العتبة العلوية المقدسة - ثبات امير المؤمنين وهزيمة الاصحاب وفرارهم -
» سيرة الإمام » » جهاد الامام علي عليه السلام » جهادة بعد البعثة » الامام علي عيه السلام في معركة احد » ثبات امير المؤمنين وهزيمة الاصحاب وفرارهم

 ثبات امير  المؤمنين وهزيمة الاصحاب وفرارهم

*- قال ابن أبي الحديد : قد روى كثير من المحدثين أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام حين سقط ثم أقيم :  اكفني هؤلاء  لجماعة قصدت نحوه ، فحمل عليهم فهزمهم ، وقتل منهم عبدالله بن حميد ، ثم حملت عليهم طائفة أخرى فقال له : اكفني هؤلاء ، فحمل عليهم فانهزموا من بين يديه وقتل منهم أمية بن حذيفة المخزومي (شرح نهج البلاغة 3 : 384  ) .

*- و قال ابن ابي الحديد : القول فيمن ثبت من المسلمين مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوم أحد ، قال الواقدي : حدثني موسى بن يعقوب ، عن عمته ، عن أمها ، عن المقداد قال : لما تصاف القوم للقتال يوم أحد جلس رسول الله صلى الله عليه وآله تحت راية مصعب بن عمير ، فلما قتل أصحاب اللواء هزم المشركون الهزيمة الاولى ، وأغار المسلمون على معسكرهم ينهبونه ، ثم كر المشركون على المسلمين ، فأتوهم عن خلفهم ، فتفرق الناس ، ونادى رسول الله صلى الله عليه وآله في أصحاب الالوية فقتل مصعب حامل لوائه ، وأخذ راية الخزرج سعد بن عبادة ، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله تحتها وأصحابه محدقون به ، ودفع لواء المهاجرين إلى أبي الردم أحد بني عبدالدار آخر نهار ذلك اليوم ، ونظرت إلى لواء الاوس مع أسيد بن حضير فناوشوا المشركين ساعة واقتتلوا على اختلاط من
الصفوف ، ونادى المشركين بشعارهم : يا للعزى يا لهبل ، فأوجعوا والله فينا قتلا ذريعا ، ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وآله ما نالوا ، لا والذي بعثه بالحق مازال شبرا واحدا ، إنه لفي وجه العدو تثوب إليه طائفة من أصحابه مرة ، وتتفرق عنه مرة فربما رأيته قائما يرمي حتى تحاجزوا ، وكانت العصابة التي ثبتت مع رسول الله صلى الله عليه وآله أربعة عشر رجلا : سبعة من المهاجرين ، وسبعة من الانصار ، فأما المهاجرون فعلي عليه السلام وأبوبكر وعبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص و طلحة بن عبيدالله وأبوعبيدة بن الجراح والزبير بن العوام ، وأما الانصار فالحباب بن المنذر وأبودجانة وعاصم بن ثابت والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير .

*- قال الواقدي : وبايعه يومئذ على الموت ثمانية : ثلاثة من المهاجرين : علي وطلحة والزبير ، وخمسة من الانصار : أبودجانة والحارث بن الصمة والحباب بن المنذر وعاصم بن ثابت وسهل بن حنيف ، ولم يقتل منهم ذلك اليوم أحد ، وأما باقي المسلمين ففروا ورسول الله صلى الله عليه وآله يدعوهم في أخراهم حتى انتهى من انتهى منهم إلى قريب من المهراس .

*- قال الواقدي : وحدثني عتبة بن جبيرة ، عن يعقوب بن عمر بن قتادة قال : ثبت يومئذ بين يديه ثلاثون رجلا كلهم يقول : وجهي دون وجهك ، ونفسي دون نفسك ، وعليك السلام غير مودع .
قلت : قد اختلف في عمر بن الخطاب هل ثبت يومئذ أم لا ، مع اتفاق الرواة كافة على أن عثمان لم يثبت ، فالواقدي ذكر أنه لم يثبت ، وأما محمد بن إسحاق والبلاذري فجعلاه مع من ثبت ولم يفر ، واتفقوا كلهم على أن ضرار بن الخطاب الفهري قرع رأسه بالرمح وقال : إنها نعمة مشكورة يا ابن الخطاب ، إني آليت أن لا أقتل من قريش .

روى ذلك محمد بن إسحاق وغيره ولم يختلفوا في ذلك ، وإنما اختلفوا هل قرعه بالرمح وهو فار هارب أم مقدم ثابت ، ولم تختلف الرواة من أهل الحديث أن أبابكر لم يفر يومئذ وأنه ثبت فيمن ثبت ، وإن لم يكن نقل عنه قتل أو قتال ، والثبوت جهاد ، وفيه وحده كفاية ، وأما رواية الشعية فإنهم يروون أنه لم يثبت إلا علي وطلحة والزبير وأبودجانة وسهل بن حنيف وعاصم بن ثابت ، وفيهم من يروي أنه ثبت معه أربعة عشر رجلا من المهاجرين والانصار ، ولا يعدون أبابكر وعمر بينهم ، وروى كثير من أصحاب الحديث أن عثمان جاء بعد ثالثة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فسأله إلى أين انتهيت ؟ فقال : إلى الاعوص ، فقال : لقد ذهبت فيها عريضة.( شرح نهج البلاغة 3 : 388 و 389 )

*- قال علي عليه السلام : ولقد رأيتني وانفردت يومئذ منهم فرقه خشناء فيها عكرمة بن أبي جهل فدخلت وسطهم بالسيف فضربت به واشتملوا علي حتى أفضيت إلى آخرهم ، ثم كررت فيهم الثانية حتى رجعت من حيث جئت ، ولكن الاجل استأخر ويقضي الله أمرا كان مفعولا

*-  قال الواقدي في المغازي : إنه لما فر الناس يوم أحد ما زال النبي صلى الله عليه وآله شبرا واحدا ، يرمي مرة عن قوسه ، ومرة بالحجارة ، وصبر معه علي بن أبي طالب  ووقع صلى الله عليه وآله في حفرة ، وضربه ابن قميئة فلم يصنع سيفه شيئا إلا وهن الضربة بثقل السيف وانتهض وطلحة تحمله من ورائه ، و علي عليه السلام أخذ بيديه حتى استوى قائما .

*- عن سعيد بن المسيب قال : لو رأيت مقام علي يوم أحد لوجدته قائما على ميمنة رسول الله صلى الله عليه وآله يذب عنه بالسيف ، وقد ولى غيره الادبار .

*- في حديث عمران بن حصين قال : لما تفرق الناس عن رسول الله عليه وآله في يوم أحد جاء علي عليه السلام متقلدا سيفه حتى قام بين يديه ، فرفع رسول الله عليه وآله رأسه إليه ، فقال له : ما بالك لم تفر مع الناس ؟ فقال : يارسول الله أأرجع كافرا بعد إسلامي ، فأشار له إلى قوم انحدروا من الجبل ، فحمل عليهم فهزمهم ، ثم أشار إلى قوم آخر فحمل عليهم فهزمهم ، ثم أشار إلى قوم آخر فحمل عليهم فهزمهم ، فجاء جبرئيل عليه السلام فقال : يا رسول الله لقد عجبت الملائكة وعجبنا معها من حسن مواساة علي لك بنفسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : وما يمنعه من هذا وهو مني وأنا منه ؟ فقال جبرئيل عليه السلام: وأنا منكما .

*-  عن حذيفة اليماني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر بالجهاد يوم أحد ، فخرج الناس سراعا يتمنون لقاء عدوهم وبغوا في منطقهم ، وقالوا : والله لئن لقينا عدونا لا نولي حتى يقتل عن آخرنا ورجل أو يفتح الله لنا ، قال : فلما أتوا إلى القوم ابتلاهم الله بالذي كان منهم ومن بغيهم فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى انهزموا عن رسول الله صلى الله عليه وآله إلا علي بن أبي طالب عليه السلام وأبودجانة سماك بن خرشة الانصاري ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ما قد نزل بالناس من الهزيمة والبلاء رفع البيضة عن رأسه وجعل ينادي :  أيها الناس أنا لم أمت ولم أقتل  وجعل الناس يركب بعضهم بعضا لا يلوون على رسول الله صلى الله عليه وآله فلا يلتفتون إليه ، فلم يزالوا كذلك حتى دخلوا المدينة ، فلم يكتفوا بالهزيمة حتى قال أفضلهم رجلا في أنفسهم : قتل رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلما آيس الرسول من القوم رجع إلى موضعه الذي كان فيه فلم ير إلا علي بن أبي طالب عليه السلام وأبا دجانة الانصاري رضي الله عنه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا أبا دجانة ذهب الناس فالحق بقومك ، فقال أبودجانة : يا رسول الله صلى الله عليه وآله ما على هذا بايعناك و بايعنا الله ، ولا على هذا خرجنا ، يقول الله تعالى :  إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا أبا دجانة أنت في حل من بيعتك فارجع ، فقال أبودجانة : يا رسول الله لا تحدث نساء الانصار في الخدور أني أسلمتك ورغبت بنفسي عن نفسك ، يا رسول الله لا خير في العيش بعدك ، قال : فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وآله كلامه ورغبته في الجهاد انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى صخرة فاستتر بها ليتقي بها من السهام سهام المشركين ، فلم يلبث أبودجانة إلا يسيرا حتى اثخن جراحة فتحامل حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فجلس إلى جنبه وهو مثخن لا حراك به .قال : وعلي عليه السلام لا يبارز فارسا ولا راجلا إلا قتله الله على يديه حتى انقطع سيفه فلما انقطع سيفه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يارسول الله صلى الله عليه وآله انقطع سيفي ولا سيف لي ، فخلع رسول الله صلى الله عليه وآله سيفه ذا الفقار فقلد عليا عليه السلام ومشى إلى جمع المشركين ، فكان لا يبرز له أحد إلا قتله ، فلم يزل على ذلك حتى وهنت ذراعه فعرف رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك فيه ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى السماء ، وقال :  اللهم إن محمدا عبدك و رسولك ، جعلت لكل نبي وزيرا من أهله لتشد به عضده وتشركه في أمره ، وجعلت لي وزيرا من أهلي ، على بن أبي طالب أخي ، فنعم الاخ ونعم الوزير ، اللهم وعدتني أن تمدني بأربعة آلاف من الملائكة مردفين ، اللهم وعدك وعدك ، إنك لا تخلف الميعاد ، وعدتني أن تظهر دينك على الدين كله ولو كره المشركون  .قال : فبينما رسول الله صلى الله عليه وآله يدعو ربه ويتضرع إليه إذ سمع دويا من السماء فرفع رأسه فإذا جبرئيل عليه السلام على كرسي من ذهب ، ومعه أربعة آلاف من الملائكة مردفين ، وهو يقول : لا فتى ألا علي ، ولا سيف إلا ذوالفقار فهبط جبرئيل عليه السلام على الصخرة وحفت الملائكة برسول الله صلى الله عليه وآله فسلموا عليه ، فقال جبرئيل صلى الله عليه وآله : يا رسول الله بالذي أكرمك بالهدى لقد عجبت الملائكة المقربون لمواساة هذا الرجل لك بنفسه ، فقال : يا جبرئيل وما يمنعه يواسينى بنفسه وهو مني وأنا منه ؟ فقال جبرئيل عليه السلام : وأنا منكما ، حتى قالها ثلاثا ، ثم حمل علي بن أبي طالب عليه السلام وحمل جبرئيل والملائكة ثم إن الله تعالى هزم جمع المشركين وتشتت أمرهم فمضى رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي بن أبي طالب عليه السلام بين يديه ، ومعه اللواء قد خضبه بالدم ، وأبودجانة رضي الله عنه خلفه فلما أشرف على المدينة فإذا نساء الانصار يبكين رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلما نظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله استقبله أهل المدينة بأجمعهم ، ومال رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المسجد ، ونظر إلى الناس فتضزعوا إلى الله وإلى رسوله .وأقروا بالذنب وطلبوا التوبة ، فأنزل الله فيهم قرآنا يعيبهم بالبغي الذي كان منهم وذلك قوله تعالى :  ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون  يقول : قد عاينتم الموت والعدو ، فلم نقضتم العهد وجرعتم من الموت وقد عاهدتم الله أن لا تنهزموا حتى قال بعضكم : قتل محمد ، فأنزل الله تعالى :  وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل  إلى قوله :  وسيجزي الله الشاكرين يعني عليا وأبا دجانة .ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله :  أيها الناس إنكم رغبتم بأنفسكم عني ووازرني علي وواساني فمن أطاعه فقد أطاعني ، ومن عصاه فقد عصاني وفارقني في الدنيا والآخرة  .قال : فقال حذيفة : ليس ينبغي لاحد يعقل أن يشك فمن لم يشرك بالله إنه أفضل ممن أشرك به ، ومن لم ينهزم عن رسول الله صلى الله عليه وآله أفضل ممن انهزم ، وإن السابق إلى الايمان بالله ورسوله أفضل ، وهو علي بن أبي طالب (تفسير فرات : 24 - 26 . ) .

*-  عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما انهزم الناس يوم أحد عن النبي صلى الله عليه وآله انصرف إليهم بوجهه وهو يقول : أنا محمد ، أنا رسول الله لم أقتل ولم أمت ، فالتفت إليه فلان وفلان فقالا : الآن يسخر بنا أيضا وقد هزمنا ، وبقي معه علي عليه السلام وسماك بن خرشة أبودجانة رحمه الله ، فدعاه النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا بادجانة انصرف وأنت في حل من بيعتك فأما علي فهو أنا ، وأنا هو ، فتحول وجلس بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وبكى ، وقال : لا والله ، ورفع رأسه إلى السماء وقال : لا والله لا جعلت نفسي في حل من بيعتي ، إني بايعتك ، فإلى من أنصرف يا رسول الله ؟ إلى زوجة تموت ، أو ولد يموت ، أو دار تخرب ، ومال يفنى ، وأجل قد اقترب ؟ فرق له النبي صلى الله عليه وآله فلم يزل يقاتل حتى أثخنته الجراحة وهو في وجه ، وعلي في وجه فلما أسقط احتمله علي عليه السلام فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وآله فوضعه عنده ، فقال : يا رسول الله أوفيت ببيعتى ؟ قال : نعم ، وقال له النبي صلى الله عليه وآله : خيرا ، وكان الناس يحملون على النبي صلى الله عليه وآله الميمنة فيكشفهم علي عليه السلام ، فإذا كشفهم أقبلت الميسرة إلى النبي صلى الله عليه وآله فلم يزل كذلك حتى تقطع سيفه بثلاث قطع ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فطرحه بين يديه وقال : هذا سيفي قد تقطع ، فيومئذ أعطاه النبي صلى الله عليه وآله ذا الفقار ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وآله اختلاج ساقيه من كثرة القتال رفع رأسه إلى السماء وهو يبكي وقال :  يا رب وعدتني أن تظهر دينك وإن شئت لم يعيك  فأقبل علي عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله أسمع دويا شديدا ، وأسمع أقدم حيزوم ، وما أهم أضرب أحدا إلا سقط ميتا قبل أن أضربه ، فقال : هذا جبرئيل وميكائيل وإسرافيل والملائكة ، ثم جاء جبرئيل فوقف إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا محمد إن هذه هي المواساة ، فقال : إن عليا مني وأنا منه فقال جبرئيل عليه السلام وأنا منكما ، ثم انهزم الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : يا علي امض بسيفك حتى تعارضهم ، فإن رأيتهم قد ركبوا القلاص وجنبوا الخيل فإنهم يريدون مكة ، وإن رأيتهم قد ركبوا الخيل وهم يجنبون القلاص فإنهم يريدون المدينة ، فأتاهم علي عليه السلام فكانوا على القلاص ، فقال أبوسفيان لعلي عليه السلام : يا علي ما تريد هو ذا نحن ذاهبون إلى مكة ، فانصرف إلى صاحبك ، فأتبعهم جبرئيل عليه السلام ، فكلما سمعوا وقع حوافر فرسه جدوا في السير ، وكان يتلوهم ، فإذا ارتحلوا قال هو ذا عسكر محمد قد أقبل ، فدخل أبوسفيان مكة فأخبرهم الخبر ، وجاء الرعاة والحطابون فدخلوا مكة فقالوا : رأينا عسكر محمد ، كلما رحل أبوسفيان نزلوا يقدمهم فارس على أشقر يطلب آثارهم ، فأقبل أهل مكة على أبي سفيان يوبخونه .ورحل النبي صلى الله عليه وآله والراية مع علي عليه السلام وهو بين يديه ، فلما أن أشرف بالراية من العقبة ورآه الناس نادى علي عليه السلام : أيها الناس هذا محمد لم يمت ولم يقتل ، فقال صاحب الكلام الذي قال : الآن يسخر بنا وقد هزمنا : هذا علي والراية بيده ، حتى هجم عليهم النبي صلى الله عليه وآله ونساء الانصار في أفنيتهم على أبواب دورهم ، وخرج الرجال إليه يلوذون به ويثوبون إليه ، والنساء نساء الانصار قد خدشن الوجوه ، ونشرن الشعور ، وجرزن النواصي ، وخرقن الجيوب ، وحزمن البطون على النبي صلى الله عليه وآله ، فلما رأينه قال لهن خيرا ، وأمرهن أن يتسترن ويدخلن منازلهن ، وقال : إن الله عزوجل وعدني أن يظهر دينه على الاديان كلها ، وأنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله :  وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا  الآية (الروضة : 318 ) .

*-  عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما انهزم الناس يوم أحد عن النبي صلى الله عليه وآله انصرف إليهم بوجهه وهو يقول : أنا محمد ، أنا رسول الله لم أقتل ولم أمت ، فالتفت إليه فلان وفلان فقالا : الآن يسخر بنا أيضا وقد هزمنا ، وبقي معه علي عليه السلام وسماك بن خرشة أبودجانة رحمه الله ، فدعاه النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا بادجانة انصرف وأنت في حل من بيعتك فأما علي فهو أنا ، وأنا هو ، فتحول وجلس بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وبكى ، وقال : لا والله ، ورفع رأسه إلى السماء وقال : لا والله لا جعلت نفسي في حل من بيعتي ، إني بايعتك ، فإلى من أنصرف يا رسول الله ؟ إلى زوجة تموت ، أو ولد يموت ، أو دار تخرب ، ومال يفنى ، وأجل قد اقترب ؟ فرق له النبي صلى الله عليه وآله فلم يزل يقاتل حتى أثخنته الجراحة وهو في وجه ، وعلي في وجه فلما أسقط احتمله علي عليه السلام فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وآله فوضعه عنده ، فقال : يا رسول الله أوفيت ببيعتى ؟ قال : نعم ، وقال له النبي صلى الله عليه وآله : خيرا ، وكان الناس يحملون على النبي صلى الله عليه وآله الميمنة فيكشفهم علي عليه السلام ، فإذا كشفهم أقبلت الميسرة إلى النبي صلى الله عليه وآله فلم يزل كذلك حتى تقطع سيفه بثلاث قطع ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فطرحه بين يديه وقال : هذا سيفي قد تقطع ، فيومئذ أعطاه النبي صلى الله عليه وآله ذا الفقار ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وآله اختلاج ساقيه من كثرة القتال رفع رأسه إلى السماء وهو يبكي وقال :  يا رب وعدتني أن تظهر دينك وإن شئت لم يعيك  فأقبل علي عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله أسمع دويا شديدا ، وأسمع أقدم حيزوم ، وما أهم أضرب أحدا إلا سقط ميتا قبل أن أضربه ، فقال : هذا جبرئيل وميكائيل وإسرافيل والملائكة ، ثم جاء جبرئيل فوقف إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا محمد إن هذه هي المواساة ، فقال : إن عليا مني وأنا منه فقال جبرئيل عليه السلام وأنا منكما ، ثم انهزم الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : يا علي امض بسيفك حتى تعارضهم ، فإن رأيتهم قد ركبوا القلاص وجنبوا الخيل فإنهم يريدون مكة ، وإن رأيتهم قد ركبوا الخيل وهم يجنبون القلاص فإنهم يريدون المدينة ، فأتاهم علي عليه السلام فكانوا على القلاص ، فقال أبوسفيان لعلي عليه السلام : يا علي ما تريد هو ذا نحن ذاهبون إلى مكة ، فانصرف إلى صاحبك ، فأتبعهم جبرئيل عليه السلام ، فكلما سمعوا وقع حوافر فرسه جدوا في السير ، وكان يتلوهم ، فإذا ارتحلوا قال هو ذا عسكر محمد قد أقبل ، فدخل أبوسفيان مكة فأخبرهم الخبر ، وجاء الرعاة والحطابون فدخلوا مكة فقالوا : رأينا عسكر محمد ، كلما رحل أبوسفيان نزلوا يقدمهم فارس على أشقر يطلب آثارهم ، فأقبل أهل مكة على أبي سفيان يوبخونه .ورحل النبي صلى الله عليه وآله والراية مع علي عليه السلام وهو بين يديه ، فلما أن أشرف بالراية من العقبة ورآه الناس نادى علي عليه السلام : أيها الناس هذا محمد لم يمت ولم يقتل ، فقال صاحب الكلام الذي قال : الآن يسخر بنا وقد هزمنا : هذا علي والراية بيده ، حتى هجم عليهم النبي صلى الله عليه وآله ونساء الانصار في أفنيتهم على أبواب دورهم ، وخرج الرجال إليه يلوذون به ويثوبون إليه ، والنساء نساء الانصار قد خدشن الوجوه ، ونشرن الشعور ، وجرزن النواصي ، وخرقن الجيوب ، وحزمن البطون على النبي صلى الله عليه وآله ، فلما رأينه قال لهن خيرا ، وأمرهن أن يتسترن ويدخلن منازلهن ، وقال : إن الله عزوجل وعدني أن يظهر دينه على الاديان كلها ، وأنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله :  وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا  الآية (الروضة : 318 ) .

*- صاح إبليس لعنه الله : قتل محمد ورسول الله يدعوهم في أخراهم :  أيها الناس أني رسول الله إن الله قد وعدني النصر فإلى أين الفرار  ؟ فيسمعون الصوت ولا يلوون على شئ وذهبت صيحة إبليس حتى دخلت بيوت المدينة ، فصاحت فاطمة عليها السلام ولم تبق هاشمية ولا قرشية إلا وضعت يدها على رأسها ، وخرجت فاطمة عليها السلام تصرخ .قال الصادق عليه السلام : انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه واله فغصب غصبا شديدا ، و كان إذا غضب انحدر من وجهه وجبهته مثل اللؤلؤ من العرق ، فنظر فإذا علي عليه السلام إلى جنبه ، فقال : ما لك لم تلحق ببني أبيك ؟ فقال علي عليه السلام يا رسول الله أكفر بعد إيمان ؟ إن لي بك أسوة ، فقال : أما لا فاكفني هؤلآء ، فحمل علي عليه السلام فضرب أول من لقى منهم ، فقال جبرئيل عليه السلام : أن هذه لهي المواساة يا محمد ، قال :  إنه مني وأنا منه  قال جبرئيل : وأنا منكما .

*- قال ابن أبي الحديد : وحضرت عند محمد بن معد العلوي على رأي الامامية وقارئ يقرأ عنده مغازي الواقدي ، فقرأ : حدثنا الواقدي ، عن ابن أبي سبرة ، عن خالد بن رياح ، عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد ، عن محمد بن مسلمة قال : سمعت أذناي وأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول يوم أحد وقد انكشف الناس إلى الجبل وهو يدعوهم وهم لا يلوون عليه سمعته يقول : إلي يا فلان ، إلي يا فلان ، أنا رسول الله صلى الله عليه وآله ، فما عرج عليه واهد منهما ومضيا ، فأشار ابن معد إلي : إي اسمع ، فقلت : وما في هذا ؟ قال : هذه كناية عنهما ، فقلت : ويجوز أن لا يكون عنهما ، لعله عن غيرهما ، قال : ليس في الصحابة من يحتشم من ذكره بالفرار وما شابهه من العيب فيضطر القائل إلى الكناية إلا هما ، قلت له : هذا ممنوع  ، فقال : دعنا من جدلك ومنعك ، ثم حلف أنه ما عنى الواقدي غيرهما ، وأنه لو كان غيرهما لذكرهما صريحا .

قال الواقدي : وكان ممن ولى عمر وعثمان والحارث بن حاطب وثعلبة بن حاطب وسواد بن غزية وسعد بن عثمان وعقبة بن عثمان وخارجة بن عامر وأوس بن قبطي في نفرمن بني حارثة
واحتج أيضا من قال : بفرار عمر بما رواه الواقدي في قصة حديبية قال : قال عمر يومئذ : يا رسول الله ألم تكن حدثتنا أنك ستدخل المسجد الحرام ، و تأخذ مفتاح الكعبة ، وتعرف مع المعرفين : وهدينا لم يصل إلى البيت ولا نحر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أقلت لكم في سفركم هذا ؟ قال عمر : لا ، قال : أما إنكم ستدخلونه ، وآخذ مفتاح الكعبة ، وأحلق رأسي ورؤسكم ببطن مكة وأعرف مع المعرفين ، ثم أقبل على عمر وقال :  أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على أحد ، وأنا أدعوكم في أخراكم ؟ أنسيتم يوم الاحزاب إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم ، وإذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر ؟ أنسيتم يوم كذا ؟  و جعل يذكرهم أمورا ، أنسيتم يوم كذا ؟ فقال المسلمون : صدق الله ورسوله أنت يا رسول الله أعلم بالله منا ، فلما دخل عام القضية وحلق رأسه قال :  هذا الذي كنت وعدتكم به  فلما كان يوم الفتح وأخذ مفتاح الكعبة قال :  ادعوا لي عمر بن الخطاب  فجاء فقال :  هذا الذي كنت قلت لكم  .

قالوا : فلو لم يكن فر يوم أحد لما قال له :  أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على أحد  .

هذا آخر ما أردنا نقله من كلام ابن أبي الحديد (شرح نهج البلاغة 3 : 390 .) .

أقول : والعجب منه أنه ادعى هنا اتفاق الرواة على أنه ثبت أبوبكر ولم يفر ، مع أنه قال عند ذكر أجوبة شيخه أبي جعفر الاسكافي عما ذكره الجاحظ في فضل إسلام أبي بكر على إسلام علي عليه السلام حيث قال الجاحظ : وقد ثبت أبوبكر مع النبي صلى الله عليه وآله يوم أحد كما ثبت علي فلا فخر لاحدهما على صاحبه في ذلك اليوم قال شيخنا أبوجعفر : أما ثباته يوم أحد فأكثر المؤرخين وأرباب السيرة ينكرونه وجمهورهم يروي أنه لم يبق مع النبي صلى الله عليه وآله إلا علي عليه السلام وطلحة والزبير وأبو دجانة ، وقد روي عن ابن عباس أنه قال : ولهم خامس وهو عبدالله بن مسعود ، و منهم من أثبت سادسا وهو المقداد بن عمرو ، وروى يحيى بن سلمة بن كهيل قال : قلت لابي : كم ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوم أحد ؟ كل منهم يدعيه ؟ فقال : اثنان قلت : من هما ؟ قال : علي وأبودجانة انتهى (شرح نهج البلاغة 3 : 281) .