ما زالت بعد أبيها معصّبة الرأس، ناحلة الجسم
*- روي: أنّها عليهاالسلام ما زالت بعد أبيها معصّبة الرأس، ناحلة الجسم، منهدّة الركن، باكية العين، محترقة القلب، يغشى عليها ساعة بعد ساعة، و تقول لولديها:
أين أبوكما الّذي كان يكرمكما و يحملكما مرّة بعد مرّة؟
أين أبوكما الّذي كان أشدّ الناس شفقة عليكما، فلا يدعكما تمشيان على الأرض؟
و لا أراه يفتح هذا الباب أبداً، و لا يحملكما على عاتقه، كما لم يزل يفعل بكما.
ثمّ مرضت و مكثت أربعين ليلة، ثمّ دعت اُمّ أيمن و أسماء بنت عميس و عليّاً عليه السلام، و أوصت إلى عليّ عليه السلام بثلاث:
أن يتزوج بابنة (اُختها) أمامة، لحبّها أولادها.
و أن يتّخذ نعشاً، لأنّها كانت رأت الملائكة تصوّروا صورته، و وصفته له.
و أن لا يشهد أحد جنازتها ممّن ظلمها.
و أن لا يترك أن يصلّي عليها أحد منهم.
*- روضةالواعظين: مرضت فاطمة عليهاالسلام مرضاً شديداً، و مكثت أربعين ليلة في مرضها إلى أن توفّيت صلوات اللَّه عليها.
فلمّا نعيت إليها نفسها دعت اُمّ أيمن و أسماء بنت عميس، و وجّهت خلف عليّ عليه السلام و أحضرته.
فقالت: يابن عمّ! إنّه قد نعيت إليّ نفسي، و إنّي لا أرى ما بي إلّا أنّني لاحق بأبي صلى اللَّه عليه و آله ساعة بعد ساعة، و أنا اُوصيك بأشياء في قلبي.
قال لها عليّ عليه السلام: أوصني بما أحببت يا بنت رسول اللَّه!
فجلس عند رأسها و أخرج من كان في البيت، ثمّ قالت:
يابن عمّ! ما عهدتني كاذبة و لا خائنة، و لا خالفتك منذ عاشرتني.
فقال عليه السلام: معاذ اللَّه! أنت أعلم باللَّه، و أبرّ و أتقى و أكرم، و أشدّ خوفاً من اللَّه (من) أن اُوبّخك بمخالفتي، قد عزّ عَلَيّ مفارقتك و تفقّدك إلّا أنّه أمر لابدّ منه.
واللَّه؛ جدّدت عليّ مصيبة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله، و قد عظمت وفاتك وفقدك، فإنّا للَّه و إنّا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها و آلمها و أمضّها و أحزنها هذه.
واللَّه؛ مصيبة لا عزاء لها، و رزيّة لا خلف لها.
ثمّ بكيا جميعاً ساعة، و أخذ عليّ عليه السلام رأسها و ضمّها إلى صدره، ثمّ قال:
أوصني بما شئت، فإنّك تجدني فيها أمضي كما أمرتني به، و اختار أمرك على أمري.
ثمّ قالت: جزاك اللَّه عنّي خير الجزاء يابن عمّ رسول اللَّه! اُوصيك؛
أوّلاً؛ أن تتزوّج بعدي بابنة (اُختي) أمامة، فإنّها تكون لولدي مثلي، فإنّ الرجال لابدّ لهم من النساء.
- قال: فمن أجل ذلك قال أميرالمؤمنين عليه السلام: أربع ليس لي إلى فراقه سبيل: بنت (أبي العاص) أمامة أوصتني بها فاطمة عليهاالسلام بنت محمّد صلى اللَّه عليه و آله-.
ثمّ قالت: اُوصيك يابن عمّ! أن تتّخذ لي نعشاً، فقد رأيت الملائكة صوّروا صورته.
فقال لها: صفيّه لي.
فوصفته فاتّخذه لها، فأوّل نعش عمل على وجه الأرض ذاك، و ما رآى أحد قبله و لا عمل أحد.
ثمّ قالت: اُوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الّذين ظلموني، و أخذوا حقّي، فإنّهم عدوّي و عدوّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله، و لا تترك أن يصلّي عَلَيّ أحد منهم، و لا من أتباعهم، وادفنّي في الليل إذا هدأت العيون، و نامت الأبصار.
ثمّ توفّيت، صلوات اللَّه عليها و على أبيها و بعلها و بنيها.
فصاحت أهل المدينة صيحة واحدة، و اجتمعت نساء بني هاشم في دارها، فصرخوا صرخة واحدة كادت المدينة أن تتزعزع من صراخهنّ، و هنّ يقلن: يا سيّدتاه! يا بنت رسول اللَّه!
و أقبل الناس مثل عرف الفرس إلى عليّ عليه السلام، و هو جالس والحسن والحسين عليهماالسلام بين يديه يبكيان، فبكى الناس لبكائهما.
و خرجت اُمّ كلثوم عليهاالسلام، و عليها برقعة و تجرّ ذيلها متجلّلة برداء عليها تسبّحها، و هي تقول: يا أبتاه! يا رسول اللَّه! الآن حقّاً فقدناك فقداً لا لقاء بعده أبداً.
و اجتمع الناس، فجلسوا و هم يضجّون و ينتظرون أن تخرج الجنازة، فيصلّون عليها.
و خرج أبوذرّ، و قال: انصرفوا، فإنّ ابنة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله قد أخّر إخراجها في هذه العشيّة.
فقام الناس و انصرفوا.
فلمّا أن هدأت العيون، و مضى شطر من الليل أخرجها عليّ والحسن والحسين عليهم السلام و عمّار والمقداد و عقيل والزبير و أبوذر و سلمان و بريدة، و نفر من بني هاشم و خواصّه صلّوا عليها، و دفنوها في جوف الليل، و سوّى عليّ عليه السلام حواليها قبوراً مزوّرة مقدار سبعة حتّى لا يعرف قبرها.
و قال بعضهم من الخواصّ: قبرها سوّى مع الأرض مستوياً، فمسح مسحاً سواء مع الأرض حتّى لا يعرف موضعه.
(البحار: 43/ 181 ضمن ح 16، و 81/ 252 ح 11)