العتبة العلوية المقدسة - بزي اعرابي في الموسم -
» سيرة الإمام » » المناسبات » قبسات من حياة الامام الكاظم عليه السلام » سجن الامام عليه السلام وشهادته » بزي اعرابي في الموسم

بزي اعرابي في الموسم

* - الفضل بن الربيع ورجل آخر قالا : حج هارون الرشيد وابتدأ بالطواف ، ومنعت العامة من ذلك ، لينفرد وحده ، فبينما هو في ذلك إذا ابتدر أعرابي البيت ، وجعل يطوف معه .فقال الحاجب : تنح ياهذا عن وجه الخليفة ، فانتهرهم الاعرابي وقال : إن الله ساوى بين الناس في هذا الموضع فقال  سواءا العاكف فيه والباد ([1]) فأمر الحاجب بالكف عنه ، فكلما طاف الرشيد طاف الاعرابي أمامه ، فنهض إلى الحجر الاسود ليقبله فسبقه الاعرابي إليه والتثمه ، ثم صار الرشيد إلى المقام ليصلي فيه فصلى الاعرابي أمامه فلما فرغ هارون من صلاته ، استدعى الاعرابي فقال الحجاب : أجب أمير المؤمنين فقال : مالي إليه حاجة فأقوم إليه بل إن كانت الحاجة له فهو بالقيام إلي أولى قال : صدق فمشى إليه وسلم عليه فرد عليه السلام فقال هارون : أجلس ياأعرابي ؟ فقال : ما الموضع لي فتستأذنني فيه بالجلوس ، إنما هو بيت الله نصبه لعباده ، فان أحببت أن تجلس فاجلس ، وإن أحببت أن تنصرف فانصرف .فجلس هارون وقال : ويحك ياأعرابي مثلك من يزاحم الملوك ؟ قال : نعم وفي مستمع([2])  قال : فاني سائلك فان عجزت آذيتك قال : سؤالك هذا سؤال متعلم أو سؤال متعنت ؟ قال : بل سؤال متعلم قال : اجلس مكان السائل من المسؤول وسل وأنت مسؤول .فقال هارون : أخبرني مافرضك ؟ قال : إن الفرض رحمك الله واحد وخمسة وسبعة عشر ، وأربع وثلاثون ، وأربع وتسعون ، ومائة وثلاثة وخمسون ، على سبعة عشر ، ومن اثني عشر واحد ، ومن أربعين واحد ، ومن مأتين خمس ، ومن الدهر كله واحد ، وواحد بواحد .قال : فضحك الرشيد وقال : ويحك أسألك عن فرضك ، وأنت تعد علي الحساب ! ؟ قال : أما علمت أن الدين كله حساب ، ولو لم يكن الدين حسابا لما اتخذ الله للخلائق حسابا ، ثم قرأ  وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها و كفى بنا حاسبين  قال : فبين لي ماقلت ؟ وإلا أمرت بقتلك بين الصفا والمروة .فقال الحاجب : تهبه الله ولهذا المقام قال : فضحك الاعرابي من قوله ، فقال الرشيد : مما ضحكت ياأعرابي ؟ قال : تعجبا منكما ، إذ لا أدري من الاجهل منكما ، الذي يستوهب أجلا قد حضر ، أو الذي استعجل أجلا لم يحضر .فقال الرشيد : فسر ما قلت ؟ قال : أما قولي الفرض واحد : فدين الاسلام كله واحد ، وعليه خمس صلوات ، وهي سبع عشر ركعة وأربع وثلاثون سجدة وأربع وتسعون تكبيرة ، ومائة وثلاث وخمسون تسبيحة ، وأما قولي من اثني عشر واحد : فصيام شهر رمضان من اثني عشر شهرا ، وأما قولي : من الاربعين واحد فمن ملك أربعين دينار أوجب الله عليه دينارا ، وأما قولي : من مائتين خمسة فمن ملك مائتي درهم أوجب الله عليه خمسة دراهم .وأما قولي فمن الدهر كله واحد فحجة الاسلام ، وأما قولي واحد من واحد فمن أهرق دما من غير حق وجب إهراق دمه قال الله تعالى :  النفس بالنفس ([3]) فقال الرشيد : لله درك ، وأعطاه بدرة فقال : فبم استوجبت منك هذه البدرة ياهارون بالكلام ؟ أو بالمسألة ؟ قال : بالكلام قال : فإني سائلك عن مسألة فان أتيت بها كانت البدرة لك تصدق بها في هذا الموضع الشريف ، وإن لم تجبني عنها أضفعت إلى البدرة بدرة اخرى لاتصدق بها على فقراء الحي من قومي ، فأمر بإيراد اخرى وقال : سل عما بدا لك .فقال : أخبرني عن الخنفسآء تزق ؟ أم ترضع ولدها ؟ فحرد ([4])  هارون و قال : ويحك ياأعرابي مثلي من يسأل عن هذه المسألة ؟ ! فقال : سمعت ممن سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : من ولي أقواما وهب له من العقل كعقولهم ، وأنت إمام هذه الامة يجب أن لاتسأل عن شئ من أمر دينك ، ومن الفرايض ، إلا أجبت عنها ، فهل عندك له الجواب ؟ .قال هارون : رحمك الله لا فبين لي ما قلته ، وخذ البدرتين فقال : إن الله تعالى لما خلق الارض خلق دبابات الارض الذي من غير فرث ، ولا دم ، خلقها من التراب ، وجعل رزقها وعيشها منه ، فاذا فارق الجنين امه لم تزقه ولم ترضعه وكان عيشها من التراب .فقال هارون : والله ما ابتلى أحد بمثل هذه المسألة ، وأخذ الاعرابي البدرتين وخرج ، فتبعه بعض الناس ، وسأله عن اسمه فإذا هو موسى بن جعفر بن محمد عليهما السلام فاخبر هارون بذلك فقال : والله لقد كان ينبغي أن تكون هذه الورقة من تلك الشجرة ([5])

 



([1])سورة الحج الاية : 25 .

([2])قوله عليه السلام : وفي مستمع أي علم يجب أن يستمع إليه .

([3])سورة المائدة الاية : 45 .

([4])فحرد هارون : أى فغضب .

([5])المناقب ج 3 ص 427 .