العتبة العلوية المقدسة - الدكتور نوري جعفر -
» » سيرة الإمام » قالوا في امير المؤمنين » المفكرين المعاصرين » الدكتور نوري جعفر

 الدكتور نوري جعفر

من كتابه (علي ومناوئوه) ينقل بعضها الدكتو طه حسين:

أما اذا نظر الباحث الى مواقف الامام نفسه في حماية الدعوة الاسلامية وصاحبها من مؤامرات كفار قريش، تلك المواقف التي دلت على كفاءته لتسلم خلافة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته من جهة، والتي اهلته لتسنم ذلك المنصب الرفيع من جهة أخرى. فإنه يجد تلك المواقف المشرفة كثيرة العدد تتزاحم بالمناكب وتتدافع بالراح بحيث يصبح أمر الموازنة بينها لاختيار بعضها للاستشهاد به من أصعب الامور. وقبل أن نتطرق إلى ذكر أهمها، يجمل بنا أن نشير إلى الظروف الخاصة التي ربطت بين علي والاسلام من جهة، وبينه وبين النبي من جهة أخرى، وبقدر ما يتعلق الامر بصلة الاسلام بعلي، أو صلة علي بالاسلام، يمكننا أن نقول مع العقاد: لقد ملا الدين الجديد قلباً لم ينازعه فيه منازع من عقيدة سابقة، ولم يخالطه شوب يكدر صفاءه ويرجع به إلى عقابيله، فبحق ما يقال: إن علياً كان المسلم الخالص على سجيته المثلى، وأن الدين الجديد لم يعرف قط أصدق إسلاما منه ولا أعمق نفاذاً فيه.

فقد بعث النبي على ما يقول الدكتور طه حسين: وعليٌّ عنده صبي فأسلم.. وظل بعد إسلامه في حجر النبي يعيش بينه وبين خديجة أم المؤمنين وهو لم يعبد الاوثان قط.. فامتاز بين السابقين الاولين بأنه نشأ نشأة إسلامية خالصة. وامتاز كذلك بأنه نشأ في منزل الوحي بأدق معاني هذه الكلمة.

أما الاثار العميقة التي تركتها هذه البيئة الاسلامية الصافية في خلق الامام، في عقله، وقلبه، ولسانه، ويده، فتعتبر من أوليات الامور المسلم بها عند الباحثين الحديثين في علم النفس، وعلم الاجتماع.

إن علياً كان مهيئاً للخلافة بعد الرسول، هذا إذا نظرنا للخلافة من جوانبها الزمنية، وأن صلاته بالرسول وبالاسلام، وصلات الاسلام والرسول به تؤهله لذلك.

ولو احتج المسلمون أثناء السقيفة بعد وفاة النبي: أن علياً كان أقرب الناس إليه، وكان ربيبه، وكان خليفته على ودائعه، وكان أخاه. بحكم تلك المؤاخاة، وكان ختنه وأبا عقبه، وكان صاحب لوائه، وكان خليفته في أهله، وكانت منزلته منه بمنزلة هارون من موسى بنص الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه.

لو قال المسلمون هذا كله واختاروا علياً بحكم هذا كله، لما أبعدوا ولا انحرفوا.

وكان كل شيء يرشح علياً للخلافة... قرابته من النبي، وسابقته في الاسلام ، ومكانته بين المسلمين، وحسن بلائه في سبيل الله، وسيرته التي لم تعرف العوج قط، وشدته في الدين، وفقهه بالكتاب والسنة، واستقامة رأيه.


خلافة الامام

لقد كان عليّ موفقاً كل التوفيق، ناصحاً للاسلام كل النصح.. صبر نفسه على ما كانت تكره. وطابت نفسه للمسلمين بما كان يراه حقاً.. بايع على ثاني الخلفاء كما بايع أولهم كراهية للفتنة.. ونصحاً للمسلمين.

ولم يظهر مطالبته بما كان يراه حقاً له. ونصح لعمر كما نصح لابي بكر.. وقد بايع عثمان كما بايع الشيخين. وهو يرى أنه مغلوب على حقه. ولكنه على ذلك لم يتردد في البيعة، ولم يقصر في النصح للخليفة الثالث، كما لم يقصر في النصح للشيخين من قبله.. فكان طبيعياً إذن حين قتل عثمان أن يفكر علي في نفسه، وفيم غلب عليه من حقه.

ولكنه مع ذلك لم يطلب الخلافة، ولم ينصب نفسه للبيعة إلا حين استكره على ذلك استكراهاً.

وقد أوجز الامام سياسته العامة في أول خطبة خطبها حين استخلف فقال: إن الله أنزل كتاباً هادياً يبين فيه الخير والشر. فخذوا الخير ودعوا الشر والفرائض أدوها. اتقوا الله عباد الله في عباده وبلاده.. وإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم.

كلمات قصار ولكنها تتضمن إجراء تغيير واسع المدى، وعميق الغور في علاقات المسلمين ببعضهم وبالخليفة.

ومما تجدر الاشارة إليه في هذا الصدد أن الامام - كما يحدثنا مؤرخوه - قد اعتذر مراراً عن قبول الخلافة على الرغم من إلحاح المسلمين عليه.

وقد مر بنا طرف من ذلك.

ولقد أشار الامام نفسه إلى ذلك في مواطن شتى من نهج البلاغة، قال يصف تزاحم المسلمين عليه وإلحاحهم الشديد على مبايعته:

دعوني والتمسوا غيري. فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول، وإن الافاق قد أغامت، والمحجة قد تنكرت. واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل، وعتب العاتب.