد بن أبى بكر وعمّار بنياسر حتي وقفا قدّام الجمل . قال : وتبعهما الأشتر ووقف معهما .
قال : فقال رجل من أصحاب الجمل : من أنتم أيها الرهط ؟ قالوا : نحن ممّن لا تُنكرونه ! وأعلنوا بأسمائهم ، ودعوا بأسمائهم ، ودعوا إلي البراز ،فخرج عثمان الضبّى وهو ينشد شعراً ، فخرج إليه عمّار بن ياسر فأجابه علي شعره ، ثمّحمل عليه عمّار فقتله .
قتل عبدالله بن اليثربي
 *ـخرج عمرو بن يثربى ـ من أصحابالجمل ـ حتي وقف بين الصفّين قريباً من الجمل ، ثمّ دعا إلي البراز وسأل النزال ،فخرج إليه علباء بن الهيثم من أصحاب علىّ   عليه السلام  ، فشدّ عليه عمرو فقتله . ثمّ طلب المبارزة ، فلميخرج إليه أحد ، فجعل يجول فى ميدان الحرب وهو يرتجز ويقول شعراً ، ثمّ جال وطلبالبراز ، فتحاماه الناس واتّقوا بأسه ، قال : فبَدَر إليه عمّار بن ياسر وهويُجاوبه علي شعره ، والتقوا بضربتين ، فبادره عمّار بضربة فأرداه عن فرسه ، ثمّ نزلإليه عمّار سريعاً فأخذ برجله وجعل يجره حتي ألقاه بين يدى علىّ   عليه السلام  .
فقال علىّ : اضرب عنقه . فقال عمرو : يا أمير المؤمنين ، استبقِنىحتي أقتل لك منهم كما قتلتُ منكم . فقال علىّ : يا عدوّ الله ! أ بَعدَ ثلاثة منخيار أصحابى أستبقيك ! ! لا كان ذلك أبداً . قال : فأدننى حتي اُكلّمك فى اُذنك بشىء . فقال علىّ : أنترجل متمرّد ، وقد أخبرنى رسول الله   بكلّ متمرد علىّ ، وأنت أحدُهم . فقال عمرو بن يثربى : أما واللهلو وصلتُ إليك لقطعتُ اُذنك ـ أو قال : أنفك ـ قال : فقدّمه علىّ فضرب عنقه .
*ـعن داود بن أبى هند عن شيخ من بنىضبّة : ارتجز يومئذ ابن يثربىّ :
أنا لمن أنكرنى ابنُ يَثربى
قَاتِلُ علباءَ وهندِالجَمَلى
وابن لصوحانُ علي دين علىّ
وقال : من يبارز ؟ فبرز له رجل ، فقتله ، ثمّ برز له آخر فقتله . وارتجز وقال :
أقتُلهم وقَد أري عَليّا
ولَو أشا أوجَرتُهعَمريّا
فبرز له عمّار بن ياسر ، وإنّه لأضعف من بارزه ، وإنّ الناسليسترجعون حين قام عمّار ، وأنا أقول لعمّار ـ مِن ضعفه ـ : هذا والله لاحقٌبأصحابه ! وكان قضيفاً،حمشالساقين ، وعليه سيفٌ حمائلُهتشفّ عنه قريب من إبطه ، فضربهابن يثربى بسيفه ، فنَشَب فى حَجَفَته ، وضربه عمّار وأوهطه، ورميأصحاب علىّ ابنَ يثربى بالحجارة حتي أثخنوه وارتثّوه  .
*- خرج عبدالله بن اليثربي قائلا :
يا رب إني طالب أبا الحسن     ذاك الذي يعرف حقا بالفتن
فبرز إليه علي عليه السلام قائلا :
 إن كنت تبغي أن ترى أبا الحسن     فاليوم تلقاه مليا فاعلمن
 وضربه ضربة مجزمة [ مجرفة ] .
التفاف بني ضبة حول عائشة
*- خرج بنو ضبة وجعل يقول بعضهم :
نحن بنو ضبة أصحاب الجمل    والموت أحلى عندنا من العسل
ردوا علينا شيخنا بمرتحل      إن عليا بعد من شر النذل
وقال آخر :
نحن بنو ضبة أعداء علي * ذاك الذي يعرف فيهم بالوصي
*- قتل بنو ضبة حول الجمل فلم يبق إلا من لا نفع عنده، وأخذت الأزد بخطامه، فقالت عائشة: من أنتم؛
قالوا: الأزد،
قالت: صبراً، فإنما يصبر الأحرار؛ ما زلت أرى النصر مع بني ضبة؛ فلما فقدتهم أنكرته.
فحرضت الأزد بذلك؛ فقاتلوا قتالاً شديداً، ورمي الجمل بالنبل حتى صارت القبة عليه كهيئة القنفذ.
*ـ: ذكر المدائنى أنّه رأي بالبصرةرجلا مصطلمالاُذن ، فسأله عن قصّته ، فذكرأنّه خرج يوم الجمل ينظر إلي القتلي ، فنظر إلي رجل منهم يخفض رأسه ويرفعه وهويقول :
لقد أورَدَتنا حومةَ الموت اُمُّنا
فلَم تَنصرِف إلاّ ونحنُ رواءُ
أطَعنا بَنى تَيم لشقوةِ جدّنا
وما تَيمُ إلاّ أعبدٌوإماءُ
فقلت : سبحان الله ! أ تقول هذا عند الموت ! قل : لا إله إلاّالله ! ! فقال : يابن اللخناء ، إيّاى تأمر بالجزع عند الموت ! ! فولّيت عنهمتعجّباً منه ، فصاح بى ادنُ منّى ولقّنّى الشهادة ، فصِرتُ إليه ، فلمّا قربت منهاستدنانى ، ثمّ التقم اُذنى فذهب بها ، فجعلت ألعنه وأدعو عليه . فقال : إذا صرتَإلي اُمّك فقالت : من فعل هذا بك ؟ فقل : عمير بن الأهلب الضبّى ، مخدوع المرأةالتى أرادت أن تكونأمير المؤمنين .
عبد اللهبن خلف الخزاعى
*ـعن أبى مخنف : خرج عبد اللهبن خلف الخزاعى ـ وهو رئيس البصرة ، وأكثر أهلها مالاً وضياعاً ـ فطلب البراز ،وسأل ألاّ يخرج إليه إلاّ علىّ   ، وارتجز فقال :
أبا تراب ادنُ مِنّى فِتْرا
فَإنّنى دان إليك شِبْرا
وإنّ فى صَدرى عليك غِمرا
فخرج إليه علىّ   ، فلم يُمهله أن ضربه ففلق هامته .
*ـ : انفرق علىّ يريد أصحابه ، فصاح بهصائح من ورائه ، فالتفتَ وإذا بعبد الله بن خلف الخزاعى وهو صاحب منزل عائشةبالبصرة ، فلمّا رآه علىّ عرفه ، فناداه : ما تشاء يابن خلف ؟
قال : هل لك فى المبارزة ؟
قال علىّ : ما أكره ذلك ، ولكن ويحك يابن خلف ما راحتك فى القتلوقد علمتَ من أنا ! !
فقال عبد الله بن خلف : دعنى من مدحك يابن أبى طالب ، وادنُ منّىلتري أيّنا يقتل صاحبه ! ثمّ أنشد شعراً ، فأجابه علىّ عليه ، والتقوا للضرب ،فبادره عبد الله بن خلف بضربة دفعها علىّ بحَجَفَته، ثمّ انحرف عنه علىّ فضربه ضربة رمي بيمينه ، ثمّضربه اُخري فأطار قحف رأسه .
عبدالله بن أبزي
*ـعن أبى مخنف : تناول عبدالله بن أبزي خطام الجمل ، وكان كلّ من أراد الجدّ فى الحرب وقاتل قتالَ مستميتيتقدّم إلي الجمل فيأخذ بخطامه ، ثمّ شدّ علي عسكر علىّ   وقال :
أضرِبُهُم ولا أري أبا حَسَن
ها إنّ هذا حَزَنٌ مِن الحَزَن
فشدّ عليه علىّ أمير المؤمنين   بالرمح ، فطعنه ، فقتله وقال : قد رأيتَ أبا حسن ،فكيف رأيتَه ! وترك الرمح فيه .
ما رأينا يوما كان أكثر قطع أقدام منه
* - عن حبة العرني قال : سمعت حذيفة اليماني قبل أن يقتل عثمان بن عفان بسنة وهو يقول : كأني بأمكم الحميراء قد سارت يساق بها على جمل وأنتم آخذون بالشوى والذنب معها الازد أدخلهم الله النار وأنصارها بني ضبة جد الله أقدامهم .قال فلما كان يوم الجمل وبرز الناس بعضهم لبعض نادى منادي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لا يبدأن أحد منكم بقتال حتى آمركم .قال : فرموا فينا .فقلنا : يا أمير المؤمنين قد رمينا .فقال : كفوا ثم رمونا فقتلوا منا .قلنا : يا أمير المؤمنين قد قتلونا .فقال : احملوا على بركة الله .قال : فحملنا عليهم فأنشب بعضنا في بعض الرماح حتى لو مشى ماش لمشى عليها ثم نادى منادي علي ( عليه السلام ) عليكم بالسيوف فجعلنا نضرب بها البيض فتنبو لنا .قال : فنادى منادي أمير المؤمنين : عليكم بالاقدام .قال : فما رأينا يوما كان أكثر قطع أقدام منه .قال : فذكرت حديث حذيفة أنصارها بني ضبة جد الله أقدامهم فعلمت أنها دعوة مستجابة ثم نادى منادي أمير المؤمنين عليكم بالبعير فإنه شيطان قال : فعقره رجل برمحه وقطع إحدى يديه رجل آخر فبرك ورغا وصاحت عائشة صيحة شديدة فولى الناس منهزمين .فنادى منادي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : لا تجيزوا على جريح ولا تبتغوا مدبرا ومن أغلق بابه فهو آمن ومن ألقى سلاحه فهو آمن
اقصد بهذا الرمح قصد الجمل
*- دعى أمير المؤمنين محمد بن الحنفية يوم الجمل فأعطاه رمحه وقال له : اقصد بهذا الرمح قصد الجمل فذهب فمنعوه بنو ضبه فلما رجع إلى والده انتزع الحسن رمحه من يده وقصد قصد الجمل وطعنه برمحه ورجع إلى والده وعلى رمحه أثر الدم فتمغر وجه محمد من ذلك فقال أمير المؤمنين : لا تأنف فإنه ابن النبي وأنت ابن علي .
احتجاج بعظهم على الناكثين
*ـتاريخ الطبرى عن القاسم بن محمّد: خرج غلامشابّ من بنى سعد إلي طلحة والزبير ، فقال : أمّا أنت يا زبير فحوارىّ رسول الله   ، وأمّا أنت ياطلحة فوقيت رسول الله   بيدك ، وأري اُمّكما معكما فهل جئتما بنسائكما ؟ قالا : لا ، قال : فما أنا منكما فى شىء ، واعتزل . وقال السعدى فى ذلك :
صنتم حلائلكم وقُدتُم اُمّكم
هذا لعمرك قلّة الإنصاف
اُمرت بجرِّ ذيولها فى بيتها
فهوت تشقّ البيد بالإيجاف
غرضاً يقاتل دونها أبناؤها
بالنبل والخطِّىِّ والأسياف
هُتكت بطلحة والزبير ستورها
هذا المخبّر عنهموالكافى
وأقبل غلام من جهينة علي محمّد بن طلحة ـ وكان محمّد رجلاً عابداًـ فقال : أخبرنى عن قتلة عثمان !
فقال : نعم ، دم عثمان ثلاثة أثلاث ،ثلث علي صاحبة الهودج ـ يعنىعائشة ـ وثلث علي صاحب الجمل الأحمر ـ يعنى طلحة ـ وثلث علي علىّ ابن أبى طالب .
وضحك الغلام وقال : أ لا أرانى علي ضلال ؟ ! ولحق بعلىّ ، وقال فىذلك شعراً :
سألت ابن طلحة عن هالك
بجوف المدينة لم يقبر
فقال : ثلاثة رهط هم
أماتوا ابن عفّان واستعبر
فثلث علي تلك فى خدرها
وثلث علي راكب الأحمر
وثلث علي ابن أبى طالب
ونحن بدَوّية قرقر
فقلت : صدقت علي الأوّلين
وأخطأت فى الثالث الأزهر
تراجع الزبير بن العوام
*ـ : خرج علىّ بنفسه حاسراً عليبغلة رسول الله   لاسلاح عليه ، فنادي : يا زبير ، اخرج إلىّ ، فخرج إليه الزبير شاكّاً فى سلاحه ،فقيل ذلك لعائشة ، فقالت : وا ثكلك يا أسماء ، فقيل لها : إنّ عليّاً حاسر ،فاطمأنّت . واعتنق كلّ واحد منهما صاحبه .
فقال له علىّ : ويحك يا زبير ! ما الذى أخرجك ؟ قال : دم عثمان ،قال : قتل الله أولانا بدم عثمان ، أ ما تذكر يوم لقيت رسول الله   فى بنى بياضة وهو راكبحماره ، فضحك إلىّ رسول الله ، وضحكت إليه ، وأنت معه ، فقلت أنت : يا رسول الله ،ما يدع علىّ زهوه .
فقال لك : ليس به زهو ، أ تحبّه يا زبير ؟
فقلت : إنّى والله لأحبّه .
فقال لك : إنّك والله ستقاتله وأنت له ظالم .
فقال الزبير : أستغفر الله ، والله لو ذكرتها ما خرجت .
فقال له   : يا زبير ، ارجع ، فقال : وكيف أرجع الآن وقد التقت حلقتاالبطان؟ هذا والله العار الذى لا يغسل .
فقال   : يا زبير ، ارجع بالعار قبل أن تجمع العار والنار .
فرجع الزبير وهو يقول :
اخترت عاراً علي نار مؤجّجة
ما إن يقوم لها خلق من الطين
نادي علىّ بأمر لست أجهله
عار لعمرك فى الدنيا وفىالدين
فقلت : حسبك من عدل أبا حسن فبعض هذا الذى قد قلتَ يكفينى .
فقال ابنه عبد الله : أين تذهب وتدعنا ؟ فقال : يا بنىّ ، أذكرنىأبو الحسن بأمر كنت قد أنسيته ، فقال : لا والله ، ولكنّك فررت من سيوف بنى عبدالمطّلب ; فإنّها طوال حداد ، تحملها فتية أنجاد ، قال : لا والله ، ولكنّى ذكرت ماأنسانيه الدهر ، فاخترت العار علي النار ، أ بالجبن تعيّرنى لا أبا لك ؟ ثمّ أمالسنانه وشدّ فى الميمنة .
فقال علىّ : افرجوا له فقد هاجوه .
ثمّ رجع فشدّ فى الميسرة ، ثمّ رجع فشدّ فى القلب ، ثمّ عاد إليابنه ، فقال : أ يفعل هذا جبان ؟ ثمّ مضي منصرفاً .
*ـعن الزهرى : خرج علىّ علي فرسه، فدعا الزبير ، فتواقفا ، فقال
ما جاء بك ؟
قال : أنت ، ولا أراك لهذا الأمر أهلاً ، ولا أولي به منّا .
فقال علىّ : لست له أهلاً بعد عثمان ! قد كنّا نعدّك من بنى عبدالمطّلب حتي بلغ ابنك ابن السوء ففرّق بيننا وبينك . وعظّم عليه أشياء ، فذكر أنّالنبىّ   مرّ عليهمافقال لعلىّ   : مايقول ابن عمّتك ؟ ليقاتلنّك وهو لك ظالم .
فانصرف عنه الزبير ، وقال : فإنّى لا اُقاتلك .
فرجع إلي ابنه عبد الله فقال : ما لى فى هذه الحرب بصيرة ، فقالله ابنه : إنّك قد خرجت علي بصيرة ، ولكنّك رأيت رايات ابن أبى طالب ، وعرفت أنّتحتها الموت ، فجبنت . فأحفظهحتي أرعد وغضب ، وقال : ويحك ! إنّى قد حلفت له ألاّ اُقاتله ، فقال له ابنه : كفّرعن يمينك بعتق غلامك سرجس ، فأعتقه ، وقام فى الصفّ معهم .
وكان علىّ قال للزبير : أ تطلب منّى دم عثمان وأنت قتلته ؟ ! سلّطالله علي أشدّنا عليه اليوم ما يكره .
*ـعن قتادة : سار علىّ منالزاوية يريد طلحة والزبير وعائشة وساروا من الفرضة يريدون عليّاً ، فالتقوا عندموضع قصر عبيد الله بن زياد فى النصف من جمادي الآخرة سنة ستّ وثلاثين يوم الخميس ،فلمّا تراءيالجمعان خرج الزبير علي فرس عليه سلاح ، فقيل لعلّى : هذا الزبير، قال : أما إنّه أحري الرجلين إن ذكّر بالله أن يذكره ، وخرج طلحة ، فخرج إليهماعلىّ فدنا منهما حتي اختلفت أعناق دوابّهم ، فقال علىّ : لعمرى لقد أعددتما سلاحاًوخيلا ورجالا ، إن كنتما أعددتما عند الله عذراً فاتّقيا الله سبحانه ، ولا تكوناكالتى نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً ، أ لم أكن أخاكما فى دينكما ؟ تحرّمان دمىوأحرّم دماءكما ! فهل من حدث أحلّ لكما دمى ؟ قال طلحة : ألّبت الناس علي عثمان ،قال علىّ : ³ يَوْمَـئـِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّوَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ  ²   يا طلحة تطلب بدم عثمان فلعن الله قتلةعثمان .
*ـ : برز علىّ   يوم الجمل ، وناديبالزبير : يا أبا عبد الله ، مراراً ، فخرج الزبير ، فتقاربا حتي اختلفت أعناقخيلهما .
فقال له علىّ   : إنّما دعوتك لاُذكّرك حديثاً قاله لى ولك رسول الله   ، أ تذكر يوم رآك وأنتمعتنقى ، فقال لك : أ تحبّه ؟
قلت : وما لى لا اُحبّه وهو أخى وابن خالى ؟ !
فقال : أما إنّك ستحاربه وأنت ظالم له .
فاسترجع الزبير ، وقال : أذكرتنى ما أنسانيه الدهر ، ورجع إليصفوفه ، فقال له عبد الله ابنه : لقد رجعت إلينا بغير الوجه الذى فارقتنا به !
فقال : أذكرنى علىّ حديثاً أنسانيه الدهر ، فلا اُحاربه أبداً ،وإنّى لراجع
وتارككم منذ اليوم .
فقال له عبد الله : ما أراك إلاّ جبنت عن سيوف بنى عبد المطّلب ،إنّها لسيوف حداد ، تحملها فتية أنجاد .
فقال الزبير : ويلك ! أ تهيجنى علي حربه ! أما إنّى قد حلفت ألاّاُحاربه .
قال : كفّر عن يمينك ، لا تتحدّث نساء قريش أنّك جبنت ، وما كنتجباناً .
فقال الزبير : غلامى مكحول حرّ كفّارة عن يمينى ، ثمّ أنصل سنانرمحه ، وحمل علي عسكر علىّ   برمح لا سنان له .
فقال علىّ   : أفرجوا له ، فإنّه محرج .
ثمّ عاد إلي أصحابه ، ثمّ حمل ثانية ، ثمّ ثالثة ، ثمّ قال لابنه : أ جبناً ويلك تري ؟ ! فقال : لقد أعذرت .
*ـ : قال علىّ بن أبى طالبللزبير : يا أبا عبد الله ، ادنُ إلىّ اُذكّرك كلاما سمعته أنا وأنت من رسول الله !
فقال الزبير لعلىّ : لى الأمان ؟
قال علىّ : عليك الأمان ، فبرز إليه فذكّره الكلام .
فقال : اللهمّ إنّى ما ذكرت هذا إلاّ هذه الساعة ، وثني عنان فرسهلينصرف ، فقال له عبد الله : إلي أين ؟ قال : ذكّرنى علىّ كلاماً قاله رسول الله . قال : كلاّ ، ولكنّك رأيت سيوف بنى هاشم حداداً تحملها شداد . قال : ويلك ! ومثلىيعيّر
بالجبن ؟ هلم إلىّ الرمح . وأخذ الرمح وحمل علي أصحاب علىّ .
فقال علىّ : افرجوا للشيخ ، إنّه محرج .
فشقّ الميمنة والميسرة والقلب ثمّ رجع فقال لابنه : لا اُمّ لك ! أ يفعل هذا جبان ؟ وانصرف
شهادة زيد بن صوحان
*- عن أبي عبدالله قال : لما صرع زيد بن صوحان رحمة الله عليه يوم الجمل جاء أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حتى جلس عند رأسه فقال : رحمك الله يا زيد قد كنت خفيف المؤنة عظيم المعونة .قال فرفع زيد رأسه إليه ثم قال : وأنت فجزاك الله خيرا يا أمير المؤمنين فو الله ما علمتك إلى بالله عليما وفي أم الكتاب عليا حكيما وإن الله في صدرك لعظيم والله ما قتلت معك على جهالة ولكني سمعت أم سلمة زوج النبي تقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله فكرهت والله أن أخذلك فيخذلني الله .
دعاء الامام علي عليه السلام على طلحة والزبير
*-  رفع الامام علي عليه السلام يده إلى السماء وقال : اللهم إن طلحة بن عبيدالله أعطاني صفقة يمينه طائعا ثم نكث بيعتي اللهم فعاجله ولا تمهله وإن الزبير بن العوام قطع قرابتي ونكث عهدي وظاهر عدوي ونصب الحرب لي وهو يعلم أنه ظالم لي اللهم فاكفنيه كيف شئت وأنى شئت .
اعقروا الجمل
*- قال علي عليه السلام  لما فني الناس على خطام الجمل، وقطعت الأيدي، وسالت النفوس: ادعوا لي الأشتر وعماراً، فجاءا، فقال: اذهبا فاعقرا هذا الجمل؛ فإن الحرب لا يبوخ ضرامها ما دام حيا؛ إنهم قد اتخذوه قبلة، فذهبا ومعهما فتيان من مراد، يعرف أحدهما بعمر بن عبد الله، فما زالا يضربان الناس حتى خلصا إليه، فضربه المرادي عك عرقوبيه، فأقعى وله رغاء، ثم وقع لجنبه، وفر الناس من حوله، فنادى علي عليه السلام : اقطعوا أنساع الهودج، ثم قال لمحمد بن أبي بكر: اكفني أختك، فحملها محمد حتى أنزلها دار عبد الله بن خلف الخزاعي.
ابن عباس يقابل عائشة
*- بعث علي عبد الله بن عباس إلى عائشة يأمرها بالرحيل إلى المدينة، قال: فأتيتها، فدخلت عليها، فلم يوضع لي شيء أجلس عليه، فتناولت وسادة كانت في رحلها، فقعدت عليها، فقالت: يابن عباس، أخطأت السنة، قعدت على وسادتنا في بيتنا بغير إذننا! فقلت: ليس هذا بيتك الذي أمرك الله أن تقري فيه، ولو كان بيتك ما قعدت على وسادتك إلا بإذنك، ثم قلت: إن أمير المؤمنين أرسلني إليك يأمرك بالرحيل إلى المدينة، فقالت: وأين أمير المؤمنين! ذاك عمر، فقلت: عمر وعلي، قالت: أبيت! قلت: أما والله ما كان أبوك إلا قصير المدة، عظيم المشقة، قليل المنفعة، ظاهر الشؤم بين النكد، وما عسى أن يكون أبوك! والله ما كان أمرك إلا كحلب شاة حتى صرت لا تأمرين ولا تنهين، ولا تأخذين ولا تعطين، وما كنت إلا كما قال أخو بني أسد:
مازال إهداء الصغائر بينـنـا
 
نثًّ الحديث وكثرة الألقـاب
حتى نزلت كـأن صـوتـك
 
بينهم في كل نائبة طنين ذباب
قال: فبكت حتى سمع نحيبها من وراء الحجاب، ثم قالت: إني معجلة الرحيل إلى بلادي إن شاء الله تعاك، والله ما من بلد أبغض إلي من بلد أنتم فيه، قلت: ولم ذاك! فوالله لقد جعلناك للمؤمنين أماً، وجعلنا أباك صديقاً، قالت: يا بن عباس، أتمن علي برسول الله؟ قلت: ما لي لا أمن عليك بمن لو كان منك لمننت به علي! ثم أتيت علياً عليه السلام  فأخبرته بقولها وقولي، فسر بذلك، وقال لي: "ذريةً بعضها من بعض والله سميع عليم"؛ وفي رواية: أنا كنت أعلم بك حيث بعثتك.
ومن كلام له عليه السلام
لما مر بطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد وهما قتيلان يوم الجمل لقد أصبح أبو محمد بهذا المكان غريباً! أما والله لقد كنت أكره أن تكون قريش قتلى تحت بطون الكواكب! أدركت وتري من بني عبد مناف، وأفلتني أعيار بني جمح، لقد أتلعوا أعناقهم إلى أمر لم يكونوا أهله فوقصوا دونه!
مقتل طلحة
*ـجعل طلحة ينادى بأعلي صوته : عبادالله ! الصبر الصبر ! إنّ بعد الصبر النصر والأجر . فنظر إليه مروان بن الحكم ،فقال لغلام له : ويلك يا غلام ! والله إنّى لأعلم أنّه ما حرّض علي قتل عثمان يومالدار أحد كتحريض طلحة ولا قتله سواه ! ولكن استرنى فأنت حرّ ; فستره الغلام .
ورمي مروان بسهم مسموم لطلحة بن عبيد الله ، فأصابه به ، فسقططلحة لما به وقد غُمى عليه . ثمّ أفاق ، فنظر إلي الدم يسيل منه فقال : إنّا للهوإنّا إليه راجعون ، أظنّ والله أنّنا عُنينا بهذه الآية من كتاب الله عزّ وجلّ إذيقول : ³ وَاتَّقُوافِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَـلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةًوَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ  ²    .
*ـعن ابن أبى عون : سمعت مروان بن الحكم يقول : لمّا كان يوم الجمل قلت : واللهلاُدركنّ ثار عثمان ! فرميتُ طلحة بسهم فقطعت نساه ، وكان كلّما سُدّ الموضع غلبالدم وألمه ، فقال لغلامه : دَعه فهو سهم أرسله الله إلىّ .
ثمّ قال له : ويلك ! اطلب لىموضعاً أحترز فيه ، فلم يجد له مكاناً ، فاحتمله عبيد الله بن معمّر فأدخله بيتأعرابيّة ، ثمّ ذهب فصبر هنيّة ورجع ، فوجده قد مات .
محمد بن ابي بكر
*ـعن محمّد ابن الحنفيّة : نظرت إلي أبىيفرج الناس يميناً وشمالاً ، ويسوقهم أمامه . . . حتي انتهي إلي الجمل وحوله أربعةآلاف مقاتل من بنى ضبّة والأزد وتميم وغيرهم ، فصاح : اقطعوا البِطان ! فأسرع محمّدبن أبى بكر فقطعه ، واطّلع علي الهودج ، فقالت عائشة : من أنت ؟
فقال : أبغض أهلك إليك .
قالت : ابن الخثعميّة ؟
قال : نعم ، ولم تكن دون اُمّهاتك .
قالت : لعمرى ، بل هى شريفة ، دَع عنك هذا ، الحمد لله الذى سلّمك .
قال : قد كان ذلك ما تكرهين .
قالت : يا أخى لو كرهته ما قلتُ ما قلت !
قال : كنتِ تحبّين الظفر وأنّى قتلت .
قالت : قد كنت اُحبّ ذلك ، لكن لمّا صرنا إلي ما صرنا إليه أحببتُسلامتك ; لقرابتى منك ، فاكفف ولا تعقّب الاُمور ، وخذ الظاهر ولا تكن لومة ولاعذلة ، فإنّ أباك لم يكن لومة ولا عذلة .
وجاء علىّ   فقرع الهودج برمحه ، وقال : يا شقيراء ، أ بهذا أوصاك رسول الله   ؟ !
قالت : يابن أبى طالب قد ملكتَ فأسجِح .
وجاءها عمّار فقال لها : يا اُمّاه ! كيف رأيت ضرب بنيك اليوم دوندينهم بالسيف ؟ فصمتت ولم تجِبه .
وجاءها مالك الأشتر وقال لها : الحمد لله الذى نصر وليّه ، وكبتعدوّه ، ³ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِـلُ إِنَّ الْبَاطِـلَ كَانَزَهُوقًا  ²   فكيف رأيتِ صنع الله بك يا عائشة ؟
فقالت : من أنت ثكلتك اُمّك ؟
فقال : أنا ابنكِ الأشتر .
قالت : كذبت لستُ باُمّك .
قال : بلي ، وإن كرهتِ .
فقالت : أنت الذى أردت أن تثكل اُختى أسماء ابنها ؟
فقال : المعذرة إلي الله ثمّ إليكِ ، والله إنّى لولا كنت طاوياًثلاثةً لأرحتك منه ، وأنشأ يقول ، بعد الصلاة علي الرسول :
أ عائشُ لولا أنّنى كنتُ طاوياً
ثلاثاً لَغادَرتِ ابن اختكِ هالكا
غَداةَ يُنادى والرماحُ تَنوشهُ
بآخرِ صوت اُقتلونىومالِكا
فبكت وقالت : فخرتُم وغلبتُم ، ³ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا  ²   .
ونادي أمير المؤمنين   محمّداً فقال : سَلها : هل وصل إليها شىء من الرماحوالسهام . فسألها ، فقالت : نعم ، وصل إلىّ سهم خدش رأسى وسلمتُ منه ، يحكم اللهبينى وبينكم .
فقال محمّد : والله ، ليحكمنّ الله عليكِ يوم القيامة ، ما كانبينكِ وبين أمير المؤمنين   حتي تخرجى عليه وتؤلّبى الناس علي قتاله ، وتنبذى كتاب الله وراءظهرك ! !
فقالت : دعنا يا محمّد ! وقل لصاحبك يحرسنى .
قال : والهودج كالقنفذ من النبل ، فرجعت إلي أمير المؤمنين   فأخبرته بما جري بينىوبينها ، وما قلت وما قالت . فقال   : هى امرأة ، والنساء ضعاف العقول ،تولَّ أمرها ، واحملها إلي داربنى خلف حتي ننظر فى أمرها . فحملتها إليالموضع ، وإنّ لسانها لا يفتر عن السبّ لى ولعلىّ   والترحّم علي أصحابالجمل .
*ـ  لمّا تفرّق الناس عن الجمل أشفقأمير المؤمنين   أنيعود إليه فتعود الحرب ، فقال : عَرقِبواالجمل . فتبادر إليه أصحاب أمير المؤمنين   فعرقبوه ، ووقع لجنبه ، وصاحت عائشة صيحة أسمعت من فىالعسكرين .
*ـعن ميسرة أبى جميلة : إنّمحمّد بن أبى بكر وعمّار بن ياسر أتيا عائشة وقد عُقر الجمل ، فقطعا غُرضةالرحل ، واحتملا الهودج فنحّياه ، حتي أمرهما علىّفيه أمره بعد ، قال : أدخلاها البصرة . فأدخلاها دار عبد الله بن خلفالخزاعى .