خطب الشيعيات في وقعة صفين
خطبة عكرشة بنت الأطرش
دخلت عكرشة بنت الأطرش على معاوية متوكئة على عكاز فسلمت عليه بالخلافة ثم جلست فقال لها معاوية الآن يا عكرشة صرت عندك أمير المؤمنين قالت نعم إذ لا علي حي قال ألست المتقلدة حمائل السيوف بصفين وأنت واقفة بين الصفين تقولين أيها الناس عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إن الجنة لا يرحل من أوطنها ولا يهرم من سكنها ولا يموت من دخلها فابتاعوها بدار لا يدوم نعيمها ولا تنصرم همومها وكونوا قوما مستبصرين في دينهم مستظهرين بالصبر على طلب حقهم إن معاوية دلف إليكم بعجم العرب غلف القلوب لا يفقهون الإيمان ولا يدرون الحكمة دعاهم بالدنيا فأجابوه واستدعاهم إلى الباطل فلبوه فالله الله عباد الله في دين الله إياكم والتواكل فإن ذلك ينقض عرا الإسلام ويطفئ نور الحق هذه بدر الصغرى والعقبة الأخرى يا معشر المهاجرين والأنصار امضوا على بصيرتكم واصبروا على عزيمتكم فكأني بكم غدا وقد لقيتم أهل الشام كالحمر الناهقة تصقع صقع البعير فكأني أراك على عصاك هذه وقد انكفأ عليك العسكران يقولون هذه عكرشة بنت الأطرش بن رواحة فإن كدت لتفلين أهل الشام لولا قدر الله وكان أمر الله قدرا مقدورا فما حملك على ذلك قالت يا أمير المؤمنين يقول الله جل ذكره يأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم الآية وإن اللبيب إذا كره أمرا لا يحب إعادته قال صدقت فاذكري حاجتك قالت إنه كانت صدقاتنا تؤخذ من أغنيائنا فترد على فقرائنا وإنا قد فقدنا ذلك فما يجبر لنا كسير ولا ينعش لنا فقير فإن كان ذلك عن رأيك فمثلك تنبه من الغفلة وراجع للتوبة وإن كان عن غير رأيك فما مثلك من استعان بالخونة ولا استعمل الظلمة قال معاوية يا هذه إنه ينوبنا من أمور رعيتنا أمور تنبثق وبحور تنفهق قالت يا سبحان الله والله ما فرض الله لنا حقا فجعل فيه ضررا على غيرنا وهو علام الغيوب قال معاوية يأهل العراق نبهكم علي بن أبي طالب فلم تطاقوا ثم أمر برد صدقاتهم فيهم وإنصافهم
خطبة أم الخير بنت الحريش
كتب معاوية إلى واليه بالكوفة أن يحمل إليه أم الخير بنت الحريش بن سراقة البارقي برحلها وأعلمه أنه مجازيه بالخير خيرا وبالشر شرا بقولها فيه فلما ورد عليه كتابه ركب إليها فأقرأها كتابه فقالت أما أنا فغير زائغة عن طاعة ولا معتلة بكذب ولقد كنت أحب لقاء أمير المؤمنين لأمور تختلج في صدري فلما شيعها وأراد مفارقتها قال لها يا أم الخير إن أمير المؤمنين كتب إلي أنه مجازيني بقولك في بالخير خيرا وبالشر شرا فمالي عندك قالت يا هذا لا يطمعك برك بي أن أسرك بباطل ولا يؤيسك معرفتي بك أنأقول فيك غير الحق فسارت خير مسير حتى قدمت على معاوية فأنزلها مع الحرم ثم أدخلها في اليوم الرابع وعنده جلساؤه فقالت السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فقال لها وعليك السلام يا أم الخير بحق ما دعوتني بهذا الإسم قالت مه يا أمير المؤمنين فإن بديهة السلطان مدحضة لما يجب علمه ولكل أجل كتاب قال صدقت فكيف حالك يا خالة وكيف كنت في مسيرك قالت لم أزل يا أمير المؤمنين في خير وعافية حتى صرت إليك فأنا في مجلس أنيق عند ملك رفيق قال معاوية بحسن نيتي ظفرت بكم قالت يا أمير المؤمنين يعيذك الله من دحض المقال وما تردى عاقبته قال ليس هذا أردنا أخبرينا كيف كان كلامك إذ قتل عمار بن ياسر قالت لم أكن والله زورته قبل ولا رويته بعد وإنما كانت كلمات نفثها لساني عند الصدمة فإن أحببت أن أحدث لك مقالا غير ذلك فعلت فالتفت معاوية إلى جلسائه فقال أيكم يحفظ كلامها فقال رجل منهم أنا أحفظ بعض كلامها يا أمير المؤمنين قال هات قال كأني بها بين بردين زئبريين كثيفي النسيج وهي على جمل أرمك وبيدها سوط منتشر الضفيرة وهي كالفحل يهدر في شقشقته تقول يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم إن الله قد أوضح لكم الحق وأبان الدليل وبين السبيل ورفع العلم ولم يدعكم في عمياء مدلهمة فأين تريدون رحمكم الله أفرارا عن أمير المؤمنين أم فرارا من الزحف أم رغبة عن الإسلام أم ارتدادا عن الحق أما سمعتم الله جل ثناؤه يقول ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ثم رفعت رأسها إلى السماء وهي تقول اللهم قد عيل الصبر وضعف اليقين وانتشرت الرغبة وبيدك يا رب أزمة القلوب فاجمع الكلمة على التقوى وألف القلوب على الهدى واردد الحق إلى أهله هلموا رحمكم الله إلى الإمام العادل والرضي التقي والصديق الأكبر إنها إحن بدرية وأحقاد جاهلية وضغائن أحدية وثب بها معاوية حين الغفلة ليدرك ثارات بني عبد شمس ثم قالت قاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون صبرا يا معشر المهاجرين والأنصار قاتلوا على بصيرة من ربكم وثبات من دينكم فكأني بكم غدا وقد لقيتم أهل الشأم كحمر مستنفرة فرت من قسورة لا تدري أين يسلك بها من فجاج الأرض باعوا الآخرة بالدنيا واشتروا الضلالة بالهدى وعما قليل ليصبحن نادمين حين تحل بهم الندامة فيطلبون الإقالة ولات حين مناص إنه من ضل والله عن الحق وقع في الباطل ألا إن أولياء الله استقصروا عمر الدنيا فرفضوها واستطابوا الآخرة فسعوا لها فالله الله أيها الناس قبل أن تبطل الحقوق وتعطل الحدود وتقوى كلمة الشيطان فإلى أين تريدون رحمكم الله عن ابن عم رسول الله وصهره وأبي سبطيه خلق من طينته وتفرع من نبعته وجعله باب دينة وأبان ببغضه المنافقين وها هو ذا مفلق الهام ومكسر الأصنام صلى والناس مشركون وأطاع والناس كارهون فلم يزل في ذلك حتى قتل مبارزي بدر وأفنى أهل أحد وهزم الأحزاب وقتل الله به أهل خيبر وفرق به جمع هوازن فيا لها من وقائع زرعت في قلوب قوم نفاقا وردة وشقاقا وزادت المؤمنين إيمانا قد اجتهدت في القول وبالغت في النصيحة وبالله التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله فقال معاوية يا أم الخير ما أردت بهذا الكلام إلا قتلي ولو قتلتك ما حرجت في ذلك قالت والله ما يسؤني يا بن هند أن يجري قتلي على يدي من يسعدني الله بشقائه قال هيهات يا كثيرة الفضول ما تقولين في عثمان بن عفان رحمه الله قالت وما عسيت أن أقول في عثمان استخلفه الناس وهم به راضون وقتلوه وهم له كارهون قال معاوية يا أم الخير هذا ثناؤك الذي تثنين قالت لكن الله يشهد وكفى بالله شهيدا ما أردت بعثمان نقصا ولقد كان سباقا إلى الخيرات وإنه لرفيع الدرجة غدا قال فما تقولين في طلحة بن عبيد الله قالت وما عسى أن أقول في طلحة اغتيل من مأمنه وأتي من حيث لم يحذر وقد وعده رسول الله الجنة قال فما تقولين في الزبير قالت وما أقول في ابن عمة رسول الله وحواريه وقد شهذ له رسول الله بالجنة وأنا أسألك بحق الله يا معاوية فإن قريشا تحدثت أنك أحلمها أن تعفيني من هذه المسائل وتسألني عما شئت من غيرها قال نعم ونعمة عين قد أعفيتك منها ثم أمر لها بجائزة رفيعة وردها مكرمة
خطبة الزرقاء بنت عدي الهمدانية
وذكرت الزرقاء بنت عدي بن قيس الهمدانية عند معاوية يوما فقال لجلسائه أيكم يحفظ كلامها قال بعضهم نحن نحفظه يا أمير المؤمنين قال فأشيروا علي في أمرها فأشار بعضهم في قتلها فقال بئس الرأي أيحسن بمثلي أن يقتل امرأة ثم كتب إلى عامله بالكوفة أن يوفدها إليه مع ثقة من ذوي محارمها وعدة من فرسان قومها وأن يمهد لها وطء لينا ويسترها بستر خصيف ويوسع لها في النفقة فأرسل إليها فأقرأها الكتاب فقالت إن كان أمير المؤمنين جعل الخيار إلي فإني لا آتيه وإن كان حتم فالطاعة أولى فحملها وأحسن جهازها على ما أمر به فلما دخلت على معاوية قال مرحبا بك وأهلا قدمت خير مقدم قدمه وافد كيف حالك قالت بخير يا أميرالمؤمنين أدام الله لك النعمة قال كيف كنت في مسيرك قالت ربيبة بيت أو طفلا ممهدا قال بذلك أمرناهم أتدرين فيما بعثت إليك قالت وأنى لي بعلم ما لم أعلم قال ألست الراكب الجمل الأحمر والواقعة بين الصفين بصفين تحضين على القتال وتوقدين الحرب فما حملك على ذلك قالت يا أمير المؤمنين مات الرأس وبتر الذنب ولن يعود ما ذهب والدهر ذو غير ومن تفكر أبصر والأمر يحدث بعده الأمر قال لها معاوية أتحفظين كلامك يومئذ قالت لا والله لا أحفظه ولقد أنسيته قال لكني أحفظه لله أبوك حين تقولين أيها الناس ارعووا وارجعوا إنكم قد أصبحتم في فتنة غشتكم جلابيب الظلم وجارت بكم عن قصد المحجة فيا لها فتنة عمياء صماء بكماء لا تسمع لناعقها ولا تنساق لقائدها إن المصباح لا يضئ في الشمس ولا تنير الكواكب مع القمر ولا يقطع الحديد إلا الحديد ألا من ارشدناه استرشدناه ومن سألنا أخبرناه أيها الناس إن الحق كان يطلب ضالته فأصابها فصبرا يا معشر المهاجرين والأنصار على العصص فكأن قد أندمل شعب الشتات والتأمت كلمة الحق ودمغ الحق الظلمة فلا يجهلن أحد فيقول كيف وأنى ليقضي الله أمرا كان مفعولا ألا وإن خضاب النساء الحناء وخضاب الرجال الدماء ولهذا اليوم ما بعده والصبر خير في الأمور عواقبا إيها في الحرب قدما غير ناكصين ولا متشاكسين
ثم قال لها والله يا زرقاء لقد شركت عليا في كل دم سفكه
قالت احسن الله بشارتك وأدام سلامتك فمثلك بشر بخير وسر جليسه
قال أو يسرك ذلك قالت نعم والله لقد سررت بالخبر فأنى لي بتصديق الفعل
فضحك معاوية وقال والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب من حبكم له في حياته اذكري حاجتك
قالت يا أمير المؤمنين آليت على نفسي ألا أسأل أميرا أعنت عليه أبدا ومثلك أعطى عن غير مسأله وجاد عن غير طلبة قال صدقت وأمر لها وللذين جاءوا معها بجوائز وكسا