العتبة العلوية المقدسة - تفصيل وقائع المعركة -
» سيرة الإمام » » جهاد الامام علي عليه السلام » جهادة بعد البعثة » الامام علي عيه السلام في معركة احد » تفصيل وقائع المعركة

 تفصيل وقائع المعركة

أقبلت شتّي القبائل لتصطحب مقاتليها وشجعانها لحرب محمّد ، وتولّت مصاريف القتال ، وإعداد عدّته وسائر ما يتطلبّه ، وتوجّهت صوب المدينة بجيش جرّار بلغ ثلاثة آلاف مقاتل ، وفيه مئتا فرس ، وثلاثة آلاف بعير

(تاريخ الطبرى : ٢ / ٥٠٤ ـ ٥٠٧ ، المغازى : ١ / ٢٠٣ و٢٠٤ ، الكامل فى التاريخ : ١ / ٥٤٩ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٢ / ١٦٦ السيرة الحلبيّة : ٢ / ٢١٨ .  .)

و كان سبب غزوة أحد – كما قدمنا مختصرا  - أن قريشا لما رجعت من بدر إلى مكة وقد أصابهم ما أصابهم من القتل والاسر ، لانه قتل منهم سبعون ، وأسر منهم سبعون ، فلما رجعوا إلى مكة قال أبوسفيان : يا معشر قريش لا تدعوا نسائكم يبكين على قتلاكم ، فإن البكاء والدمعة إذا خرجت أذهبت الحزن والحرقة والعداوة لمحمد ، ويشمت بنا محمد وأصحابه ، فلما غزوا رسول الله صلى الله عليه وآله يوم أحد أذنوا لنسآئهم بعد ذلك في البكآء والنوح ، فلما أرادوا أن يغزوا رسول الله إلى أحد ساروا في حلفائهم من كنانة وغيرها فجمعوا الجموع والسلاح ، وخرجوا مكة في ثلاثه آلاف فارس ، وألفي راجل ، وأخرجوا معهم النسآء يذكرنهم ويحثثنهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأخرج أبوسفيان هند بنت عتبة ، وخرجت معهم عمرة بنت علقمة الحارثية ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك جمع أصحابه وأخبره أن قريشا قد تجمعت تريد المدينة ، وحث أصحابه على الجهاد والخروج ، فقال عبدالله بن أبي وقوم : يا رسول الله لا تخرج من المدينة حتى نقاتل في أزقتها ، فيقاتل الرجل الضعيف والمرأة و العبد والامة على أفواه السكك وعلى السطوح ، فما أرادنا قوم قط فظفروا بنا و نحن في حصوننا ودورنا ، وما خرجنا إلى أعدائنا قط إلا كان الظفر لهم علينا ، فقام سعد بن معاذ وغيره من الاوس فقالوا : يا رسول الله ما طمع فينا أحد من العرب ونحن مشركون نعبد الاصنام ، فكيف يطمعون فينا وأنت فينا ، لا حتى نخرج إليهم فنقاتلهم ، فمن قتل منا كان شهيدا ، ومن نجا منا كان قد جاهد في سبيل الله ، فقبل رسول الله قوله ، وخرج مع نفر من أصحابه يبتغون موضعا للقتال كما قال الله :  وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين  إلى قوله :  إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا يعني عبدالله بن أبي وأصحابه ، فضرب رسول الله عسكره مما يلي طريق العراق ، وقعد عنه عبدالله بن أبي وقومه  وجماعة من الخزرج اتبعوا رأيه ، ووافت قريش إلى أحد ، وكان رسول الله عليه وآله عد أصحابه وكانوا سبعمائة رجل ، فوضع عبدالله بن جبير في خمسين من الرماة على باب الشعب ، وأشفق أن يأتي كمينهم من ذلك المكان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعبدالله بن جبير وأصحابه :  إن رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكة فلا تبرحوا من هذا المكان ، وإن رأيتموهم قد  هزمونا حتى أدخلونا المدينة فلا تبرحوا وألزموا مراكزكم  ووضع أبوسفيان عليه اللعنة خالد بن الوليد عليه اللعنة في مأتي فارس كمينا ، فقال له: إذا رايتمونا قد اختلطنا بهم فاخرجوا عليهم من هذا الشعب حتى تكونوا من وراءهم ، فلما أقبلت الخيل و اصطفوا وعبأ رسول الله صلى الله عليه وآله أصحابه دفع الراية إلى أميرالمؤمنين عليه السلام ، فحملت الانصار كلهم على مشركي قريش فانهزموا هزيمة قبيحة ، ووقع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله في سوادهم ، وانحط خالد بن الوليد في مأتي فارس ، فلقي عبدالله بن جبير فاستقبلوهم بالسهام ، فرجع ، ونظر أصحاب عبدالله بن جبير إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ينتهبون سواد القوم ، قالوا لعبدالله بن جبير : ما يقيمنا ههنا وقد غنموا أصحابنا ونبقى نحن بلا غنيمة ؟ فقال لهم عبدالله : اتقوا الله ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قد تقدم إلينا أن لا نبرح ، فلم يقبلوا منه ، وأقبل ينسل رجل فرجل حتى أخلوا مراكزهم وبقي عبدالله بن جبير في اثني عشر رجلا ،

*- روى زيد بن وهب الجهني ، عن أحمد بن عمار ، عن الحماني ، عن شريك عن عثمان بن المغيرة ، عن زيد بن وهب قال : وجدنا من عبدالله بن مسعود يوما طيب نفس فقلنا له : لو حدثتنا عن يوم أحد وكيف كان ، فقال : أجل ، ثم ساق الحديث حتى انتهى إلى ذكر الحرب ، فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : اخرجوا إليهم على اسم الله ، فخرجنا فصففنا لهم صفا طويلا ، وأقام على الشعب خمسين رجلا من الانصار وأمر عليهم رجلا منهم ، وقال : لا تبرحوا من مكانكم هذا ، ولو قتلنا عن آخرنا فإنما نؤتى من موضعكم ، قال : فأقام أبوسفيان صخر بن حرب بإزائهم خالد ابن الوليد ، وكانت الالوية من قريش في بني عبدالدار وكان لواء المشركين مع طلحة بن أبي طلحة ، وكان يدعى كبش الكتيبة ، قال : ودفع رسول الله صلى الله عليه وآله لواء المهاجرين إلى علي بن إبي طالب ، وجاء حتى وقف تحت لواء الانصار ، قال : فجاء أبوسفيان إلى أصحاب اللواء فقال : يا أصحاب الالوية إنكم قد تعلمون أنما يؤتى القوم من قبل ألويتهم ، وإنما أوتيتم يوم بدر من قبل ألويتكم ، فإن كنتم ترون أنكم قد ضعفتم عنها فادفعوها إلينا نكفكموها ، قال : فغضب طلحة بن أبي طلحة وقال : ألنا تقول هذا ؟ والله لاوردنكم بها اليوم حياض الموت ، قال : وكان طلحة يسمى كبش الكتيبة ، قال فتقدم وتقدم علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال علي : من أنت ؟ قال : أنا طلحة بن أبي طلحة كبش الكتيبة فمن أنت ؟ قال : أنا علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب ، ثم تقاربا فاختلفت بينهما ضربتان فضربه علي بن أبي طالب عليه السلام ضربة على مقدم رأسه فبدرت عينه ، وصاح صيحة لم يسمع مثلها قط وسقط اللواء من يده ، فأخذه أخ له يقال له : مصعب ، فرماه عاصم بن ثابت بسهم فقتله ، ثم أخذ اللواء أخ له يقال له : عثمان ، فرماه عاصم ايضا بسهم فقتله ، فأخذه عبد لهم يقال له : صوأب وكان من أشد الناس ، فضرب علي عليه السلام على يده فقطعها فأخذ اللواء بيده اليسرى ، فضرب علي على يده اليسرى فقطعها ، فأخذ اللواء على صدره وجمع يديه وهما مقطوعتان عليه فضربه علي عليه السلام على أم رأسه فسقط صريعا فانهزم القوم وأكب المسلمون على الغنائم ، فلما رأى أصحاب الشعب الناس يغنمون قالوا : يذهب هؤلاء بالغنائم ونبقي نحن ؟ فقالوا لعبدالله بن عمر بن حزم الذي كان رئيسا عليهم : نريد أن نغنم كما يغنم الناس ، فقال : إن رسول - الله صلى الله عليه وآله أمرني أن لا أبرح من موضعي هذا ، فقالوا له : إنه أمرك بهذا وهو لا يدري أن الامر يبلغ إلى ماترى ، ومالوا إلى الغنائم وتركوه ، ولم يبرح هو من موضعه ، فحمل عليه خالد بن الوليد فقتله ، ثم جاء من ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله يريده ، فنظر إلى النبي صلى الله عليه وآله في خف من أصحابه فقال لمن معه : دونكم هذا الذي تطلبون فشأنكم به ، فحملوا عليه حملة رجل واحد ضربا بالسيوف ، وطعنا بالرماح ورميا بالنبل ، ورضخا بالحجارة ، وجعل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله يقاتلون عنه حتى قتل منهم سبعون رجلا وثبت أميرالمؤمنين عليه السلام و أبودجانة وسهل بن حنيف للقوم يدفعون عن النبي صلى الله عليه وآله فكثر عليهم المشركون ، ففتح رسول الله صلى الله عليه وآله عينيه ونظر إلى أميرالمؤمنين عليه السلام وقد كان أغمي عليه مما ناله ، فقال : يا علي ما فعل الناس ؟ فقال نقضوا العهد ، وولوا الدبر ، فقال له : فاكفني هؤلاء الذين قد قصدوا قصدي ، فحمل عليهم أميرالمؤمنين عليه السلام فكشفهم ثم عاد إليه وقد حملوا عليه من ناحية أخرى فكر عليهم فكشفهم ، وأبودجانة وسهل ابن حنيف قائمان على رأسه بيد كل واحد منهما سيف ليذب عنه ، وثاب إليه من أصحاب المنهزمين أربعة عشر رجلا : منهم طلحة بن عبيدالله ، وعاصم بن ثابت وصعد الباقون الجبل ، وصاح صائح بالمدينة : قتل رسول الله صلى الله عليه وآله ، فانخلعت لذلك القلوب ، وتحير المنهزمون ، فأخذوا يمينا وشمالا ، وكانت هند بنت عتبة جعلت لوحشي جعلا على أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وآله ، أو أميرالمؤمنين عليه السلام ، أو حمزة بن عبدالمطلب رضوان الله عليه ، فقال لها : أما محمد فلا حيلة لي فيه ، لان أصحابه يطيفون به ، وأما علي فإنه إذا قاتل كان أحذر من الذئب ، وأما حمزة فإنى أطمع فيه ، لانه إذا غضب لم يبصر بين يديه ، وكان حمزة يومئذ قد أعلم بريشة نعامة في صدره ، فكمن له وحشي في أصل شجرة ، فرآه حمزة فبدر بالسيف إليه فضربه ضربة أخطأت رأسه ، قال وحشي : وهززت حربتي حتى إذا تمكنت منه رميته فأصبته في أربيته فأنفذته وتركته حتى إذا برد صرت إليه ، فأخذت حربتي وشغل عني و عنه المسلمون بهزيمتهم ، وجاءت هند فأمرت بشق بطن حمزة وقطع كبده والتمثيل به ، فجدعوا أنفه وأذنيه ، ومثلوا به ، ورسول الله صلى الله عليه وآله مشغول عنه لا يعلم بما انتهى إليه الامر .

قال الراوي للحديث وهو زيد بن وهب : قلت لابن مسعود : انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله حتى لم يبق معه إلا علي بن أبي طالب وأبودجانة وسهل بن حنيف ، فقال انهزم الناس إلا علي بن أبي طالب وحده ، وثاب إلى رسول - الله صلى الله عليه وآله نفر وكان أولهم عاصم بن ثابت ، وأبا دجانة وسهل بن حنيف ، ولحقهم طلحة بن عبيدالله ، فقلت له : وأين كان أبوبكر وعمر ؟ قال : كانا ممن تنحى قلت : وأين كان عثمان ؟ جاء بعد ثالثه من الوقعة فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : لقد ذهبت فيها عريضة ؟ قال : فقلت له : وأين كنت أنت ؟ قال : كنت ممن تنحى ، قلت له : فمن حدثك بهذا ؟ قال عاصم وسهل بن حنيف ، قال : قلت له : إن ثبوت علي عليه السلام في ذلك المقام لعجب ، فقال : إن تعجبت من ذلك فقد تعجبت منه الملائكة ، أما علمت أن جبرئيل عليه السلام قال في ذلك اليوم وهو يعرج إلى السماء : لا سيف إلا ذو الفقار ، ولا فتى إلا علي .قلت له: فمن أين علم ذلك من جبرئيل ؟ فقال : سمع الناس صائحا يصيح في السماء بذلك ، فسألوا النبي صلى الله عليه وآله عنه فقال : ذلك جبرئيل .

*-  عن عبد الله بن مسعود ـ فى ذكر غزوة اُحد : كان لواء المشركين مع طلحة بن أبى طلحة وكان يدعي كبش الكتيبة ، قال : ودفع رسول الله  لواء المهاجرين إلي علىّ بن أبى طالب   ، وجاء حتي قام تحت لواء الأنصار ، قال : فجاء أبو سفيان إلي أصحاب اللواء فقال : يا أصحاب الألوية ! إنّكم قد تعلمون أنّما يؤتي القوم من قبل ألويتهم ، وإنّما اُتيتم يوم بدر من قبل ألويتكم ; فان كنتم ترون أنّكم قد ضعفتم عنها فادفعوها إلينا نُكفِكُموها .

قال : فغضب طلحة بن أبى طلحة وقال : أ لنا تقول هذا ؟ ! والله لاُوردنّكم بها اليوم حياض الموت قال : وكان طلحة يسمّي كبش الكتيبة ، قال : فتقدّم وتقدّم علىّ بن أبى طالب   فقال علىّ : من أنت قال : أنا طلحة بن أبى طلحة ، أنا كبش الكتيبة ، قال : فمن أنت ؟ قال : أنا علىّ بن أبى طالب بن عبد المطّلب ، ثمّ تقاربا فاختلفت بينهما ضربتان ، فضربه علىّ بن أبى طالب   ضربة علي مقدّم رأسه ، فبدرت عيناه وصاح صيحة لم يسمع مثلها قطّ ، وسقط اللواء من يده ، فأخذه أخ له يقال [له](١) : مصعب ، فرماه عاصم بن ثابت فقتله ، ثمّ أخذ اللواء أخ له يقال له : عثمان ، فرماه عاصم ـ أيضاً ـ فقتله ، فأخذه عبد لهم يقال له : صُواب ـ وكان من أشدّ الناس ـ فضرب علىّ بن أبى طالب   يده فقطعها ، فأخذ اللواء بيده اليسري ، فضربه علي يده فقطعها ، فأخذ اللواء علي صدره وجمع يديه وهما مقطوعتان عليه ، فضربه علىّ   علي اُمّ رأسه فسقط صريعاً .

وانهزم القوم وأكبّ المسلمون علي الغنائم . ولمّا رأي أصحاب الشِّعب الناس يغنمون قالوا : يذهب هؤلاء بالغنائم ونبقي نحن ، فقالوا لعبد الله بن عمرو ابن حزم ـ الذى كان رئيساً عليهم : نريد أن نغنم كما غنم الناس ، فقال : إنّ رسول الله  أمرنى أن لا أبرح من موضعى هذا ، فقالوا له : إنّه أمرك بهذا وهو لا يدرى أنّ الأمر يبلغ إلي ما تري ! ومالوا إلي الغنائم وتركوه ، ولم يبرح هو من موضعه ، فحمل عليه خالد بن الوليد فقتله ، وجاء من ظهر رسول الله  يريده فنظر إلي النبىّ فى حَفٍّ من أصحابه فقال لمن معه : دونكم هذا الذى تطلبون فشأنكم به ، فحملوا عليه حملة رجل واحد ضرباً بالسيوف وطعناً بالرماح ورمياً بالنبل ورضخاً بالحجارة ، وجعل أصحاب النبىّ  يقاتلون عنه حتي قتل منهم سبعون رجلاً .

وثبت أمير المؤمنين   وأبو دجانة الأنصارى وسهل بن حنيف للقوم يدفعون عن النبىّ  وكثر عليهم المشركون ، ففتح رسول الله  عينيه ونظر إلي أمير المؤمنين   . . . فقال : يا علىّ ! ما فعل الناس ؟ فقال : نقضوا العهد وولّوا الدبر ، فقال له : فاكفنى هؤلاء الذين قد قصدوا قصدى ، فحمل عليهم أمير المؤمنين   فكشفهم ، ثمّ عاد إليه ـ وقد حملوا عليه من ناحية اُخري ـ فكرّ عليهم فكشفهم ، وأبو دجانة وسهل بن حنيف قائمان علي رأسه بيد كلّ واحد منهما سيفه ليذبّ عنه( الإرشاد : ١ / ٨٠ ، كشف الغمّة : ١ / ١٩٢ وراجع تفسير القمّى : ١ / ١١٢ . ) .