كتاب الإمام الحسين ( عليه السلام ) إلى أشراف البصرة
*- وعنه : قال هشام : قال أبو مخنف : حدّثني الصقعب بن زهير ، عن أبي عثمان النهدي ، قال : كتب حسين ( عليه السلام ) مع مولى لهم يقال له : سليمان ، وكتب بنسخة إلى رؤوس الأخماس بالبصرة ، وإلى الأشراف ، فكتب إلى مالك بن مسمع البكري ، وإلى الأحنف بن قيس ، وإلى المنذر بن الجارود ، وإلى مسعود بن عمرو ، وإلى قيس بن الهيثم ، وإلى عمرو بن عبيد الله بن معمّر ، فجاءت منه نسخة واحدة إلى جميع أشرافها . أَمّا بَعْدُ ، فَإِنَّ الله اصْطَفى مُحَمَّداً ( صلى الله عليه وآله ) عَلى خَلْقِهِ ، وَأَكْرَمَهُ بِنُبُوَّتِهِ ، وَاخْتارَهُ لِرسالَتِهِ ، ثُمَّ قَبَضَهُ اللهُ إِلَيْهِ ، وَقَدْ نَصَحَ لِعِبادِهِ ، وَبَلَّغَ ما أُرْسِلَ بِهِ ( صلى الله عليه وآله ) وَكُنّا أَهْلَهُ وَأَوْلِياءَهُ وَأَوصِياءَهُ وَوَرَثَتَهُ ، وَأَحَقَّ النّاسِ بِمَقامِهِ فِي النّاسِ ، فَاسْتَأْثَرَ عَلَيْنا قَوْمُنا بِذلِكَ ، فَرَضينا وَكَرِهْنَا الْفُرْقَةَ وَأَحْبَبْنَا الْعافِيَةَ ، وَنَحَنُ نَعْلَمُ أَنّا أَحَقُّ بِذلِكَ الْحَقِّ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْنا مِمَّنْ تَوَلاّهُ ، وَقَدْ أَحْسَنُوا وَأَصْلَحُوا وَتَحرُّوا الْحَقَّ ، فَرَحِمَهُمُ اللهُ وَغَفَرَ لَنا وَلَهُمْ . وَقَدْ بَعَثْتُ رَسُولي إِلَيْكُمْ بِهذَا الْكِتابِ ، وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلى كِتابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبيِّهِ ( صلى الله عليه وآله ) ، فَاِنَّ السُنَّةَ قَدْ أُميتَتْ ، وَإِنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ أُحيِيَتْ ، وَإِنْ تَسْمَعُوا قَوْلي وَتُطيعُوا أَمْري أَهْدِكُمْ سَبيلَ الرَّشادِ ، وَالسَّلامُ عَلَيْكُم وَرَحْمَةُ اللهِ . ([1])
*- السيّد ابن طاووس : وكان الحسين ( عليه السلام ) قد كتب إلى جماعة من أشراف البصرة كتاباً مع مولى له اسمه سليمان ويكنّى أبارزين ، يدعوهم إلى نصرته ولزوم طاعته ، منهم : يزيد بن مسعود النهشلي ، والمنذر بن الجارود العبدي . فجمع يزيد بن مسعود بني تميم وبني حنظلة وبني سعد ، فلمّا حضروا قال : يا بني تميم ! كيف ترون موضعي فيكم ، وحسبي منكم ؟ فقالوا : بخّ بخّ ، أنت والله ! فقرة الظهر ، ورأس الفخر ، حللت في الشرف وسطاً ، وتقدّمت فيه فرطاً . قال : فإنّي قد جمعتكم لأمر أُريد أن أُشاوركم فيه ، وأستعين بكم عليه . فقالوا : إنّا والله ! نمنحك النصيحة ، ونحمد لك الرأي ، فقل حتّى نسمع . فقال : إنّ معاوية مات ، فأهون به والله هالكاً ومفقوداً ، ألا وإنّه قد انكسر باب الجور والإثم ، وتضعضعت أركان الظلم ، وقد كان أحدث بيعة عقد بها أمراً ظنّ أنّه قد أحكمه ، وهيهات والذي أراد ، اجتهد والله ففشل ، وشاور فخذل ، وقد قام ابنه يزيد شارب الخمور ، ورأس الفجور ، يدّعي الخلافة على المسلمين ، ويتأمّر عليهم بغير رضى منهم ، مع قصر حلم ، وقلّة علم ، لا يعرف من الحقّ موطئ قدمه . فأُقسم بالله قسماً مبروراً ! لجهاده على الدّين أفضل من جهاد المشركين ، وهذا الحسين بن عليّ ، ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ذو الشرف الأصيل ، والرأي الأثيل ، له فضل لا يوصف ، وعلم لا ينزف ، وهو أولى بهذا الأمر ؛ لسابقته وسنّه وقدمه وقرابته ، يعطف على الصغير ، ويحنو على الكبير ، فأكرم به راعي رعية ، وإمام قوم وجبت للّه به الحجّة ، وبلغت به الموعظة ، فلا تعشوا عن نور الحقّ ، ولا تسكّعوا في وهدة الباطل ، فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل ، فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله ونصرته ، والله ! لا يقصّر أحد عن نصرته إلاّ أورثه الله الذلّ في ولده ، والقلّة في عشيرته ، وها أنا ذا قد لبست للحرب لامتها ، وادّرعت لها بدرعها ، من لم يُقتل يمت ، ومن يهرب لم يفت ، فأحسنوا رحمكم الله ردّ الجواب . فتكلّمت بنو حنظلة فقالوا : يا أبا خالد ! نحن نبل كنانتك ، وفرسان عشيرتك ، إن رميت بنا أصبت ، وإن غزوت بنا فتحت ، لا تخوض والله ! غمرة إلاّ خضناها ، ولا تلقى والله ! شدّة إلاّ لقيناها ، ننصرك بأسيافنا ، ونقيك بأبداننا ، إذا شئت فافعل . وتكلّمت بنو سعد بن زيد ، فقالوا : يا أبا خالد ! إنّ أبغض الأشياء إلينا خلافك والخروج من رأيك ، وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال ، فحمدنا أمرنا وبقي عزّنا فينا ، فأمهلنا نراجع المشورة ويأتيك رأينا . وتكلّمت بنو عامر بن تميم ، فقالوا : يا أبا خالد ! نحن بنو عامر ، بنو أبيك وحلفاؤك لا نرضى إن غضبت ، ولا نقطن إن ظعنت ، والأمر إليك فادعنا نجبك ، وأمرنا نطعك ، والأمر لك إذا شئت . فقال : والله ! يا بني سعد ! لئن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم أبداً ، ولا زال سيفكم فيكم . ثمّ كتب إلى الحسين ( عليه السلام ) : بسم الله الرحمن الرحيم ، أمّا بعد فقد وصل إليّ كتابك وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له ، من الأخذ بحظّي من طاعتك والفوز بنصيبي من نصرتك ، وإنّ الله لم يُخلِ الأرض قطّ من عامل عليها بخير ، أو دليل على سبيل نجاة ، وأنتم حجّة الله على خلقه ، ووديعته في أرضه ، تفرّعتم من زيتونة أحمديّة هو أصلها ، وأنتم فرعها ، فأقدم سعدت بأسعد طائر ، فقد ذلّلت لك أعناق بني تميم ، وتركتهم أشدّ تتابعاً في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها وكضّها ، وقد ذلّلت لك [ رقاب ] بني سعد ، وغسلت درن صدورها بماء سحابة مزن حين استهلّ برقها فلمع . فلمّا قرأ الحسين ( عليه السلام ) الكتاب قال : ما لَكَ آمَنَكَ اللهُ يَوْمَ الْخَوْفِ ، وَأَعزَّكَ وَأَرْواكَ يَوْمَ الْعَطَشِ ، فلمّا تجهّز المشار إليه للخروج إلى الحسين بلغه قتله قبل أن يسير ، فجزع من انقطاعه عنه . وأمّا المنذر بن جارود فإنّه جاء بالكتاب والرسول إلى عبيد الله بن زياد ، لأنّ المنذر خاف أن يكون الكتاب دسيساً من عبيد الله ، وكانت بحرية بنت المنذر بن جارود تحت عبيد الله بن زياد ، فأخذ عبيد الله الرسول فصلبه ، ثمّ صعد المنبر فخطب وتوعّد أهل البصرة على الخلاف ، وإثارة الأرجاف . ([2])