العتبة العلوية المقدسة - كلام له عليه السّلام فى نعت الدّنيا ، لمّا سمع قوماً يذمّها -
» » سيرة الإمام » بلاغة الامام علي وحكمته » خطب الامام علي عليه السلام » كلام له عليه السّلام فى نعت الدّنيا ، لمّا سمع قوماً يذمّها

 

كلام له عليه السّلام  فى نعت الدّنيا ، لمّا سمع قوماً يذمّها

حمد اللَّه و اثنى عليه ، و قال : امّا بعد ، فَما بالُ اَقْوامٍ يَذُمُّونَ الدُّنْيا ، وَ قَدِ انْتَحَلوُا الزُّهْدَ فيها ، الدُّنْيا مَنْزِلُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَّقَها وَ مَسْكَنُ عافِيَةٍ لِمَنْ فَهِمَ عَنْها ، وَ دارُ غِنىً لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْها ، مَسْجِدُ اَنْبِيآءِ اللَّهِ ، وَ مَهْبَطُ وَحْيِهِ ، وَ مُصَلّى‏ مَلآئِكَتِهِ ، وَ مَسْكَنُ اَحِبَّآئِهِ وَ مَتْجَرُ اَوْلِيآئِهِ ، اِكْتَسَبوُا فيهَا الرَّحْمَةَ ، وَ رَبِحوُا مِنْهَا الْجَنَّةَ .

فَمَنْ ذا يَذُمُّ الدُّنْيا يا جابِرُ ، وَ قَدْ اذَنَتْ بِبَيْنِها ، وَ نادَتْ بِانْقِطاعِها ، وَ نَعَتْ نَفْسَها بِالزَّوالِ ، وَ مَثَّلَتْ بِبَلآئِهَا الْبَلآءُ ، وَ شَوَّقَتْ بِسُروُرِها اِلىَ السُّرُرِ ، وَ راحَتْ بِفَجيعَةٍ ، وَ ابْتَكَرَتْ بِنِعْمَةٍ وَ عافِيَةٍ تَرْهيباً وَ تَرْغيباً ، فَذَمَّها قَوْمٌ غَداةَ النَّدامَةَ ، وَ حَمِدَها اخَروُنَ ، خَدَمَتْهُمْ جَميعاً فَصَدَّقَتْهُمْ ، وَ ذَكَّرَتْهُمْ فَاذَّكَّرُوا ، وَ وَعَظَتْهُمْ فَاتَّعَظُوا ، وَ خَوَّفَتْهُمْ فَخافوُا ، وَ شَوَّقَتْهُمْ فَاشْتاقوُا .

فَاَيُّهَا الذَّآمُّ لِلدُّنْيَا الْمُغْتَرِّ بِغُرُورِها ، مَتَى اسْتَذَمَّتْ اِلَيْكَ ، بَلْ مَتى‏ غَرَّتْكَ بِنَفْسِها ، اَبِمَصارِعِ ابآئِكَ مِنَ الْبِلى‏ ؟ اَمْ بِمَضاجِعِ اُمَّهاتِكَ مِنَ الثَّرى‏ ؟ كَمْ مَرَّضْتَ بِيَدَيْكَ ، وَ عَلَّلْتَ بِكَفَّيْكَ ؟

تَسْتَوْصِفُ لَهُمُ الدَّوآءَ ، وَ تَطْلُبُ لَهُمُ الْأَطِبَّآءَ ، لَمْ تُدْرِكْ فيهِ طَلِبَتُكَ ، وَ لَمْ تُسْعَفْ فيهِ بِحاجَتِكَ ، بَلْ مَثَّلَتِ الدُّنْيا بِهِ نَفْسَكَ ، وَ بِحالِهِ حالَكَ ، غَداةَ لا يَنْفَعُكَ اَحِبَّآؤُكَ ، وَ لا يُغْنى‏ عَنْهُ نِدآؤُكَ ، يَشْتَدُّ مِنَ الْمَوْتِ اَعالينُ الْمَرَضِ ، وَ اَليمُ لَوَعاتِ الْمُضَضِ ، حينَ لا يَنْفَعُ الْأَليلُ ، وَ لا يَدْفَعُ الْعَويلُ ، يُحْفَزُ بِهَا الْحَيْزُومُ ، وَ يُغَصُّ بِهَا الْحُلْقوُمُ ، لا يُسْمِعُهُ النِّدآءُ ، وَ لا يَروُعُهُ الدُّعآءُ ، فَيا طُولَ الْحُزْنِ عِنْدَ انْقِطاعِ الْأَجَلِ ، ثُمَّ يُراحُ بِهِ عَلى‏ شِرْجَعٍ [ 1 ] تَقِلُّهُ اَكُفُّ اَرْبَعٍ ، فَيُضْجَعُ فى‏ قَبْرِهِ فى‏ لَبَثٍ ، وَ ضيقِ جَدَثٍ فَذَهَبَتِ الْجِدَّةُ ، وَ انْقَطَعَتِ الْمُدَّةُ ، وَ رَفَظَتْهُ الْعَطَفَةُ ، وَ قَطَعَتْهُ اللَّطَفَةُ ، لا تُقارِبُهُ الْأَخِلَّآءُ ، وَ لا تَلُمُّ بِهِ الزُّوَّارُ ، وَ لاَ اتَّسَقَتْ بِهِ الدَّارُ ، اِنْقَطَعَ دُونَهُ الْأَثَرُ ، وَ اسْتَعْجَمَ دُونَهُ الْخَبَرُ ، وَ بَكَّرَتْ وَرَثَتُهُ ، وَ اُقْسِمَتْ تَرَكَتُهُ ، وَ لَحِقَهُ الْحوُبُ ، وَ اَحاطَتْ بِهِ الذُّنوُبُ ، فَاِنْ يَكُنْ قَدَّمَ خَيْراً طابَ مَكْسَبُهُ ، وَ اِنْ يَكُنْ قَدَّمَ شَرّاً تَبَّ مُنْقَلَبُهُ ، وَ كَيْفَ يَنْفَعُ نَفْساً قَرارُها ، وَ الْمَوْتُ قُصارُها وَ الْقَبْرُ مَزارُها ، فَكَفى‏ بِها واعِظاً كَفى‏