خطبته عليه السلام في تنزيه الخالق عن الوصف
من خطبة له عليه السّلام فى علوّه تبارك و تعالى عن نعت المخلوقين خطبها يوم الجمعة فى مسجد الكوفة :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذى لا مِنْ شَىْءٍ كانَ ، وَ لا مِنْ شَىْءٍ كَوَّنَ ما قَدْ كانَ مُسْتَشْهَدٌ بِحُدُوثِ الْاَشْيآءِ عَلى اَزَلِيَّتِهِ ، وَ بِما وَسَمَها بِهِ مِنَ الْعجْزِ عَلى قُدْرَتِهِ ، وَ بِما اضْطَرَّها اِلَيْهِ مِنَ الْفَنآءِ عَلى دَوامِهِ .
لَمْ يَخْلُ مِنْهُ مَكانٌ فَيدْرَكَ بِاِنِّيَّتِهِ ، وَ لا لَهُ شَبَحُ مِثالٍ فَيُوصَفَ بِكَيْفِيَّتِهِ ، وَ لَمْ يَغِبْ عَنْ شَىْءٍ فَيُعْلَمَ بِحَيْثيَّتِهِ ، مُبايِنٌ لِجَميعِ ما جَرا فِى الصِّفاتِ ، مُمْتَنِعٌ عَنِ الْأِدْراكِ بِمَا ابْتَدَعَ مِنْ تَصْريفِ الذَّواتِ ، وَ خارِجٌ بِالْكِبْرِيآءِ وَ الْعَظَمَةِ مِنْ جَميعِ تَصَرُّفِ الْحالاتِ ، مُحَرَّمٌ عَلى بوارِعِ الْفِطَنِ تَحْديدُهُ ، وَ عَلى غَواصِ الْفِكَرِ تَصْويرُهُ ، لا تَحْويهِ الْأَماكِنُ لِعَظَمَتِهِ ، وَ لا تُدْرِكُهُ الْاَبْصارُ لِجَلالَتِهِ ، مُمْتَنِعٌ مِنَ الْاَوْهامِ اَنْ يَسْتَغْرِقَهُ ، وَ عَنِ الْاَذْهانِ اَنْ تُمَثِّلَهُ ، قَدْ يَئِسَتْ مِنَ الْأِحاطَةِ بِهِ طَوامِحُ الْعُقُولِ ، وَ نَصَبَتْ عَنِ الْاِشارَةِ اِلَيْهِ بِالْاِكْتِناهِ بِحارُ الْعُلُومِ ، واحِدٌ لا مِنْ عَدَدٍ ، وَ دآئِمٌ لا بِاَمَدٍ ، وَ قآئِمٌ لا بِعَمَدٍ ، لَيْسَ بِجِنْسٍ فَتَعادَ لَهُ الْأَجْناسُ ، وَ لا بِشَبَحٍ فَتُضارِعَهُ الْاَشْباحُ ، مُقْتَدِرٌ بِالْأَلآءِ ، مُمْتَنِعٌ بِالْكِبْرِيآءِ ، مُتَمَلِّكٌ عَلىَ الْاَشْيآءِ ، لا دَهْرٌ يُخْلِقُهُ ، وَ لا وَصْفٌ يُحيطُ بِهِ ، خَضِعَتْ لَهُ الصِّعابُ ، وَ اَذْعَنَتْ لَهُ رَواصِنُ الْأَسْبابِ ، مُسْتَشْهَدٌ بِعِجْزِ الْأَشْيآءِ عَلى قُدْرَتِهِ ، وَ بِزَوالِها عَلى بَقآئِهِ ، لَيْسَ لَها خُرُوجٌ عَنْ اِحاطَتِهِ بِها ، وَ لاَ احْتِجابٌ عَنْ اِحْصآئِهِ لَها ، وَ لا امْتِناعٌ مِنْ قُدْرَتِهِ عَلَيْها ، كَفى بِاِتْقانِ الصُّنْعِ لَها ايَةً ، وَ بِاِحْكامِ الصَّنْعَةِ لَها عَبْرَةً ، لَيْسَ لَهُ مَثَلٌ مَضْرُوبٌ ، وَ لا شَىْءٌ عَنْهُ مَحْجُوبٌ ، تَعالى عَنِ الْأَمْثالِ الْمَضْرُوبَةِ ، وَ الصِّفاتِ الْمَخْلُوقَةِ عُلُوًّا كَبيراً .