العتبة العلوية المقدسة - مقدمة في اسرار شهادة الامام الحسين عليه السلام -
» سيرة الإمام » » اولاد الامام علي عليه السلام » سيرة الامام الحسين عليه السلام » الامام الحسين باقلام اعلام الامة » مقدمة في اسرار شهادة الامام الحسين عليه السلام

 

مقدمة في اسرار شهادة الامام الحسين عليه السلام

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم

عبد الكرايم العقيلي

الحمد لله الّذي خلق، خلق الإنسان من علق. حمداً لا يحصيه إلاّ هو الفرد الصمد، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ونسأله الهداية من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. والصلاة والسلام على سيّد الكونين من الأولين والآخرين محمّد الأمين وعلى آله الميامين الّذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، سيّما الإمام الحُسين عليه السّلام سفينة النجاة وعين الحياة الّذي الّذي حفظ الوجود بدمه وبقي الدين بتفديته، واللعنة الدائمة الأزلية على أعدائهم الملاعين وعلى لسان اله العالمين.

وبعد:فإنّ الظلم والاستبداد والنفاق الكامن في صدور الكثير من النّاس، وخصوصاً أبناء الشّجرة الملعونة في القُرآن والّذي استمدّ ديمومته وفعاليته منذ اليوم الأول لرحيل الرّسول الاعظم صلّى الله عليه وآله  ـ وبالتحديد من بداية أحداث السقيفة المشؤومة ـ أخذ ينحو منحاً أخراً في التعامل والتخطيط لطمس معالم الاسلام وياع هويته عن طريق الخداع والدجل، ومن ثمّ القوّة والعنف، وفعلاً تمكنت هذه العصابة اللاّشرعية من إرساء قواعدها في العالم الاسلامي، وتغيير الكثير من المفاهيم والقواعد الاساسية للإسلام عند النّاس، حتّى وصل الأمر بهذا الخلق المنكوس إلى أن ينقادوا إلى هؤلاء الطغاة طمعاً أو خوفاً أو جهلاً. ووصل الحال بهذه العصابة إلى التصريح بمكنوناتها، فهذا معاوية اللعين عندما استتب له الأمر وجلس على كرسيّ الخلافة ظلماً وعدواناً ـ وهو الّذي قال فيه من لا ينطق عن الهوى صلّى الله عليه وآله : إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه، وفي رواية (فارجموه) حتّى إنّ بعض السامعين لهذا الحديث الشّريف عندما رأى معاوية يخطب على منبر رسول الله صلّى الله عليه وآله  قام إليه بالسيف ليقتله، فقال له أبو سعيد الخدري: ما تصنع؟ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله  يقول: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه، فقال له أبو سعيد: إنّا قد سمعنا ما سمعت ـ أخذ يصرّح بما يكنّه قلبه من طمع وبغض للاسلام وأهله بمقولته الّتي سطّرها التاريخ، ودونتها أغلب المصادر: ما قاتلتكم لكي تصلّوا أو تصوموا أو تحجّوا وإنّما قاتلتكم لكي أتأمر عليكم. وآل الأمر من بعده إلى الطاغية يزيد الملعون، وكان عصره أمرّ وأدهى من عصر أبيه، وأظهر الخلاعة والكفر، وحاول هو وزبانيته أن يحرّفوا الشرائع والسنن، ويغيروا المناهج والحكم، ولكن الظلم والطغيان مهما أوتي من عدّة وشدةّ فهو في المحصلة النهائية يكون الطرف الخاسر ومصيرة الخذلان والاضمحلال، ويكون الخلود للحق وأهله كما أخبر الحق سبحانه بذلك (وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ) فحقّ الله سبحانه وتعال الحق بظهور الحُسين صلوات الله عليه مع ثلة من الكواكب النورانية، فسطعوا في دياجير الظلم والطغيان، وقلبوا موازين الأمور على الطغمة الفاسدة ومن انتهج منهجهم إلى يوم الدين. فخلّد التاريخ الانساني للحُسين وأصحابه هذه النهضة المباركة.

ولا يخفى أنّ السرّ في خلود النهضة الحسينية، يكمن في الأهداف الّتي رسمها قائد النهضة ومفجّر بركانها الإمام الحُسين العظيم، ريحانة الرّسول المصطفى، وسبطه وخليفته في اُمته، ويأتي على رأس تلك الأهداف الاصلاح في اُمّة جدّه صلّى الله عليه وآله  والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لإحياء الدين وإظهار فضائح المنافقين، وتعرية جهازهم الحاكم المتلبّس بلباس الدين على حقيقته الماجنة، الفاسدة، والشريرة أمام الملأ، هذا فضلاً عما أبداه قائد النهضة من إباء الضيم وعزّة النفس والشجاعة والبسالة والصبر والثبات، ما بهر به العقول وحيّر الألباب من التضحيات الجسيمة والمواقف البطولية الّتي زلزلت أركان العرش الاموي، ونبّهت الاُمة من غفلتها، وأيقظتها من سباتها، وأمدّتها بالمعنوية والارادة الحرّة للوقوف بوجه الظلم والعدوان.

لقد صارت الثورة الحسينية مناراً للعدل والحرية، وراية لمكافحة الظلم والانحراف والاستبداد في كُلّ مكان وفي كُلّ زمان، حتّى صار الزمان عاشوراء وصارت الأرض كربلاء، بما تحمل تلك الثورة من أهداف إنسانية يجد فيها كُلّ حرّ وثائر وقائد بغيته، فاقتدى الأحرار بنهج الحُسين عليه السّلام، وتأسّى الثوار بتضحية الحُسين، وتعزّى المظلومون بعزاء الحُسين، واستمدوا منه جميعاً روح العزم والقوة وإباء الضيم، وتغذّوا بالارادة الثابتة واليقين الّذي لا يتزعزع.

أما قلوب المحبين لامامهم الحُسين فيكويها الألم ويعتريها الحزن لذلك المشهد المأساوي المتلخص بذبح ابن بنت الرّسول، وقائد الاُمة الرسالي، وسلبه والتمثيل به ورفع رأسه على القنا، وسبي بنات الوحي والرسالة، وأخذهنُ اُسارى إلى أجلف خلق الله.

وكانت تلك المشاهد المفجعة سراً من أسرار الخلود حيث تجّدد الحزن الحسيني الّذي يفّتت الصخور فضلاً عن الأكباد والقلوب على كرّ الأيام وتوالي العصور.