خطبة له عليه السّلام في المناجاة
اِلهى تَوَعَّرَتِ الطُّرُقُ ، وَ قَلَّ السَّالِكُونَ ، فَكُنْ اَنيسى فى وَحْدَتى ، وَ جَليسى فى خَلْوَتى ، فَاِليْكَ اَشكُو فَقْرى وَ فاقَتى ، وَ بِكَ اَنْزَلْتُ ضُرّى وَ مَسْكَنَتى ، لِأَنَّكَ غايَةُ اُمْنِيَّتى ، وَ مُنْتَهى بُلُوغِ طَلِبَتى . فَيا فَرْحَةً لِقُلُوبِ الْواصِلين ، وَ يا حَياةً لِنُفُوسِ الْعارِفينَ ، وَ يا نِهايَةَ شَوْقِ الْمُحِبّينَ ، اَنْتَ الَّذى بِفِنآئِكَ حُطَّتِ الرِّحالُ ، وَ اِلَيْكَ قَصَدَتِ الْامالُ ، وَ عَلَيْكَ كانَ صِدْقُ الْأِتِّكالِ ، فَيا مَنْ تَفَرَّدَ بِالْكَمالِ ، وَ تَسَرْبَلَ بِالْجَمالِ ، وَ تَعَزَّزَ بِالْجَلالِ ، وَ جادَ بِاْلأِفْضالِ ، لا تَحْرِمْنا مِنْكَ النَّوالَ .
اِلهى بِكَ لاذَتِ الْقُلُوبُ ، لِأَنَّكَ غايَةُ كُلِّ مَحْبُوبٍ ، وَ بِكَ اسْتَجادَتْ فَرَقاً مِنَ الْغُيُوبِ ، وَ اَنْتَ الَّذى عَلِمْتَ فَحَلُمْتَ ، وَ نَظَرْتَ فَرَحِمْتَ ، وَ خَبَرْتَ فَسَتَرْتَ ، وَ غَضِبْتَ فَغَفَرْتَ ، فَهَلْ مُؤَمَّلٌ غَيْرُكَ فَيُرْجى ، اَمْ هَلْ رَبٌّ سِواكَ فَيُخْشى ، اَمْ هَلْ مَعْبُودٌ سِواكَ فَيُدْغى ، اَمْ هَلْ قَدَمٌ عِنْدَ الشَّدآئِدِ اِلاَّ وَ هِىَ اِلَيْكَ تَسْعى ، فَوَ عِزَّتِكَ يا سُرُورَ الْاَرْواحِ ، وَ يا مُنْتَهى غايَةِ الْأَفْلاحِ اِنّى لا اَمْلِكُ غَيْرَ ذُلّى وَ مَسْكَنَتى لَدَيْكَ ، وَ فَقْرى وَ صِدْقَ تَوَكُّلى عَلَيْكَ ، فَاَنَا الْهارِبُ اِلَيْكَ ، وَ اَنَا الطَّالِبُ مِنْكَ ما لا يَخْفى عَلَيْكَ ، فَاِنْ عَفَوْتَ فَبِفَضْلِكَ ، وَ اِنْ عاقَبْتَ فَبِعَدْلِكَ ، وَ اِنْ مَنَنْتَ فَبِجُودِكَ ، وَ اِنْ تَجاوَزْتَ فَبِدَوامِ خُلُودِكَ .
اِلهى بِجَلالِ كِبْرِيآئِكَ اَقْسَمْتُ ، وَ بِدَوامِ خُلُودِ بَقآئِكَ الَيْتُ ، اَنّى لا بَرِحْتُ مُقيماً بِبابِكَ حَتّى تُؤْمِنَنى مِنْ سَطَواتِ عَذابِكَ ، وَ لا اَقْنَعُ بِالصَّفْحِ عَنْ سَطَواتِ عَذابِكَ ، حَتّى اَرُوحَ بِجَزيلِ ثَوابِكَ .
اِلهى عَجَباً لِقُلُوبٍ سَكَنَتْ اِلىَ الدُّنْيا ، وَ تَرَوَّحَتْ بِرَوْحِ الْمُنى ، وَ قَدْ عَمِلَتْ اَنَّ مُلْكَها زآئِلٌ ، وَ نَعيمَها راحِلٌ ، وَ ظِلَّها افِلٌ ، وَ سَنَدَها مآئِلٌ ، وَ حُسْنَ نَضارَةِ بَهْجَتِها حآئِلٌ ، وَ حَقيقَتَها باطِلٌ ، كَيْفَ يَشْتاقُ اِلى رَوْحِ مَلَكُوتِ السَّمآءِ ، وَ اَنّى لَهُمْ ذلِكَ ، وَ قَدْ شَغَلَهُمْ حُبُّ الْمَهالِكِ ، وَ اَضَلَّهُمُ الْهَوى عَنْ سَبيلِ الْمَهالِكِ
اِلهىِ اجْعَلْنا مِمَّنْ هامَّ بِذِكْرِكَ لُبُّهُ ، وَ طارَ مِنْ شَوْقِهِ اِلَيْكَ قَلْبُهُ فَاحْتَوَتْهُ عَلَيْهِ دَواعى مَحَبَّتِكَ ، فَحَصَلَ اَسيراً فى قَبْضَتِكَ .
اِلهى كَيْفَ اُثْنى وَ بَدْءُ الثَّنآءِ مِنْكَ ، عَلَيْكَ ، وَ اَنْتَ الَّذى لا يُعَبِّرُ عَنْ ذاتِهِ نُطْقٌ ، وَ لا يَعْيِهِ سَمْعٌ ، وَ لا يَحوْيهِ قَلْبٌ ، وَ لا يدْرِكُهُ وَهْمٌ ، وَ لا يَصْحَبُهُ عَزْمٌ ، وَ لا يَخْطُرُ عَلى بالٍ ، فَاَوْزِعْنى شُكْرَكَ ، وَ لا تُؤْمِنّى مَكْرَكَ ، وَ لا تُنْسِنى ذِكْرَكَ ، وَ جُدْ بِما اَنْتَ اَوْلى اَنْ تَجُودَ بِهِ ، يا اَرْحَمَ الرَّاحِمينَ .