ليلة العقبة
وحين فشلت محاولات المشركين وخمدت نيران كفرهم واصبحوا ممن لايعتد بقوله وفعله دخلوا في الاسلام كارهين الا انهم هذه المرة انخرطوا في زمرة المنافقين وبحثوا عمن يوصلهم الى هدفهم الذي سعوا اليه في شركهم فوجدوا في البعض ممن يحسب على الصحابة ، فكانت ليلة العقبة اخطر ليلة مر بها الاسلام في حياة الرسول ارادوا بها القضاء على الاسلام كله نبوة وولاية اذ انقسموا فريقين فرقة تنفر بناقة رسول الله صلى الله عليه واله في الوادي وفرقة تدبر مكيدة في المدينة لامير المؤمنين.
فلقد رامت الفجرة الكفرة ليلة العقبة قتل رسول الله صلى الله عليه واله على العقبة ورام من بقي من مردة المنافقين قتل علي بن ابي طالب عليه السلام فما قدروا على مغالبة ربهم ، حملهم على ذلك حسدهم لرسول الله صلى الله عليه واله في علي عليه السلام ولما فخم من امره وعظم من شأنه ، من ذلك انه لما خرج من المدينة وقد كان خلفه عليها قاله له : ان جبرائيل اتاني وقال لي يامحمد ان العلي الاعلى يقرئك السلام ويقول لك يامحمد اما ان تخرج انت ويقيم علي او يخرج علي وتقيم انت لابد من ذلك ، فان عليا قد ندبته لاحدى اثنتين ، لايعلم احد كنه جلال من اطاعني فيه وعظيم ثوابه غيري ، فلما خلفه اكثر المنافقين الطعن فيه فقالوا : مله وسئمه وكره صحبته ، فتبعه علي عليه السلام حتى لحقه وقد وجد مما قالوا فيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه واله : ما اشخصك عن مركزك ؟ قال : بلغني عن الناس كذا وكذا ، فقال له: اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى ألا انه لانبي من بعدي ،فانصرف علي الى موضعه فدبروا عليه ان يقتلوه وتقدموا في ان يحفروا له في طريقه حفيرة طويلة قدر خمسين ذراعا ، ثم غطوها بحصر رقاق ، ونثروا فوقها يسيرا من التراب بقدر ماغطوا وجوه الحصيرة وكان ذلك على طريق علي عليه السلام الذي لابد من سلوكه ، ليقع هو ودابته في الحفيرة التي قد عمقوها ، وكان ماحوالي المحفور ارض ذات حجارة ، ودبروا على انه اذا وقع مع دابته في ذلك المكان ، كبسوه بالاحجار حتى يقتلوه . فلما بلغ علي عليه السلام قرب المكان ،لوى فرسه عنقه واطاله الله فبلغت جحفلته وقال : ياامير المؤمنين قد حفر ههنا ودبر عليك الحتف وانت اعلم لاتسر فيه .
فقال له علي عليه السلام جزاك الله من ناصح خيرا كما تدبر بتدبيري فان الله عزوجل لايخليك من صنعه الجميل .
وسار حتى شارف المكان ، فتوقف الفرس خوفا من المرور على المكان ، فقال علي عليه السلام : سر باذن الله تعالى سالما سويا عجيبا شأنك ، بديعا أمرك ، فتبادرت الدابة فاذا الله عزوجل قد متن الارض وصلبها ولام حفرها ، وجعلها كسائر الارض ، فلما جاوزها علي عليه السلام لوى الفرس عنقه ووضع جحفلته اذنه ثم قال :
- مااكرمك على رب العالمين جوزك على هذا المكان الخاوي فقال امير المؤمنين عليه السلام : جازاك الله بهذه السلامة عن تلك النصيحة التي نصحتني .
ثم قلب وجه الدابة الى مايلي كفلها والقوم معه ، بعظهم كان امامه وبعظهم خلفه وقال:
- اكشفوا عن هذا المكان ، فكشفوا عنه فاذا هو خاوٍ ولايمر عليه احد الا وقع في الحفيرة ، فاظهر القوم الفزع والتعجب مما رأو فقال عليعليه السلام للقوم :
اتدرون من عمل هذا ؟
قالوا : لاندري
قال عليه السلام لكن فرسي هذا يدري ، ثم قال :
- يا ايها الفرس كيف هذا ؟ ومن دبر هذا ؟
فقال الفرس : ياامير المؤمنين اذا كان الله عزوجل ، يبرم مايروم جهال الخلق نقضه ، او كان ينقض مايروم جهال الخلق ابرامه فالله هو الغالب والخلق هم المغلوبون ، فعل هذا ياامير المؤمنين فلان وفلان وفلان الى ان ذكر العشرة بمواطأة من اربعة وعشرين هم مع رسول الله صلى الله عليه واله في طريقه ، ثم دبروا هم على ان يقتلوا رسول الله صلى الله عليه واله على العقبة ، والله عزوجل من وراء حياطه رسول الله صلى الله عليه واله وولي الله لايغلبه الكافرون ، فاشار بعض اصحاب امير المؤمنين عليه السلام بان يكاتب رسول الله صلى الله عليه واله بذلك ، ويبعث رسولا سريعا .
فقال امير المؤمنين عليه السلام : ان رسول الله الى رسوله اسرع وكاتبه اليه اسبق فلا يهمكم هذا .
فلما قرب رسول الله صلى الله عليه واله من العقبة التي بازاءها فضائح المنافقين والكافرين ، نزل دون العقبة ثم جمعهم فقال لهم :
- هذا جبرائيل الامين يخبرني : ان عليا دبر عليه كذا وكذا ،فدفع الله عزوجل عنه بالطافه ، وعجائب معجزاته ، بكذا وكذا انه صلب الارض تحت حافر دابته ، وارجل اصحابه ثم انقلب على ذلك الموضع علي عليه السلام وكشف عنه ورأيت الحفيرة ، ثم ان الله عزوجل لامها كما كانت لكرامته عليه ، وانه قيل له كاتب بهذا وارسل الى رسول الله صلى الله عليه واله فقال علي رسول الله اسرع وكاتبه اليه اسبق .
ولم يخبرهم رسول الله صلى الله عليه واله بما قال علي عليه السلام على باب المدينة ان من مع رسول الله صلى الله عليه واله سيكيدونه ويدفع الله عزوجل عنه ، فلما سمع الاربعة والعشرون اصحاب العقبة ماقاله رسول الله صلى الله عليه واله في امر علي عليه السلام قال بعضهم لبعض:
- ما امهر محمدا بالمخرقة ان فيجا مسرعا اتاه او طيرا من المدينة من بعض اهله وقع عليه ، ان عليا قتل بحيلة كذا وكذا ، وهو الذي واطأنا عليه اصحابنا ، فهو الان لما بلغه كتم الخبر وقلبه الى هذه يريد ان يسكن من معه لئلا يمدوا ايديهم عليه ، وهيهات والله مالبث علي بالمدينة الا حينه ، ولا اخرج محمد الى هاهنا الا حينة وقد هلك علي وهو ههنا هالك لامحالة ، ولكن تعالوا حتى نذهب اليه ونظهر له السرور بامر علي ، يكون اسكن لقلبه الينا الى ان نمضي فيه تدبيرنا فحضروه وهنأوه على سلامة علي من اتلورطة التي رامها اعداؤه([1])
([1])تفسير الامام العسكري عليه السلام