العتبة العلوية المقدسة - سورة الفاتحة -
» » سيرة الإمام » نماذج من تفسير الامام علي للقران » سورة الفاتحة

 

سورة الفاتحة
*ومنه قال أميرالمؤمنين عليه السلام : اعتل الحسين عليه السلام فاحتملته فاطمة صلوات الله عليها فأتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله ادع الله لابنك أن يشفيه ، فقال : يا بنية إن الله هو الذي وهبه لك ، وهو قادر على أن يشفيه ، فهبط جبرئيل عليه السلام فقال : يا محمد إن الله تعالى لم ينزل عليك سورة من القرآن إلا فيها فاء ، وكل فاء من آفة ما خلا الحمد ، فانه ليس فيها فاء ، فادع بقدح من ماء فاقرأ عليه الحمد أربعين مرة ، ثم صب عليه فان الله يشفيه ، ففعل ذلك فعوفي باذن الله
* ذكر أبوعمر الزاهد واسمه محمد بن عبدالواحد في كتابه باسناده أن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : يا با عباس إذا صليت العشاء الاخرة فالحقني إلى الجبان ، قال : فصليت ولحقته وكانت ليلة مقمرة ، قال : فقال لي : ما تفسير الالف من الحمد ؟ قال : فما علمت حرفا اجيبه قال : فتكلم في تفسيرها ساعة تامة ، قال : ثم قال لي : فما تفسر اللام من الحمد ؟ قال : فقلت : لا أعلم ، فتكلم في تفسيرها ساعة تامة ، قال ثم قال : فما تفسير الميم من الحمد ؟ فقلت : لا أعلم ، قال : فتكلم فيها ساعة تامة ، قال : ثم قال : ما تفسير الدال من الحمد ؟ قال : قلت : لا أدري قال : فتكلم فيها إلى أن برق عمود الفجر ، قال : فقال لي : قم أبا عباس إلى منزلك وتأهب لفرضك . قال أبوالعباس عبدالله بن العباس : فقمت وقد وعيت كل ما قال ، ثم تفكرت فاذا علمي بالقرآن في علم علي كالقرارة في المثعنجر           
* وروى النقاش أيضا حديث تفسير لفظة الحمد فقال بعد إسناده عن ابن عباس : قال : قال لي علي عليه السلام : يا أبا عباس إذا صليت العشاء الاخرة فالحقني إلى الجبان ، قال : فصليت ولحقته ، وكانت ليلة مقمرة ، قال : فقال لي : ما تفسير الالف من الحمد ، والحمد جميعا ، قال : فما علمت حرفا منها اجيبه ، قال : فتكلم في تفسيرها ساعة تامة ، ثم قال لي : فما تفسير اللام من الحمد ؟ قال : فقلت : لا أعلم ، قال : فتكلم في تفسيرها ساعة تامة ، ثم قال : فما تفسير الحاء من الحمد ؟ قال : فقلت : لا أعلم ، قال : فتكلم في تفسيرها ساعة تامة ، ثم قال لي : فما تفسير الميم من الحمد ؟ قال : فقلت : لا أعلم ، قال : فتكلم في تفسيرها ساعة تامة ثم قال فما تفسير الدال من الحمد ؟ قال : قلت : لا أدري فتكلم فيها إلى أن برق عمود الثعنجر ، قال : فقال لي : قم يا أبا عباس إلى منزلك ، فتأهب لفرضك ، فقمت وقد وعيت كل ما قال ، قال : ثم تفكرت فاذا علمي بالقرآن في علم علي عليه السلام كالقرارة
اسرار سورة الفاتحة
* أمير المؤمنين أخبرني عن قول الله عزوجل : ( الحمدلله رب العالمين ) ما تفسيرها ؟ فقال :   ( الحمدلله ) هو أن عرف الله عباده بعض نعمه جملا ، إذ لا يقدرون على معرفة جميعها بالتفصيل ، لانها أكثر من أن تحصى أو تعرف ، فقال لهم : قولوا : ( الحمد لله ) على ما أنعم به علينا ( رب العالمين ) يعني مالك العالمين ، وهم الجماعات من كل مخلوق ، من الجمادات والحيوانات . فأما الحيوانات ، فهو يقلبها في قدرته ، ويغذوها من رزقه ويحيطها بكنفه ويدبر كلا منها بمصلحته ، وأما الجمادات فهو يمسكها بقدرته ، يمسك ما اتصل المتصل منها أن يتهافت ، ويمسك المتهافت منها أن يتلاصق ، ويمسك السماء أن تقع على الارض إلا باذنه ، ويمسك الارض أن تنخسف إلا بأمره ، إنه بعباده لرؤف رحيم . قال : و ( رب العالمين ) مالكهم وخالقهم وسائق أرزاقهم إليهم ، من حيث هم يعلمون ، ومن حيث لا يعلمون ، فالرزق مقسوم ، وهو يأتي ابن آدم على أي سيرة سارها من الدنيا ، ليس تقوى متق بزائده ، ولا فجور فاجر بناقصه ، وبينه وبينه ستر ، وهو طالبه ، ولو أن أحدكم يتربص رزقه لطلبه رزقه ، كما يطلبه الموت . قال : فقالالله تعالى لهم : قولوا : ( الحمدلله ) على ما أنعم به علينا وذكرنا به من خير في كتب الاولين قبل أن نكون . ففي هذا إيجاب على محمد وآل محمد لما فضله وفضلهم ، وعلى شيعته أن يشكروه بما فضلهم وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : لما بعث الله موسى بن عمران واصطفاه نجيا وفلق البحر فنجى بني إسرائيل ، وأطاه التوراة والالواح ، رأى مكانه من ربه عزوجل فقال : رب لقدكر متني بكرامة لم تكرم بها أحدا قبل ، فقال الله عز وجل : يا موسى أما علمت أن محمدا أفضل عندي من جميع خلقي . قال موسى : يا رب فان كان محمد أكرم من جميع خلقك ، فهل في آل الانبياء عندك أكرم من آلي ؟ قال الله تعالى : يا موسى أما علمت أن فضل آل محمد على جميع آل النبيين كفضل محمد على جميع المرسلين ؟ فقال : يا رب فان كان فضل آل محمد عندك كذلك ، فهل في أصحاب الانبياء أكرم عندك من صحابتي ؟ قال الله : يا موسى أما علمت أن فضل صحابة محمد على جميع صحابة المرسلين كفضل آل محمد على جميع صحابة المرسلين . فقال موسى : يا رب فان كان محمد وآله وأصحابه كما وصفت ، فهل في امم الانبياء أفضل عندك من امتي ؟ ظللت عليهم الغمام ، وأنزلت عليهم المن والسلوى وفلقت لهم البحر ؟ فقال الله تعالى : يا موسى أما علمت أن فضل امة محمد على جميع الامم كفضلي على جميع خلقي ؟ قال موسى : يا رب ليتني كنت أراهم . فأوحى الله عزوجل إليه : يا موسى إنك لن تراهم ، فليس هذا أوان ظهورهم ولكن وسوف تراهم في الجنة جنات عدن والفردوس ، بحضرة محمد ، في نعيمها يتقلبون في خيراتها يتبجحون ، أفتحب أن اسمعك كلامهم ؟ ؟ ؟ نعم يا رب ، قال : قم بين يدي ، واشدد مئزرك قيام العبد الذليل بين يدي السيد المالك الجليل ، ففعل ذلك ، فنادى ربنا عزوجل يا امة محمد ، فأجابوه كلهم ، وهم في أصلاب آبائهم وأرحام امهاتهم : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك لبيك ، قال : فجعل الله تعالى الاجابة منهم شعار الحج . ثم نادى ربنا عزوجل يا امة محمد إن قضائي عليكم أن رحمتي سبقت غضبي ، وعفوي قبل عقابي ، فقد استجبت لكم قبل أن تدعوني ، وأعطيتكم قبل أن تسألوني ، من لقيني منكم يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، صادق في أقواله ، محق في أفعاله ، وأن علي بن أبي طالب أخوه ووصيه من بعده ووليه ، يلتزم طاعته كما يلتزم طاعته محمد ، وأن أولياءه المصطفين المطهرين الميامين بعجائب آيات الله ، ودلايل حجج الله من بعدهما أولياؤه ادخله جنتي وإن كانت ذنوبه مثل زبد البحر . قال : فلما بعث نبينا محمد صلى الله عليه وآله قال الله تعالى : يا محمد وما كنت بجانب الطور إذ نادينا امتك بهذه الكرامة ، ولكن رحمة من ربك ثم قال الله عزوجل لمحمد صلى الله عليه وآله : قل الحمدلله رب العالمين على ما اختصنا به من هذه الفضيلة وقال لامته : وقو لوا أنتم : الحمدلله رب العالمين على ما اختصنا به من هذا الفضل . 
* قوله عزوجل : الرحمن الرحيم قال الامام عليه السلام : ( الرحمن ) العاطف على خلقه بالرزق ، لا يقطع عنهم مواد رزقه ، وإن انقطعوا عن طاعته ( الرحيم ) بعباده المؤمنين ، في تخفيفه عليهم طاعاته ، وبعباده الكافرين في الرفق بهم في دعائهم إلى موافقته . قال الامام عليه السلام في معنى الرحمن : ومن رحمته أنه لما سلب الطفل قوة النهوض والتغذي جعل تلك القوة في امه ، ورققها عليه لتقوم بتربيته ، وحضانته فان قسا قلب ام من الامهات لوجب تربية هذا الطفل وحضانته على سائر المؤمنين ولما سلب بعض الحيوان قوة التربية لاولادها ، والقيام بمصالحها ، جعل تلك القوة في الاولاد لتنهض حين تولد ، وتسير إلى رزقها المسبب لها . قال عليه السلام ( الرحمن ) أو قوله : الرحمن مشتق من الرحيم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : قال الله عز وجل : أنا الرحمن وهي الرحم ، شققت لها اسما من اسمي ، من وصلها وصلته ومن قطعها قطعته ، ثم قال علي عليه السلام : أو تدري ما هذه الرحم التي من وصلها وصله الرحمن ، ومن قطعها قطعه الرحمن ؟ فقيل : يا أميرالمؤمنين حث بهذا كل قوم أن يكرموا آباءهم ، ويوصلوا أرحامهم ، فقال لهم : أيحثهم على أن يوصلوا أرحامهم الكافرين ، وأن يعظموا من حقره الله وأوجب احتقاره من الكافرين ؟ قالوا : لا ، ولكنه يحثهم على صلة أرحامهم المؤمنين . قال : فقال : أوجب حقوق أرحامهم ، لا تصالهم بآبائهم وامهاتهم ؟ قلت : بلى يا أخا رسول الله صلى الله عليه وآله قال : فهم إذا إنما يقضون فيهم حقوق الاباء والامهات ؟ قلت : بلى يا أخا رسول الله ، قال : وآباوهم وامهاتهم إنما غذوهم في الدنيا ووقوهم مكارهها ، وهي نعمة زائلة ، ومكروه ينقضي ، ورسول ربهم ساقهم إلى نعمة دائمة لا ينقضي ، ووقاهم مكروها مؤبدا لا يبيد ، فأي النعمتين أعظم ؟ قلت : نعمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجل وأعظم وأكبر ، قال : فكيف يجوز أن يحث على قضاء حق من صغر الله حقه ، ولا يحث على قضاء حق من كبر الله حقه ، قلت : لا يجوز ذلك ، قال : فاذا حق رسول الله صلى الله عليه وآله أعظم من حق الوالدين ، وحق رحمه أيضا أعظم من حق رحمهما ، فرحم رسول الله صلى الله عليه وآله أيضا أعظم وأحق من رحمهما ، فرحم رسول الله صلى الله عليه وآله أولى بالصلة ، وأعظم في القطيعة . فالويل كل الويل لمن قطعها ، فالويل كل الويل لمن لم يعظم حرمتها ، أو ما علمت أن حرمة رحم رسول الله صلى الله عليه وآله حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأن حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله حرمة الله ، وأن الله أعظم حقا من كل منعم سواه ، فان كل منعم سواه إنما أنعم حيث قيضه له ذلك ربه ، ووفقه له . أما علمت ما قال الله لموسى بن عمران ؟ قلت : بأبي أنت وامي ما الذي قال له ؟ قال : قال الله تعالى : أو تدري ما بلغت رحمتي إياك ؟ فقال موسى : أنت أرحم بي من أبي وامي قال الله : يا موسى وإنما رحمتك امك لفضل رحمتي أنا الذي رققتها عليك وطيبت قلبها لتترك طيب وسنها لتربيتك ، ولو لم أفعل ذلك بها لكانت وسائر النساء سواء ، يا موسى أتدري أن عبدا من عبادي تكون له ذنوب وخطايا تبلغ أعنان السماء فأغفرها له ، ولا ابالي ؟ . قال : يا رب وكيف لا تبالي ، قال تعالى : لخصلة شريفة تكون في عبدي احبها ، وهو أن يحب إخوانه المؤمنين ، ويتعاهدهم ، ويساوي نفسه بهم ، ولا يتكبر عليهم ، فاذا فعل ذلك غفرت له ذنوبه ، ولا ابالي . يا موسى إن الفخر ردائي والكبرياء إزاري ، من نازعني في شئ منهما عذبته بناري . يا موسى إن من إعظام جلالي إكرام عبدي الذي أنلته حظا من حطام الدنيا عبدا من عبادي مؤمنا ، قصرت يده في الدنيا ، فان تكبر عليه فقد استخف بعظيم جلالي . ثم قال أميرالمؤمنين عليه السلام : إن الرحم التي اشتقها الله عزوجل من قوله : ( الرحمن ) هي رحم محمد صلى الله عليه وآله وإن من إعظام الله إعظام محمد ، وإن من إعظام محمد إعظام رحم محمد ، وإن كل مؤمن ومؤمنة من شيعتنا هو رحم محمد ، وإن إعظامهم من إعظام محمد صلى الله عليه وآله فالويل لمن استخف بحرمة محمد ، وطوبى لمن عظم حرمته وأكرم رحمه ، ووصلها . قوله عزوجل ( الرحيم ) قال الامام عليه السلام : وأما قوله الرحيم معناه أنه رحيم بعباده ، ومن رحمته أنه خلق مائة رحمة جعل منها رحمة واحدة في الخلق كلهم فبها يتراحم النسا ، وترحم الوالدة ولدها ، وتحنن الامهات من الحيوانات على أولادها ، فإذا كان يوم القيامة ، أضاف هذه الرحمة إلى تسعة وتسعين رحمة ، فيرحم بها امة محمد ، ثم يشقعهم فيمن يحبون له الشفاعة من أهل الملة ، حتى أن الواحد ليجيئ إلى مؤمن من الشيعة ، فيقول اشفع لي فيقول : وأي حق لك علي ؟ فيقول : سقيتك يوما فيذكر ذلك ، فيشفع له فيشفع فيه ، ويجيئه آخر فيقول : إن لي عليك حقا فاشفع لي ، فيقول : وما حقك علي ؟ فيقول : استظللت بظل جداري ساعة في يوم حار فيشفع له فيشفع فيه ، ولا يزال يشفع حتى يشفع في جيرانه وخلطائه ومعارفه فان المؤمن أكرم على الله مما يظنون . قوله عزوجل ( مالك يوم الدين ) قال الامام عليه السلام : قادر على إقامة يوم الدين وهو يوم الحساب ، قادر على تقديمه على وقته ، وتأخيره بعد وقته ، وهو المالك أيضا في يوم الدين ، فهو يقضي بالحق لا يملك الحق والقضاء في ذلك اليوم من يظلم 
ويجور ، كما يجور في الدنيا من يملك الاحكام . وقال : هو يوم الحساب سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : ألا اخبركم بأكيس الكيسين وأحمق الحمقى ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : أكيس الكيسين من حاسب نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، وأحمق الحمقى من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الاماني . فقال الرجل : يا أميرالمؤمنين وكيف يحاسب الرجل نفسه ، قال : إذا أصبح ثم أمسى رجع إلى نفسه وقا : يا نفس إن هذا يوم مضى عليك لا يعود إليك أبدا والله يسألك عنه فيما أفنيته ، فما الذي عملت فيه ؟ أذكرت الله أم حمدتيه أقضيت حق أخ مؤمن ؟ أنفست عنه كربته ؟ أحفظتيه بظهر الغيب في أهله وولده ؟ أحفظتيه بعد الموت في مخلفيه ؟ أكففت عن غيبة أخ مؤمن بفضل جاهك ؟ أأعنت مسلما ؟ ما الذي صنعت فيه ؟ فيذكر ما كان منه . فان ذكر أنه جرى منه خير حمدالله عزوجل ، وكبره على توفيقه ، وإن ذكر معصية أو تقصيرا استغفر الله عزوجل على ترك معاودته ، ومحاذلك عن نفسه بتجديد الصلاة على محمد وآله الطيبين ، وعرض بيعة أميرالمؤمنين صلوات الله عليه على نفسه وقبولها ، وإعادة لعن شانئيه وأعدائه ودافعيه عن حقوقه ، فإذا فعل ذلك قال الله عزوجل : لست انا قشك في شئ من الذنوب مع موالاتك أوليائي ومعاداتك أعدائي . قوله عزوجل : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) قال الامام عليه السلام : قال الله تعالى : قولوا يا أيها الخلق المنعم عليهم : ( إياك نعبد ) أيها المنعم علينا ، نطيعك مخلصين مع التذلل والخشوع ، بلارياء ولا سمعة ( وإياك نستعين ) منك نسأل المعونة على طاعتك لنؤديها كما أمرت ، ونتقي من دنيانا ما عنه نهيت ، ونعتصم من الشيطان الرجيم ، ومن سائر مردة الانس من المضلين ، ومن المؤذين الضالين بعصمتك . وسئل أميرالمؤمنين من العظيم الشقاء ؟ قال : رجل ترك الدنيا للدنيا ففاتته الدنيا وخسر الاخرة ، ورجل تعبد واجتهد وصام رئاء الناس ، فذلك الذي حرم لذات الدنيا ، ولحقه التعب لوكان به مخلصا لا ستحق ثوابه فورد الاخرة وهو يظن أنه قد عمل ما يثقل به ميزانه ، فيجده هباء منثورا . قيل : فمن أعظم الناس حسرة ؟ قال : من رأى ماله في ميزان غيره ، وأدخله الله به النار وأدخل وارثه به الجنة. 
* قال الصادق عليه السلام وأعظم من هذا حسرة رجل جمع مالا عظيما بكد شديد ومباشرة الاهوال ، وتعرض الاخطار ، ثم أفنى ماله صدقات ومبرات ، وأفنى شبانه وقوته في عبادات وصلوات ، وهو مع ذلك لا يري لعلي بن أبي طالب عليه السلام حقه ، ولا يعرف له في الاسلام محله ، ويرى أن من لا يعشره ولا يعشر عشير معشاره أفضل منه عليه السلام يوقف على الحجج فلا يتأملها ، ويحتج عليه بالايات والاخبار فيأبى إلا تماديا في غيه ، فذاك أعظم من كل حسرة ، يأتي يوم القيامة ، وصدقاته ممثلة له في مثال الافاعي تنهشه ، وصلواته وعباداته ممثلة له في مثل الزبانية تتبعه ، حتى تدعه إلى جهنم دعا . يقول : يا ويلي ألم أك من المصلين ؟ ألم أك من المزكين ؟ ألم أك عن أموال الناس من المتعففين ، فلما ذا دهيت ؟ فيقال له : يا شقي ما نفعك ما عملت وقد ضيعت أعظم الفروض بعد توحيد الله ، والايمان بنبوة محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ضيعت ما لزمك من معرفة حق علي ولي الله ، والتزمت ما حرم الله عليك من الايتمام بعدو الله ، فلو كان بدل أعمالك هذه عبادة الدهر من أوله إلى آخره وبدل صدقاتك الصدقة بكل أموال الدنيا بل بملء الارض ذهبا ، لما زادك ذلك من رحمة الله إلا بعدا ، ومن سخط الله إلا قربا . 
* قال الامام الحسن عليه السلام : قال أميرالمؤمنين صلوات الله عليه : قال رسول الله صلى الله عليه وآله قال الله تعالى : قولوا ( إياك نستعين ) على طاعتك وعبادتك ، وعلى رفع شرور أعدائك ، ورد مكائدهم ، والمقام على ماأمرت به ، وقال صلى الله عليه وآله عن جبرئيل عن الله عزوجل : يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ، فاسألوني الهدى أهدكم ، وكلكم فقير إلا من أغنيت ، فاسألوني الغنا أرزقكم ، وكلكم مذنب إلا من عافيته ، فاسألوني المغفرة أغفرلكم . ومن علم أني ذو قدرة على المغفرة فاستغفرني بقدرتي ، غفرت له ، ولا ابالي ولو أن أولكم وآخركم ، وحيكم وميتكم ، ورطبكم ويا بسكم اجتمعوا على إنقاء قلب عبد من عبادي لم يزيدوا في ملكي جناح بعوضة ، ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويا بسكم اجتمعوا على إشقاء قلب عبد من عبادي لم  ينقصوا من ملكي جناح بعوضة ، ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويا بسكم اجتمعوا فتمنى كل واحد ما بلغت امنيته فأعطيته لم يتبين ذلك في ملكي ، كما لو أن أحدكم مر على شفير البحر فغمس فيه أبرة ثم انتزعها ذلك بأني جواد ماجد واجد عطائي كلام ، وعداتي كلام ، فإذا أردت شيئا فانما أقول له كن فيكون . يا عبادي اعملوا أفضل الطاعات وأعظمها لا سامحكم وإن قصرتم فيما سواها واتركوا أعظم المعاضي وأقبحها لئلا انا قشكم في ركوب ما عداها ، إن أعظم الطاعات توحيدي ، وتصديق نبيي والتسليم لمن ينصبه بعده ، وهو علي بن أبي طالب والائمة الطاهرين من نسله صلوات الله عليهم ، وإن أعظم المعاصي عندي الكفر بي وبنبيي ومنا بذة ولي محمد بعده علي بن أبي طالب وأولياؤه بعده . فان أردتم أن تكونوا عندي في المنظر الاعلى ، والشرف الاشرف ، فلا يكونن أحد من عبادي آثر عندكم من محمد ، وبعده من أخيه علي ، وبعدهما من أبنائهما القائمين بامور عبادي بعدهما ، فان من كان ذلك عقيدته جعلته من أشرف ملوك جناني . واعلموا أن أبغض الخلق إلي من تمثل بي وادعى ربوبيتي ، وأبغضهم إلى بعده من تمثل بمحمد ونازعه نبوته وادعاها ، وأبغضهم إلى بعده من تمثل بوصي محمد ونازعه محله وشرفه وادعا هما ، وأبغضهم إلى بعد هؤلاء المدعين لماهم به لسخطي متعرضون ، من كان لهم على ذلك من المعاونين ، وأبغض الخلق إلي بعد هؤلاء من كان من الراضين بفعلهم ، وإن لم يكن لهم من المعاونين . كذلك أحب الخلق إلى القوامون بحقي وأفضلهم لدي وأكرمهم علي محمد سيد الورى ، وأكرمهم وأفضلهم بعده علي أخوا المصطفى المرتضى ، ثم من بعده من القوامين بالقسط من أئمة الحق ، وأفضل الناس بعدهم من أعانهم على حقهم وأحب الخلق إلى بعدهم من أحبهم وأبغض أعداءهم ، وإن لم يمكنه معونتهم . قوله عزوجل : ( اهدنا الصراط المستقيم ) قال الامام عليه السلام ( اهدنا الصراط المستقيم ) نقول : أدم لنا توفيقك الذي أطعناك في ماضي أيا منا حتى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا . والصراط المستقيم ، هو صراطان : صراط في الدنيا ، وصراط في الاخرة ، فأما الطريق المستقيم في الدنيا فهو ما قصر عن الغلو وارتفع عن التقصير ، واستقام فلم يعدل إلى شئ من الباطل ، والطريق الاخر طريق المؤمنين إلى الجنة الذي هو مستقيم ، لا يعدلون عن الجنة إلى النار ، ولا إلى غير النار سوى الجنة . 
* وقال جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : قوله عزوجل ( اهدنا الصراط المستقيم ) نقول : أرشدنا للصراط المستقيم ، أي للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك ، والمبلغ إلى جنتك ، والمانع أن نتبع أهواء نا فنعطب ، ونأخذ بآرائنا فنهلك. 
* ثم قال الصادق عليه السلام : طوبى للذين هم كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( يحمل هذا العلم من كل خلف عدول ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ) فقال رجل : يا ابن رسول الله إني عاجز ببدني عن نصرتكم ولست أملك إلا البراءة من أعدائكم ، واللعن لهم ، فكيف حالي ؟ فقال له الصادق عليه السلام : حدثني أبي ، عن أبيه عن جده عليهم السلام ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : من ضعف عن نصرتنا أهل البيت ، فلعن في خلواته أعداءنا ، بلغ الله صوته جميع الاملاك من الثرى إلى العرش ، فكلما لعن هذا الرجل أعداءنا لعنا ساعدوه ، ولعنوا من يلعنه ، ثم ثنوا فقالوا : اللهم صل على عبدك هذا ، الذي قد بذل ما في وسعه ، ولو قدر على أكثر منه لفعل ، فإذا النداء من قبل الله عزوجل : قد أجبت دعاءكم وسمت نداءكم ، وصليت على روحه في الارواح ، وجعلته عندي من المصطفين الاخيار . قوله عزوجل : ( صراط الذين أنعمت عليهم ) قال الامام عليه السلام : ( صراط الذين أنعمت عليهم ) أي قولوا : اهدنا الصراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك وطاعتك ، وهم الذين قال الله تعالى : ( ومن يطع الله والرسول فاولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا ) ثم قال : ليس هؤلاء المنعم عليهم بالمال وصحة البدن وإن كان كل هذا نعمة من الله ظاهرة ، ألا ترون أن هؤلاء قد يكونون كفارا أو فساقا ؟ فما ندبتم بأن تدعوا بأن ترشد وا إلى صراطهم ، وإنما امرتم بالدعاء لان ترشدوا إلى صراط الذين أنعم عليهم بالايمان بالله ، وتصديق رسول الله صلى الله عليه وآله وبالولاية لمحمد وآله الطيبين ، وبالتقية الحسنة التي بها يسلم من شر عبادالله ، ومن الزيادة في آثام أعداء الله وكفرهم ، بأن تداريهم ولا تغريهم بأذاك وأذى المؤمنين ، وبالمعرفة بحقوق الاخوان من المؤمنين . فانه ما من عبد ولا أمة والى محمدا وآل محمد ، وعادى من عاداهم إلا كان قد اتخذ من عذاب الله حصنا منيعا ، وجنة حصينة ، وما من عبد ولا أمة دارى عبادالله بأحسن المداراة ، ولم يدخل بها في باطل ولم يخرج بها من حق إلا جعل الله نفسه تسبيحا وزكى عمله ، وأعطاه لصبره على كتمان سرنا واحتمال الغيظ لما يسمعه من أعدائنا ثواب المتشحط بدمه في سبيل الله .وما من عبد أخذ نفسه بحقوق إخوانه فوفاهم حقوقهم جهده ، وأعطاهم ممكنه ، ورضي منهم يعفوهم ، وترك الاستقصاء عليهم ، فما يكون من زللهم غفرها لهم ، إلا قال الله عزوجل له يوم القيامة : يا عبدي قضيت حقوق إخوانك ، ولم تستقص عليهم فيمالك عليهم ، فأنا أجود وأكرم ، وأولى بمثل ما فعلته من المسامحة والتكرم ، فأنا أقضيك اليوم على حق وعدتك به ، وأزيدك من فضلي الواسع ، ولا أستقصي عليك في تقصيرك في بعض حقوقي قال : فيلحقه محمدا وآله وأصحابه ، ويجعله من خيار شيعتهم . ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لبعض أصحابه ذات يوم : يا عبدالله أحب في الله وأبغض في الله ، وعاد في الله ، فانه لا تنال ولاية الله إلا بذلك ، ولا يجد أحد طعم الايمان ، وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك ، وقد صارت مواخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا ، علهيا يتوادون وعليها يتباغضون ، وذلك لا يغني عنهم من الله شيئا . فقال الرجل : يا رسول الله وكيف لي أن أعلم أني قد واليت وعاديت في الله ومن ولي الله حتى اواليه ؟ ومن عدوالله حتى اعاديه ؟ فأشار له رسول الله صلى الله عليه وآله إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : أترى هذا ؟ قال : بلى ، قال : ولي هذا ولي الله فواله ، وعدو هذا عدو الله فعاده ، ووال ولي هذا ولو أنه قاتل أبيك وولدك ، وعاد عدو هذا ولو أنه أبوك وولدك . قوله عزوجل ( غير المغضوب عليهم * ولا الضالين ) قال أميرالمؤمنين عليه السلام : أمر الله عباده أن يسألوه طريق المنعم عليهم ، وهم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون ، وأن يستعيذوا من طريق المغضوب عليهم ، وهم اليهود الذين قال الله تعالى فيهم : ( هل ابنئكم بشر من ذلك مثوبة عندالله من لعنه الله وغضب عليه ) وأن يستعيذوا به عن طريق الضالين ، وهم الذين قال الله فيهم : ( قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا اكثيرا وضلوا عن سواء السبيل ) وهم النصارى . ثم قال أميرالمؤمنين علي عليه السلام : كل من كفر بالله فهو مغضوب عليه ، وضال عن سبيل الله ، وقال الرضا عليه السلام كذلك وزاد فيه : ومن تجاوز بأميرالمؤمنين العبودية فهو من المغضوب عليهم ومن الضالين
 * فيما كتب أميرالمؤمنين عليه السلام إلى ملك الروم حين سأله عن تفسير فاتحة الكتاب كتب إليه : أما بعد فاني أحمد الله الذي لا إله إلا هو عالم الخفيات ، ومنزل البركات ، من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل الله فلا هادي له ، ورد كتابك وأقرأنيه عمر بن الخطاب فأما سؤالك عن اسم الله تعالى فانه اسم فيه شفاء من كل داء ، وعون على كل دواء ، وأما ( الرحمن ) فهو عوذة لكل من آمن به ، وهو اسم لم يسم به غير الرحمن تبارك وتعالى ، وأما ( الرحيم ) فرحم من عصى وتاب ، وآمن وعمل صالحا . 
* وأما قوله : ( الحمدلله رب العالمين ) فذلك ثناء منا على ربنا تبارك وتعالى بما أنعم علينا ، وأما قوله : ( مالك يوم الدين ) فانه يملك نواصي الخلق يوم القيامة ، وكل من كان في الدنيا شا كا أو جبارا أدخله النار ، ولا يمتنع من عذاب الله عزوجل شاك ولا جبار ، وكل من كان في الدنيا طائعا مديما محافظا إياه أدخله الجنة برحمته . وأما قوله : ( إياك نعبد ) فانا نعبدالله ولا نشرك به شيئا ، وأما قوله : ( إياك نستعين ) فانا نستعين بالله عزوجل على الشيطان الرجيم ، لا يضلنا كما أضلكم ، وأما قوله : ( اهدنا الصراط المستقيم ) فذلك الطريق الواضح ، من عمل في الدنيا عملا صالحا فانه يسلك على الصراط إلى الجنة ، وأما قوله : ( صراط الذين أنعم عليهم ) فتلك النعمة التي أنعمها الله عزوجل على من كان قبلنا من النبيين والصديقين ، فنسأل الله ربنا أن ينعم علينا كما أنعم عليهم . وأما قوله : ( غير المغضوب عليهم ) فاولئك اليهود بد لوا نعمة الله كفرا ، فغضب عليهم فجعل منهم القردة والخنازير ، فنسأل الله تعالى أن لا يغضب علينا كما غضب عليهم ، وأما قوله : ( ولا الضالين ) فأنت وأمثالك يا عابد الصليب الخبيث ضللتم من بعد عيسى بن مريم فنسأل الله ربنا أن لا يضلنا كما ضللتم .