العتبة العلوية المقدسة - خطبة له عليه السلام يقسم الناس فيه خمسة أصناف -
» » سيرة الإمام » بلاغة الامام علي وحكمته » خطب الامام علي عليه السلام » خطبة له عليه السلام يقسم الناس فيه خمسة أصناف

خطبة له عليه السلام يقسم الناس فيه خمسة أصناف


أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا قَدْ أَصْبَحْنَا في دَهْر عَنُود، وَزَمَن كَنُود، يُعَدُّ فِيهِ الُمحْسِنُ مُسِيئاً، وَيَزْدَادُ الظَّالِمُ فِيهِ عُتُوّاً، لاَ نَنْتَفِعُ بِمَا عَلِمْنَا، وَلاَ نَسْأَلُ عَمَّا جَهِلْنَا، وَلاَ نَتَخَوَّفُ قَارِعَةً حَتَّى تَحُلَّ بِنَا.

وَبَقِيَ رِجَالٌ غَضَّ أَبْصَارَهُمْ ذِكْرُ الْمَرْجِعِ، وَأَرَاقَ دُمُوعَهُمْ خَوْفُ الْـمَحْشَرِ، فَهُمْ بَيْنَ شَرِيد نَادٍّ، وَخَائِف مَقْمُوع، وَسَاكِت مَكْعُوم، وَدَاع مُخْلِص، وَثَكْلاَنَ مُوجَع، قَدْ أَخْمَلَتْهُمُ التَّقِيَّةُ، وَشَمِلَتْهُمُ الذِّلَّةُ، فَهُمْ في بَحْر أُجَاج، أَفْوَاهُهُمْ ضَامِزَةٌ، وَقُلُوبُهُمْ قَرِحَةٌ، قَدْ وَعَظُوا حَتَّى مَلُّوا، وَقُهِرُوا حَتَّى ذَلُّوا، وَقُتِلُوا حَتَّى قَلُّوا.

فَالنَّاسُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَاف:مِنْهُمْ مَنْ لاَ يَمْنَعُهُ الفَسَادَ في الاْرْضِ إِلاَّ مَهَانَةُ نَفْسِهِ، وَكَلاَلَةُ حَدِّهِ، وَنَضِيضُ وَفْرِهِ.وَمِنْهُمُ المُصْلِتُ لِسَيْفِهِ، وَالمُعْلِنُ بِشَرِّهِ، وَالُمجْلِبُ بِخَيْلِهِ وَرَجِلِهِ، قَدْ أَشْرَطَ نَفْسَهُ، وَأَوْبَقَ دِينَهُلِحُطَام يَنْتَهِزُهُ، أَوْ مِقْنَب يَقُودُهُ، أَوْ مِنْبَر يَفْرَعُهُ. وَلَبِئْسَ المَتْجَرُ أَنْ تَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِكَ ثَمَناً، وَمِمَّا لَكَ عِنْدَ اللهِ عِوَضاً!وَمِنْهُمْ مَنْ يَطلُبُ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الاْخِرَةِ، وَلاَ يَطْلُبُ الاْخِرَةَ بِعَمَلِ الدُّنْيَا، قَدْ طَامَنَ مِنْ شَخْصِهِ، وَقَارَبَ مِنْ خَطْوِهِ، وَشَمَّرَ مِنْ ثَوْبِهِ، وَزَخْرَفَ مِنْ نَفْسِهِ لِلاْمَانَةِ، وَاتَّخَذَ سِتْرَ اللهِ ذَرِيعَةً إِلَى المَعْصِيَةِ.وَمِنْهُمْ مَنْ أقْعَدَهُ عَنْ طَلَبِ المُلْكِ ضُؤولَةُ نَفْسِهِ، وَانقِطاعُ سَبَبِهِ، فَقَصَرَتْهُ الحالُ عَلَى حَالِهِ، فَتَحَلَّى بِاسْمِ القَنَاعَةِ، وَتَزَيَّنَ بِلِبَاسِ أَهْلِ الزَّهَادَةِ، وَلَيْسَ مِنْ ذلِكَ في مَرَاح وَلاَ مَغْدىً.

فَلْتَكُنِ الدُّنْيَا أَصْغَرَ في أَعْيُنِكُمْ مِنْ حُثَالَةِ الْقَرَظِ، وَقُرَاضَةِ الْجَلَمِ، وَاتّعِظُوا بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَّعِظَ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ; وَارْفُضُوهَا ذَمِيمَةً، فَإِنَّهَا قَد رَفَضَتْ مَنْ كَانَ أَشْغَفَ بِهَا مِنْكُمْ.