العتبة العلوية المقدسة - عبد الله العلايلي -
» » سيرة الإمام » قالوا في امير المؤمنين » المفكرين المعاصرين » عبد الله العلايلي

 

 

 عبد الله العلايلي

وهذه مقتطفات من كتابه: مشاهد وقصص من أيام النبوة. كتب عن زواج النور من النور، فقال:شاع الخبر في المدينة سريعاً كما يشيع الاريجُ العابقُ في كلّ مكان مع النَّسم النّديِّ، فكانت ميمونةُ لا تمرُّ بمحلَّة من دور الانصار إلاّ وترى المرأة تميل إلى المرأةِ، وتقول لها في بِشْر ظاهر:أما بلغك النّبأُ؟ عليٌّ (عليه السلام) خطب فاطمة (عليها السلام)، وبارك النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) العقد، وإنّه لَنِعْم الحدثُ. ليس لهذه السّيّدةِ المصطفاة إلاّ هذا السيّد المصطفى. وهي ربيبةُ الوحي والرِّسالة، وهو ربيبُ الوحي وبطلُ الرِّسالة.وفي استدارتها صوبَ منزلها سمعت رجلاً يسمر إلى آخر في ناحية من الحيِّ ويقول:إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يزوِّج عليّاً (عليه السلام)، وإنّما كرّم البطولة الخالدة المظفّرة في شخص البطل الخالدِ المظفَّر، وإنَّ من حقِّ البطولة تكريمها، وما فات النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكرِّم البطولة بأعزِّ ما عنده وأقرب ما هو إلى قلبه، فإنّ فاطمة (عليها السلام) قلب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)مصوَّراً في إنسان ملاكِيٍّ أو ملاك إنسانيٍّ. وليس في هذا معناه بل معنى التّكريم، فإنّ محمَّداً (صلى الله عليه وآله وسلم)، في حقيقته، رسالةٌ ودعوةٌ وهو المبتدأ، وإنّ عليّاً (عليه السلام)، في حقيقته ، إيمانٌ وإجابةٌ وهو الخبر، ولا شكَّ في أنّ فاطمة (عليها السلام) رابطةُ الاسناد.وما فات ميمونَةَ أن تسمع ما ردَّ به الاخرُ - وكان من المهاجرين الاوَّلينَ، كما تقول -: وأيضاً لقد كرَّم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا القران بطولةً أخرى هانئةً في أبديَّتها المشرفة الواعية، إنّه كرّم أبا طالب النّصير البرَّ والمجاهد الاوَّل.قال الانصاريُّ: فهذا القران إذا تكريمٌ مزدوجٌ ضاعف معناه، وأخلد بهذا اليوم يوم تكريم البطولات، إنّه ليستخفُّني بمعناهُ الكبيرِ...

وأيضاً:وكان معنى اختيار عليٍّ (عليه السلام) إلى جنب النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) جمعَ كلِّ الانسانيّة فيه، وجاء معه علامةً على أنّ الانسانيَّة بكلّ ما ثبت فيها، لن تنحرف عن النبوَّة الجديدة بكل ما ثبت فيها. فكانت فاطمةُ (عليها السلام) منهما بين مصدر إشراقِ النُّورِ ومجلى انعِكاسِهِ، وموجاتُ الشُّعاع تمور متألِّقَةً في جَوِّ نفسِها المتساميَةِ أبداً.

وأيضاً:

يضلّ الزَّمانُ حقيقةً موهومةً، لولا بعضُ الاعمالِ الخالدةِ الّتي تؤرِّخُهُ...

وتكون هذه الاعمال أكبر من الزَّمَنِ، لانّ حقيقته بعض هباتِها...

فيومُ عليٍّ (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) أكبر من الزّمن، وأخلد من التّاريخ!...

أثبتت النُّبوَّةُ معناها الخالد في روحيَّةِ الانسان على وجه...

وأثبتت النُّبوَّةُ ذاتيَّتها الخالدة في دم الانْسان على وجْه...

وأيضاً:

كانت النبوَّةُ ستظلُّ ذكرى فقط...

ولكن شاء اللهُ أن تكون حياةً أيضاً...

فيوم عليٍّ (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) إبقاءٌ لحياةِ النبوَّةِ على الدُّهور...

وأيضاً:

تضعُ الحقيقة الكبرى خصائص معناها في النَّواةِ لانّها تريد البقاء

والنَّواةُ لا تختلف في خصائصها إلاّ إذا كان لناموس الوراثة الطّبيعيِّ أن يختلف.

فيومُ عليٍّ (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) يوم بروز النَّواةِ لتمثل خصائصها في شكل آخر.

تذهب النَّواةُ الّتي هي مخزون الخصائصِ، تتمُّ دورتها وتعطي أشياءها.

والنُّبوَّةُ فكرةُ السّماءِ المصلحة في محيط البشر...

فيوم عليٍّ وفاطمةَ، طبعٌ لعقليَّةِ النبوَّةِ في عقل النّاسِ.

اجتمعت في عليٍّ قابليّاتٌ لاحدَّ لها...

واجتمعت في فاطمة إشراقاتٌ لاحدَّ لها...

فيومُ عليٍّ (عليه السلام) وفاطمةَ (عليها السلام) يوم نظر النُّبوَّةِ إلى نفسها في المِرْآة.

وأيضاً قوله:

وهو في مقياس كلِّ عصر مبرَّر، تنحّى واعتزل واعصم في حدود هذا التَّنحّي والاعتزال. ولكنّ عليّاً، مع كلِّ ماهو عاتبٌ وواجدٌ، لم يزل يقدِّر ويذهب في مدى تقديره بعيداً، فينتهي إلى الكارثة ويتراءى له شبحها، فيرهبُ هولَها ويخشى وقوعها. يجب إذاً أن لا يظلَّ بعيداً، وإن توارى من الميدان إزاء موقف بطانة عثمان من الجمهورِ، هذا الموقف النّابي المُثير، فبادر الى تقديم ولديه - لاعتباراتِها التّقديريّة - ومواليه، كي يُنَهنِهوا عواديَ الاحداثِ وطائِشاتِ الخطوبِ. وحين بلغهُ: أنّ النّاس حصروا داره ومنعوه الماء بعث إليه بثلاث قِرب ، وقال للحسن والحسين: اذهبا بسيفَيْكُما حتّى تقوما على بابه ولا تدعا أحداً يصلُ إليه بمكروه، وكان أنْ خُضِّبَ الحسنُ بالدِّماء وشُجَّ قنبرُ مولاهُ.

وقوله:

في طبيعة البحر رشاقةُ الحركةِ، وفي طبيعة الصَّخْرِ سكونٌ بليدٌ، وأيضاً قاس متجهِّم، وبينهما وقف إنسانٌ فيه وعي السكون وقصد الحركة، يصل أسباب أحدهما بأسباب الاخر. وكانتِ كبرياءُ الصَّخرِ عمياءَ فلم تقنعْ بغيرِ وجودِها، فانطلقت أعاصير البحر تزأرُ في مثل الفحيح.

ووقف هذا الانسان عند الشّاطئ ينظرُ متفجِّعاً، فإذا الوجود المخدوعُ - الّذي أضحى غوراً - ترقُصُ فوقَهُ موجةٌ مارجةٌ... في نغمة تخبرُ: أنّه كان هنا شيءٌ فيما زعموا.

مضى ذلك الانسان - وقد أبصرَ وسمِعَ - مطرقاً مردِّداً: بهذا نطقَ الحقُّ في صدى الموْج...

وروى هذا الانسان لولده أمثولةَ البحرِ، فلبِثَ متأمِّلاً يعبِّرُ عن أنّه وعى.

ولم يكن طويلاً، حتّى كان بنفسه رجفةَ رعشاتِ وخلجات، ورجعةَ أصداءِ الموج.

وشرع النّاس يروونَ، بعد ذلك، أمثولَة ابنِ الانسان.

وبقي في سمع التّاريخ وبصره ماثلاً حيّاً:

أنّ عليّاً بطلُ الحقِّ في السِّلمِ وفي الحرب، وهو الانسانُ الّذي استحال إلى طاقة في وجود الحقِّ وكيانه.

بقي طابِعُ الانْسانِ الكامِلِ عليًّ، الّذي لا يحرِّكُهُ الحِقْدُ، ولا تميلُ به النَّزغاتُ والنَّزوات، طابعاً لابنائِه، فقد قيل لابنِهِ محمَّد، دسّاً، توليداً للموجدةِ:

لِمَ يدفَعُ بك أبوك في الحربِ ولا يدفَع بالحسن والحسين؟